-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"
تسونامي" حصاد الفوات "
العروبة بين الأقدام" جلال
عقاب يحيى* ما كان بودّي أن أكتب عن
" المعركة"، الحرب،
الانفجار بين مصر والجزائر لأن
السبب المباشر يبدو شكليا،
وقزما حتى التفاهة، ومناقضا
لهذا التورّم والنفخ والنتائج
البائسة والخطيرة . لكنني وأنا
أسترجع أسباب حرب البسوس، وداحس
والغبراء، وأنا أقرأ العقل
المسيّر، وقد تجاوزت الأمور كل
منطق وتقدير،
أقحمت نفسي، كما أُقحم
الكثير، على دخول"
المعمعة" ولو من باب آخر علنا
نلقي الضوء على هذه الظاهرة وما
تخفيه من تركيبة العقل العربي،
خاصة الحاكم والمحرّك، وبنى
التخلف والقطرية وما تفعله
وتدوس عليه.. وسط أهازيج الطبول،
وأفراح الانتصار، وانفجار
اللامعقول، و"المأتم"
المصري المفتوح .. أنا السوري
الأصل، الجزائري الجنسية،
العروبي الانتماء، القومي
الخيار الذي تزيده هذه الفجيعة
تآكلا .. أشياء عديدة يصعب على
الكلمات الإحاطة بالظاهرة، هذا
الخزين اللاهب المنفلت من أي
عقال عقلاني . هذا الفعل وردّ
الفعل الاختلاطي، هذه التعبئات
المدروسة، خاصة في الجبهة
المصرية"المهزومة"،
وانعكاس كل ذلك على ما تبقى من
التضامن العربي، بل وتوجيه
الحراب إلى صدر الأخوة الشعبية
بحدودها الدنيا، بما في ذلك لغة
المصالح المشتركة.. ناهيك عن
القضايا العربية المبتلية
باستبداد وتحكّم أصحاب القرار،
وفلسطين، ولن أذكر العراق
المحتل ومقاومته اليتيمة.. فذلك
خارج اهتمامات أصحاب القرار،
ومافيا التحريك ، والقومية
العربية، وشعارات الوحدة
وغيرها التي صارت من "
ركام" الأزمنة الماضية . العديد يحاول قراءة ما
جرى والغوص في الأسباب
والمحركات، والكثير ممن كتب،
وبدافع المصالح القومية، على
العموم، والغيرة العروبية أو
الإسلامية، يلقي اللوم،
كعادتنا، على الخارجي :
المؤامرة . الأعداء . الصهاينة،
والبعض يضيف عدواً من هنا
وآخر من هناك ( تارة إيران، أو
أمريكا، وأخرى فرنسا وأصابعها)،
والقليل من حاول الدخول إلى
الجوهر، والجوهر أليم، مرّ .
والجوهر نتاج وحصاد، والجوهر هو
الفاتورة التي تدفعها الأجيال
بعد الخيبات والفوات وعقود
التهميش والحقرة والإذلال
واليأس ، والجوهر هو حال الأمة
المنكوبة .. وإذا كانت دراسة هذه
الظاهرة تستلزم وقفة طويلة
تتجاوز مقالنا هذا، لما لها من
علاقة بالبنى والمفاهيم
والثقافة والإرث والمكونات
والسياسة، فمن الأكيد أن ما جرى
يتجاوز كل توصيف حين تقف
العربية عاجزة عن الإحاطة بهذا
الانفجار في البلدين، ناهيك عن
المؤامرة وقصتها وحجمها
ومداليلها، والتي لم تهبط على
أحد من أية سماء افتراضية، خاصة
لمن تابع عمليات الحقن والشحن
لفترة تزيد عن الشهر قبل
المباراة(المعركة)، وخصوصا على
(الجبهة المصرية) التي سخّرت
إعلامها الثقيل كله للتعبئة،
وتسخيف وتصغير الآخر، بما في
ذلك قذفه بكثير النعوت المنفلتة
التي تمسّ أوتاره الحسّاسة،
وكرامته الوطنية، وعزته التي
يبحث عن تعويض لها في أي دريئة
ظاهرة . قبل كل ذلك يجب تسجيل
هذه الظاهرة والوقوف عندها
طويلا . ظاهرة الحركة
المجموعية، او التوحّد حول هدف
يبدو لأمثالنا هامشيا،
وجانبيا، ولا يستحق أن يكون
القاسم المشترك، ناهيك عن
المحرّض والموحّد ورأس الحربة
لما جرى واستتبع، حين تنخرط
الأغلبية الساحقة في حمّى
الحماس فتصبح أسيرته، وتتحوّل
الأقدام إلى عقول، والكرة إلى
موحّد لا يدانيه عامل آخر . والحق أنني لم أر هذا
التحشّد المجموعي، ولم اقرأ عنه
في جميع المراحل التي عرفتها
الجزائر، بما في ذلك أعياد
الاستقلال /الخامس من تموزـ
جويلية 1962/ حيث يؤكد عديد من
ساهم فيها أنها لم تصل ولا بشكل
من الأشكال إلى هذا المستوى من
الحماس والجماعية والاندفاع .
والصورة تكاد تكون مشابهة على
الصعيد المصري، ناهيك عن
المناسبات الوطنية، أو القومية
(رغم ما يعرف عن شعوبنا من
اندفاع وفوران لحظي، مناسباتي
كان قويا في مناسبات العدوان
على فلسطين أو العراق)، مما
يستوجب وقفة متأنية عند
الخلفيات والمحركات التي تدفع
مجاميعا من مختلف الشرائح
والأعمار والفئات إلى ما يشبه
" تسونامي" حقيقي ، وهو ما
يعطي فكرة عن موقع كرة القدم،
بما آلت إليه في التعويض وربما
التقويض، والحرف والتمرير
والتوجيه.. حيث الغريزة هي التي
تخنق العقل، وحيث نوعية من
الجمهور تسيطر على السائد،
تقودها أقنية إعلامية تبدو
وكأنها متصلة بشبكات عنكبوتية
للحقن والتحشيد، بما في ذلك
الاختلاق والمبالغة، وتعي ما
تريد وما تبغي ..حيث أنه لو
اجتمعت كل الأحزاب : السلطوية
والمعارضة . الحقيقية وأشباهها،
وهيئات المجتمع المدني، وحتى
رجالات الدين وغيرهم لعجزوا،
بالتأكيد، عن تحقيق هذا الحشد
وتحقينه بقضية محددة، بل إن
التجارب السابقة في محاولات
التعبئة حول أهداف وطنية أو
قومية لم تصل إلى الحد الأدنى
مما جرى.. الأمر الذي يدعو إلى
بحث هذه الحالة وعدم التقليل من
أهميتها . ****
الحساسية المصرية ـ
الجزائرية ليست جديدة،
وعواملها تداخلية مختلطة تندمج
فيها مجموعة أسباب متشابكة،
كانت تظهر في جميع المقابلات
الرياضية بين فرق البلدين،
تزيدها مواقف النظام المصري من
القضية الفلسطينية، وسلوكه
طوال " محرقة غزة"، وما
قبلها من اعتداءات وجرائم
صهيونية، أبعادا أخرى تسري
كالنار في عقول الشعب البسيط،
فيمتزج الأمس بالحاضر . الصراع
على الهوية بالصراع على
إحراز" انتصارات" زمن
الهزائم . ودون الدخول في تركيبة
الشعوب، وهو مهم لمن يريد أن
يفهم أبعاد ما يجري، أو أرضية
الاستثمار، فإن عديد المفاعلات
تعود إلى سنوات ثورة التحرير
وتفاعلاتها مع القيادة القومية
الناصرية( كموقع الداخل والخارج
ـ التدخل بالشأن الداخلي وحدوده
ـ العروبة ورفض بنية قومية،
إثنية لها، خاصة بتلك الإطلاقات
التي انتشرت ـ بن بيلا وبومدين..
ثم معركة التعريب وتماوجاتها
وتلاوينها..وما خلفه الوجود
العربي، خاصة المصري من آثار
يطفو السلبي فيه ويصبح مادة
للاستخدام خاصة من قبل الاتجاه
الفرانكفوني القوي، وتلك
المواقع الرافضة للتعريب
ولتحديد هوية وانتماء الجزائر
كجزء من أمة عربية.....).. هذه المخلفات كان يكمن
ابتلاعها، أو تجاوزها في مراحل
النهوض والانتصار، أو بحال وجود
مشروع عربي نهضوي متوازن، أو
علاقات عربية عربية مفتوحة
الأفق، واضحة السمت، أو أوضاع
ديمقراطية حقيقية تؤمن اللقاء
والتفاعل والاحتكاك، وتقوي
مفاعيل الهوية والانتماء وليس
العكس. وفوق ذلك . فوق
الانكسارات والهزائم، وعقود
القطرية وما دونها بكثير . وفوق
بلاوي الأمة وانهياراتها على يد
أنظمة استبدادية أبدية، فإن
خروج مصر : الثقل، والبلد
الأكبر، والعمود الفقري
المعهود من دائرة الصراع مع
العدو الرئيس، بل وتحولها إلى
موقع آخر، أقله الحياد،
والوساطة، والسمسرة
والترويج(نقصد النظام على طول
الخط) وتواطؤه في العدوان على
العراق واحتلاله، وتخاذله إزاء
الاعتداءات الإسرائيلية على
لبنان وغزة، وقبله الضفة..(
حوادث كثيرة تتفاعل في الضمير
الجمعي وتظهر عند الملمات) أفقد
النظام المصري ذلك الموقع الذي
وهبته مصر له، مثلما أفقدت
العرب زمام المبادرة، وتبخّر
مشروعهم القومي النهضوي.. في حين
يرفض النظام المصري الاعتراف
بهذه الحقيقة، على العكس من ذلك
فإنه في الوقت الذي يقوّي فيه
القطرية(المصرية والمَصْرَنة،
بما فيها بعث المحنط الفرعوني)
فإن منطق الاستعلاء، وخطاب
المنفخة الذي يبدو دون مضمون
عن" أم الدنيا"،
و"الكبير"، و" الأفضل"
تثير ردود فعل مباشرة تصبح
حادّة وقوية عند الاحتكاك .
ناهيك عن السخرية بالآخر،
وتمنينه، وتصويره وكأنه في
الدرك الأسفل.. لولا... هذه الأرضية التي شكلت
خلفية العلاقة بين الجزائر
ومصر، والتي وسمت جميع لقاءات
البلدين الرياضية كان يمكن
فهمها وهضمها وقضمها لولا دخول
عوامل إضافية عليها نقلها إلى
مستوى" معركة مصيرية" بين
البلدين . العوامل الإضافية كثيرة
ومتداخلة، لكنها تتشارك في محور
واحد : الفوات والتجويف والأزمة
العامة، وغياب المشروع الوطني
الجامع(ناهيك عن المشروع القومي
الغائب تماما)، وما يستتبع ذلك
من تهميش وتفقير وفساد وبيات
طويل.. وسط مجتمعات استهلاكية
متوحشة دمّرت الطبقة الوسطى،
وقوّت العصب المافياوية
المتحكمة برقاب الشعوب، وأبعدت
الشعوب عن ممارسة الحد الأدنى
من دورها، وحقوقها وحولتها إلى
ما يشبه القطيع، أو الرقم . الأجيال المتعاقبة،
ومنذ سقوط المشروع النهضوي،
الوحدوي، وفشل الدولة القطرية
حتى في حماية مجتمعاتها ووحدتها
الوطنية وحل الإشكالات
المتفاقمة، وتأبيد الاستبداد ،
وتعميم الفساد والنهب.. خالية
الوفاض من أي هدف محوري عام
تلتقي عليه، أو تلتفّ حوله، وهي
مصفوعة بقوة الأجهزة الأمنية
ورهاب السلطة وبطشها، لذلك
تناثرت وغابت عن ممارسة
السياسة، أو الاهتمام بالشأن
العام، ولم يبق لها، أو أمامها
سوى كرة القدم : بديلا وتعويضا،
فالتقطته النظم الأحادية وراحت
تلعب في ملعبه ، وتحوله إلى هدف
محوري في التجييش والتسويق
والتمرير.. والأكيد أنه لا يغيب عن
أحد أن تسويق التوريث(باعتباره
إبداع الاستبداد العربي) يحتاج
إلى وليمة كبيرة.. فكانت مقابلة
مصر مع الجزائر الفرصة والمجال،
ولهذا شنّ الإعلام المصري
الثقيل، منذ أزيد من شهر قبل
المباراة معركة تعبئة شاملة لم
يوفّر فيها مقدسات الجزائريين،
أو يراعي طبيعتهم وحساسيتهم، أو
يحسب حسابا لردود فعلهم العنيفة
والمباشرة.. فانتفضت البدوية من
عقال سجنها الطويل، وانتشت تجوب
سراديب الاحتقان بحثا عن زاد
يومي، والزاد كثير في ملفات
العلاقة بين البلدين، وفي مخيلة
المؤلفين والمفبركين
وأصحاب المصلحة في التوتير
والتصعيد و"الحرب" . نعم تضافرت عوامل كثيرة
لصنع المأساة ـ المهزلة، ونجح
المعنيون في حقن الشارعين
بأحقاد يصعب على أية تهدئات أو
مصالحات وقتية، رسمية طيّ
صفحتها، خصوصا وأن عديد النخب
من المثقفين والفنانين تورّط
فيها وبات جزءا من الحراب
الطاعنة لكل ما هو مقدس : عروبي
ووطني، وخاص بقيم كل شعب ومقدس..
إلى درجة أننا أضفنا فرجة جديدة
نصدّرها للعالم للحكم القاطع
على هذا العقل العربي السائد
الذي يحوّل مباراة رياضية إلى
معركة شرسة بين شعبين شفيفين .. إن النخب العربية
مطالبة اليوم بخلع هذا الرداء
القطري الضيّق، الممزق ورؤية ما
هو أبعد من أنفها للقيام بدورها
المأمول في محاولة التجميع
والتهدئة وليس صبّ الزيت
الحارق، وهو واجب الجميع بغض
النظر عن العباءات ولونها،
والإحراجات، أو أسواق التنافس
والتشاطر والارتزاق .. وإلى
فإننا أمام نكبة جديدة وقودها
الشعوب المغلوبة على أمرها،
وثمنها بقية ما تبقى لنا من
تضامن وآفاق إمكانية نهوض مشروع
قومي، ديمقراطي.. لتكريس
المواطنة، والحقوق الثابتة
للجميع .. ـــــــــــــ *كاتب
وباحث / الجزائر ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |