-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 15/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حماس في الذكرى الثانية و العشرون

بصمات مميزة في عالم المقاومة و في عالم السياسة

بقلم: أ. معتصم أحمد دلول

انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الرابع عشر من كانون الأول في العام 1987م لتقوم بتنظيم عمل المقاومة الجماهيري الذي بدأ عشوائياً للرد على الاعتداءات الصهيونية على أبناء مخيم جباليا الذين دهستهم شاحنة لأحد المستوطنين على الطريق الشرقي لمدينة غزة. و سلكت حينها الحركة منهج السرية في التنظيم و العمل لأن القرار الذي اتخذته كان يمثل انطلاقة مقاومة ضد محتل يسيطر على الوطن بأكمله؛ و هكذا للمحافظة على سير العمل و استمراريته كان يجب العمل على ذلك من أجل تجنب الضربات القاضية من قِبَل المحتل.

و بالفعل، بعد أن استمرت المقاومة التي بدأت بالحجارة و الزجاجات الفارغة و أحياناً زجاجات النار التي كان يعرفها الفلسطينيون في ذلك الوقت بالموليتوف، قام الاحتلال بتوجيه ضربات لحركات المقاومة في حينه و خصوصاً حماس لأنها كانت على الرغم من حداثتها إلا أنها فعالة و مؤثرة و موجودة بشكل قوي في ساحة المواجهات. و كانت الضربات التي تعرضت لها اعتقال الأفراد و القادة الذين تم التوصل إليهم من خلال التحقيق الشديد مع الأفراد في داخل المعتقلات.

و بجانب السبب في تواجد حماس الفعال في ساحة المواجهات و الذي جعل الاحتلال يُركز فعلاً على حركة حماس خلال انتفاضة الحجارة، كان هناك سبب آخر و هو خوف الاحتلال الحقيقي من تمكن حماس من تطوير نفسها و القيام بتطوير عمليات المواجهات من حجارة و سلاح أبيض إلى أسلحة نارية رشاشة أو ما شابه ذلك. و قد كان لهذا التخوف جذوره لدى الاحتلال حيث أن قادة حماس الذين عُرِفوا و اعتقل عدد منهم كانوا قد اِعتُقِلُوا قبل عام 1987م على خلفية تأسيس جهاز عسكري و تم ضبط أسلحة نارية مختلفة الأنواع و الأحجام في مخازن نُسبت إليهم حينها.

و لكن ما فاجأ الاحتلال في ذلك الوقت و بعد العديد من الضربات التي وُجِّهَت لحركة حماس هو حصول ما توجس منه الاحتلال سابقاً، و هو أن حماس لم تستمر في المواجهات فحسب، بل زادت فعلاً في وتيرة المواجهات و طورتها و انتقلت بها من مرحلة الحجارة و السلاح الأبيض إلى مرحلة السلاح الناري و كان ذلك على امتداد الضفة الغربية و غزة و ليس في غزة وحدها. و الذي أغاظ الاحتلال في ذلك الوقت هو الانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية بعد ضربة مخصوصة وجهها جيش الاحتلال إلى أشبال الحجارة و هي ما عُرِفت بسياسة تكسير العظام التي أعلنها رابين.

و لمحاولة قمع هذه الحركة و إيقاف مسلسل المقاومة الآخذ في التطور و إيجاع المحتل، وجه الاحتلال ضربة من نوع جديد لحركة حماس حينما قام باعتقال عدد كبير من قياداتها و نشطائها و إبعاد أكثر من أربعمائة منهم إلى منطقة مرج الزهور على الحدود اللبنانية و هي منطقة جبلية وعرة لا يمكن إقامة أي نوع من الحياة فيها.

و لكن كما اعتادت حماس على عدم تفويت الفرص التي تسنح لها و لم تكن في حساباتها، جعلت تلك فرصة لإعادة ترتيب الصفوف و تقويتها على أسس متينة حيث كانت تلك رحلة تجمع أبناء حماس في الضفة و غزة. و جعلت حماس تلك فرصة أيضاً للتواصل مع العالم الخارجي العربي و الإسلامي و الدولي و فرصة لطرح نفسها كجزء أساسي من المعادلة الفلسطينية الإسرائيلية من خلال وسائل الإعلام العالمية المختلفة التي جعلت من تلك المنطقة موئلاً لها من أجل التعرف على هذه الحركة (الغريبة الأطوار) عن قرب.

و في خضم تلك الأحداث المتلاحقة و خلال فترة الابعاد ظهرت نتائج عملية السلام التي تقودها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح و تم توقيع اتفاق أوسلو بتاريخ 9-9-1993م و بموجب تلك الاتفاقية تتكون السلطة الوطنية الفلسطينية و تقوم بإدارة الشئون المدنية في مناطق محددة من غزة و الضفة الغربية و يكون لها جيش ذا عدد محدود للقياد بالمهام المنية التي تحتاجها تلك السلطة و التي على رأسها حفظ الأمن الذي يعني نزع الأسلحة من المقاومين الفلسطينيين و حفظ أمن مناطق التماس بين الأراضي تحت سيادة السلطة و الأراضي المحتلة لمنع عمليات تسلل المقاومين و تهريب الأسلحة.

و بعد قدوم السلطة الفلسطينية بدأت مرحلة جديدة في تاريخ حركة حماس البسيط و لكنه حافل بالأحداث و التغيرات الكبيرة المؤثرة على كل الصعد. كانت معالم هذه المرحلة هي محاربة السلطة لحركة حماس و اعتقال قادتها و نشطائها و عدم ترك الفرصة لهم ليكونوا أحراراً في إدارة المقاومة حتى و لو كان ذلك لا يتحقق إلا بالدم. و كانت أولى الخطوات اغتيال الناشط من حماس ناصر صلوحة في غزة و تبعه اقتحام مسجد فلسطين في قلب مدينة غزة قبيل انتهاء صلاة الجمعة و فتح النار على المصلين و قتل أكثر من عشرة و جرح العشرات. و قد حُسِبَ لحماس موقفها في ذلك الفترة حيث لم تنجر للمواجهة مع رفقاء السلاح و أخوة الدم.

و قد استمر بعدها مسلسل الملاحقة و التعذيب في غزة و الضفة و التي شهد اعتقالات واسعة لقادة حماس و نشطائها و تعذيبهم بطرق وحشية أدت إلى استشهاد و إعاقة العديد منهم و تسليم عدد آخر للاحتلال لأنهم متهمون بإراقة دم صهاينة محتلين. و من بين الذين قضوا خلال تلك الفترة الشهيد يحي عياش الذي تم اغتياله بمساعدة جهاز الاستخبارات في تلك الفترة و اغتيال كمال كحيل و عدد من أبناء القسام كانوا برفقته و غيرهم، و في الضفة استشهاد الأخوين عماد و عادل عوض الله القياديين في القسام و تسليم المجاهد حسن سلامة و مجموعة من القسام أخرى عُرفت باسم خلية صوريف فيما بعد للاحتلال و هم معتقلون حتى الآن.

و من القياديين الذين تعرضوا للتعذيب الشديد و نُتِفت لحاهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي و الدكتور إبراهيم المقادمة و الدكتور محمود الزهار محمد الضيف و عوض سلمي و تقريباً جميع القياديين حتى الشيخ أحمد ياسين فُرِضت عليه إقامة جبرية في بيته مرتين بعد خروجه من سجون الاحتلال على الرغم من زيارة ياسر عرفات له في بيته و تقبيله من جبينه.

و للتنفيس من الضغط التي تعرضت له الحركة و بتخطيط سليم و تفكير محكم اتخذت الحركة قرار ببداية مرحلة جديدة من المقاومة كان عنوانها العمليات الاستشهادية الذي بدأها يحي عياش و استأنفها حسن سلامة و غيره و أصبحت سمةً تتميز بها حركة حماس مع أن أفراد من حركات أخرى قاموا بتنفيذ عدد من تلك العمليات. و كانت هذه بصمة في غاية الإيجابية تميزت بها حركة حماس إذ أنها لم توجه سلاحها للأخوة الذين يذيقونها الويلات و لم تقف مكتوفة الأيدي أمام مصادرة السلاح و الاعتقال و المحاربة، بل ابتكرت نوعاً جديداً مميزاً للمقاومة زرع الرعب في قلوب المحتلين.

و بعدها بدأت الانتفاضة الثانية و ضعفت السلطة أمام المقاومة الشعبية التي قام بها جميع أفراد الشعب الفلسطيني و التي قيل أن غض الطرف من قِبل السلطة لم يكن لحظة ضعف و لكن كان رغبةً في الضغط على الشريك الإسرائيلي ليكف عن المماطلة في تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه على طاولة المفاوضات. و بدأ الاحتلال بقصف المقرات الأمنية و فيها معتقلي حماس فمنهم من استشهد تحت الأنقاض و منهم من هرب و منهم من هب المواطنين لتحريرهم و لم تكن الحادثة التي حصلت مع الشهيد محمود أبو الهنود بعيدة عن تلك المشاهد حيث قام الاحتلال بقصف سجن الجنيد بنابلس بالـ F16  و دُمِر السجن و خرج منه أبو الهنود حياً بمعجزة إلهية.

و للحيلولة دون إعطاء فرصة لحركة حماس لأن تعيد ترتيب صفوفها، أصدر رئيس السلطة الراحل قرار بالإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين و لكن في هذه المرة قام الشعب من كل الأطياف على جنود السلطة و أبعدوهم عن بيت الشيخ ياسين و قُتل و جرح في هذه الحادثة عدد من المواطنين.

استأنفت حركة حماس عملها المقاوم بعد أن أعادت ترتيب صفوفها فعلاً و نفذت كثير من العمليات الاستشهادية و تفجير الدبابات و ابتكرت نوعاً جديداً من المقاومة و هو إطلاق الصواريخ التي صنَّعتها محلياً و أطلقت عليها اسم القسام. و بالتالي أصبحت المعادلة صعبة نوعاً ما بينها و بين المحتلين. فقد ركن المحتل على الحصار المفروض على تهريب الأسلحة إلى مناطق تواجد حماس، فقامت حماس بصناعة الأسلحة بأيديها و لم تعجز و أصبحت مستوطنات الاحتلال في غزة تحت مطر صواريخ القسام و تحت سكين عمليت الاقتحام المستمرة مما جعل شارون يتخذ قرار مصيري للتخلي عن وجوده في قطاع غزة بعد أن كانت غزة في العقيدة الاحتلالية الإسرائيلية جزءاً من تل أبيب.

و بعد وصول صواريخ المقاومة إلى قلب المدن المحتلة في محيط غزة و أصبح مدى تلك الصواريخ في تطور مستمر، ثارت ثائرة العالم الظالم المتحيز للاحتلال للضغط على حماس للمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الذي هو أحد نتاجات أوسلو، و كانت تلك خطوة جديدة لضرب حماس بطريقة دبلوماسية. فكانت الخطة إما أن ترفض حماس المشاركة في الانتخابات و تجري الانتخابات بدونها و بالتالي سيُطلب من الأغلبية الفائزة إصدار قانون باعتناق قانون يتواءم مع الاحتلال في المقاومة مثل المقاومة التي يعتنقها محمود عباس الآن و منظمة التحرير بقيادة فتح، أو أن تشارك حماس فتحقق أغلبية و تقوم بتشكيل حكومة ملتزمة بخدمة الاحتلال على أساس اتفاق أوسلو.

شاركت حماس في الانتخابات و فازت بأغلبية ساحقة و انتظر الجميع بحرارة و هو ينظر كيف ستزاوج حماس بين المقاومة و السلطة حيث لا يوجد في علم السياسة على مر التاريخ حركة تحرر تشارك في حكومة تحت الاحلال عدا قيامها بنفسها بتشكيل الحكومة. و نأت فتح بنفسها عن المسرح لتوقع حماس في أزمة تشكيل الحكومة، و لكن شكلت حماس الحكومة و خرجت من أول فخ و انتظر الجميع استسلامها و ترجعها تحت سيف حصار داخلي احتلالي عربي و إقليمي و دولي.

صمدت حماس في وجه كل تلك المؤامرات و استمرت في حكومتها فطالبت فتح بإعادة تشكيل الحكومة لتأخذ حصتها فيها، و وافقت حماس و شكلت حكومة وحدة وطنية و كانت للأسف فتح فيها أداة تخريب و عصيان حيث أمرت أبناء الأجهزة الأمنية بعصيان وزير الداخلية و تم الإيعاز لهم بالقيام بأعمال تخريبية تثبت أن حكومة تقودها حماس لا تستطيع توفير الطعام أو العمل أو الأمن. استعانت حماس بأبنائها و شكلت قوة تنفيذية تسمع و تطيع و قامت بحفظ الأمن على الرغم من كل المحاولات للوقوف في وجهها علناً من قِبَل فتح و أجهزتها و التي اتخذت منهجاً دموياً في محاربتها. و لكن أبناء هذه القوة الذين كانوا يرابطون على الحدود في المساء لصد العدوان الإسرائيلي و يطلقون الصواريخ على مستوطناته لم يجدوا صعوبة أبداً في إبعاد هذه الأجهزة التي رضيت أن تخدم الاحتلال عن الساحة بالقوة و تفرض الأمن في الشارع و تصبح شوارع غزة آمنة أكثر من شواريع الكثير من العواصم على مستوى العالم.

طبعاً نتيجة النجاحات التي استطاعت حماس تحقيقها و فشل مخطط إجبارها المشاركة في الانتخابات، قامت حركة فتح بالتعاون مع الاحتلال بمحاربة حماس في الضفة التي لم تستطع حماس نشر قواتها فيها بسبب التنسيق الأمني المستمر بين فتح و الاحتلال. قام الاحتلال باعتقال نواب و وزراء حماس و قامت فتح بتعطيل المجلس التشريعي و شكلت حكومة غير دستورية و دعت إلى عصيان مدني في غزة من أجل دفع الناس للثورة ضد حماس، و استطلعت حماس بأن تخرج من هذه الزوبعة و تصمد في وجه كل المؤامرات.

و لم يرُق الاستقرار في قطاع غزة بعد فشل الدعوة للعصيان المدني للاحتلال و أعوانه، فشن بدعوة من أعوانه و بمعونتهم حرباً طاحنة على غزة و قتل فيها المئات جرح الآلاف و دمر المؤسسات المدنية و الصحية و التعليمية و البنية التحتية من أجل القضاء على حماس، و لكن صمدت حماس و خرجت من الحرب قوية و لملمت جراحها بطريقة أدهشت العالم بأسره إذ أن دولاً كبيرة نالت استقلالها منذ عشرات السنين لم تصل إلى حالة من الاستقرار كما هي غزة بعد الحرب بيوم واحد فقط. و هذه بصمة لها قد جعلت من العالم بأسره بتطلع إلى تغيير سياسته في التعامل معها.

و هذه البصمة و كل تلك البصمات لها آثارها التي لا يمكن تجاهلها على كل الساحات، المحلية و الإقليمية و الدولية، و البصمة الآخيرة و هي المزاوجة بين المقاومة و الحكم كانت البصمة الأهم التي حيرت المتخصصين في علم الاجتماع و السياسة و العلوم العسكرية و غيرها حتى المراقبين و الأعداء الذين كانوا يراهنون و ما زالوا ينتظرون أن تفشل تلك التجربة الفريدة من نوعها و تسقط بموجبها حماس.

و ها هي حماس بعد اثنين و عشرون عاماً تحتفل بانطلاقتها و هي قويةً مرفوعة الرأس محفوفة بالتفاف جماهيري عارم لا يعكسه الرضى الشعبي التي تحظى به و فشل المؤامرات التي تحاك ضدها، بل يعكسه حجم المشاركة الشعبية و الفعالة بالاحتفال في ذكرى انطلاقتها السنوية في كل عام.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ