-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 03/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رسالة مفتوحة من بيروت إلى الرئيس محمود عباس

معن بشور

حبذا لو يستمع الرئيس محمود عباس جيداً إلى سفيره السابق في لبنان، ورفيقه في قيادة فتح، لينقل اليه ملامح التجربة اللبنانية في مواجهة الانقسام الداخلي خلال السنوات الماضية.

فعباس زكي، الذي نجح، رغم كل شيء، في "تطبيع" العلاقة بين فئات لبنانية متعددة وبين القضية الفلسطينية. يعود اليوم إلى رام الله حاملاً، مع كل اخوانه الفتحاويين، وغير الفتحاويين، الذين قادوا العمل الفلسطيني في المخيمات اللبنانية تجربة ثمينة، يمكن للرئيس عباس واخوانه في رام الله أن يتأملوا فيها عميقاً وأن يستفيدوا من عبرها ودروسها.

فلقد أثبتت هذه السنوات الأخيرة العاصفة التي مرّ بها لبنان، أنه رغم كل التجاذبات العنيفة، والاتهامات المتبادلة البالغة القسوة، والمزايدات المتعددة الأشكال والأنواع والعصبيات والغرائز المنفلتة من كل عقال، بقي الصوت الأعلى والارجح، في لحظات الانقسام الحرجة، هو صوت الوحدة الوطنية، وأن كل الاعتبارات الأخرى، دستورية كانت أم سياسية، كانت تخضع لاعتبار الحفاظ على هذه الوحدة، لأن بقاء لبنان مرهون ببقاء وحدته، أرضاً وشعباً ومؤسسات، وأنه حين لا يبقى لبنان واحداً ما قيمة الدستور، بل أي معنى للمناصب والحقائب والمكاسب، وأي أهمية للقوانين والقرارات والمراسيم..

فالاصوات التي كانت تدعو إلى انتخاب رئيس جمهورية بالنصف زائداً واحد ما لبثت أن تراجعت أمام إرادة الوفاق الوطني، لينتخب لبنان رئيساً توافقياً، بعد سبعة أشهر على خلو الرئاسة الأولى وأثر اتفاق الدوحة الشهير، وفي يوم 26 أيار 2008، وهو اليوم ذاته الذي أعلن فيه دستور لبنان عام 1926، بل اليوم عينه الذي اندحر فيه الاحتلال الصهيوني عن الشريط الجنوبي المحتل عام 2006، بفعل بطولات المقاومة وتكامل دورها مع الجيش واحتضان الشعب لها.

لقد حرص رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري، خلال تلك الأشهر السبعة، على مراعاة المهل المنصوص عليها في الدستور، فدعا مراراً البرلمان إلى الانعقاد، لكن إرادة الوفاق الوطني كانت تؤجل الانتخاب حتى يستقر الأفرقاء السياسيون على رئيس توافقي يحمل معه سلة توافقية تتضمن حكومة وحدة وطنية وقانون انتخابي ما زال، رغم كل شيء، مثار تحفظات قوى لبنانية عدة ترفض الانضواء في اصطفافات طائفية ومذهبية.

ورغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على تكليف النائب سعد الحريري بتشكيل الحكومة، واعتذاره مرة واحدة، فان ارادة الوحدة الوطنية بقيت أقوى من دعوات البعض المتسرّعة، (حتى لا نقول أكثر من ذلك)، بتشكيل حكومة اللون الواحد مستندة إلى أكثرية نيابية، هي بدورها مهددة بأن لا تبقى أكثرية، إذا أصر بعض أطرافها على المضي بحكومة لا تجسّد الوحدة الوطنية، شكلاً ومضموناً، والتي يعتبر رئيس البلاد نفسه مؤتمناً على قيامها.

لا بل أن بعض السياسيين اللبنانيين العاقلين والمكتويين بنار الحرب الأهلية، يرددون في السر والعلن، انه من الافضل أن تبقى البلاد سنوات بدون حكومة، على أن تقوم حكومة تكرّس الانقسام الوطني، وتحوّل لبنان من جديد إلى ساحة تناحر واضطراب وتوتر يتوغل في أحشائه العدو الصهيوني وداعموه في واشنطن وغير واشنطن، وتستخدمه هذه الجهة أو تلك كصندوق بريد ترسل عبره الرسائل إقليمياً ودولياً..

ففي لبنان إذاً تغلّبت حتى الان فكرة الوفاق الوطني، وإرادة الوحدة الوطنية، على مهل واستحقاقات دستورية تبقى، على أهميتها، ثانوية أمام مصير الوطن ومشاركة ابنائه في تقرير هذا المصير، بل تراجعت أمام حرص الدستور، نصاً وروحاً، على التوافق الوطني والعيش المشترك كمكونين رئيسيين لشرعية أي سلطة في لبنان..

فاذا كان لبنان الدولة المستقلة القائمة فعلاً منذ أكثر من 66 عاماً، والعضو الكامل في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، قد تعلّم من تجاربه الطويلة والمرّة قانون التلازم بين وحدته الوطنية ووجوده وأمنه واستقراره وصولاً إلى تلازم الوفاق مع الدستور نفسه، فكيف بفلسطين التي ما زالت مشروع دولة تحكمها سلطة مكبلة بألف قيد إسرائيلي وأمريكي وأوروبي.. وحتى عربي، بل بفلسطين التي لا تقوم بالاساس سلطتها المفترضة إلا على 20 % من أرضها التاريخية، دون حساب الأراضي التي التهمتها المستعمرات والجدار، خصوصاً وقد باتت اليوم هذه السلطة سلطتي أمر واقع، احداهما تستند إلى "شرعية" انتخابات رئاسية، والأخرى إلى "شرعية" انتخابات تشريعية.

فإذا كان المرسوم الصادر في رام الله قبل أيام يعبّر عن حرص على الدستور، كما يقول الرئيس وأنصاره، وهو الدستور المُسمى بالقانون الأساسي لأن في المناطق المحتلة،حسب اتفاق أوسلو، سلطة لا دولة، ألا يحق لنا أن نعتبر مراسيم تأجيل الانتخابات التشريعية ذاتها من عام 1999 حتى 2006 خرقاً للدستور، وأن نعتبر تأجيل الانتخابات عاماً كاملاً بعد انتهاء ولاية الرئيس عباس مع مطلع هذا العام خرقاً للدستور، وأن نعتبر إقالة حكومة حائزة على ثقة المجلس التشريعي، وتشكيل حكومة تصريف أعمال، بعد الصراع الأهلي المؤلم في غزّة، ودون نيل ثقة المجلس التشريعي المنتخب، خرقاً للدستور.

والا يحق لنا أن نعتبر الصمت المريب على اعتقال سلطات الاحتلال لما يزيد عن ثلث أعضاء المجلس التشريعي، بمن فيهم رئيسه الدكتور عزيز الدويك، لمدة ثلاث سنوات، والمناضل أحمد سعادات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعتقل منذ ست سنوات ونيف حتى الان، والمناضل مروان البرغوتي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وما زال قيد الاعتقال، خرقاً للدستور وامتناعاً عن القيام بأبسط المسؤوليات الوطنية والقومية والإنسانية تجاههم.

فاذا كانت "الضرورات تبيح المحظورات" بالأمس، حسب القاعدة الشرعية المعتمدة، فأي ضرورة أكبر من ضرورة الحفاظ على وحدة فلسطين، أرضاً وشعباً ومؤسسات، وأي ضرورة أهم من افساح المجال لانجاز مصالحة وطنية فلسطينية تشكل الضمانة لانهاء انقسام بات يهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمته، بل بات يهدد القضية الفلسطينية بأكملها.

فكل فلسطيني يعرف، وكذلك كل عربي ربط حياته بالانتصار لفلسطين يدرك، ان المشروع الوطني الفلسطيني قام منذ رصاصات (فتح) الأولى في 1/1/1965 على ركيزتين هما المقاومة والوحدة الوطنية، فاذا كان فعل المقاومة محاصراً اليوم، رغم بطولات مجاهديها وأهلهم في ملحمة غزة مطلع هذا العام، فهل نهدد اليوم الركن الثاني للقضية وهو الوحدة الوطنية.

قد يقول قائل، ونحن نأمل أن يكون قوله صحيحاً، أن مرسوم الدعوة إلى الانتخابات هو جزء من عملية الضغط والضغط المتبادل بين السلطة من جهة وحماس وحلفائها من جهة أخرى، ولكننا في الوقت عينه لا نعتقد أن مثل هذا الأسلوب يفيد في ايجاد مناخات صحية تمهد لمصالحة حقيقية تخرج الحالة الفلسطينية الراهنة من الانقسام.

إن اتفاق المصالحة مؤجل، لظروف واسباب وضغوط، لا مجال لمناقشتها الآن، فلماذا لا تكون التهدئة السياسية والاعلامية والنفسية هي البديل المؤقت الذي يفتح الطريق واسعاً أمام المصالحة، خصوصاً أن في الواقع الإقليمي والدولي مؤشرات تسمح للفلسطينيين إذا توحدوا، والعرب إذا تضامنوا، أن يحققوا انجازات ومكاسب، مهددة كلها اليوم في غياب هذه الوحدة والتضامن.

وحين يسير الجميع في طريق التهدئة، تمهيداً للمصالحة الوطنية الشاملة، فلا يجوز لأي طرف أن يتخذ تدبيراً أو يعلن قراراً يسيء إلى التهدئة ويحول دون المصالحة.

لقد تفاءلنا بالامس حين تراجعت السلطة الفلسطينية ورئيسها عن الموقف السابق من تأجيل مناقشة تقرير غولدستون، خصوصاً بعد الهبة الشعبية العارمة فلسطينياً وعربياً وإقليمياً استنكاراً للتأجيل، فهل نتفاءل اليوم بتراجع سريع من الرئيس محمود عباس اليوم عن مرسوم الدعوة إلى الانتخابات من طرف واحد، وقبل المصالحة، بكل ما ينطوي عليه هذا المرسوم من مخاطر على فلسطين القضية والمشروع الوطني.. وعلى المصالحة نفسها.

إن أي تقدم على طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية ليس مكسباً لفلسطين وحدها، بل هو مكسب للأمة كلها، ولأمنها القومي بشكل خاص الذي يبقى مهدداً مع الاحتلال الصهيوني والانقسام الفلسطيني، بل إن أي خطوة لانهاء الانقسام الفلسطيني هي حجة قوية لكل المدافعين عن فلسطين، من أبناء الأمة وأحرار العالم، الذي لا يحرجهم في دفاعهم هذا، وقد بدأ يثمر تحولاً في الرأي العام الدولي لصالح القضية، أكثر من اشتداد الخلاف بين أبناء وطن واحد وقضية واحدة.

إن من حقنا اليوم، بل من واجبنا، كعرب ملتزمين بفلسطين منذ عقود، أن نطالب أبا مازن بالتراجع عن مرسومه، وأن نطالب فصائل العمل الفلسطيني على تنوعها بالتهدئة السياسية والإعلامية فيما بينها، وصولاً إلى مصالحة لا بد منها، بل أن نطالب القيادات الفلسطينية والعربية الرسمية أن تجري مراجعة جريئة وصادقة لما سمي "بعملية السلام" وهي العملية التي شهدت فلسطين والأمة في ظلها اشنع أنواع الحروب وأقسى مرارات الاستسلام.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ