-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الوحدة
الألمانية تحققت.. ووحدتنا
تنتظر
على
هامش الاحتفال بمرور عشرين عاما
على سقوط جدار برلين
نبيل
شبيب
استعادت ألمانيا وحدتها
بعد أربعين عاما من تقسيمها عبر
نشأة دولتين، رأسمالية في
غربها، وشيوعية في شرقها، فضلا
عن خسارة أجزاء أخرى من أراضيها
لصالح دول شرقية آنذاك، فتجزأت
الأرض الألمانية التي اندلعت
منها حربان عالميتان مدمرتان
خلال القرن الميلادي العشرين. وقد كان التقسيم من
نتائج سياسات ألمانية سابقة
بلغت مداها عبر الحرب العالمية
الثانية، وكان تقسيم الأرض
العربية إلى دول ودويلات من
نتائج سياسات ذاتية سابقة،
وكذلك من نتائج سياسات دولية
بعد الحرب العالمية الأولى، كما
حدث من قبل على مستوى الأرض
الإسلامية. في الحادي عشر من تشرين
الثاني/ نوفمبر من كل عام تحتفل
ألمانيا الموحدة بيوم سقوط جدار
برلين، وقد مضى عليه عام 2009م
عشرون عاما، وفي الأرض العربية
وحدها يُحتفل بأكثر من عشرين
يوما يُطلق عليها أيام
الاستقلال، أو أيام العيد
الوطني، وما شابه ذلك. في الماضي القريب.. لم
يكن يوم تأسيس الدولة الألمانية
الغربية سوى "مناسبة"
تُستعاد فيها ذكريات سياسية
جنبا إلى جنب مع تأكيد هدف
الوحدة الألمانية، عاما بعد
عام، على امتداد عمر الجيل الذي
عايش الحرب صغيرا، والصغار
الذين لم يعرفوا الحرب، ولكن لم
يقبلوا وقد بلغوا سن الرشد
بواقع التقسيم... فهل هذا هو
الحال مع الاحتفالات في بلادنا
بأيام الاستقلال والأعياد
الوطنية؟!.. لم يكن في الأوضاع
الدولية طوال الحرب الباردة ما
يبشر باحتمال الوحدة، أو يسوّغ
استمرار الأمل في تحقيقها، إلى
درجة أن الزعماء الألمان الذين
حققوها، كالمستشار السابق كول
ووزير خارجيته جنشر، يؤكدون هم
أنفسهم أنهم لم يكونوا يتوقعون
أن تقع قبل مماتهم التطورات
التي أوجدت فرصة سياسية
استفادوا منها لتحقيق الحلم
القديم!.. علام أصبحت الأوضاع
الدولية إذن "شمّاعة"
لاغتيال كل أمل أو حلم أو عمل
على طريق استعادة وحدة بلادنا؟.. صحيح أنه لا يوجد في
الواقع الحاضر ما يبشر باحتمال
وحدة الدول العربية من جديد،
ناهيك عن الدول الإسلامية
إحياءً لتاريخ قديم مجيد، ولكن
لا يوجد بحال من الأحوال ما
يسوّغ سلسلة من الظواهر التي
تغتال أمل الوحدة، ومنها: 1- رغم شدة النزاع بين
الدولتين الألمانيتين،
والمعسكرين الشرقي والغربي،
كانت الجهود الألمانية تُبذل
باستمرار من أجل بقاء التواصل
على المستويات الشعبية، وتحقيق
الحد الأدنى من المشاريع
المشتركة عبر حدود التجزئة (هذا
ما تصنعه الدولتان الكوريتان
أيضا!) بينما نشهد على مستوى
معظم الدول والدويلات العربية
والإسلامية درجات من التباعد
المذهل، وأحيانا العداء
الشديد، مع ممارسة سياسات
المحاور في ظل هيمنة أجنبية
وتبعيات محلية (بل وخوض الحروب
داخل الحدود كما يجري في
باكستان واليمن وسواهما حاليا)..
إضافة إلى إعطاء الأولوية
لمشاريع مشتركة (وتعاون أمني
وعسكري) مع الدول الأجنبية تجاه
الدول "الشقيقة" (وضدها)،
إلا في حدود بعض ميادين التعاون
الإقليمي، الأقرب إلى سياسات
المحاور أيضا. 2- على النقيض من مسلك
الألمان مع احتفالاتهم قبل
إعادة توحيد بلادهم، نجد
الاحتفالات المشار إليها بيوم
استقلال أو يوم وطني، على مستوى
دول ودويلات، عربية وإسلامية،
تعبر رمزيا عن السياسات الكامنة
من ورائها، الحريصة على بقاء
واقع التجزئة القطري، وهو ما
ينعكس انعكاساً أشد وأخطر، في
المناهج المدرسية كما في مادة
التاريخ والجغرافيا، وفي
السياسات الإعلامية مما باتت
الشواهد عليه يومية، ناهيك عن
تقلب العلاقات بين كل بلدين
متجاورين، ما بين قطيعة طويلة،
ولقاءات رمزية عندما تستدعي ذلك
مصلحة مؤقتة للسلطات، إنما دون
مضمون على صعيد تمتين العلاقات
الأساسية بصورة مستديمة
مستقبلية، في قطاعات التجارة
والاقتصاد ومناهج التعليم
وغيرها، بل حتى على مستوى تسهيل
المواصلات على الاقل!.. 3- خلال أربعين عاما
وزيادة من التجزئة ومن وجود
قوات الدول المنتصرة في الحرب
العالمية الثانية على الأراضي
الألمانية، لم تنقطع جهود
النخب، من مفكرين وكتاب
وإعلاميين ومثقفين وفنانين،
على مختلف المستويات، عن
استبقاء الانتماء الألماني
المشترك نابضا، وحلم الوحدة
حيا، ودروس التاريخ ناطقة بما
يخفف وطأة الحاضر ويفتح آفاقا
جديدة للمستقبل، ونكاد نرصد منذ
سنوات وسنوات، كيف أصبح كثير من
النخب العربية، يتحدث عن "موت
حلم الوحدة" و"موت
العروبة" و"أوهام التصورات
الإسلامية عن توحيد البلاد من
جديد"، بل من هذه النخب، لا
سيما من يرتبط مصلحيا بواقع
التجزئة، وسلطات التجزئة،
وأحزاب التجزئة وإن حملت شعارات
"وحدوية".. منها من يرسخ
الانقسامات الطائفية،
والقطرية، والحزبية، ويدعو
إليها ويؤجج فتنتها، بل قد
يوظفها في خدمة احتلال بلده أو
بعض بلده أو بلد مجاور، ومنها من
يشارك في اغتيال اللسان العربي
القويم ويوظف اللهجات العامية
(وهي موجودة في كل لغة ولكن ليس
على حساب اللغات الأم) لمزيد من
التشرذم والضياع.. وبتعبير موجز:
تحوّلت النخب -أو اكثرها- من دور
"قلب الوحدة وعقلها"
والقيام بأنصع دور على طريقها،
إلى دور "بوق التجزئة
وقبضتها" وتولي ما يوصف عادة
بالمهام القذرة دفاعا عنها!. • •
• ليست الوحدة العربية أو
الإسلامية حلما لتأتي هكذا
كالأحلام في ليل النائمين.. إنما
هي أمل لأصحاب الوجدان الحي،
والوعي النابض، والبصيرة
النافذة، والإرادة الصادقة،
والعزيمة الماضية، القادرين
على استشراف المستقبل فلا
تقتلهم أثقال الواقع وأغلاله،
والمخلصين في تجاوز أنفسهم
وتوجهاتهم وتصوراتهم من أجل
أمتهم فلا يساهمون بأنفسهم
وبتوجهاتهم وبتصوراتهم في
اغتيال "أحلامها" وآمالها
وحاضرها ومستقبلها. وليس تحقيق الوحدة
العربية أو الإسلامية مطلبا
سهلا، وما كان تحقيق وحدة أي
أمة، في أي عصر، سواء كان لها
القليل من مقومات الوحدة أو
الكثير -كالأمة العربية والأمة
الإسلامية- أمرا قابلا للتحقيق
من تلقاء ذاته، إنما يحققه من
يستمسك بالهدف وإن بدا بعيدا
لدى المتخاذلين، وبتشبث بالأمل
الحي المحيي ولو بدا باهتا في
أعين الغافلين، ويبذل أقصى
الجهد للحيلولة دون كل ما يطيل
الطريق إليه، ويخطو كل خطوة
قريبة ممكنة، مهما كانت محدودة،
للاقتراب منه، لحظة بعد لحظة. • •
• يجب أن نضع حدا لدعوات
التجزئة واستمرارها وترسيخها..
فليست وحدة بلادنا وشعوبنا هي
الوهم، بل الوهم الأكبر هو في
تلك الدعوات القائلة باستحالة
تحقيق الوحدة، لأن قائليها لا
يرون سوى مصالحهم الضيقة
الوقتية، ومنافعهم الهزيلة
الآنية، أو لا يملكون القدرة
على رؤية آفاق المستقبل والعمل
من أجل الارتفاع بأنفسهم للتطلع
إليها ناهيك عن العمل من أجلها
وبلوغها. يجب أن نضع حدا لدعوات
التجزئة واستمرارها وترسيخها..
لأن القسط الأعظم من الأضرار،
والكوارث، والنكبات، التي تصيب
شعوبنا وبلادنا، ويشكو معظمنا
منها ويتجاهلها بعضنا، ناجم عن
هذه التجزئة، ومصنوع بأيدي من
يدعو إلى التجزئة، مباشرة وغير
مباشرة، ويعمل على استمرارها
وترسيخها، وإن زعم أنه يعمل
لمصلحة القطر الذي يصنع هو
القرار فيه أو الذي لا يسعى من
أجل تغيير وجهة صناعة القرار
فيه، بما يحقق مصلحته ومصالح
سائر الأقطار الشقيقة. الوحدة.. من الغايات
الكبرى، وعندما يتبناها أصحاب
الاتجاهات المختلفة، كل في إطار
اتجاهه هدفا وغاية، يمكن أن
يتلاقى مع سواه على أرضية
مشتركة، ووسائل مشتركة، وجهود
مشتركة، وآنذاك.. يتحول الهدف
الكبير الذي نمعن في تمزيق
أوصاله بأنفسنا، إلى دواء من
الأدوية التي نحتاج إليها
جميعا، على مختلف المستويات،
ورغم تعدد الانتماءات، فخلاصة
كلمة الوحدة هي أنه يوجد انتماء
أكبر وأهم، وهو الأجدى ببذل
الجهد المتواصل للانطلاق منه،
وتحقيق مختلف الأهداف الأخرى،
جنبا إلى جنب مع تحقيقه، أو
كنتائج حتمية لتحقيقه. الوحدة.. من الغايات
الكبرى وتحتاج إلى الكبار
برؤاهم وتطلعاتهم وأهدافهم،
الكبار بأنفسهم، وأقلامهم،
وعطاءاتهم، وإنجازاتهم،
وتضحياتهم، فمن لا يستطيع أو لا
يريد أن يكون كبيرا، لا ينبغي أن
يجعل من نفسه وصَغار ما يفكر وما
يحلم وما يصنع، أغلالا تقيد
أولاده وأحفاده وسهاما موجهة
إلى مستقبلهم. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |