-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 01/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مع الأقصى وفلسطين

تمييع المسؤولية مشاركة في الجريمة

نبيل شبيب

سواء انقسم الفلسطينيون على أنفسهم أم تصالحوا، وعبث بعضهم بمحرمات قضية فلسطين أم أخلصوا، وتخاذل بعضهم أو جعل بعضهم الآخر من الأجساد البشرية دروعا لحماية الأقصى والقدس وكامل تراب فلسطين وأمتهم العربية والإسلامية، وسواء حملوا في الشتات مفاتيح العودة إلى بيوتهم أم استوطنوا، سيان ما يفعل أهل فلسطين بعضهم أو جميعهم، فإن شيئا من ذلك لا يُسقط أي جزء من المسؤولية تجاه الاقصى وبيت المقدس وكامل التراب الفلسطيني وعن الأمة بأجمعها، عن أي فرد حاكم.. أو عالم.. أو مفكر.. أو من النخب المقربة إلى السلطات المدافعة عنها ومن النخب المستبعدة المعارضة لها، ولا عن أي فرد من عامة المسلمين، كل حسب موقعه وقدراته، ولا يوجد فرد إلا ولديه من القدرات ما يمكن أن يساهم به في أداء جزء من الأمانة التي تفرضها هذه المسؤولية، وسيحاسب عن ذلك يوم يحمل كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

الذين يتحججون بالانقسامات الفلسطينية ليقفوا موقف المتفرج على ما يُصنع بالأقصى وكامل فلسطين، لا يخدعون حتى أنفسهم، ومنهم من يؤجج الانقسامات ويعمل على استمرارها، سواء من خلال الإهمال عن بعد، أو فرض الشروط التعجيزية عن قرب..

والذين يتحججون بسلطة السلطات ليقفوا موقف العاجز إزاء ما يصنع بالأقصى وكامل فلسطين، لا يخدعون حتى أنفسهم، وهم يعلمون أن كثيرا منهم، هم أنفسهم، ركائز للسلطات أو أبواق تدافع عن سياساتها سواء فرطت بالمقدسات وانتهكت المحرمات أم لم تفعل..

والذين يتحججون بأن التحرك من أجل الاقصى يتطلب دعوة من كبار العلماء والدعاة والمفكرين، هم أنفسهم الذين يسمعون مثل هذه الدعوة، ثم لا يتحركون في مواقعهم التي يملكون التأثير فيها لتتحول الدعوة إلى حركة جماهيرية شاملة فاعلة..

لا عذر لمسلم أو مسيحي على امتداد الأرض الإسلامية، فالمسؤولية عن الأقصى ومساجد القدس وكنائسها، وعن تراب مهد النبوات والرسالات السماوية، هي مسؤولية مشتركة بين الجميع، من مسلمين ومسيحيين، من الحريصين على الأديان ومن العلمانيين، من ذوي الاتجاهات الإسلامية وذوي الاتجاهات القومية، فما يصنع بفلسطين لا يفرق بين إنسان وآخر في هذه البقعة المباركة من الأرض وما حولها، ولا بين مقاوم ومسالم، ولا بين أهل السياسة وأهل الأدب والفكر، ولا بين أناس لهم تنظيماتهم السياسية وغير السياسية، الرسمية والمدنية والأهلية، وأناس خارجها..

إن كل حجة تُلقى للامتناع عن التحرك، إنما هي كلام يُلقى على عواهنه، وهي لتمييع المسؤولية عن الأقصى والقدس وفلسطين، وليس لبيان أسباب "عجز" عن حملها.

وإن كل انشغال عن القضية المحورية المركزية في القلب من أرض العرب والمسلمين، هو إسهام مباشر وغير مباشر فيما سيترتب على ما يجري اليوم ويصيب بنتائجه أوضاع العرب والمسلمين، في مواطنهم القريبة والبعيدة، وفي ميادين حياتهم الدينية والعلمانية، وفي مجالات أنشطتهم المعيشية الحيوية وحتى أنشطتهم الفاسدة الماجنة.

*   *   *

قضية الأقصى والقدس وفلسطين لا تستدعي عقد مؤتمر آخر لجامعة أو منظمة أو رابطة أو حزب أو نقابة، إنما تستدعي التعبئة الفورية لحركة إن بدأت فلا يجوز أن تهدأ حتى تعود الحقوق، كل الحقوق إلى أهلها، والأرض كل الارض إلى أصحابها، وحتى تتحرر الإرادة الفردية والجماعية، الرسمية وغير الرسمية، من مختلف القيود والأغلال الخارجية والذاتية، التي أصبح العمل على زيادتها وتراكمها وتشديدها، استبداد وتخلفا وتناحرا، هو الخطر الأكبر على الأمة وما يمكن أن تصنع لحاضرها ومستقبلها، وهو المانع الأخطر مما يصنع بها أعداؤها الأقربون الجاثمون داخل أرضها، والبعيدون المتحكمون بصنع القرار فيها، على كل صعيد دون استثناء.. ليس بسبب سطوتهم وقوتهم بل بسبب الخضوع رغبا ورهبا لسطوتهم وقوتهم.

لم تعد قضية فلسطين قضية مصالحة وانقسام.. ولا قضية فصائل متحركة وأخرى نائمة.. ولا قضية سلطة مزعومة وسلطة حقيقية.. ولا هي قضية انتخابات زائفة أو نزيهة.. إنما هي قضية مفترق الطرق ما بين استعادة فلسطين عنوانا وتاريخا وهدفا ووسيلة وحقا وعدالة، وبين التسليم بتضييع فلسطين بمقدساتها وأهلها وأرضها وفصائلها وتاريخها وحاضرها، ومن خلال ذلك تحويل الوتد الذي بدأت قوى العدوان بزراعته في القلب العربي والإسلامي، إلى وتد مزروع في القلوب والعقول على امتداد الأرض العربية والإسلامية.

*   *   *

إذا مرّت المرحلة الحاسمة الحالية من الصراع الطويل على أرض فلسطين هكذا دون مقاومة شاملة للمسؤولين من مختلف المستويات وللفئات الشعبية من مختلف الانتماءات، فلن يكون بمقدور هذا الجيل ولربما لأجيال عديدة التحرك، وستتحول الجولات التالية إلى صراع متطاول ما بين المخلصين وبين من يدافع عن السلام الصهيوني في كل بلد، والتطبيع الصهيوني في كل ميدان، والوجود الصهيوني في كل كتاب، والفكر الصهيوني في كل جامعة.. وعلى من يستهجن مثل هذا التصور، أن يقارن بين ما نعايشه بأم أعيننا الآن وبين الأوضاع التي كانت قبل النكبة الأولى، وكيف كان وقوع فلسطين في براثن الصهيونية في حكم المستحيل في نظر كثير من أهل تلك الحقبة!..

القضية ليست قضية المسجد الأقصى الذي سبق أن بلغت دماء المسلمين فيه إلى الركب وسيطر عليه الصليبيون 98 عاما ثم تحرر مع بيت المقدس، ثم تحررت فلسطين بكاملها آنذاك، إنما هي قضية هذا الجيل، هل يكون جيل التحرير، أم يرحل مع آثام التسليم والخنوع ليأتي من بعده قوم قادرون على التحرير، ويصنعون التحرير.

القضية قضية كل خطيب جمعة يقبل لنفسه أن يتحدث عن أي قضية أخرى، في خطبة مكتوبة معممة على الخطباء في بلده، أم في خطبة يرتجلها لسانه، ولا يجعلها خطبة من أجل تحرك المسلمين في مسجده وحيه ومدينته من أجل الأقصى والقدس وفلسطين وحاضر بلده ومستقبله.. وإلا فعلام يخطب؟..

القضية قضية كل علماني ما يزال يرى الأولوية لعلمانيته وليس لأهله وبلده وأمته ومقدسات تاريخ هذه الأمة ومقومات وجودها ومستقبلها.. وإلا فإلى ماذا يدعو؟..

القضية قضية كل حركة وجماعة إسلامية تنشغل بخلافاتها حول أساليب الدعوة والدعاة، عن قضية يمكن أن يقضي استمرار الانحراف بطريقها على كل شكل من أشكال الدعوة الصادقة الحرة سيان لأي مذهب أو طائفة أو اجتهاد أو عنوان أو زعامة..

القضية قضية كل فضائية مجون آثم لا يجد صانعوها ومنفذوا مخططاتهم فيها في دماء الأقصى وما حوله سببا كافيا للكف عن المجون الآثم وتوظيف ما يسيطر عليه المسؤولون عنها من ثروات الأمة لتحقيق مصالح الأمة، والدفاع عن أرضها، ودفع ما يصنع أعداؤها بها..

هي قضية العالم والداعية، والحزبي والنقابي، والكاتب والشاعر، والإعلامي والمفكر، والأستاذ والطالب، والفنان والباحث، من الرجال والنساء، من الكبار والصغار، أن يصنع كل من موقعه ما يستطيع أن يصنع لترجع قضية فلسطين بأقصاها وقدسها وسائر مدنها وأشجارها وحقولها وذرات رمالها، وبكل صفحة من صفحات تاريخها وحاضرها، قضية محورية مركزية مشتركة، يعمل الجميع لها، ويسعى الجميع لتكون هي المدخل لاستعادة الأرضية المشتركة بين كافة العرب والمسلمين من وراء كل سبب من أسباب الاختلاف على انتماءات وتوجهات، أيا كانت.

*   *   *

يجب وضع حد لتمييع المسؤولية عن جريمة نحر فلسطين ومقدساتها على مذابح التجزئة والصراعات الجانبية، ووضع حد لتمييع المسؤولية عن الواقع الراهن لأهل فلسطين من الشعب والفصائل، من سلطة محاصرة في غزة ومن سلطة محاصرة في الضفة، وتمييع المسؤولية عن شعب فلسطين من أرض 48 وأرض 67 وفي الشتات.. وتمييع المسؤولية عن النهوض بواقع العرب والمسلمين من حضيض التخلف والعجز والتخاذل وما يسمى التسويات والمبادرات والمفاوضات والمعاهدات..

المسؤولية مسؤولية الحكام.. جميع الحكام، والعلماء جميع العلماء.. والنخب جميع النخب..

يجب وضع حد لتمييع المسؤولية ما بين سلطات وشعوب، وعاجزين وقادرين، ومحاور "معتدلة وغير معتدلة"، وتيارات وتيارات.. هي مسؤولية مشتركة، من لا ينهض بها يغرق، ولا يعفي سواه من النهوض بها.

كل من يستطيع كتابة كلمة ولا يكتبها يحمل إثم عدم كتابتها، ويستطيع الدعوة ولا يدعو بها يحمل إثم الامتناع عنها، ويستطيع تنظيم حملة.. أو تعبئة مجموعة.. أو ممارسة مقاطعة.. أو بيان الحق من الباطل في قضية صراع تدور بين الحق والباطل.. ثم لا يفعل يحمل إثم عدم النهوض بمسؤوليته.

إذا كانت أحداث الأقصى على صفيح ساخن تغذيه آلام الحصار في غزة، ومساومات الأقربين والأبعدين على مصير المقاومة، وأوهام الماضين بأعين معصوبة وأفهام مغلقة وراء سراب تسوية يسمونها سلمية ويُنحر في مذابحها السلام والأمن والإنسان والأرض.. إذا كانت أحداث الأقصى هذه الأيام علامة على مفترق طرق آخر وصلت إليه قضية فلسطين، فلن تضيع القضية، ولكنها أيضا علامة على مفترق طرق للأمة بشعوبها وحكوماتها، وبمختلف القوى والنخب المسؤولة عن أوضاعها.

إما أن تنهضوا بمسؤولياتكم وتستعيدوا اللحمة فيما بينكم ومع جماهير شعوبكم، أو تمضوا إلى صفحة من صفحات التاريخ، سوداء كسواد الصفحة التي تتحدث عمن سلّم بغداد للمغول والقدس للصليبيين، ويأتي سواكم فيصنع من بعدكم ما صنع الذين حرروا الأرض والتاريخ من المغول والصليبيين.

القضية لا تحتمل استمرار الاستبداد والفساد، ولا استمرار الإهمال والتخاذل، ولا استمرار التجزئة والتفرقة، ولا استمرار الهوان والخوف.

الأقصى أمانة والقدس أمانة وفلسطين أمانة ومستقبل هذه الأمة أمانة، في أعناقنا جميعا، ولا ينجو في الدنيا والآخرة من لا ينهض بتبعات هذه الأمانة الكبرى، الآن.. قبل فوات الأوان على نهوضه هو بها، ثم وقوفه بين يدي العزيز الديان، حيث لا تنفع حجج ولا أعذار، ولا يمكن تمييع المسؤولية أمام من يعلم السر وأخفى، القادر على نصرة من ينصر الحق بما يستطيع من الأسباب والوسائل..

{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} -غافر: 51 و52-

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ