-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"
لسنا كما تظنون...!" الدكتور عبد القادر حسين
ياسين لن أكتب اليوم عن فلسطين وجراحاتها
النزفة (كنت أود أن أكتب عن رحيل
الأخ والصديق المناضل
الفلسطيني صخر حبش الذي وافته
المنية في الاسبوع الماضي). ولا رغبة لدي بالكتابة عن ندوة فكرية، أو
مناسبة ثقافية، أو أن أعرض
لكتاب جديد... لن أكتب في الثقافة، ولا في السياسة، ولا
في الفلسفة ... سأكتب اليوم عن
رجل عادي، أو بالأحرى عن رجل غير
عادي، اسمه إبراهيم أصلانوفيتش... * * * * * * * * * * إبراهيم شاب في أوائل الثلاثينات، لاجئ
من كوسوفو، متزوج، له ثلاثة
أطفال، وعاطل
عن العمل منذ ثلاث سنوات،
يقيم في ضاحية
Hässleholm"هسلهولم" في بوروس .... وقد احتلت هذه الضاحية في الشهرالماضي
مكان الصدارة في الصحيفة
المحلية عندما شهدت اضطرابات
وتصادمات بين سكان الضاحية
والشرطة السويدية. تعيش في "هسلهولم" أغلبية
من المهاجرين الأتراك
واليونانيين والإيرانيين
والفلسطينيين واللبنانيين
والألبان والبوسنيين والأكراد
وأقلية من الشباب السويديين
العاطلين عن العمل أو ذوي
الاتجاهات السياسية التقدمية. ولا تدخر الصحيفة جهداً في تضخيم أي حدث
يدور هناك لأنها تهدف من وراء
ذلك إلى إظهار ان السبب الرئيسي
في كافة المشاكل الاجتماعية
القائمة يكمن في وجود أعداد
كبيرة من المهاجرين "الذين لا
يلتزمون بالقانون ، ولا يقيمون
اعتباراً للنظام الديمقراطي
العريق في السويد " [ كذا !!] بل
انها ذهبت ، في العام الماضي ،
إلى حد الادعاء بأن المهاجرين
حولوا هسلهولم إلى
" قطعة من العالم الثالث "
حيث " تختلط أصوات الباعة
بالأغاني المنطلقة من أجهزة
التسجيل " . كان إبراهيم يستقل الحافلة
كعادته يوميا
في الأسبوع الماضي، عندما
لمح على المقعد المجاور محفظة
صغيرة بنية اللون. فتح المحفظة.
وجد فيها مبلغاً كبيراً من
المال، ومجموعة من الأوراق
الشخصية. ثم أغلق المحفظة. لم يشأ إبراهيم أن
"ينام" على الغنيمة، ولا
رغب في الاستيلاء على محتويات
المحفظة، لإيمانه القاطع بأنها
ليست "منحة" مرسلة إليه من
السماء بل هي ملك لأحد الأشخاص،
ولا بدّ أنه أحقّ بها من غيره.
لكنه لم يعرف ماذا يفعل ولا كيف
يتصرف. خشي إن هو سلم المحفظة إلى السائق أن تصير
المحفظة "في خبر كان". كما
خشي إن هو سلمها الى الشرطة، أن
يُتهم بأخذ حصةٍ منها
"كما هي العادة في
ألبانيا" ، كما قال للصحيفة
المحلية. عاد الى منزله حائراً ومرتبكاً، ولم ينم
في تلك الليلة. في صباح اليوم التالي، وبينما كان مجتمعا
مع أحد المسؤولين في مكتب العمل
المحلي ، أحبّ أن يسأله رأيه في
الأمر، وبعد مداولة قصيرة
بينهما، قرّ الرأي على أن يتصل
هذا المسؤول بأحد الأرقام
الموجودة في المحفظة، حيث تمكن
من التحدث مع صاحبة المحفظة،
فأطلعها على الموضوع ،وطلب
اليها الحضور الى مكتب العمل في
وسط المدينة. وبعد أقل من نصف ساعة حضرت السيدة الى
مكتب العمل ، وعرَّفها المسؤول
على إبراهيم أصلانوفيتش الذي
أعاد الى السيدة محفظتها، رافضا
أن يتقاضى أي مبلغ ، حتى النسبة
المئوية التي ينص عليها القانون.
عاد إبراهيم الى زوجته وأطفاله... ثم تنفس
الصعداء. كان في تلك المحفظة ما يزيد على ألفين
كراون سويدي، ثلاثة آلاف يورو،
بطاقة اعتماد، تذكرة هوية ،
وصور شخصية، وأوراق أخرى في
غاية الأهمية. وقد عادت كلّها،
كلّها، بلا أي نقصان إلى صاحبة
المحفظة. وعندما سالته مندوبة الصحيفة المحلية:
"لماذا قررت أن تعيد المحفظة
وأنت عاطل عن العمل وفي حاجة
ماسة الى أي مبلغ يعينك على
متطلبات الحياة؟" قال لها بدون أي
تردد "فعلت
ذلك كي يقال أن ثمة ألباني
عثر على محفظة ، وأعادها الى
صاحبها ، دون أن يأخذ كراونا
واحدا..." وبعد دقيقة من الصمت الثقيل نظر الى
الصحفية وقال لها : " لسنا كم
تظنون...لسنا كما تعتقد فريغبو...!!"
، في إشارة الى تصريح أدلت به
وزيرة الثقافة والهجرة
السويدية ، بيرغت فريغبو ، قبل
سنوات وقالت فيه :
“Alla albaner är tjuvar:::!” (كل الألبان لصوص)". وبعد ؛ لقد أعاد إبراهيم أصلانوفيتش
، بكرمه ونبل أخلاقه،
وبتعاليه على الماديات،
وبمكابرته الراقية على حاجاته
المعيشية الملحة، وبأخلاقياته
الأشد رسوخاً من أي إغراء عابر،
للعديد من الأشخاص (سويديين
ومهاجرين على حد سواء ) بعضاً
من الإيمان بألأخلاقيات ،
وبقدرة الإنسان على
الارتقاء إلى الشرط الإنساني،
ما فوق الجشع، والدناءة، وأوبئة
هذا العالم الجشع الذي نعيش فيه. ــــــــ * كاتب وأكاديمي فلسطيني
مقيم في السويد. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |