-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
صنع
في الصين عريب
الرنتاوي من فص الثوم إلى "غشاء
البكارة"، تداهمنا الصين في
كل زاوية وركن في حياتنا
اليومية، تقتحم عوالمنا من دون
استئذان، وتفرض نكهتها ومذاقها
وقيمها علينا، نحن الذين لا حول
لنا ولا قوة، الهابطين بتسارع
صوب الهاوية التي لا قاع لها،
المهمشين الذين نكاد نصبح
"مكب نفايات" مختلف الأمم
والحضارات. قبل سنوات، كنت أقف
مشدوها أمام هذا الاكتساح
الصيني لعالم "الكهربائيات
الرديئة" والأدوات المنزلية
التي تتوزع على كل ركن وزاوية في
بيوتنا ومكاتبنا، نحن الذين
بالكاد نجد قطعة ملابس واحدة
تغطي أجساد نسائنا وأطفالنا غير
مكتوب عليها: "صنع في
الصين". لكن المفاجأة تتوالى
فصولا، والاستهجان يزداد يوما
بعد يوم، فلم تعد تجد في أسواقنا
"فص ثوم" واحد من انتاج
أرضنا وفلاحينا، أو حتى من
إنتاج جيراننا وأشقائنا، كل فص
ثوم في السوق، زرع في
الصين...الأسواق مكتظة بلحم
العجل الصيني، شديد الإحمرار،
المقطع بأناقة، كأنه مكعبات
بلاستيكية، والذي لا أعرف له
طعما، لفرط "استكثاري"
للمسألة، واستنكافي الحاد عن
شراء ما هو صيني، وتفضيلي أي
دمغة أخرى على الدمغة الشهير
إياها: Made in China،
وربما كردة فعل طائشة على هذا
الطوفان الذي يكاد يغرقنا. حتى موروثنا الثقافي
والديني تحوّل إلى مادة للتصنيع
والعرض والطلب والانتاج الكبير
والتسويق الرخيص على يد المارد
الصيني الماهر، من فوانيس
رمضان، إلى سجادة الصلاة
الناطقة، مرورا بالساعات
والبوصلات المضبوطة على توقيت
مكة المكرمة، والمتجهة دوما صوب
قبلة المسلمين، ولا أدري إن كان
المسلمين / الإيغور، مشمولين
بهذا العطف والرعاية أم أنهما
معدّان لغايات التصدير فقط. نحن الذين أمضينا عقودا
في الجدل المحتدم حول "جرائم
الشرف"، لم نفطن إلى ما يمكن
أن تضيفه الصين إلى سجالاتنا،
وقصصنا المفزعة عن اليوم التالي
لليلة الدخلة، حيث الموت والعار
ينتظران من فقدت عذريتها لسبب
من الأسباب، أو بخلت عليها
الطبيعة بقطرتي دم إضافيتين،
إلى أن داهمنا المنتج الصيني
هذة المرة أيضا، بحلولة السحرية
المنسجمة مع فقر العالم الثالث
وتدني موازناته ومستوياته
الاستهلاكية. جاءنا "الترياق" من
الصين على ما يبدو، هذه المرة
ستغرق أسواقنا بأغشية بكارة
صينية، شفافة ومتعددة الأشكال
والأولوان، تعيد للمرأة
عذريتها "في خمسة أيام من دون
معلم"، والمعلم هنا هو الطبيب
الخارج على القانون، المختص
بعمليات الترقيع والرتق، هؤلاء
كسدت بضاعتهم و"خربت
بيوتهم"، إذ مقابل خمسة عشر
دولارا فقط، تستطيع المرأة أن
تشتري "غشاء" وأن تستعيد
عذريتها، وكأن شيئا لم يكن،
ويستطيع الرجل أن يستمتع
بفحولته، كلما أراد، وأن يستعيد
"النشوة الأولى"، مقابل
ثمن زهيد. التسلل الصيني إلى
حياتنا بدأ زاحفا، استولى على
صالوناتنا وغرف جلوسنا، ثم أسقط
بضربة معلم، مطابخنا وأطباقنا،
وها هو ينتهي إلى غرف نومنا
وأسرّتنا الزوجية، ولا أدري ما
الذي ستجود به المخيلة الصينية
الجامحة لابتلاع العالم وترك
بصماتها على حياة ملياراته
السبع، إنه الطوفان الأصفر،
يأتي مدججا برخيص السلع
والخدمات، بيد أنه طوفان جارف،
أين منه تسونامي المحيطات
وعواصف الصحراء ببروقها
ورعودها. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |