-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
النكبة
الفلسطينية ومطاردتها للحلم
الإسرائيلي د/
بوفلجة غيات لم يكن المنظرون اليهود
الأوائل، ولا حلفاؤهم من
البريطانيين والأمريكيين
والفرنسيين، يعتقدون أن
المقاومة المسلحة في فلسطين
ستستمر إلى القرن الواحد
العشرين. بل كان اعتقادهم أنها
تتلاشى مع مرور الزمن، وترضخ
شعوب المنطقة من العرب
والمسلمين مرغمة على الرضوخ
للمر الواقع والقبول بإسرائيل. لقد مرّ الفلسطينيون
بمرحلة من اليأس والإحباط، فدول
العالم وقواه العظمى وقفت إلى
جانب إسرائيل، وبقيت الشعوب
العربية الإسلامية مغلوبة على
أمرها، والحكام راضخون للهيمنة
الغربية. خاصة بعد حرب 1967 حيث
استولت إسرائيل على ما بقي من
فلسطين التاريخية، وافتكت غزة
من المصريين والقدس الشرقية
والضفة الغربية من الأردن،
إضافة إلى الجولان من سوريا. وهكذا بقي الفلسطينيون
تحت الإحتلال داخل فلسطين، أو
في الشتات بمختلف الدول
العربية، وخاصة دول الجوار،
كالأردن وسوريا ولبنان، ومصر.
كما انتشر الفلسطينيون في جل
الدول العربية بما في ذلك
الخليج والمغرب العربيين. ورغم مرور أكثر من ستين
سنة على صدور قرار تقسيم فلسطين
وصدور وعد بلفور، ومنح جزء كبير
من فلسطين التاريخية إلى
إسرائيل الدولة الدخيلة على
المنطقة العربية. وهكذا فإن
الحرب العربية الإسرائلية سنة
1967 أدت إلى انهزام العرب في تلك
الحرب، فخسرت مصر قطاع غزة وشبه
جزيرة سيناء، وخسر الأردن الضفة
الغربية من نهر الأردن، وجزءا
من واد عربة، وخسرت سوريا هضبة
الجولان. وقد استعادت مصر سيناء
بعد حرب أكتوبر 1973 بعد عقد
اتفاقية سلام مع إسرائيل،
تبعتها الأردن من خلال استعادة
واد عربة، بعد معاهدة للسلام
أيضا، وبقيت الجولان محتلة إلى
اليوم. كما أن هناك جولات
للمفاوضات بين سوريا وإسرائيل،
لاسترجاع هضبة الجولان، وسوف
تستعيدها عاجلا أم آجلا. تبقى أرض فلسطين، حيث
كافح الفلسطينيون تحت قيادة
ياسر عرفات من أجل إعادة القضية
الفلسطينية إلى الفلسطينيين،
وهو ما تمكنوا من تحقيقه في
القمة العربية بالدار البيضاء. وهكذا تلاحقت الأحداث،
واستمر الإسرائيليون في ملاحقة
رموز المقاومة فاغتالت الكثير
منهم. وقد دخلت إسرائيل إلى
بيروت وأخرجت ياسر عرفات
وأتباعه إلى خارج لبنان، وأقدم
الإسرائيليون بقيادة شارون على
اقتحام مخيمات الفلسطينيين
واقتراف مذابح صبرا وشتيلا في
بيروت سنة 1982. وقد تلاحقت الأخبار
السيئة التي تعوّد عليها
المشاهد العربي، وقد فقد
الفلسطينيون والعرب والمسلمون
عموما الأمل في أي تغيّر. إلا أن
استمرار المقاومة والصمود
بمختلف الأوجه، أدى إلى بداية
الإنفراج، وكان ذلك من خلال أول
انتصار للمقاومة الفلسطينية من
خلال الإعتراف بمنظمة التحرير
الفلسطينية كممثل وحيد للشعب
الفلسطيني عربيا ودوليا، وقد
وصل الأمر إلى اعتراف الولايات
المتحدة وإسرائيل بالمنظمة.
وهكذا بدأت المفاوضات بين منظمة
التحرير الفلسطينية وإسرائيل،
والتي كانت تعتبر منظمة التحرير
منظمة إرهابية طاردتها لسنين
طويلة. لقد كانت نتيجة مفاوضات
أوسلو ثم مفاوضات مدريد، أنشاء
السلطة الفلسطينية، التي دخلت
إلى أراضي الضفة الغربية وغزّة
واستقر رئيسها ياسر عرفات برام
الله، مع عدد من القادة
والمسلحين، الذين شكلوا نواة
للأمن الوطني الفلسطيني داخل
الأرض التي تتحكم فيها السلطة. رغم اعتراف إسرائيل
بمنظمة التحرير الفلسطينية
مرغمة، وإجراء مفاوضات معها
مضطرة، إلا أنه لم يكن بنيتها
منحها استقلالا كاملا في إطار
الدولتين، بحيث تنسحب إسرائيل
إلى حدود جوان 1967، لتفسح المجال
أمام قيام دولة فلسطينية، إلى
جانب إسرائيل، للعيش بسلام أمام
بعضهما البعض. وقد أدت السياسة
الإسرائيلية إلى محاصرة ياسر
عرفات وقتله، لأنه رفض التخلي
عن الحقوق المشروعة للشعب
الفلسطيني. وهو ما أدى
بالولايات المتحدة وإسرائيل،
إلى دعم محمود عباس "أبو مازن"،
مهندس مفاوضات أوسلو، وذلك
اعتقادا منهما، أنه أكثر مرونة
وبإمكانهما فرض شروط استسلامية
عليه، منها التخلي عن القدس
العاصمة الأبدية لإسرائيل "كما
يدعون"، وتوطين فلسطينيي
الشتات في الدول العربية
وتعويضهم ماديا، والحفاظ على
المستعمرات الكبيرة بالضفة
الغربية، وهو ما يرفضه
الفلسطينيون مطلقا، ولو بقي
الصراع لقرون. إلا أن ما يراه المحللون
السياسيون والإستراتيجيون
ورجال الإعلام، أن تعنت إسرائيل
وعدم قدرتها التنازل
للفلسطينيين عن حقوقهم
المشروعة، جعل وجود إسرائيل في
حدّ ذاته في خطر. وهناك عدة
مؤشرات تدلّ على بداية العدّ
التنازلي لوجود دولة إسرائيل،
منها ما هو من أدبيات الثقافة
اليهودية. ذلك أن المقاومة تمكنت
من الصمود والمواجهة. فرغم
المساعدات الأمريكية
والأوروبية، المادية
والإقتصادية والعسكرية
والسياسية لدولة إسرائيل، إلا
أنه لا يمكنها الإستمرار إلى
الأبد في العيش في محيط معاد
وخوف من التفجيرات والعمليات
الإستشهادية، وخوف دائم من
صواريخ القسام، ومن عمليات حزب
الله. كما أن إسرائيل لم تتمكن
من التطبيع مع جيرانها، وخاصة
على المستوى الشعبي. لقد مضى وقت كانت فيه
القوّة الإسرائيلية ترهب قادة
وجيوش الدول العربية الرسمية
المجاورة، وقد هزمت إسرائيل
ثلاث دول مجتمعة في حرب 1967،
ودمّرت قواتهم واستولت على
أراضيهم. وقد وصل الجيش
الإسرائيلي سنة 1982 إلى احتلال
بيروت. كما كانت القوات
الإسرائيلية تقوم بجولات
إرهابية في عواصم بعض الدول
العربية وخاصة بيروت. حيث تنطلق
الطائرات الإسرائيلية من تل
أبيب، وتنزل في بيروت، وتقوم
بعمليات قتل وخطف وتدمير
وإرهاب، وتترك وراءها دمارا
كبيرا وتعود إلى إسرائيل دون أن
يلحق طواقمها أدى، والأمثلة عن
ذلك متعدّدة. إلا أن الأمور تغيرت
الآن، حيث اضطرت القوات
الإسرائيلية إلى الإنسحاب من
جنوب لبنان الذي كانت تحتله،
تحت جنح الظلام هروبا من
المقاومة الإسلامية لحزب الله
في مايو سنة 2000. كما اضطرت تحت
ضغوط المقاومة الفلسطينية
وتضحياتها، وخاصة حركتي حماس
والجهاد الإسلامي، إلى
الإنسحاب الكلي من قطاع غزة. لم
يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل
أن حركات المقاومة، خاصة
الإسلامية منها، طوّرت صواريخ
محلية الصنع، ومن أشهرها "صواريخ
القسام". ورغم أنها، وقد
سماها محمود عباس، "صواريخ
عبثية"، إلا أنها تساهم في
نشر الخوف والذكر بين
الإسرائيليين، وخاصة في القرى
المجاورة، مثل "إسديروت" و"عسقلان"
و "ديمونة" بصحراء النقب،
ولم تمكنوا حتى الآن من إيجاد
طرق لحماية مستوطناتها من
الصواريخ الفلسطينية. وأصبحت
إسرائيل تحسب ألف حساب قبل
تقرير العودة إلى احتلال قطاع
غزة بالقوة، لتوقع ارتفاع
خسائرها جراء الهجوم، خاصة بعد
القضاء على عدد من العملاء
الذين بثهم الإحتلال داخل
القطاع. وقد ساهم بعض عناصر من
حركة "فتح" على زعزعة
القطاع الذي تسيطر عليه حركة
حماس، وعملوا لشهور على إيجاد
الفتنة واللا استقرار، أثناء
ترؤس حركة حماس للحكومة، بعد
فوزها في الإنتخابات التشريعية.
لهذا اضطرت حركة حماس إلى
القيام بحركة عسكرية تخلصت من
خلالها من نفوذ وهيمنة العناصر
الممثلة لحركة فتح، مما اعتبر
انقلابا على السلطة
الفلسطينية، وهو ما أطلقت عليها
سلطة فتح بالعملية الإنقلابية
ضد السلطة، مما دفع بأمريكا
وإسرائيل للضغط على عباس لعدم
لمّ الشمل والحوار والصلح بين
السلطة التي تتحكم فيها حركة
فتح والحكومة المقالة التي
تتحكم فيها منظمة حماس. ولد اتفق
كلّ من السلطة الفلسطيتية
وإسرائيل والولايات المتحدة
الأمريكية على معاقبة حماس
وحصارها، حتى من ناحية الغذاء
والوقود، مع ذلك بقي قطاع غزّة
صامدا ومقاوما. إلا أن أكبر ضربة تلقتها
إسرائيل، كانت خلال حرب 2006، حيث
منيت بخسائر كبيرة، وعانى
الإسرائيليون لأول مرة من
صواريخ حزب الله، التي هزت
مضاجع المدن المجاورة لجنوب
لبنان، بل حتى المدن البعيدة،
وقد هدّد السيد نصر الله بضرب
تلّ أبيب. وهو مؤشر عن بداية
النهاية، نهاية العجرفة
الإسرائيلية في المنطقة،
وبداية الإعتراف باستحالة
تحقيق طموحاتها في التوسع
والهيمنة. خاصة وأن حليفتها
الكبرى، الولايات المتحدة،
غارقة في وحل حروب العراق
وأفغانستان والصومال، إضافة
إلى التحدي الإيراني، الذي وصل
نفوذه إلى الحدود الإسرائيلية
من خلال تحالفها مع سوريا وحزب
الله وحركة حماس. لقد قال بن غريون، مؤسس
الدولة الإسرائيلية، "أن
بداية نهاية إسرائيل"، تكون
مع أول هزيمة لها على يد
أعدائها، وهو ما بدأ مع حرب
إسرائيل ضد حزب الله سنة 2006.
فحتى وإن بقي الجيش الإسرائيلي
مسيطرا على الجوّ طول مدة الحرب
إلا أنه فشل على الأرض فشلا
ذريعا. وهو ما تؤيذه أحاديث
نبوية شريفة، حيث روى الشيخان
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله
عليه وسلم- قال: "لا تقوم
الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى
يقول الحجر وراءه اليهودي: يا
مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله"
. وفي رواية لمسلم: "لا تقوم
الساعة حتى يقاتل المسلمون
اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى
يختبئ اليهودي من وراء الحجر
والشجر، فيقول الحجر أو الشجر:
يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي
خلفي، فتعال فاقتله. إلا
الغرقد، فإنه من شجر اليهود"
. فإسرائيل لم تستقطب كلّ
اليهود، ولم تمنحهم السلم
والأمان، ولم تنسجم مع محيطها
العربي الإسلامي، ومن المستحيل
أن تعيش أجيالا تحت رحمة
العمليات الإستشهادية وقصف
صواريخ المقاومة، ومن المستحيل
استمرار الولايات المتحدة في
مساعدتها المادية والعسكرية
إلى الأبد. وهو ما يجعلنا نعتقد
أن كلّ المفاوضات التي تجريها
إسرائيل مع الفلسطينيين ومع
الدول المجاورة يكون مآلها
الفشل، وأن إسرائيل غير مستعدة
لتقديم شيء مقابل ما ترغبه من
سلام واعتراف وتطبيع، فما تقدمه
هو السراب، وهو ما يجعل
المقاومة هي الخيار الوحيد
للتعامل معها. وهنا تجدر الملاحظة أن
المقاومة تزيد خبرة وتجربة مع
مرور الزمن، وهي تحسّن مستويات
تدريبها وتسليحها باستمرار. كما
أن الضغوط الدّولية السياسية
على إسرائيل، بسب خروقاتها في
مجالات حقوق الإنسان
في تزايد مستمرّ، وهي أكثر
مما كانت عليه في أي وقت مضى. إن إدراك إسرائيل لهذا
الواقع، دفعها إلى قبول مبادرات
للتفاوض مع السلطة الفلسطينية.
كما بدأت جولة في المفاوضات مع
سوريا بوساطة تركية، حول هضبة
الجولان المحتلة، والتي أعلن
عنها في ماس 2008، بعد فشل تلك
التي أجريت في حياة حافظ الأسد. وهكذا لم يعد أحد من
الإسرائيليين العقلاء، يؤمن
بإمكانية تحقيق حلم إسرائيل من
النيل إلى الفرات، بل حان وقت
بداية تنازلاتها الحقيقية
لصالح الفلسطينيين. حيث تخلت إسرائيل مرغمة
عن سيناء وواد عربة، وأرغمت على
الخروج من غزة ولو أنها أبقتها
تحت الحصار. إلا أن أكبر تحدّ
لإسرائيل هو ترك الضفة الغربية
للفلسطينيين، والسماح لهم
بإقامة دولتهم المستقلة.
والسماح بعودة اللاجئين إلى
مواطنهم الأصلية، وهو ما تقاوم
إسرائيل قبوله، وما يصرّ عليه
الفلسطينيون. إلا أن إسرائيل متعنتة،
وكلما زاد تعنتها زاد تطرف
الفلسطينيين إلى درجة أن الكثير
منهم لا يقبلون الآن بدولة على
حدود 1967، بل يرونها فقط مرحلة
على طريق استرجاع كل فلسطين
التاريخية. فرغم الصعوبات
والمشاكل والعوائق التي تعترض
الفلسطينيين والعرب والمسلمين
عموما، إلا أن الوقت لا يلعب
لصالح إسرائيل، وأن الظروف التي
سمحت لإسرائيل بهيمنتها على
المنطقة هي في تغير. ويكفي أن
تسمح الحكومات العربية بإجراء
انتخابات حرة ونزيهة، ليختار
الشعب ممثليهم وقادتهم لتصبح كل
الدول العربية إسلامية، أكثر
تشددا في التعامل مع إسرائيل
وكل حلفائها، وأكثر تعاطفا مع
الفلسطينيين. قد تؤخر الحكومات
العربية الرسمية وصول
الإسلاميين إلى السلطة، بضغط من
أمريكا وحلفائها الأوروبيين،
إلا أنه لا يمكن منع ذلك إلى
الأبد. وقد قامت إسرائيل
بإحياء الذكرى الستون
لإنشائها، وقام الفلسطينيون
بإحياء تاريخ النكبة بطريقتهم
الخاصة، التي تؤكد على تشبثهم
بثقافتهم وقيمهم و حقهم في
العودة إلى وطنهم، وهي حقوق
تأبى النسيان. كما أن الحلم
الإسرائيلي للإستيلاء على
أراضي الفلسطينيين وجمع يهود
العالم، والعيش في أمن وسلام
بأرض الميعاد، لم ولن يتحقق، إذ
أن نكبة الفلسطينيين تطارد
الحلم الإسرائيلي. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |