-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سجن
صيدنايا: على خطا الأخ التدمري
الكبير وليد
سفور* عرف سجن تدمر الصحراوي
في ثمانينات وتسعينات القرن
الماضي لدى نشطاء حقوق الإنسان
بأنه جحيم العالم. في ذلك السجن
الرهيب الذي أطلق عليه نائب
الرئيس حافظ الأسد للشؤون
الأمنية لقب "مركز التطهير
الوطني" لقي الآلاف من
المواطنين السوريين حتفهم في
وقائع التعذيب الجماعية،
ومحاكم الميدان العسكرية،
وحفلات الإعدام الجماعية،
وموائد المجازر الوحشية...
مواطنون يغلب عليهم التخصص في
علوم الطب والهندسة والعلوم
والآداب والفنون والصناعة
والتجارة والزراعة .. عرفوا
باستقامتهم وحسن سلوكهم، انتهوا
بأسلوب مأساوي صامت، لم يرشح عن
مآسيهم إلا النزر القليل دوّنه
ناجون من ذلك الجحيم في
مذكراتهم، في حين لف الصمت
الرهيب مملكة الموت التي
اكتنتفهم ومملكة الخوف التي
تكتنف ناجين آخرين ما زالوا
يعيشون في جمهورية الرعب
الوراثية. عندما أعلن عن إغلاق
القسم السياسي في سجن تدمر
الصحراوي ونقل بقايا معتقليه
إلى سجن صيدنايا تنفس العالم
الصعداء أملاً في معاملة أرفق
وغد جديد بمستقبل أفضل تنتهي
فيه ملفات الاعتقال التعسفي
والسياسي التي هيمنت على الحياة
السورية ابتداءً من انقلاب
البعث قبل نصف قرن من الزمان،
وتنهي معه روايات المفقودين
والمختفين القسريين والتعذيب
القادم من عالم غير عالم
الآدميين. لكن لم نلبث إلا
قليلاً حتى بدأت روايات
الخارجين من جحيمه تروي
قصصاً لا تختلف كثيراً عن جحيم
أخيه الأكبر القابع في الزاوية
المظلمة من الذاكرة التدمرية
الحديثة وإن كانت أخف. سمعنا عن
قسم سموه "بوابة جهنم"
يعتقل فيه أناس على خلفية
معينة، الداخل إليه مفقود
والخارج منه إلى مثوىً تحت
التراب وإن كتبت له الحياة
فمعاق لا محالة أو معتوه. وسمعنا
عن المعاملة التدمرية الحمراء
تعود إلى سجن صيدنايا بصور من
الاستمرار والتطوير والتجديد
يتناسب مع شعارات السلطة، وحتى
لا يأخذ سجن صيدنايا على خاطره!
تم إكرامه مؤخراً بمجزرة على
طراز مصغر لتلك التي دبرت في
أخيه التدمري. واليوم بدأ سجن صيدنايا
يبتلع نزلاءه. أدخلوا إليه
رغماً، وحُكموا بأحكام قاسية
ظلماً وعدواناً على حقهم في
الحرية، ولما انتهت أحكامهم
الظالمة ابتلعهم سر الأخ الأكبر
سجن تدمر الذي ابتلع قرابة
عشرين ألفاً من الأحياء. اليوم
سجن صيدنايا يبتلع المعتقلين
بينما الأهالي خارج أسواره
يأملون في لقاء أحبتهم في يوم
قريب. تماماً كما لا يزال أهالي
نزلاء سجن تدمر يأملون في لقاء
أحبتهم في يوم قريب ولكن يومهم
القريب لا يزال بعيداً وقد يكون
وأجزم أنه ليس قبل يوم الدين...
سجن يبتلع، وسجان يوغل في
الوحشية، ومعتقلون يفقدون،
وسلطات تتكتم .. تراهن على الزمن
حتى ينسى الأهالي والعالم حكاية
النهاية القسرية، والقمع
الوحشي، والتصفية الجسدية. إنها
الديمقراطية الوراثية الجديدة
على سنن الأب الراحل في
الاستمرار والتطوير والتجديد! روى لي أحد الناجين
من جحيم تدمر عن قصة اختفائه
القسري التي لحسن حظه انتهت وهو
على قيد الحياة فقال: حكمت علي
محكمة ميدانية في أول
الثمانينات بستة أشهر لأنهم
زعموا أن في شارعنا يسكن عضو من
الإخوان المسلمين واعتبرتني
المحكمة مقصراً لعدم التحري عنه
وإخبار السلطات بأمره، انتهت
الأشهر الستة اثنتان وثلاثون
مرة قبل أن يفرج عني. وأردف
قائلاً:كنت أتمنى الموت في كل
يوم عشرات المرات من وطأة
التعذيب وشدة الإهانة
والتحقير، ولما رأيته من مشاهد
لا يصدقها إلا من رآها بأم عينه،
قُتل أمامي العشرات بدم بارد
ومُثل بأجسامهم بسادية يعجز
الخيال عن وصفها، وبوحشية قلّ
في العالمين نظيراً لها. تشوهت
أجسادنا من شدة التعذيب وتشوشت
عقولنا من سوء المعاملة وشدة
الإهانة والتحقير. اليوم بدأنا
ندون أخوات هذه الروايات عن سجن
صيدنايا الذي بدأ مسيرته
بإنسانية أفضل رتبة من أخيه
التدمري الأحمر. نزلاء سجن صيدنايا
إسلاميون وإخوان مسلمين
وتحريرون ومدونون ونشطاء حقوق
إنسان وحراك مدني وسياسي وأولاد
وأحفاد معارضين لم يرتكبوا
ذنباً يخالف الدستور الذي خرقته
السلطات بقوانين استثنائية
حظرت حرية التعبير عن الرأي
والدعوة إلى الديمقراطية
والتعددية الحزبية والسياسية
واستعانت على ذلك بقضاء مخطوف
يعاني من وصاية أجهزة أمنية
وتفسيرات هلامية لمواد قانونية
أخرجت من مضامينها وطبقت في غير
موضعها. وفي كل يوم تتفاقم
الأمور في سجن صيدنايا الذي يلف
مصير نزلائه الغموض. غموض مستمر
بلا انقطاع منذ المجزرة المروعة
التي حصدت عشرات الأرواح من
نزلائه في الخامس من شهر
تموز/يوليو عام 2008 . لم تستجب
السلطات لاعتصامات واستغاثات
الأهالي الخائفين على مصير
أحبائهم فيه فمنعت الزيارات منذ
ذلك التاريخ، ولم تجب على
تساؤلاتهم، وفرضت حظراً على
الوصول إليه وإلى كل ما يوصل
لأخباره، بل ولم تفرج عن الذين
انتهت محكومياتهم فيه مثل
الناشط الحقوقي نزار الرستناوي
وغيره .. أفكار تبعث على القلق
الحقيقي تذكر بمصائر آلاف فقدوا
في الأخ التدمري الكبير. يضاف
إلى الغموض تبدل سلوكيات
السلطات وهي تخلع عنها نهائياً
برقع الإصلاح والتجديد
المستعار لتعيد لباس ثوب القمع
والقتل التدمري الأحمر. فهل
فعلاً سيعيد سجن صيدنايا سيرة
أخيه الكبير في تدمر الحمراء
بكل مآسيه ومخازيه، وهل سيسمح
العالم في عصر حقوق الإنسان
والإعلام والفضائيات بذلك! وهل
سيستمر التستر على ما يجري فيه
وفي سواه –وقد جرى- بنفاق
المنافقين وجهل المغفلين
وتطبيل الديماغوجيين! آمل أن لا
يتم ذلك بجهود المناضلين لخير
حقوق الإنسان في سورية الشآم
الخير وتعاضد محبي الإنسان
والحرية والسلام والوئام في كل
مكان. ــــــــــ *ناشط
سوري في حقوق الإنسان ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |