-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الضغوط
النفسية وإحباطات الإنسان
العربي بوفلجة
غيات يتميز الإنسان العربي
بالشهامة والعزة والكرامة، فهو
يعتز بدينه وعقيدة ووطنه ولغته
وقبيلته وشرفه، ومختلف
انتماءاته، ومستعدّ للموت
دفاعا عنها. كما أنه يتميّز بكرم
الضيافة والعدل وعزة النفس،
والكبرياء، والصبر على المصائب
والفقر والحاجة والشدائد ومقت
الظلم ـ إلا أنه لا يسمح بخدش
كرامته وشهامته. عكس ما يقال عنه،
فالإنسان العربي يقدر المرأة
ويعتز بشرفه، وقد وجد في
الإسلام قيما تشجع على الموت
والشهادة دفاعا عن دينه وماله
وعرضه وأرضه. فالعربي رهيف الحس
والشعور، لا يقبل الظلم ويسعى
إلى نصرة المظلوم والمحتاج. إلا أن صعوبات التي
تعترضه وعجزه عن تحقيق أهدافه
ورغباته، من خلال ضغوط معرقلة،
موجهة إلى تحطيم كرامته وعزته
وكبريائه، عوامل أدّت إلى شعوره
باليأس، لدرجة أصبح الإحباط سمة
من سمات الإنسان العربي عموما. إن طبيعة شخصية الفرد هي
التي تحدّد مدى حساسيته
وقابليته للتأثر بمختلف
الأحداث الإجتماعية والإعلامية
والإقتصادية والسياسية، وبما
يجري حوله من أحداث. لهذا فإن رهافة شعور
الغرد العربي وإحساسه،
والإعتزاز بكرامته ودفاعه
المستميت عن شرفه، تجعله يتأثر
كثيرا بما يدور حوله في عالم
السياسة ببعديه الوطني
والدولي، ويعبّر عن مدى تأثره
بالضغوط النفسية التي يتعرض لها
جراء الأحداث المرتبطة ببلده
وأمته. وهكذا فإن الصعوبات
الإجتماعية والثقافية
والسياسية والإقتصادية، والفشل
والإنهزامات المتكررة للجيوش
العربية وفشلها في حروبها، وفشل
الساسة على المستويات السياسية
والإقتصادية والإجتماعية، أدّت
إلى تدعيم ظاهرة الإحباط في
المجتمعات العربية والإسلامية. نتطرق في هذا الفصل إلى
عوامل إحباط للإنسان العربي،
محاولين تشريح هذه الظاهرة،
ودراسة وتداعياتها وطرائق
مواجهتها ومعالجتها. عوامل إحباطات الإنسان
العربي: لقد عانى الفرد العربي
خلال انحطاطه وتخلفه من عدّة
أزمات نفسية، نتيجة فشل أمته في
تحقيق النمو والتقدم والرخاء،
وذلك نتيجة الفشل والإقتصادي.
وقد تعزز الإحباط نتيجة الفشل
العسكري من خلال الحروب مع
إسرائيل، واستعمار أراضيه، مما
دفع بعض المسؤولين العرب إلى
التفاوض مع أعدائهم من مواقف
ضعف، وبالتالي إلى تقديم
التنازل تلو التنازل، وهو ما
أدى بدوره إلى جرح كبرياء
الإنسان العربي، مما يؤدي إلى
الإحباط. يعرف سيلامي الإحباط
بأنه "حالة نفسية لفرد حرم من
رضا مشروع، ناتج عن خطأ في
التوقعات (...) لا يحدّد الإحباط
بالمنع ولا بالعائق، ولكن
بالمعنى الذي تتخذه بعض مواقف
شخص معيّن". وهكذا فإن الشعور
بالغبن وازدواجية المعايير في
نعامل الدول القوية تجاه مختلف
الأحداث هي عوامل تغذي وتعزز
الإحباط. وقد كان نتيجة الإحباط،
مجموعة من الإنعكاسات النفسية،
تتمثل أهمها في خيبة الأمل،
والشعور بالإهانة، وخدش في
الكرامة. وهي عوامل أثرت على
معنويات الإنسان العربي ورغبته
في المبادرة والعمل. فكما أن
النجاح يؤدي إلى تعزيز الرغبة
في العمل من أجل النجاح، فإن
الفشل يؤدي إلى فقدان الثقة
بالنفس وضعف الرغبة في العمل،
والعدول عن الأخذ بالأسباب
والمبادرة. إلى جانب العوامل
السياسية والإقتصادية
والإجتماعية، نجد أن الإعلام
المعادي ساهم في إشاعة صورة
هزلية لشخصية الإنسان العربي،
بحيث أصبح مثارا للسخرية.
فاستغلت مختلف الطرائق
الإعلامية والثقافية، ودفعت
شعوب العالم إلى الإعتقاد بها.
وقد كان لذلك بعض النجاح، حيث
أصبح الإنسان العربي لا يؤمن
بقدراته وإمكانياته، وأصبح
يفضل كل ما هو أجنبي عما هو عربي
ووطني وقومي. بل أن بعض الأفراد
وصلوا إلى مرحلة اليأس، وهم
يرون أنه لا يمكن للمجتمع
العربي الخروج من تخلفه
ومشاكله، وأنه يجب الإعتماد على
الغير وتقديره، والقبول
بسلطاته وبتفوقه. إن هذه الوضعية تجعل
المواطن العربي عموما، يشعر
بالظلم والغبن واليأس
والإحباط، وما يترتب عليه من
مظاهر نفسية وسلوكية متراكمة. إن فردا يعيش هذه الحالة
النفسية، ويعاني من الإحباطات،
ومن فشل القادة والمسؤولين دون
محاسبة، وانتشار الرشوة
والفساد والجهل في المجتمع،
كلها عوامل تؤدي بالأفراد إلى
التهاون والفشل والسلبية
وانتشار ظاهرة التسيب، وتوقع
الفشل والإنهزام. وبهذا يصبح
الفشل والإنهزام مظاهر عادية،
حيث يغرق المجتمع في الفقر
والإنسحابية واليأس. وهو ما
يترك آثاره على الصحة النفسية
والبدنية، ويضعف الإرادات
ويقضي على الطموحات والرغبات،
وهو ما تعاني منه المجتمعات
العربية الإسلامية عموما،
واعتبار كلّ ذلك قدرا محتوما. إن الأحداث السياسية
التي يعيشها العرب وفشلهم في
مختلف المجالات، وعدم قدرتهم
على التدخل لحل مشاكلهم
والتحسين من وضعياتهم، وعدم
رضاهم عن قادتهم، الذين عادة ما
يُُفرضون عليهم من الخارج أو
الداخل، ويمكثون في السلطة طول
حياتهم، حيث لا يكون التداول
على السلطة عادة، إلا عن طريق
الانقلاب أو الموت. إضافة إلى
ذلك ما يعانيه الأفراد من فقر
وشظف العيش وبيروقراطية خانقة،
وصعوبات اقتصادية. كلّ هذه الأحداث تزيد من
معاناة الأفراد وإحباطاتهم
ومعاناتهم، وهو ما يؤدي إلى
ظهور سلوكات غير صحّية، وتصرفات
عنيفة. مما يدفع كثيرا من
الأفراد إلى التطرف الديني
واعتماد العنف في كل أشكاله
كأسلوب لمحاولة تعديل الواقع
المرّ الذي يعيشونه. وهو ما
يساعد الجمعيات المتطرفة على
تسهيل إدماج عناصر جديدة،
للقيام بمختلف الأعمال، بما في
ذلك الانتحارية منها. تكرار الفشل وتعزيز
الإحباط: يتم الإحباط نتيجة عدم
التمكن من تحقيق الأهداف التي
يسطرها الفرد. يتراكم ذلك مع
مرور السنين وتزايد المشاكل مما
يؤدي إلى ظهور الإحباط كسمة
نفسية للفرد. فالإحباط يضعف العزيمة
والرغبة في إنجاز المهام، مما
يؤدي إلى التشاؤم وتوقع الفشل.
فيفقد الفرد الرغبة والإقدام
والعزيمة، فينظر إلى الأمور
بمنظار أسود، ويصبح سلبيا في
تعاملاته. كما يتطور الإحباط
منذ الطفولة، من خلال تعدّد
النكسات والمحاولات الفاشلة.
إن انتشار ظاهرة
الإحباط في المجتمع تساعد على
انتشار التسيب والكسل
والتهاون، والإحجام عن
المحاولات الجدية، وهو ما يعزز
استمرار دوامة التخلف. ظاهرة الإكتئاب في
المجتمعات العربية: من المظاهر السائدة في
المجتمعات العربية عموما،
ظاهرة الإكتئاب. وهو دليل حزن
عميق، يعاني منه أفراد المجتمع،
نتيجة الأزمات المعقدة
والمتعددة الأوجه، والمستعصية
الحلّ. من سمات الإكتئاب، نجد
الحزن والغمّ الشديدين،
والإبتعاد عن الواقع والإنعزال
عن الناس والنفور منهم، وكثيرا
ما يجهل الفرد أو المقربين منه
أسباب ذلك، إلا أنه قد يكون بسبب
قوّة الإحباط واليأس، التي
يعاني منها الفرد بسبب عوامل
محيطية. إن ملاحظة عابرة، لوجوه
الناس في الأسواق، تبرز وجود
مسحة من الحزن عليها، كلما ظهرت
أخبار سيئة في الإعلام، في
مجتمع عانى من الأحزان والمآسي.
بينما ترتسم على وجوههم مظاهر
أكثر انبساطا بعد تلقي أخبار
سارة عن الأحداث المحلية
والعالمية. خاصة ونحن نعرف أن قنوات
التلفزيون، العربية والأجنبية،
لا تبحث إلا عن صور المظاهر
البشعة لنقلها للمشاهدين، مما
يزيدهم إحباطا وألما واكتئابا. إن هذه العوامل مجتمعة،
أدّت إلى شعور المواطن العربي،
باليأس والإحباط وخيبة الأمل،
وكلّ ذلك يتجلّى في صورة اكتئاب. لذا يجب تدعيم ثقافة
التفاؤل وعدم الإستسلام
للتهديدات، والإلتجاء إلى
العقيدة، وقوتها فهي الملجأ
الوحيد والمنقذ من أي حرب نفسية
يخوضها أعداء الإسلام عليه. قال
الله تعالى: "ولا تهنوا ولا
تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين" (سورة آل عمران/ 139). تداعيات الإحباط
والإكتئاب في المجتمع: تؤدي ظاهرة الإحباط وما
يترتب عنها من اكتئاب، إلى
مجموعة من التداعيات النفسية
والسلوكية، ومن أهم مظاهرها: - استفحال
ظاهرة التدخين، حتى بين الفتيات
وطلبة المدارس، خاصة ونحن نعيش
في مجتمع محافظ. - انتشار
ظاهرة الإدمان على المخدرات
والمشروبات الكحولية، بما في
ذلك بين طلبة الثانويات
والجامعات. - توسع
ظاهرة الهجرة بين الشباب العاطل
والمحبط، وقد توسعت هذه الظاهرة
إلى الكفاءات من خريجي الجامعات.
إن كان بالإمكان تبرير هجرة
فقراء بطالين أو مستهدفين أمنيا
أو سياسيا، فإننا نجد كثيرا من
الميسورين ماديا يهاجرون للعيش
والإستثمار بالدول الغربية،
نفورا من الجو الإجتماعي
والإقتصادي والسياسي السائدين
في بلدانهم. - تفاقم
أزمات الشباب وتأخر الزواج
وانتشار الفساد والإنحراف
والإنحلال الخلقي. - ارتفاع
نسب الفساد الإداري وانتشار
الرشوة والسرقة والجريمة
المنظمة، وإنتاج وتهريب
المخدرات وتبييض الأموال،
وتوسع ظاهرة المافيا، في
المجتمعات العربية الإسلامية. - انتشار
ظاهرة الإنتحار بشكل مخيف في
المجتمعات العربية الإسلامية
نتيجة يأس الشباب، وانسداد
الأفق في وجوههم. - اعتماد
السلطات على معالجة مختلف
القضايا بطرائق أمنية بحتة، مما
أدى إلى امتلاء السجون، وتعدد
القضايا أمام المحاكم، وكثرة
الضغوط عليها، وهو ما شجع على
توسع الرشوة إلى أجهزة القضاء،
وتوسع جهاز القضاء، وتم فتح
المزيد من السجون، وهي عوامل
أدت إلى تفاقم الأوضاع. من هنا يتبين أن الحروب
النفسية والضغوط السياسية
والإجتماعية والإقتصادية، دفعت
إلى دوامة من المشاكل والأساليب
العقيمة في معالجتها. ضرورة إعادة الثقة
للإنسان العربي: ليس تخلف المجتمعات
العربية، هو بسب الإنسان العربي
بخصائصه وسماته، لكن جل المشاكل
ناتجة عن ممارسات أنظمة الحكم
السائدة في المنطقة العربية.
وهكذا يعتبر الحكام العرب أن
المجتمع العربي عاجز ومتخلف، جاهل، لا يعرف
مصالحه، ولا يستطيع تحمل
المسؤوليات، فلا يمنحونه
أياها، لذلك فهو يتصرف كعاجز
ويتهرب عن تحمل المسؤوليات
الملقاة على عاتقه. وعليه يجب إعادة الأمور
إلى نصابها، وتصحيح النظرة عن
الإنسان العربي، ومنحه الأهمية
والمكانة التي يستحقها، ودرجة
من التقدير والإحترام، واعتبار
الشعوب واعية، لها ما تقوله في
مختلف القضايا، وبالتالي يجب
تحميلها المسؤولية وإشراكها في
اتخاذ القرارات، عندئذ تتحمل
الشعوب والأفراد مسؤوليتهم،
وهو ما يجب السعي إلى تجسيده. من هنا يتبين لنا أن
الإحباط ليس سمة من سمات
الإنسان العربي، بقدر ما هو
نتيجة لمجموعة معقدة من الضغوط،
الإجتماعية والإقتصادية
والسياسية والثقافية
والعسكرية، التي تؤثر على عواطف
ووجدان المواطن، مما أدى إلى
اليأس والقنوط والإحباط. لهذا من واجب الحكام
وولاة الأمر، التعرف على أسباب
الضغوط والعمل على مواجهتها،
وإيجاد الحلول المناسبة
للمشاكل النفسية والإجتماعية
والإقتصادية والسياسية التي
يعاني منها الإنسان العربي. وهو
ما يساعد على التخفيف على
الإنسان العربي، وتمكينه من
العيش الكريم والإعتزاز بهويته
ومقومات حضارته. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |