-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 03/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ثلاثة عشر عاما مع الجزيرة!

2-4

"الشريعة والحياة"

نوال السباعي

على هامش حديثنا عن اللعبة الإعلامية الاسلامية ، ودور قناة الجزيرة في فسح المجال لأصحابها ولأول مرة في تاريخ الإعلام الناطق بالعربية ، خمسة أسئلة في غاية من الأهمية يجب أن نطرحها عن كل من التيارين القومي والاسلامي : نشأة كل منهما ، والوسائل التي اتبعها في نشر فكره وأهدافه، وعلاقته بالسلطة والسياسة ، وعلاقته بالشعب والإنسان، وواقع وجودهما على الساحة في زمن مابين القرنين، هذه الأسئلة الخمسة ومن خلال الإجابة عليها يمكننا أن نشكل تصورا حقيقيا عن سير الأوضاع السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية في بلادنا ، كما يمكننا فهم كثير من ملابسات الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة ، باعتبارها منطقة جغرافية تجمع كل شعوبها :لغة واحدة رسمية ، وثقافة واحدة ، وتاريخ واحد ، وأهداف متطابقة، وقبل ذلك ومعه هموم وآلام ومشكلات واحدة.

في ظل الاجابة على الأسئلة الخمس المطروحة أعلاه ، يمكننا تشكيل الصورة التي وجد المشاهد في المنطقة ، مع أبناء الجاليات المهاجرة والمهجرة منها ، أنفسهم في إطارها من خلال برنامج "الشريعة والحياة" الذي كان أحد أهم برامج قناة الجزيرة ، البرنامج كان خطوة غير مسبوقة في تاريخ الإعلام العربي الديني منه والغير الديني ، من حيث الإجابة على تساؤل الهوية والانتماء الذي كان الإنسان في المنطقة العربية يطرحه على نفسه قبيل مرحلة غزو العراق وإعادة احتلال بغداد .

ثلاثة أمور مفصلية حققها البرنامج في تلك الحقبة الاستثنائية والتي استمرت خمسة سنوات على الأقل ، أولها ظهور رجل في مقام الشيخ يوسف القرضاوي في حصة إعلامية أسبوعية ليكون بعلمه ووعيه وطريقته في تناول الفقه والحياة في متناول الجمهور ، واستطاع مع الحنكة والمهنية التي تمتع بها أحمد منصور أن يرتفع بالمشاهد الناطق بالعربية في مشارق الأرض ومغاربها إلى مستوى الشريعة ، ولم ينزل قط بالشريعة إلى مستوى الفهم الشعبي المترتب لدى سكان هذه المنطقة عن المجموعة الهائلة من العادات والتقاليد الاجتماعية والإنسانية التي تشكل الثقافة "العربية " العامة التي تعيشها المنطقة ، والتي تعتبر اليوم عارا قوميا واجتماعيا وفكريا وإنسانيا علينا إذا مانحن قارناها بأسس الدين الاسلامي والحضارة الرائدة التي استطاع هذاالدين أن يبنيها في العالم خلال ألف قرن . لقد قام أحمد منصور بعمل مذهل ، ليس بسبب الجفاء والشدة والقسوة غير اللائقة التي كان يتعامل بهما مع ضيوفه ومستمعيه ومحاوريه وإخوانه، ولكن من خلال إشراكه شريحة كبيرة جدا من كتاب مجلة المجتمع الاسلامية الكويتية ، وغيرهم من الشخصيات الاسلامية المعروفة أو المغمورة ممن كانوا يشكلون في حينه جيل الصحوة الأول والثاني ، وكانوا أدوات الصحوة  من المفكرين والكتاب والأدباء والدعاة الاسلاميين ، قام بإشراكهم في التفكير معه في اختيار موضوعات حلقات البرنامج ، كما في إعداد تلك الحلقات ، كما المشاركة في الحوارات الهاتفية المباشرة.

هذه الحركة بالغة الذكاء والوعي ، منحت برنامج الشريعة والحياة حياة على حياته ، وتنوعا مذهلا من حيث الموضوعات ومحاور الحوارات ، كما منحته مستوى رفيعا من الاهتمام بهموم الناس وآلامهم ومشكلاتهم الاجتماعية والفكرية والانسانية ، الشيء الذي لم يستمر بسبب من هضم حقوق هذه الشريحة من المهتميم بالقضية الاسلامية ، وعدم ذكر أسمائهم كمشاركين في الإعداد ، وعدم الاعتراف بفضلهم وماقدموه لهذا البرنامج من خدمات جلى ، جعلت في حينه برنامج الشريعة والحياة مرجعا أساسيا إعلاميا للأسرة والمجتمع ، وموعدا أسبوعيا يلتف حوله الناطقون بالعربية  في مشارق الأرض ومغاربها. طموح أحمد منصور في الانتقال بعمله الى مستويات أخرى ، جعله يترك الشريعة والحياة ، ولم يستطع منذ ترك الشريعة والحياة أن يكون على تماس مباشر مع "الأمة" في موقع فريد للتوجيه والتوعية وإعادة صياغة التفكير الجماعي للناس في هذه المنطقة .

الثلاثي الفريد الذي شكله كل من العلامة القرضاوي والإعلامي منصور والشريحة الضخمة من الكتاب والمفكرين والدعاة الاسلاميين ، هذا الثلاثي جعل من الشريعة والحياة في حينه حصة وحيدة غير مسبوقة في الإعلام الاسلامي بل والإعلام العربي ، فسحت المجال فيم بعد لاستنساخات مشابهة في كافة وسائل الإعلام العربية المسموعة والمرئية ، دون أن يرقى أي منها إلى ذلك المستوى الرفيع والزخم الضخم الذي كان يتمتع به الشريعة والحياة في تلك الآونة .

الأمر الثاني الذي تمتع به ذلك البرنامج والذي يتعلق وفقط بالدكتور القرضاوي ، كان تلك القدرة المذهلة لدى الشيخ "المجدد" على ايجاد رؤية إسلامية معاصرة لقضايا الأمة المعاصرة ، لم يقف الشيخ أمام قضايا العصر وقفة موميائية تجعل من الفقه جثة ميتة يعرضها كل أسبوع أمام الملايين ليقوم بتشريحها واستخراج شريان من كاحل قدمها يُعَلِم من خلاله الناس حكم تجمد الدم في الدورة الدموية لجثة !! ، ولكنه كان يقدم للأمة حياة تنبض ، قلوبا حية ، أناسا يمشون ، أطفالا يقعون وينهضون ، حدائق وورود ، فقها يلمسه القاصي والداني ويفهمه البعيد والقريب ، جعل الأمة تفهم أن هذا الدين هو دنياها وآخرتها ، وحياتها وموتها ، وهو أحكام الحيض والطهارة كما هو أحكام الدرس والعمل ، وأحكام الطلاق كما هو أحكام المعاملة بين الأزواج حتى في أدق دقائق هذه العلاقة الخاصة .

لقد قدم الشريعة والحياة في حينه صورة حية عن إسلام هو فعلا الحل ، الحل لمشكلة كل امرأة وكل رجل وكل طفل ، في الحقل ، في المصنع ، في مطعم بتزا في فيينا ، على قارعة طريق في الصين ، داخل كنيسة في كندا ، في صحراء كينيا ، في زخم جنوب افريقية ، لايوجد شيء لايمكن حله من خلال الاسلام بمفاهيم عصرية واضحة سهلة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان ولكل إنسان.

لم يجلس الشيخ في برج عاجي ليُنَّظِر للناس في قال الله وقال رسوله ، لقد نزل إلى الشارع ليكون مع الناس وليأخذ بأيديهم ليرتفعوا بالاسلام الحقيقي بفهم عصري يعيه الجميع لما قال الله وقال رسوله. حتى أن المقبلين على متابعة البرنامج لم يكونوا من المسلمين الناطقين بالعربية وحدهم ، لقد كانت هناك شرائح واسعة لايستهان بها من النصارى بل ومن اليهود من الناطقين بالعربية ممن كانوا يتابعون البرنامج في اهتمام ورضى.

الأمر الثالث والذي يتعلق بهذه الملاحظة الأخيرة  كان ماترتب على البرنامج بالفعل من حركة تجديد فقهي مذهلة ، وإحداث ثورة حقيقية في عالم الاصطلاحات والمفاهيم الاسلامية الموجودة على الساحة ، لقد كان الدور الذي قام به برنامج الشريعة والحياة مفصليا ، وأساسيا في إحلال لغة جديدة في حياة المنطقة الإعلامية والفكرية والثقافية ، وطرح مصطلحات جديدة تماما على الساحة ، مثل :"مسلموا الثقافة نصارى الدين" ، و "إخواننا في الإنسانية والمواطنة" ، و" نحن لانعادي اليهود ليهويدتهم ولكن لاعتدائهم على حقوقنا ومقدساتنا " ، و " النصارى إخواننا في الانسانية والمواطنة أما الصليبيون فهم غزاة دخلوا ديارنا واستعمروها باسم الدين" ، و " فقه الأقليات المسلمة في الغرب" . هذه المصطلحات غيرت الكثير من المفاهيم لدى الناس وقربت الكثير من البعيد ، وأعادت للشريعة نبض دماء جديدة ضخها ذلك البرنامج في تلك الحقبة في عروق حياتنا الاسلامية الفكرية والفقهية والاجتماعية وحتى الفنية ، حيث تلقف هذه المفاهيم الدكتور"المجدد بفكره"  وليد سيف ليخرج علينا مع الكاتبة القاضية المبدعة دلع الرحبي والمخرج السوري المتألق حاتم علي بجملة من المسلسلات التي تشكل علامة فارقة في تاريخ الفن العربي : "صلاح الدين الأيوبي" ، " التغريبة الفلسطينية" ، و"عصي الدمع" وقد احتوت جميعها على أفكار تجديدية وتصور غير مسبوق عن المشكلات الثقافية والفكرية لدى الانسان في المنطقة العربية اليوم ، وحاولت معالجتها بطريقة استثنائية معتمدة بصورة أساسية على الصياغة الفكرية الجديدة المطروحة من قبل القرضاوي  في برنامج الشريعة والحياة .

 

ولعل من أهم الأمور التي قام بها "الشريعة والحياة" في تلك الحقبة ، هو ضم الأقليات المسلمة الناطقة بالعربية في المهاجر إلى الأمة ، واعتبارها جزءا لايتجزأ من ناحية الاهتمام بأمورها وأحوالها ومتابعة قضايا الأجيال المولودة في أوربة والتي تعد بالملايين باعتبارهم طلائع مستقبل واعد للاسلام في أرض "الديمقراطية وحقوق الإنسان" قبل أن تُدك أبراج نيويورك فتدك معها كثيرا من معاني الديمقراطية وكثيرا من حقوق الانسان العربي والمسلم المهاجر!! .

برنامج الشريعة والحياة في تلك الحقبة من تاريخ الجزيرة القصير الحافل بكل مايستحق الدرس والبحث والتمحيص الدقيق ، -أتجرأ فأقول أنني أظن -أن هذا البرنامج كان ضمن عوامل أخرى داخلية وخارجية أحد المحركات الأساسية لتقويض دور الحركات الاسلامية في المنطقة وفي المهاجر ، حيث  قدم بديلا حقيقيا هاما للدور الذي كانت تقوم به الحركات الاسلامية منذ نصف قرن في المنطقة ، وشكل مدرسة إعلامية استفاد كثيرون من تجربتها لنشر هذا النوع من البرامج التي أصبحت علامات فارقة في تلقي الناس أمور دينها ، بعضها اختفى  كبرنامج "المسلمون في الغرب " لعماد زكي في قناة اقرأ ، وبعضها مافتيء يقدم للأمة ويوميا كل جديد وهام في مختلف القنوات الفضائية الدينية والغير الدينية .

لقد كان برنامج الشريعة والحياة الإرهاص المبكر للزلزلة التي حدثت في هياكل أهداف الحركات الاسلامية والعمل الاسلامي في المنطقة وفي بلاد الغرب ، وأتى فيم بعد الداعية المتميز عمرو خالد ، ومجموعة الدعاة الذين حاكوه في الأسلوب الدعوي التجديدي ، ليشكل الجميع فيم بينهم قاعدة متينة لتقديم الاسلام فكرا وفهما وفقها ونصا للجماعة ، حلّ تدريجيا محل دور الحركات الاسلامية  التوجيهي الفكري والإعدادي الدعوي للأفراد ، والذي كان يمارس بسبب ضغط ومحاربة السلطات بشكل سري ، ليقدم الاسلام وبشكل علني إعلامي كهوية جديدة قديمة لمنطقة تمور بالصراعات الطائفية والفكرية والسياسية ، ولأول مرة منذ عقود على أنه الحل الأخلاقي- الإنساني الذي لايهتم كثيرا بالوضع السياسي الذي لم يكن قط إلا أحد إفرازات ضياع الهوية الذي تعانيه المنطقة.

-يتبع- 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ