-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قراءة
في مرتكزات السياسة التركية في
الداخل والخارج وائل
الحديني* يعتقد البعض أنه ربما لم
يسبق لرجل أن يحكم بلداً من قبره
ولمدة زادت على ثلاثة أرباع قرن
سوى رجل واحد ذاك هو أتاتورك ،
وهذا ربما إشارة إلى قوة
العلمانية التركية وقدرتها على
فرض ميولها ، رغم مرور الزمن ،
لكن العدالة والتنمية تجاوز هذا
الإعتقاد عبر عدد من الخطوات : (1) توسعة الأفاق ،
وتهميش المحددات ، وإجادة سنن
المدافعة في
مرات عديدة تدخل الجيشُ التركي
وانتصب الجنرالات برعايةٍ
علمانية لفرض واقعاً يرونه
الأصوب ، كما أن المدعي العام ُ
يقفُ دائماً على أهبة
الاستعدادِ كرأس حربةٍ ،
للمطالبة بإعدام هذا ، وحظر ذاك
، والجيشُ غالباً فى كل هذه
الأحوال أداةُ بلا عقل ! وما حدث
في الساعة التاسعة وخمس دقائق
في 10 /11 /1938عندما لفظ أتاتورك آخر
أنفاسه في
قصر دولما باغشة في اسطنبول لم
يكن يعني أن العلمانيةً
الاتاتوركية فقدت حصونها
المنيعة فحراس صنم أتاتورك
كانوا أكثر التزاماً بمبادئه ،
واشدُ تطرفاً في مواجهة أعدائه .
يشير كمال السعيد حبيب
إلى أن التقاليد العثمانية التي
تقوم على التوافق والتعايش بين
خيارات متعددة تسببت فى فشل
الأتاتوركية الإستئصالية ،
بينما تراجعت للسبب ذاته
الأربكانية الإحيائية الجذرية . أما
الأردوغانية التوافقية فى
صفتها الديمقراطية المحافظة
"العثمانية الجديدة "
والتي تبناها أردوغان وجول
وبولنت أرينش ، وعبداللطيف شنر،
قد إستوعبت الدرس ، وجعلت
الدولة تسبق الدين بخطوة ،
بإدراك جديد ، وإنتهاج خيارات
مغايرة ، لم يفرضوا مبادئ
الإسلام من أعلى ، وإنما وقفوا
مع الجميع فى نفس الصف ، ومن ثمَ
بدأو التفاوض والحوار للوصول
إلى حلول وسط .... فقد سعوا للتوفيق بين
طبيعة النظام القائم ، وتلك
الطاقات التي يملكونها بدون
صدام .. كما أنهم نجحوا فى فرض
واقع جديد يتميز بـ : 1ـ الاستقرار السياسي . 2ـ الاستقرار الأمني بعد
المضي خطوات فى الحرب ضد حزب
العمال الكردستاني من جهة ،
واستمالة الأكراد من جهة أخرى . 3ـ الاستقرار الاقتصادي
بعد التخلص من شبح الأزمات
الإقتصادية المتكررة . يقول
/ أحمد منصور : وتشكل قصة نجاح
حزب العدالة والتنمية في المجال
الاقتصادي التركي احد أهم عوامل
زيادة شعبية الحزب جماهيرياً
ومن العناصر الأساسية التي دفعت
إلى فوزه في الانتخابات
التشريعيةٍ والرئاسية الأخيرة
، والتي استطاع من خلالها
اكتساح جميع منافسيه وإخراج
النخبة العلمانية والجيش (من
حلبة المنافسة ) ووضعهم في خانة
ضيقة ، وكان الوضع الاقتصادي
البائس ، والانهيار التجاري
والمالي لتركيا هو التحدي الأول
للعدالة والتنمية ، لكنه بمرور
الوقت أصبح المعجزة التي ثبّت
اردوغان من خلالها أقدامه ،
ووضع اسمه كواحد من أهم
الشخصيات تأثيراً في التاريخ
التركي الحديث . 4ـ الإعلاء من قيمة
ثقافة التحالف مع مختلف
التيارات السياسية ، وهي خطوات
قام بها أربكان سابقاً مع بولنت
أجاويد ، وتانسوا تشيللر ! (2)
تقديم القدوة فى غيبة المصطلح : يقول سعد عبد المجيد : لم
يتخلف أردوغان يوماً عن واجب
العزاء لأي تركي يفقد عزيزاً
ويدعوه للجنازه. اقترب الطيب من
الجماهير خاصة
البسطاء منهم ، قال احدهم : نحن
نفخر بأردوغان ونعتقد أنه لن
يجرؤ أحد بعد اليوم على السخرية
منا أو إهمالنا . يشير رجل الأعمال -
التركي من أصل سوري - غزوان مصري
إلى أن : كل من يعيش فى استانبول
يدين للطيب بالماء والهواء
النظيفين ، والخضرة التى تملأ
المكان .. كانت وسائل الإعلام
سابقاً تنصح كبار السن و
الأطفال ألا يخرجوا للشارع لأن
الهواء ملوث ، كما كانت
الكمامات توزع فى الشارع . أما جول :
فلا تفارق الابتسامة وجهه
في أشد المواقف صعوبة ومشقه.. ويعتبر واحداً من
السياسيين الذين لا تأخذ
التجربة السياسية والخبرات
المتولدة عنها من الرصيد
الإنساني لديهم... وإنما تضيف
إليه ، فى رمضان .. يقوم جول
باصطحاب زوجته يومياً إلى منزل
إحدى العائلات الفقيرة
بالعاصمة أنقره لتناول طعام
الإفطار ليؤكد أنه خرج من بين
هؤلاء ، وانتمائه الحقيقي لهم . رغم ذلك وصف أردوغان
نفسه بأنه رئيس متدين لحكومة
علمانية ، مضيفاً : العلمانية
الحقيقية من وظائفها حماية
الدين والمتدينين لا محاربتهم . (3) مرحلية الإنجاز :
معركة الحجاب نموذجاً صرح اردوغان مرة ً انه
يتمنى أن يرى المحجبات
والسافرات وهن يسرن يداً بيد في
الجامعات.. ربما سيتوقف
الكثيرون أمام مقولة اردوغان
متهمين إياه بالتراجع والتنازل
!! لكن
الوضع في تركيا جدُ متداخل
ومتشابك فهذه الكلمات على
بساطتها عَدّها المدعي العام
دليلاًَ على نية اردوغان هدم
العلمانية !! وكان اردوغان في رحلته
لاستراليا عام 2004 قد تقدمت إليه
فتاتان تركيتان تدرُسان في
الجامعة هناك بعد مَنعهما من
الدراسة الجامعية في تركيا بسبب
الحجاب ، وطَلبتا منه حل
المشكلة فأجاب : ( إنني اعرف هذه
المشكلة جيداً ، وقد قاست منها
عائلتنا كثيراً فقد حصَلت
ابنتان لي على الدرجة الكافية
للالتحاق بجامعة (بوغاز إيجي)
ولكنهما لم يستطيعا الدوام في
تلك الجامعة لكونهما محجبتين ،
أنا اعرف هذه المشكلة جيداً
وارى أن حلها يتم بالتفاهم مع
الأحزاب الأخرى . لذا ارجوا ألا
يطالبني احد بحلها بشكل منفرد
لأنني لا أريد إثارة التوتر في
البلاد !) لكنه في يناير 2008 تحدث
بالقول : ( سنتخطى هذه المشكلة
معاً .. لا حاجة للانتظار
للدستور الجديد .. حل هذه
المشكلة بسيط للغاية سنجلس معاً
ونحلها بجملة واحدة )! وفى فبراير اقر
البرلمان التركي التعديلات
التي اقترحها العدالة والتنمية
على المادة 10 و42 من الدستور
بموافقة 411 عضواً وامتناع 47 عن
التصويت ، لكن المحكمة
الدستورية التركية أصدرت يوم 5
يونيو قراراً يقضي : (ببطلان
التعديلات الدستورية التي تسمح
للطالبات بدخول الجامعة
بالحجاب) وهو القرار الذي قال
اردوغان : (انه تجاوزاً لصلاحيات
المحكمة).. بينما رأى رئيس أركان
الجيش التركي "ضرورة احترام
قرار المحكمة ".. (4) بناء السياسة
الخارجية التركية على أسس
ومرتكزات طموحه : ذكر
أحمد داو دأوغلو منظر السياسة
الخارجية التركية ، ومحركها
المرتكزات التي تقوم عليها
السياسة الخارجية التركية فى
مقالاته ودراساته وأهمه كتاب
"العمق الإستراتيجي" ، وهي
تهدف من وجهة نظره إلى : ـ التوفيق بين الحريات
والأمن. ـ
تصفير المشكلات مع دول الجوار
والوصول إلى علاقات جيدة مع
الجميع : (حل المشكلة التركية
التي تسير بقوى حثيثة ، توقيع
إتفاقية مع أرمينيا تنهي عقود
من الصراع ، إلغاء تأشيرات
الدخول مع سوريا ). ـ
إتباع سياسات متعددة الابعاد
ومتعددة المسالك تتلائم
وتتواءم مع الظروف العالمية
المتحركة . ـ
تطوير الإسلوب الدبلوماسي ،
وإعادة تعريف تركيا من جديد
كطرف فاعل وليس مجرداً جسر
للتواصل . ولم يخفى أوغلو طموحه فى
أن تتحول تركيا إلى قوى مؤثرة فى
النظام العالمي الجديد الذي
يعتقد أنه سيتم تأسيسه خلال من 10
إلى 15 عام ، كبديل للنظام الحالي
، واستناداً لهذه المبادئ يرى
أوغلو أن توفير الأدوات
الضرورية لها بتطلب إعادة
بوصلةتركيا إلى عمقها فى العالم
الإسلامي والعربي الذي إبتعدت
عنه منذ إنهيارالسلطة
العثمانية ، مما جعلها جزء تابع
للمنظومة الغربية الإسرائيلية . خاتمة : أعتقد أن معظم الدول
العربية أيضاً
تُحكم من خلال قبور
وبسياسات مستمرة ، وضعها أموات
ولو كانوا فى الظاهر أحياءً !! فالاستبداد والقهر
يتعارضان مع مفهوم الإنسانية
والحياة ، والجمود لا يتفق
أبداً مع شرايين أوطان تتدافع
فيها الدماء وهذا يتطلب التشابك مع
الواقع وفرض قيم ما للتغلب على
جمودة ، سواء ضاقت مسالك الصدام
أم إتسعت . ـــــ *كاتب
مصري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |