-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تركيا
والمواجهة الكردية المفتوحة مسعود
عكو لم يدم طويلاً شهر العسل
التركي الكردي، فما لبث أن بدأ
مجلس الأمة بمناقشة مشروع
العدالة والتمنية لحل القضية
الكردية في البلاد، حتى أصدرت
المحكمة الدستورية العليا
قرارها بحظر حزب المجتمع
الديمقراطي أكبر الأحزاب
الكردية المرخصة، وحظر النشاط
السياسي لرئيسه أحمد تورك
والعشرات من قيادي الحزب. تركيا التي اتجهت في
السنوات الأخيرة لإيجاد حل
للقضية الكردية في البلاد،
والتي تقف كأحد أهم الأسباب
الحائلة دون انضمام تركيا
للاتحاد الأوروبي. نزع حظر حزب
المجتمع الديمقراطي أخر ورقة
توت، لتكشف عورات الساسة
الأتراك، وحقيقة توجهاتهم في
شأن حل هذه القضية التي دفع
الطرفان فيها الكثير من الدم
والمال. إن قرار حظر حزب المجتمع
الديمقراطي من قبل المحكمة
الدستورية العليا، ضرب عرض
الحائط كل المبادرات التي قامت
بها الحكومة التركية برئاسة حزب
العدالة والتمنية. بل أظهرت زيف
التوجه التركي لإيجاد حل لقومية
يتجاوز عدد مواطنيها العشرين
مليون إنسان، ذاقوا في السنوات
العشرين الماضية أقسى ما يمكن
أن تذوقه أمة في العصر الحديث.
حيث فتح النظام التركي الحرب
عليهم، لجأ عشرات الآلاف منهم
إلى الجبال كمسلحين في مواجهة
النظام، وشرد القمع التركي
الآلاف من ديارهم وأحرقت مئات
القرى الكردية واتبعت سياسة
التطهير العرقي بغية تغيير
ديموغرافية كردستان تركيا. إلا
أن صمود هذا الشعب في مواجهة
الآلة العسكرية أثبتت بأنه شعب
يحب الحياة ويقاوم من أجل أن
يعيشها. كان حري بالمحكمة
الدستورية العليا رفض طلب
الحظر، أقله أن تمنح الفرصة
للمضي في المشروع الإصلاحي
المقدم من الحكومة، وإن لم يجد
ذلك نفعاً، حينهاً تستطيع
المحكمة إصدار هذا الحظر. إن
القرار شل كل الحراك الذي قام به
أردوغان وحكومته وكل من أيقن
بضرورة حل القضية الكردية في
البلاد. إن ما قامت به تركيا في
السنوات الأخيرة من الانفتاح
باتجاه كردها، عزز فرصة إيجاد
حل للقضية الكردية في البلاد
التي تشترك تركيا معهم في وجود
قضية كردية، تؤرق ساستها، وتزعج
مخابراتها. وخاصة بعد أن وجد كرد
العراق ملجأً أمناً لهم. الأمر
المختلف كلياً في كل من إيران
وسورية، لا زال هناك الكثير من
الظلم والاضطهاد يمارس بحق
القومية الكردية في هذين
البلدين. لقد فتح قرار المحكمة
الدستورية العليا في تركيا،
المواجهة مع الكرد في كل مكان من
البلاد، أقلها المواجهات التي
يقوم بها المواطنون الكرد في
الشوارع في مواجهة الشرطة
والأمن التركي، احتجاجاً على
قرار المحكمة. وقد يلجأ الكرد
إلى سلك طرق أخرى للاحتجاج،
الخيار العسكري ما زال في
المواجهة مع النظام التركي من
قبل مقاتلي حزب العمال
الكردستاني، ومن يقاتل لأكثر من
عشرين سنة خلت، لا يضره إن استمر
في قتاله وهو أساساً لم يوقف هذه
الحرب المفتوحة، بالرغم من آلاف
الشهداء والضحايا. تركيا في مواجهة حقيقية
مع الداخل التركي. لن يقف حزب
المجتمع الديمقراطي وأنصاره
صامتين أمام هذا القرار، وربما
لن يكون فقط انسحاب كتلته من
مجلس الأمة القرار الوحيد الذي
سيتخذه الحزب في المرحلة
المقبلة، بل فتح قرار الحظر
المواجهة على مصراعيها بين شعب
تعود على الشقاء، ونظام له باع
طويل في القمع والفتك. إن تركيا
تحاول إعادة كتابة تاريخ الظلم
والاضطهاد وقمع القوميات. المواجهة التركية
الأخرى ستكون مع الاتحاد
الأوروبي وأمريكا، اللذان
انتقدا قرار الحظر، داعيان
تركيا إلى العدول عنه. فالقرار
سيؤثر بشكل مباشر على محادثات
تركيا للانضمام للاتحاد
الأوروبي، وقد تلجأ أوروبا إلى
فرض المزيد من الضغوط على تركيا
في شأن القضية الكردية. وربما
تعيد أمريكا بعض حساباتها مع
تركيا، بل من الممكن أن تلجأ
إدارة الرئيس الأمريكي باراك
أوباما إلى ممارسة دورها في هذه
القضية، خاصة أن أوباما سبق وأن
اجتمع مع رئيس حزب المجتمع
الديمقراطي أحمد تورك، في معرض
زيارته لتركيا، حيث استمع إلى
شرح مفصل عن القضية الكردية في
البلاد، وسعي الشعب الكردي
ليعيش حياته بعيداً عن الظلم
والاضطهاد. على تركيا إعادة النظر
في قرار حظر حزب المجتمع
الديمقراطي، وفتح النقاش مرة
أخرى لحل القضية الكردية في
البلاد، لعل وعسى ينهي هذا
النقاش أزمة قومية من أكبر
قوميات تركيا والشرق الأوسط،
القومية التي ذاقت وتذوق الظلم
والاضطهاد منذ عقود، سعت وتسعى
بكل ما لديها للعيش بكرامة
وحرية وأمان. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |