-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 31/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المقاومة الثقافية وتحدّيات العولمة

د/ بوفلجة غيات

الثقافة نسيج رابط تتشكل معالمه ومميزاته على مرّ العصور والأزمنة، يطبع الشعوب والأمم والحضارات بخصائص فكرية ومظاهر سلوكية وتكنولوجية متباينة. من صعوبات تحديد مفهوم الثقافة، كونها مزيج يختلط فيه الديني بالتاريخي بالاجتماعي. كما يشمل طرق التعامل مع كلّ من عناصر المحيط الجغرافي والإقتصادي، حيث يتفاعل إرث الماضي بمسايرة التطوّر.

لكل أمة ثقافة تحدّد هويتها و قيّمها. فاختلاف الثقافات والحضارات وما يتبعها من خصائص و مميزات شيء طبيعي، وهو ما يؤدي إلى تنوع مظاهر و تصرّفات وتقاليد مختلف الأعراق و الأجناس في الكون.

هناك ارتباط بين الثقافة و الحضارة رغم اختلاف مفهومهما. "إن كانت الحضارة مرتبطة بفلسفة الأمّة ونظام الدولة، فإن الثقافة مرتبطة بحياة الشعب وممارساته اليومية" (السويدي محمد، 1991، ص 21).

وهكذا نجد أن العالم العربي الإسلامي، يتميز بمجموعة من المظاهر والخصائص الثقافية.

مظاهر الهوية الثقافية في العالم العربي الإسلامي:

تتميز مظاهر الثقافة العربية الإسلامية بمجموعة من المظاهر، تتلخص أهمها في العقيدة الإسلامية، و اللغة العربية، و التقاليد الاجتماعية، والفنون.

1. العقيدة الإسلامية: و هي أقوى ما يميز الحضارة الإسلامية، لما في القرآن الكريم، من قواعد العبادات والقيم الأخلاقية والأوامر والنواهي، وطرق المعاملات. وقد جاء الرسول (ص) بسنن عمل المسلمون على الإقتداء بها والعمل بها، و قد أكد الإسلام على احترام السنن ومحاربة البدع.

2. اللغة العربية وآدابها: جاء الإسلام الحنيف بلسان عربي مبين، ولا يمكن فهم التعاليم الإسلامية إلا من خلاله، ولا تصح صلاة  إلا بتلاوة آيات من القرآن الكريم. لهذا بقيت اللغة العربية بقواعدها وآدابها وحِكمها صامدة رغم مكائد أعدائها.

3. التقاليد الاجتماعية وطرق المعاملات: لأفراد المجتمعات العربية الإسلامية عادات وتقاليد يحترمونها ويؤدونها في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية، كالأعياد والأفراح والأقراح. كما أن لهم طرقهم الخاصة في المعاملات وهي تتأثر بالتوجيهات الإسلامية والتقاليد العربية، يتمّ تجسيدها من خلال المعاملات اليومية. قال (ص) "الدين المعاملة".

4. المظهر واللباس: للمجتمعات العربية الإسلامية ألبسة تميزهم عن غيرهم، كارتداء العباءة أو القميص والسروال الفضفاض، والحجاب عند الإناث. كما يتميز المسلمون عن غير المسلمين، بوضع القبعات في الدول الإفريقية جنوب الصحراء.

5. الحرف التقليدية و الفنون: ظهرت مختلف الحرف و تطورت عبر العصور، وتميزت كل منطقة بخصائصها المهنية و الفنية، كصناعة الأواني النحاسية و الفخارية، والنقش على الخشب والتحف المعمارية. وهكذا تميزت الهندسة المعمارية العربية الإسلامية بأقواسها، وبمميزات يتم التعرف عليها من خلال المدن والأحياء العتيقة و الآثار الإسلامية. يبرز ذلك خاصة من خلال تصاميم المساجد بأبوابها وصوامعها ومحاربها. وقد حافظت الهندسة المعمارية الإسلامية على مميزاتها رغم ما أدخل عليها من تعديلات وتحسينات، تماشيا مع متطلبات الهندسة المعمارية الحديثة.   

كما أن الثقافة العربية الإسلامية تميزت بمجموعة من الفنون، كزخرفة الخط العربي، وكالغناء والطرب والتمثيل، خاصة في السنوات القليلة الماضية، بفضل التعريف الإعلامي.

الاستعمار السياسي و المقاومة الثقافية:

جاء الاستعمار محاولا فرض قيمه ولغته و طرق معاملاته ونماذج ألبسته و مناهج تربيته، إلا أن قوّة رسوخ الإرث الثقافي ورسوخ الثقافة العربية الإسلامية بين أفراد المجتمع، دفع الشعوب العربية إلى المحافظة على قيمها وثقافتها. وهو ما أدى إلى تبلور فكرة المقاومة الثقافية، التي أدت بدورها إلى المقاومة السياسية والعسكرية للإحتال الأجنبي، وبهذا كانت نتيجة كل ذلك الاستقلال عن الاستعمار.

قال أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياة      فلا بدّ أن يستجيب القدر

لا بد لليل أن ينـجلي      ولا بدّ للقيد أن ينكسـر

إذ أن عزائم الشعوب لا تقهر، وأن رغبتها في التحرّر أقوى من رغبة الاستعمار في الهيمنة.

لهذا لا غرابة أن كل الثورات التي حدثت ضد الاستعمار عبر العالم، إلا وسبقتها حركات نهضة ثقافية تُبرز جوانب الاختلاف وتمايز الشعوب المستَعمَرة عن الشعوب المحتلّة، وتدعو إلى تمسك الشعوب بثقافتها و معالم هويتها. في حين أن فقدان الشعوب لهويتها الثقافية يسهل عملية ذوبانها في ثقافة وحضارة الدول المستعمِرة.

بعد تخلّص الشعوب العربية الإسلامية من الاستعمار السياسي، جاءت مفاهيم النظام الدولي الجديد، ثم دور العولمة تحت راية الولايات المتحدة الأمريكية، بثقل اقتصادها و تطورها العلمي والتكنولوجي.

العولمة وسعي  الغرب للهيمنة الثقافية

لم تكد الشعوب العربية الإسلامية تستكمل استقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي، حتى ظهرت موجة أخرى من الرغبة في الهيمنة الأجنبية على ثروات و مقومات الحضارة بالعالم العربي الإسلامي، وفرض التبعية السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، كل ذلك تحت مفهوم العولمة.

لم تعد الرغبة الحالية في الهيمنة الغربية على الشعوب العربية الإسلامية منحصرة في الجانب السياسي و الاقتصادي، بل تجاوزتها إلى جوانب أخرى لتشمل الثقافة والقيم الاجتماعية ومصادرة الحريات والمعتقدات الدينية.

يرى بهادي منير أن "المشروع الثقافي الغربي بمقدار ما كان يعمل بعنف وقوّة في اتجاه السيطرة والهيمنة على الكون و الطبيعة، السيطرة التي تجلّت في التطور العلمي والتكنولوجي، بمقدار ما كان يحتكر السيطرة على التاريخ والمجتمع و الثقافة".

تعتبر العولمة نتاجا حضاريا أمريكيا بالدرجة الأولى، وقد ظهر  إلى الوجود في أعقاب الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، و تفكك الإتحاد السوفياتي. وهي ببساطة عبارة عن هيمنة النموذج الأمريكي على حساب الثقافات الأخرى.

مظاهر العولمة الثقافية:

تتمثل أهم مظاهر العولمة الثقافية في جوانب، غير نهائية المعالم، وتشمل سيطرة اللغة الإنجليزية و القيّم المادية وتشجيع الطابع الاستهلاكي للمجتمعات.

1. سيادة اللغة الإنجليزية: قال كلود لوفيس ستروس (Claude Levis Straus) أن عولمة الثقافة تؤدي بالبشرية إلى الثقافة الأحادية…وأحادية الثقافة تؤدي إلى أحادية اللغة، على اعتبار أن اللغة هي الناقل الأساسي للثقافة" (بولكعاب إدريس: 2002، ص 107). لهذا تكتفي اللغة الناطقة بالإنجليزية بلغتها، في حين أن كل الدول الأخرى تحتاج إلى لغة ثانية على الأقل، وهي اللغة الإنجليزية.

2. طغيان القيم المعاصرة: من أجل دفع الشباب إلى إهمال عقيدتهم الدينية وقيمهم التقليدية، فإن قيّم العولمة تشجع الشباب على تبني قيم العصرنة، المرتبطة بالمودة، وهي عادة تأتي من أمريكا أو بعض العواصم الغربية السائرة في ركبها. والعصرنة أو المودة، لا تنحصر في الألبسة بل تتعداها إلى طرق المعاملات واللغة المستعملة، والممارسات السلوكية.

3. طغيان الطابع الاستهلاكي: تهدف العولمة إلى تشجيع الإستهلاك المادي والثقافي للسلع الأمريكية، كما نشاهده في انتشار مشروبات كوكاكالا  والأكلات السريعة ك"الهامبورغار"، والسجائر مثل مارلبورو.

وهكذا تستعمل أمريكا كلّ الضغوط السياسية والاقتصادية والتهديدات العسكرية، من أجل فتح الدول العربية أسواقها لبضائع أمريكا، التي تعمل على فرض نموذجها الحضاري الاستهلاكي.

 

أدوات فرض العولمة:

تعتمد أمريكا، والدول السائرة في محورها، كبريطانيا واليابان مثلا، على استعمال مجموعة من الأساليب والوسائل الإعلامية والتربوية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وتسخر أموالا طائلة من أجل تحقيق مآربها، ويتم ذلك من خلال:

1. المنظمات الدولية: تستغل الولايات المتحدة الأمريكية شبكة من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن و المنظمة الدولية للتجارة، وغيرها من التنظيمات الدولية والإقليمية، من أجل الدفع إلى تطبيق قيمها وتسهيل سيطرتها على مختلف دول العالم.

2.   الإعلام و الاتصال: تسخر أمريكا تطورها العلمي والتكنولوجي في مجالات الإعلام والاتصال، لمحاولة تشكيل الرأي العام الدولي، وإيجاد اتجاه عام مُوال، خاصة بين الشباب المثقف، إلى تلبية حاجاته المادية على الخصوص. وهنا تستعمل أمريكا كلا من الإعلام المرئي، والمقروء والمسموع، إلى جانب السينما والإنترنت الذي أخذ ينتشر انتشارا مذهلا في العالم. وبهذا يعمل المخططون الأمريكيون في مجالات الإعلام والاتصال والهيمنة الثقافية على العالم، لإزالة قيود ومراقبة دول العالم لوسائل الاتصال، من خلال ربط الأجهزة في البيوت بالأقمار الصناعية مباشرة.

3. مناهج التربية و التعليم: تعمل السلطات الأمريكية بالضغط نحو تبني مناهج تربوية في مختلف دول العالم، تتماشى وأهداف العولمة. يتم ذلك عن طريق تقديم مساعدات تربوية ومجالات لتدريب المدرسين وأساتذة الجامعات ومسؤوليها. 

4. الضغوط السياسية: تمارس الولايات المتحدة مجموعة من الضغوط السياسية والمناورات من أجل دفع مشروعها الحضاري، وإزاحة كل العوائق التي تعترضه، وقد يصل الأمر إلى تغيير الحكومات و إيجاد القلاقل والاضطرابات العنيفة في الدول المخالفة.

5. الضغوط الاقتصادية: تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا اقتصادية، خاصة على دول العالم الثالث، التي تعرف مشاكل اقتصادية مزمنة. حيث أن أمريكا تقدم لها معونات اقتصادية مقابل، ضمان تأييدها في المحافل الدولية، وقمع شعوبها المعارضة لسياسة الهيمنة الأمريكية.

6. القوّة العسكرية: تعتمد أمريكا على قوتها العسكرية المنتشرة عبر العالم لتأديب الدول التي تخالفها، و قد أطلقت عليها الدول المارقة. فبعد أن كانت أمريكا تعتمد على قوى محلّية للتدخل محلّها في مختلف بقاع العالم، أصبت تتدخل بجنودها مباشرة كما حدث في أفغانستان والعراق.

إن اعتماد  أمريكا على سياسة جهنمية لتحقيق أهدافها، لم يمنع الشعوب العربية الإسلامية من إيجاد وسائل وميكانزمات تقاوم من خلالها هذه الهجمة الإستعمارية الشرسة.

 

ضرورة الدفاع عن مقوّمات الهوية الثقافية للأمة:

للثقافة أهمية كبيرة في الحفاظ على تماسك الأمة و استقلاليتها. و كما أنه لا يمكن تصوّر فرد دون شخصية، و إن حدث ذلك يكون الشخص مريضا مضطربا من الناحية العقلية، فكذلك لا يمكن تصوّر أمّة سليمة دون ثقافة. يرى أحمد القديدي (1972) أن "أمة لا تتحدّد شخصيتها ليست أمة، بل مجموعة من الناس تنساق في أعاصير العالم لكل غاز من الغزاة، و تنهشها المطامع نهشا، فلا يستقرّ فيها العمران حتى تندثر وتتلاشى، فتتميّع في سواها من الأمم".

يمكن استخلاص مجموعة من الدروس عبر التاريخ، من أن القوة التكنولوجية والعسكرية، لا تستطيع هزم ومحو الهوية الحضارية للأمم، إن هي تمسكت بقيمها ومقومات ثقافتها، ولو في ظل التخلف أو الاستعمار.

وهكذا تبقى الضمانة الوحيدة للحفاظ على تمايزنا وإبراز اختلافنا، والحفاظ على قيمنا الثقافية والحضارية. إذ بحفاظنا عليها نضمن عدم الذوبان في هوية الآخر رغم قوته وجبروته.

لهذا يجب على الدول العربية الإسلامية، في ظل الضعف والتخلف الحاليين، الحفاظ على مقومات الهوية الثقافية. فهو الجانب الوحيد الباقي، والذي هو مصدر عز وافتخار واستقلال وتميّز، في انتظار غد أفضل.

إن موازين القوة غير ثابتة، وإذا كانت الظروف الحالية في صالح الحضارة المادية المهيمنة، إلا أن سنة الله في كونه تقتضي تغير الظروف والموازين.

فالعرب المسلمون هم أصحاب حق و أصحاب حضارة وأصحاب رسالة، تجمع بين القوّة في القيم والأخلاق الحميدة، التي لم تقهرها الظروف غير المناسبة.

وهو ما يدعونا إلى التشبث بمقومات الهوية بكل جوانبها العقدية واللغوية والفنية والمعمارية، هي ضمانة استقلال وبقاء و استمرارية.

لقد عرفت الدول العربية و الإسلامية مجموعة من العواصف السياسية والأزمات المتلاحقة والمتشابكة، مع ذلك بقيت محافظة على مقوماتها الثقافية والحضارية. من أهم العوامل التي ساعدت هذه الدول الحصول على استقلالها السياسي، ولو أنه نسبي إلى حدّ بعيد، حفاظها على قيّمها ومقوماتها الثقافية.

و كما تجاوزت الشعوب العربية محن الاستعمار السياسي، فبإمكانها تجاوز تحديات العولمة، لما تتضمنه الثقافة العربية الإسلامية من قيّم إنسانية متجذرة بين أفرد المجتمع، في وقت شاهدنا فيه زوال دول وحضارات، لأنها بنيت على  قيم زائفة، أسست على خدمة مصالح آنية لخدمة عنصر دون غيره  أو منطقة دون غيرها.

لهذا يجب إعطاء الأهمية الضرورية للقيم الثقافية من أجل الحفاظ عليها وتدعيمها والعمل على دراستها وتطويرها.    

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ