-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجوهرة
.. والستار ؟ بسام
الهلسه
"الحقيقة جوهرة ثمينة،
الكل يبحث عنها.. ولذا يجب
حراستها بستار من الأكاذيب"
جملة قالها رئيس الوزراء
البريطاني الأسبق وثعلب
السياسة العجوز "ونستون
تشرشل"، في لحظة اعتراف نادرة
في عالم السياسة وخصوصاً:
السياسة الاستعمارية
والإمبريالية.
ففي هذا العالم، الحقيقة هي
آخر ما يخطر بالبال، إلا إذا
توافقت مع المصلحة، وما المبادئ
والمثل المُعلنة سوى شعارات
ويافطات لتضليل وخداع عامة
الشعب في البلد المعني،
وللتمويه على المنافسين، ولخلق
الذرائع بالنسبة لجمهور
البلدان المستهدفة بالغزو
والاستعمار والاستغلال.
وما علينا سوى القيام
بعملية استرجاع سريعة لشعارات
ودعاوى: "الحرية، الاخاء،
المساواة" التي أعلنتها
الثورة الفرنسية، وشعار "حق
تقرير المصير للشعوب" الذي
رفعته أميركا في الحرب العالمية
الأولى والمشهور بمبادئ
"ولسون"، ومزاعم "نشر
التمدن والحضارة" في القرن
التاسع عشر، التي ألهمت السياسة
البريطانية فاحتلت "خُمس
الأرض" لتحقيق هذا الغرض
(النبيل) في حروب متصلة، نذكر
منها –للتدليل على سمو
الأهداف!-، إهلاك ثمانين مليون
هندي إكراماً لصناعة النسيج في
"يورك شاير" وإرضاء لأذواق
"الليدز" الإنجليزيات
التواقات للجواهر والتوابل
الهندية!، وشنها "حرب
الأفيون" على الصين –التي
حظرت الاتجار به- بدعوى "حرية
التجارة" المقدسة!
ومن باب الرفق بالشعوب
–أُسوة بالحيوانات- بسطت على
العديد منها (وشاركتها دول
استعمارية أخرى هذا الشرف!)
"الحماية" و"الانتداب
والوصاية" لتُمكنها من نيل
"الرُّقي" اللازم لإدارة
شؤونها!
وتأكيداً على حرصها على
(الترقي) جزأت الأقاليم والشعوب
إلى قطع صغيرة لتجعل منها دولاً
"مهضومة"! وبعد "الحرب العالمية
الثانية" طلعت "الولايات
المتحدة" باكتشاف لا يقل
أهمية عن اكتشاف "كولومبس"
لـ"العالم الجديد"، فاعلنت
تفضلها بنشر الحرية في العالم!
ودَفَعَ ملايين الملايين من
البشر ثمن هذا الفضل والكرم
الأميركي السابغ الذي نالت
كوريا وفيتنام النصيب الأوفى
منه.
ومع انهيار عدوها اللدود
"الاتحاد السوفيتي" ودول
"المنظومة الاشتراكية"
تفتَّحت شهيتها القديمة
للحرية، الموروثة من أيام إبادة
السكان الأصليين في أميركا،
ونهب ثروات وشباب إفريقيا (لغرض
تحضيرهم ) باستخدامهم كعبيد!
ومع تفتُّح الشهية، تجدد
الشباب الاستعماري الذي كان قسم
مهم من أكاديميي وباحثي ومثقفي
الغرب قد أعلن نهايته وبدء عهد
جديد أسموه "ما بعد
الاستعمار" جرياً على العادة
الغربية البلهاء في حصر العالم
في ثنائية الـ"ما قبل" و
"ما بعد".
وكان من حظنا نحن العرب
الذين لم تصدِّق أغلبيتنا يوماً
أن الاستعمار قد انتهى, أن
يُجدّد شبابه فينا وعلينا! فدمر
العراق واحتلها، ليجعل منا
بوابة لاعلانه المدوي الكارثي
عن "النظام الدولي
الجديد"، مصحوبا بشقيقاته
الرائعات: "إقامة نموذج
ديمقراطي يحتذى في المنطقة" و
"خلق شرق أوسط جديد" و
"حقوق الإنسان" و "عصر
العولمة السعيدة" التي جعلت
من العالم "قرية واحدة"
تمتلكها حفنة شركات.
ولأن "السادة محبي الخير
للبشرية" –كما يصفهم المفكر
"نعوم تشومسكي"- لم ينسوا
تاريخ آبائهم( الرحيم)، فقد قضوا
على ملايين العراقيين بالحرب
والحصار والاحتلال والتشريد.
وهي (مكرمة) شملوا بها
"افغانستان" أيضاً. ولسبب
يتعلق بانشغالهم –وبالأصح
مأزقهم في العراق وافغانستان-
كلفوا "اثيوبيا" كمقاول من
"الباطن" بغزو
"الصومال"، وتكفَّلت
"الربيبة الحبيبة إسرائيل"
بتجريب أسلحتهم في فلسطين
ولبنان.
لكن "النظام الدولي
الجديد" لصاحبته الحصرية:
الولايات المتحدة الأميركية,
والذي يُدلـله مُريدوها
ومرتزقتها في العالم فيطلقون
عليه اسم "دلع" هو
"المجتمع الدولي"، لا يعمل
بذراعه العسكرية فقط، فله أذرع
أخرى كثيرة كالأخطبوط منها:
مجلس الأمن الدولي، وصندوق
النقد الدولي، والبنك الدولي
"للإنشاء والتعمير" والسي
آي إيه وشبكاتها وشركائها، وإل:
إن. جي، أوز (NGOs)
–المنظمات غير الحكومية- التي
تمولها مؤسسات أميركية وغربية
مشبوهة لتقوم بوظائف شتى في
البلدان المستهدفة. وهي
للحق وظائف فاقت كل ما عرف عن
الأدوات الاستعمارية القديمة:
كالمبشرين والمستشرقين, التي
انتهت صلاحيتها للاستعمال
وانفضحت.
فإلى جانب المهام
الاستخبارية المعتادة، تقوم
هذه المنظمات بدور "حصان
طروادة" داخل مجتمعاتها،
وبدور "الطابور الخامس" في
أوقات الصراع. وفي حال حسنت
النوايا تتصرف كالذي قال عنه
الشاعر: (( يجبُ الذي يجبُ يدعو لـ "أندلسٍ" إن حوصرت "حلبُ"!؟ ))
هذه الأذرع، وغيرها من
الأدوات والاعوان والحلفاء
العاملين جهراً وفي الخفاء،
تقوم معاً، وكلاً على حدة،
بدورها في إحكام السيطرة
الأميركية على العالم. ولتحقيق
هذه الغاية –المعلومة
المكتومة- فإنها تستعين بفكرة
"تشرشل" الهادية
التي إفتتحنا بها هذه المقالة. *
*
*
حينما أتحدث عن كذب وتضليل
الساسة- والسياسة- الاستعمارية
والإمبريالية عموماً، أرجو أن
لا يفكر أحدٌ بأنني أُزكي
الساسة العرب –وخصوصاً القادة
منهم- وربائبهم من كل الأشكال
المنتشرين في الإعلام والتعليم
والتعليل والتدَّجيل...
فمع تخلفهم المشهود في
ميادين شتَّى، إلا أنهم يتفوقون
على "السابقين" في هذا
المضمار بالنظر إلى ما توفره
لهم أنظمة وآليات القمع السلطوي
وإنعدام الحريات ومؤسسات
الرقابة والمُساءلة, والأهم:
هيمنتهم على مفاتيح القوة
(والحياة أيضاً): السلاح،
والثروة، والتوظيف، والعطاءات،
والعلاقات، والمعرفة،
والإعلام، والمنح، والمنع...
وإن كانت مهارات وقدرات
"السابقين" تتجلى ضد
منافسيهم وضد الشعوب والأمم
المستضعفة خاصة، فإن قدرات
"جماعتنا" تتركز ضد بعضهم
البعض الآخر، وضد شعوبهم
بالذات.
وسجِّلُهم في هذا المجال
ربما يخجل منه ويتبرأ "مسيلمة
الكذَّاب" لو بعث من قبره ؟ *
*
*
وإذا جاز لي أن أقدم نصيحة
هنا، فإنني أنصح بـ"الشك
المنهجي" الواعي بأقوالهم
وأفعالهم. فلئن كان "بعض الظن
إثمٌ" فإن بعضه الآخر ليس
كذلك، بل هو من النوع الذي يقول
عنه الشّوام: "سُوء الظن من
حُسن الفِطَن"! *
*
*
يقول المقطع الأول من المثل
العربي: "الكذبُ ملح
الرجال"
أما خاتمته –الواجبُ
تذكرها دائماً- فهي: "وعيب ع اللي
يصدِّق"! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |