-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المسألة
الكردية إلى أين ؟ محمود
عثمان ** جذور المسألة الكردية ** عناصر المسألة
الكردية : عبد الله أوجلان .. حزب
العمال الكردستاني .. حزب
المجتمع الديمقراطي .. منظمة
الأرجناكون ** أزمة التمثيل عند
الأكراد ** الانفتاح الديمقراطي
وسياسة حزب العدالة والتنمية
تجاه المسألة الكردية ** إغلاق حزب المجتمع
الديمقراطي ** مرحلة ما بعد حزب
المجتمع الديمقراطي
** حزب السلم
والديمقراطية تعتبر المسألة الكردية
من أهم وأدق وأعقد المسائل في
منطقة الشرق الأوسط , بسبب تواجد
الأكراد على امتداد جغرافي يشمل
أربع دول في المنطقة هي تركيا
والعراق وسورية وإيران . أما
غالبيتهم فتسكن جنوب شرق تركيا
وشمال العراق .. وإذا كان أكراد
العراق قد حصلوا على حكم ذاتي في
شمال العراق بمساعدة الأمريكان
وبعد عصيانات وحروب طاحنة مع
الحكومات العراقية المتعاقبة ,
فقد رجحت أكثرية أكراد تركيا
العيش ضمن حدود الجمهورية
التركية , حيث تشير الاستطلاعات
والتقديرات _ لا يوجد إحصاء رسمي
على أساس عرقي – أن تعدادهم
حاليا حوالي أحد عشر مليون نسمة
معظمهم يعيش في المدن الكبرى
مثل استانبول وأنقرة و إزمير و
أضنة و مرسين, بل تعتبر استانبول
- وليس ديار بكر التي يعتبرها
الأكراد عاصمتهم - أكبر مدينة
كردية لأنها تؤوي 1.9 مليون كردي
وهو أكبر تجمع سكاني للأكراد !.
وقد هاجر قسم من أكراد تركيا كما
الأتراك إلى أوربا بهدف العمل
وتحصيل لقمة العيش , فشكلوا هناك
فيما بعد مركز دعم لوجستي مالي
وسياسي وإعلامي . كما استفادوا
من تجربة إخوانهم أكراد العراق .
مما ساعدهم على القيام بحركات
عصيان وتمرد , لكنها اتخذت صبغة
شيوعية ثورية يسارية لذلك لم
تلق أرضية شعبية واسعة بسبب
ميول الشعب الكردي للبساطة
والتدين . في السبعينيات من
القرن الماضي شكل عبد الله
أوجلان مع مجموعة من الشباب
الماركسي "مراكز الثورة
الثقافية الشرقية " استطاع من
خلالها الاتصال بالجماهير
الكردية . لكنه اضطر للهروب إلى
سوريا عام 1979 .. وفي عام 1980 حدث
الانقلاب العسكري بقيادة
الجنرال كنعان إفرن , حيث سيطر
العسكر على مقاليد الأمور
فأغلقوا الأحزاب السياسية ,
واعتقلوا قيادات الأحزاب و
الناشطين السياسيين , ومارسوا
ضغوطا كبيرة على كافة القوى
والأطياف السياسية نالت منها
الحركة الكردية حصة معتبرة . كما
تسببت أخطاء العسكر وسوء
معاملتهم وأهانتهم للشعب
الكردي إلى ميول الأكراد للعنف
والعصيان ودعم العناصر الثورية
المسلحة .. في هذه الأثناء
استطاع عبد الله أوجلان تجميع
بعض الكوادر الكردية وأسس عام
1984 حزب العمال الكردستاني
المسلح الذي خاض حربا ضروسا ضد
الدولة التركية راح ضحيتها ما
يقارب 35000 ألف مواطن معظمهم من
الأكراد , وكلفت خزينة الدولة ما
يفوق ثلاثمائة مليار دولار .
وتذكر بعض المصادر الموثقة –
واعترافات أعضائها -
إلى أن منظمة الأرجنكون -
الدولة الخفية – الشبه عسكرية
كان لها ضلع في تأسيس حزب العمال
الكردستاني !. وهذه المنظمة كما
مثيلاتها –الجلاديو- في الدول
الأوربية أسست بشكل سري في دول
حلف الناتو أيام الحرب الباردة
لتقوم بمهام تعجز الجيوش
النظامية على القيام بها إما
بسبب القوانين أو بحكم طبيعة
تشكيلها , وقد تم تصفيتها في
أوربا منذ الثمانينات إلى
التسعينات وكان آخرها الجلاديو
الإيطالية ومتعلقاتها من
عصابات المافيا . إلا أنها
استمرت في تركيا بسبب هشاشة
التركيبة السياسية الناتجة عن
ضعف الائتلافات الحكومية
المتنازعة فيما بينها التي حكمت
تركيا فترة التسعينات من جهة
,وقوة هذه المنظمة وامتداد
أذرعها بشكل أخطبوطي شمل كل
قطاعات الدولة والمجتمع من جهة
أخرى .. إلا أن انتخابات 2002 التي
فاز بها حزب العدالة والتنمية
بأغلبية ساحقة سمحت له بتشكيل
الحكومة بمفرده , مكنته إلى جانب
الدعم الخارجي الواضح من القيام
بعملية "تنظيف الأمعاء"
التي ما زالت محاكمها جارية
حتى اليوم .. ومهما يكن من أمر
فقد وجد حزب العمال الكردستاني
المسلح وما
يزال حماية ورعاية من أمريكا
وأوربا !. إذ لولا الفراغ الأمني
والسياسي الذي فرضته أمريكا في
شمال العراق بعد حرب الخليج
الأولى عام 1990 من خلال قوة
المطرقة التي منعت دخول القوات
العراقية شمال خط 36 لما استطاع
حزب العمال الكردستاني أن يكون
بهذه القوة . وتذكر بعض المصادر
الصحفية أن الحزب تمكن ! من
الحصول على ثلاثمائة ألف قطعة
سلاح متطورة ادعى الأمريكان
فقدانها ! في العراق ناهيك عن
أسلحة الجيش العراقي التي بيعت
في المزاد العلني بعيد سقوط
بغداد . ولا تزال بعض الدول
الأوربية تقدم الدعم والحماية
لأعضاء هذا الحزب تارة باسم
الديمقراطية , وتارة باسم حقوق
الإنسان !. حيث كانت هذه الدول
قديما تتذرع بوجود حكم الإعدام
في تركيا لكن شيئا لم يتغير بعد
مرور عشر سنوات من إلغائه !. نهاية عام 1998
تم إخراج
عبد الله أوجلان من سوريا إلى
اليونان إلى روسيا إلى إيطاليا
ثم إلى كينيا حيث تم اعتقاله
وتسليمه إلى تركيا ضمن صفقة
دولية كشفت بعض تفاصيلها فيما
بعد , وكان من أهم شروطها عدم
المساس بحياته تمهيدا لنزع سلاح
حزبه ثم انخراطه في العملية
السياسية عوضا عن ممارسة
الإرهاب !. وبهذه الطريقة
استطاعت أمريكا وحلفاؤها
الأوربيون حسم قضية تمثيل
الأكراد لصالح عبد الله أوجلان
الذي أصبح قائد الأكراد في
تركيا بلا منازع !. من جهة أخرى
كان الباب مفتوحا على مصراعيه
لدخول الأكراد ساحة العمل
السياسي في تركيا , وقد برز منهم
شخصيات كبيرة تبوأت أعلى
المناصب في الدولة التركية .
منهم عصمت إيننو الذي خلف
أتاتورك في رئاسة الدولة ورئاسة
حزب الشعب الجمهوري ثم رئاسة
الحكومة عدة مرات , ومنهم تورغوت
أوزال باني تركيا الحديثة
وغيرهم كثيرون , إضافة إلى حركات
سياسية أنشأت لتكون ذراعا
سياسية لحزب العمال الكردستاني
المسلح منها حزب الشعب
الديمقراطي تأسس عام 1994 وأغلق
بقرار من المحكمة الدستورية عام
2003 لينوب عنه حزب المجتمع
الديمقراطي الذي أغلق أيضا يوم
الجمعة الماضي بعد ثبوت تورطه
بمنظمة إرهابية
مسلحة هي حزب العمال الكردستاني
. والحزب البديل عنه جاهز أيضا
وهو حزب السلم والديمقراطية
الذي تأسس الشهر الماضي تحسبا
لإغلاق حزب المجتمع الديمقراطي
. أما تمثيلهم من خلال حزب
العدالة والتنمية فقد فاق
تمثيلهم في بقية الأحزاب الأخرى
كلها !. ورئيس الوزراء رئيس حزب
العدالة والتنمية رجب طيب
أردوغان لم يجانب الصواب عندما
صرح بأن حزبه هو الذي يمثل
الأكراد وليس غيره إذ يحوي حزبه
75 نائبا كرديا بينما مجموع نواب
حزب المجمع الديمقراطي عشرون
والأصوات التي حصلوا عليها لا
تزيد على نسبة عشرين بالمائة من
أصوات الأكراد . وهذا يدل دلالة
لا تبقي مجالا للشك بأن الأكراد
يفضلون الأحزاب المركزية . إذ لم
تخل حكومة من الحكومات من عدد
معتبر من الوزراء من أصول كردية
... إذن التمثيل السياسي للأكراد
لم ينقطع أبدا سواء كأفراد من
خلال الأحزاب السياسية بكل
أطيافها , أو من خلال أحزاب
مستقلة .. وبالرغم من أن القانون
التركي يحظر تشكيل أحزاب على
أسس مذهبية أو عرقية أو دينية
إلا أنه تم التغاضي عن حزب
المجتمع الديمقراطي بغية إفساح
المجال للسلم والوئام بديلا عن
الحرب والإرهاب . وقد بذلت
المحكمة الدستورية العليا
قصارى جهدها من أجل عدم إغلاق
هذا الحزب فأعطته مهلة عامين
للمحاكمة وهي أقصى مدة قانونية
تمنح لذلك . إلا أن إصرار عبد
الله أوجلان على الظهور بمظهر
من بيده مقاليد الأمور , وتحريكه
للشارع بدفع الشباب ممن أعمارهم
دون السن القانونية للمحاسبة
لافتعال أعمال شغب وحرق وتكسير
وتدمير للممتلكات العامة
والخاصة , والكمين الذي نصبه
مقاتلو حزب العمال الكردستاني
والذي أودى بحياة سبعة جنود
كوما ندوس أتراك لم يبق أمام
المحكمة سوى خيار الإغلاق . بل
أعاد للأذهان صلته بمنظمة
الأرجنكون التي كان لها اليد
الطولى في إحباط مذكرة تفاهم
كانت على وشك التوقيع بين
الأكراد والحكومة التركية عام
1993 لولا مقتل ثلاثة وثلاثين
جنديا أرسلوا من غير سلاح ولا
حماية ليجدوا أنفسهم عرضة
لنيران حزب العمال الكردستاني !. بعد قصقصة أجنحة منظمة
الأرجنكون , واعتماد سياسة
تصفير المشاكل مع الجيران ,
وبناء عاقلات دبلوماسية مع
أكراد شمال العراق , وتوقيع
اتفاقية التعاون الاستراتيجي
مع سوريا وقبول الأخيرة التعاون
مع تركيا بخصوص مواطنيها
الأكراد المنخرطين في صفوف حزب
العمال الكردستاني والسماح لهم
بالعودة إلى سوريا دون محاكمة
ولا محاسبة . أي بعد تهيئة
الظروف الداخلية والخارجية
أطلقت حكومة العدالة والتنمية
مشروع مصالحة يشمل كافة الفئات
والقوى والأقليات التي كانت
تعاني من الغبن والتمييز وهضم
الحقوق أسمته مشروع
"الانفتاح الديمقراطي " ,
ولأهمية المسألة الكردية
ولأنها المستهدفة بشكل أساسي
سمي فيما بعد " بالانفتاح
الكردي " , وقد بدأته بحزمة من
التعديلات الدستورية تهدف
لتوسيع نطاق الحريات العامة ,
فتم إعادة الأسماء الكردية إلى
مناطق الأكراد , واعتمدت اللغة
الكردية درسا اختياريا في
المقررات الدراسية وأنشأت
أقسام اللغة والأدب الكردي في
بعض الجامعات التركية , وفتحت
قناة تلفزيونية رسمية باللغة
التركية , وستتبعها قريبا قناة
ناطقة باللغة العربية , وأصبحت
عمليات الجيش ضد حزب العمال
الكردستاني شبه متوقفة , وصدرت
نداءات للمهاجرين الأكراد
للعودة إلى مسكنهم دون سؤال أو
محاسبة , وتم الاتفاق مع الحكومة
العراقية والأمم المتحدة على
إخلاء مخيم مخمور شمال العراق
الذي يحوي ما يزيد على اثني عشر
ألفا من الأكراد ونقل ساكنيه
إلى مناطقهم في تركيا , كما وجهت
نداءات متكررة للمقاتلين في
الجبال أن ينزلوا ويسلموا
أسلحتهم ولن يحاسبوا بل ستمحى
فيما بعد سجلاتهم العدلية لتصبح
نظيفة مما يمكنهم ممارسة العمل
السياسي في المستقبل . خلال هذه
الفترة قام وزير الداخلية الذي
أسندت إليه مهمة تنظيم ومتابعة
مشروع الانفتاح الديمقراطي
بزيارة جميع الأحزاب السياسية ,
والتقى معظم الهيئات والمؤسسات
والشخصيات ومنظمات المجتمع
المدني من كافة الانتماءات
والأعراق والمشارب , وقد أبدى
حزب المجتمع الديمقراطي الكردي
تأييده لهذا المشروع ,
واستعداده لتقديم كل ما بوسعه
من أجل إنجاحه بغية إيقاف سيل
الدم وقطع جذور الفتنة .. أما
حزبا المعارضة الرئيسيين حزب
الشعب الجمهوري وحزب الحركة
القومي فقد عارضا مشروع
الانفتاح الديمقراطي بشدة
لأسباب مصلحية حزبية بحتة
لأنهما عاجزان عن مجاراة حزب
العدالة والتنمية في الظروف
العادية فكيف بهما وقد تمكن من
حل أكبر معضلة في تاريخ تركيا
الحديث . استجابة للنداء الذي
وجهه عبد الله أوجلان إلى
مقاتلي حزبه بترك السلاح
والعودة إلى تركيا جاءت مجموعة
مكونة من أربعة وثلاثين عنصرا
من حزب العمال الكردستاني
وسلموا أنفسهم للسلطات التركية
عند معبر زاخو الحدودي مع
العراق حيث تم إطلاق سراحهم بعد
ساعات قليلة من استجواب سريع
جرى لهم هناك .. لكن حزب المجتمع
الديمقراطي قام بتنظيم حفل
استقبال حاشد قارب تعداد من
حضره المليون حسب بعض المصادر
الصحفية !. وظهرت المجموعة فوق
الحافلات بلباسها العسكري ,
وطافت الشوارع والمدن , وأطلقت
زغاريد النصر وعبارات التحدي
والهتافات المطالبة بإطلاق
سراح الزعيم عبد الله أوجلان .
الحكومة التي شجعت عودة هؤلاء
بادرت لاستنكار هذه المظاهر
المستفزة , ودعت الجميع
للاعتدال وضبط النفس في محاولة
لتخفيف حدة التوتر بالقول بأن
للسلم ثمن لابد منه مؤكدة عزمها
على المضي في مشروعها الإصلاحي
الإنساني حتى النهاية . فيما ساد
جو من الخوف والذهول بقية أطياف
المجتمع التركي !. أما حزبا
المعارضة فقد زادا من حدة
انتقادهما للحكومة , وصعدا لهجة
معارضتهما لمشروع الانفتاح
الديمقراطي . في هذه الظروف
الاستثنائية المشحونة عقدت
المحكمة الدستورية العليا
جلساتها الأخيرة للبت في طلب
المدعي العام إغلاق حزب المجتمع
الديمقراطي , فجاء القرار
بإغلاق الحزب ومنع بعض أعضائه
من ممارسة الأنشطة السياسية
ليزيد الوضع تأزما والأمور
تعقيدا .. قرار المحكمة
الدستورية كان متوقعا ولم يفاجئ
أحدا لثبوت علاقة حزب المجتمع
القومي بحزب العمال الكردستاني
المسلح بالأدلة الدامغة . بل إن
قيادته لا تنفي ذلك وتعلن ضرورة
الحديث والتفاوض مع عبد الله
أوجلان رأس الإرهاب حسب الخطاب
الرسمي التركي . قرار المحكمة هذا طرح
أسئلة كثيرة يأتي في مقدمتها
سؤال من يمثل الأكراد ؟ وهل فوت
الأكراد فرصة الانفتاح
الديمقراطي وكسروا غصن الزيتون
الممتد إليهم ؟ أم أن الحكومة هي
التي عجزت عن شرح مشروعها
وإقناع الآخرين به ؟ وما
الخيارات السياسية أمام
الأكراد في المستقبل ؟ .. أسئلة
كثيرة متداولة في الشارع
السياسي التركي وخيارات أكثر
لحلها !.. ولا أحد يتوقع كبير
تغيير يطرأ على الساحة السياسية
التركية , وأكبر دليل على ذلك
أرقام بورصة استانبول لهذا
اليوم حيث أمصت يوما عاديا
كسابقه , فيما تشير التقارير
الصحفية المصورة قيام عناصر حزب
المجتمع القومي استبدال لوائح
– آرمات – حزبهم القديم بلوائح
حزبهم الجديد حزب السلم
والديمقراطية مما يشير إلى
نيتهم استمرار أنشطتهم بنفس
الأماكن وعين الأشخاص مع بعض
التغيير في واجهة القيادة .. تعيش تركيا هذه الأيام
آلام مخاض عملية التغيير , فيما
تحاول حكومتها التخلص من رواسب
الماضي وموروثاته التي ما فتئت
تحاول الوقوف سدا في طريق
التغيير والتطوير .. ورغم كل
العثرات والعقبات والمعوقات لا
يزال قطار الديمقراطية التركية
يشق طريقه بعزيمة وثبات .. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |