-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حِلم
رسول الله ورحمته الدكتور عثمان قدري مكانسي لما
كانت غزوة أحد وانتصر المسلمون
بادئ الأمر ثم دارت الدائرة
عليهم لأن الرماةَ عصوا أوامره
ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنزلوا
من التل ، كسرت رباعيةُ رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،
وجُرح في شفته السفلى ، وشُجَّ ـ
صلى الله عليه وسلم ـ في جبهته
الشريفة حتى سال منه الدم . فجعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينشفه لئلا
ينزل على الأرض ويقول : (( لو وقع
منه شيء على الأرض ، لنزل عليهم
العذاب من السماء )) . . موقف عجيب لا يصدر إلا من رؤوف رحيم جبله
الله تعالى على العفو والمغفرة .
. . العدوُّ يحاصره ، ويسعى لقتله
ووأد دعوة الإسلام في قتله ، ولو
وصلوا إليه لمزقوه إرْباً
إرْباً . . وهو عليه الصلاة
والسلام ، وفي هذا الموقف
العصيب ، يمنع دمه أن يسيل إلى
الأرض ، لئلا ينزل العذابُ على
ظالميه ، وطارديه ، والعازمين
على التخلص منه ؟ لقد
شق ذلك على الصحابة ، فقالوا : لو
دعوتَ عليهم ، فهذا موقف قريب
إلى الله تعالى ، وأنت يا رسول
الله مستجاب الدعوة فاغتنم ما
أنت عليه ، وادع الله أن ينصرك
عليهم ، فنتخلص منهم . . فأبى ـ
صلى الله عليه وسلم ـ . قالوا
: لم إذاً نقاتلهم يا رسول الله
؟! قال :
(( لم أُبْعث لعّاناً ، ولكنْ
بعثت داعياً وهادياً وراحماً ،
وما نقاتلهم إلا لنأطرهم على
الحق أطراً . . . اللهم اهد قومي
فإنهم لا يعلمون . . .)) . وروى
أبو هريرة رضي الله عنه فقال : حدثنا
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ ساعة إلى أن قام ، فقمنا معه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، فإذا
أعرابي يلج المسجد بسرعة يسأل
عن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ، وهو لا يعرفه ، فقلنا له
: هذا هو الخارج لتوِّه من
المسجد ، فتبعه مسرعاً ، فلما
أدركه جبذه بردائه جبذة شديدة ،
وكان رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يلبس رداء خشناً ، فلم
يعتد الدعاة لباس الحرير ، ولا
الثيابِ اللينةِ الناعمة ، من
الدمقس والإستبرق . . وكان ثوبه
خشناً إذاً ، فاحمرّت رقبته ـ
صلى الله عليه وسلم ـ لشدة
الجبذة !! ؟ ماذا
يريد هذا الأعرابي الغليظ ؟!! إن
كان له حق فليطلبه برفق ، فالرفق
أسرع إلى قضاء الحوائج ، وإن كان
يطلب عوناً فليست هذه طريقة
يُكتسب بها العطف والشفقة
والعون والمساعدة . سيكون
لهذه الجبذة ردُّ فعل غير
محمودة عواقبها ، فلا ينتج عن
القسوة إلا أختها ، ولا عن
الغلظة إلا ما يناسبها . . . ـ
والتفت النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ إلى الأعرابي ، يريد أن
يسأله ما يريد . . فلم يمهله
الأعرابي أن قال بلهجة الأمر ،
وكأنه المنعم المتفضّل : احملني
على بعيريَّ هذين ، أريد أن
تملأهما طعاماً من مال الله
الذي عندك ، لا من مالك ولامال
أبيك . . !! فظاظة
، وسوء أدب ، وتصرف مشين يصدر عن
جاهل يظنُّ أنّه محقٌّ فيما
يفعل ، وماذا تقول لأحمقَ ، هذه
صفاته وهذا خلقه . فسكت
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
هنيهة حتى استردَّ أنفاسه وهدأت
حفيظته، ثم
قال : ((
المال مال الله ، وأنا عبده ،
وأستغفر الله . . ولكنْ لا أحملك
حتى تمكنني من القصاص منك
فأجبذك بشدة مثلما فعلت بردائي
فأسأتَ إلي )) . فقال
له الأعرابي : والله لا أمكِّنُك
من القصاص ! قال ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : (( ولم يا
أعرابيُّ ، ألا تستحق مكان
السيئة القصاص ؟ )) . قال
الأعرابي : لأنك لا تكافئ
بالسيئة السيئة . . . عرف
الأعرابي أنَّه تسرَّع فأخطأ ،
والرسول عليه الصلاة والسلام
مثال الرجل الخلوق ، والطبع
السليم والتصرف الحكيم . فضحك
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم
دعا عمر فقال له : (( احمِلْ له
على بعيريه هذين ، على بعير
تمراً ، وعلى الآخر شعيراً )) . . . وجاء
رجل آخر من الأعراب إلى رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم
يسلّم عليه بل فعل ما فعله
الأعرابي الأوّل ، فقد شدَّ
رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ من برده حتى بَدَتْ صفحةُ عنقه
وقد أثرت فيها حاشية بُرده من
شدة الجبذة ، ثم قال ما قاله
أخوه من الأعراب : مُرْ لي من مال
الله الذي عندك ، فالتفت إليه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ بعين
البصيرة ـ وكل نظر الرسول
الكريم بصيرة ـ فرأى فيه رجلاً
بسيطاً نقيَّ السريرة ، فأراد
تثبيته على الإيمان ، وأن يجنبه
الفتن والمزالق ، ويسلك به مسلك
الرحمة والهداية ، فهذا أدعى
إلى إسلامه ودخوله الجنّة ،
والرسول الكريم حريص علينا رحيم
بنا . التفت إليه النبي الكريم ـ
صلى الله عليه وسلم ـ وضحك ، ثم
أمر له بعطاء ، وقال له : (( يا
أعرابي ، هل أحسنتُ إليك ؟ )) . قال
الأعرابي وكأنه استقلَّ ما أخذ
، فقد كان يطمع بأكثر من هذا : لا
، ولا أجملتَ . فغضب
المسلمون ، وهمّوا أن يقوموا
إليه مؤدبين . فأشار
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ أن كفـّوا . فلما
قام رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ ، وبلغ إلى منزله دعا
الأعرابيَّ إلى البيت . فقال : ((
إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك
فقلتَ ماقلتَ )) فزاده رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً ،
وقال : (( أحسنتُ إليك ؟ )) . فقال
الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من
أهل وعشيرة خيراً . فقال
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((
إنك حين جئتنا وأعطيناك ، فقلتَ
ما قلتَ ، وفي نفس أصحابي عليك
من ذلك شيء ـ لقد غضبوا ـ فإذا
جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين
يديَّ حتى يذهب الغضب عن صدورهم
)) . قال
الأعرابي : نعم ، أفعلُ ذلك . فلما
جاء الأعرابي قال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : (( إن
صاحبكم كان جاءنا فأعطيناه ،
فقال ما سمعتموه ، فوجدتم عليه ،
وإنا قد دعوناه إلى البيت
فأعطيناه فزعم أنه رضي . . أكذلك
يا أعرابي ؟ )) فقال
الأعرابي : نعم جزاك الله من أهل
وعشيرة خيراً . فقال
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
معلماً ومربياً : (( إن مثـَلي
ومثـَل هذا الأعرابي كمثـَل رجل
كانت له ناقة ، فشردَتْ عليه ،
فاتّبعها الناسُ ، فلم يزيدوها
إلى نفوراً . فقال لهم صاحب
الناقة : خلّوا بيني وبين ناقتي
، فأنا أرفق بها ، وأنا أعلم بها
. فتوجه صاحبها إليها ، وأخذ لها
من نبات الأرض ، ودعاها حتى جاءت
واستجابت ، وشدَّ عليها رحلَها
؛ ولو أني أطعتكم حيث قال ما قال
، فوثبتم عليه ، لعاد كافراً
ودخل النار )) . . . بـك
يـا رسـول الله نـلـنــا
جـنّــة
وبك ابتعدنا عـن سـعيـر
النـار بـرّا
عطـوفـاً جئـتـنـا
فـهـديـتـنـا
فعليك صلَّى ذو الجلال
الباري يـا
رب فارحمنـا إذا حُـمَّ القضـا
بشفـاعـةٍ عظمى من
المخـتـار إني
أحب رسولك الهادي فهـب
لـي رفقـة الهـادي مع
الأبـرار
مـن كـان حـبُّ محمد فـي
قلبـه
نال الهناء وحاز
خير جوار(1) ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |