حسان قطب*

منذ أن خرج جنود النظام السوري من لبنان في نيسان/أبريل من العام 2005م، ومعهم التدخل السوري المباشر في الشؤون اللبنانية انقسم اللبنانيون حول طبيعة العلاقة المقبلة مع سوريا وحول كيفية وماهية أن تكون علاقة مميزة، بل كيف يمكن أن تكون مميزة، وفي أية مجالات وعلى أي صعيد وأية مستويات... اعتبر البعض أن مجرد الخروج السوري من لبنان دون بقاء موطئ قدم لهذا النظام أو حتى دور مباشر أو غير مباشر في الشأن اللبناني هو خسارة لمشروع الممانعة والمقاومة ومؤشر على انهيار جبهة أو على الأقل دليل ضعف وتراجع... وحمل هذا التوجه حزب الله وحلفاؤه في شريحة الثامن من آذار/مارس، واعتبر الفريق الأخر أن الخروج السوري من لبنان هو مقدمة لاستعادة حرية العمل السياسي والإعلامي والاجتماعي على الساحة اللبنانية وفرصة لإعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية على أسس جديدة ولكن متينة لا تستند إلى مرجعيات خارجية تقرر سلفاً ما يجب أن يطبقه اللبنانيون على أنه أوامر وتوجيهات.....

فريق من اللبنانيين من الذي ارتبط بعلاقة قوية مع النظام السوري خلال وجوده واستفاد من رعايته وغطائه السياسي والأمني اعتبر أن العلاقة مع هذا النظام هي ضرورية بل مصيرية وأنها يجب أن تكون مميزة على كافة المستويات والأصعدة.... دون الالتفات إلى طبيعة النظام السوري وعلاقاته وحواراته ومفاوضاته المباشرة وغير المباشرة مع هذه الدولة أو مع تلك حتى مع إسرائيل.. واعتبر أن الخلاف مع النظام السوري هو خلاف مع سوريا برمتها أي النظام والشعب.. بل اعتبر أيضاً أن من واجبنا نحن اللبنانيين أن نكون مدافعين عن ممارسات وأحكام وقرارات ومواقف النظام السوري على كافة الأصعدة سواء كانت داخلية أم خارجية..

الفريق الأخر من اللبنانيين، فصل في علاقاته ومواقفه ما بين النظام السوري والشعب السوري واعتبر أن الخلاف هو مع النظام السوري هو حول ممارساته في لبنان إبان فترة الوصاية.. وإنّ خروجه من لبنان يستدعي إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع هذا النظام وحدودها فقط... دون الإساءة إلى الشعب السوري الذي قد يكون فريقُ منه موالياً للنظام وقد يكون فريق أخر من هذا الشعب معارض لهذا النظام وسياساته سواء الداخلية أو الخارجية... ولم يصدر عن هذا الفريق أية مواقف تصنف الشعب السوري فريقين أحدهم ممانع والأخر خائن وعبد مأمور.. بالرغم مما تصدره المؤسسات الدولية من إدانات رسمية وغير رسمية ضمنية وعلنية للنظام السوري وممارساته وبالرغم من وجود مئات آلاف السوريين المتواجدين خارج القطر السوري لأسباب سياسية وغير سياسية... لذلك فإن أية قطيعة بين سوريا ولبنان لا يمكن أن تمس بشكل من الأشكال العلاقات الودية والأخوية بين الشعبين في كل من سوريا ولبنان مهما حاول البعض ربط العلاقة بالنظام السوري والعائلة الحاكمة فقط دون سواها من مكونات الشعب السوري وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية.....

لذا فإن أي كان شكل العلاقة السياسية بين لبنان وسوريا، سواء كانت إيجابية أو سلبية لا يمكن أن تمس بحال من الأحوال جوهر العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري.. وأن العلاقات بين لبنان وسوريا يجب أن تكون عبر المؤسسات الرسمية وإنّ مصلحة لبنان يجب أن تكون أولوية على مصالح الآخرين.. أما حول موضوع الزيارة الأخير التي قام بها مؤخراً الرئيس الحريري لسوريا والتعليقات والتحليلات التي يطلقها البعض من هنا وهناك.. فإنها يجب أن لا تغفل أن من فرض هذه الزيارة وطبيعتها ورسميتها وشكلها وحتى نتائجها.. هي نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي قال فيها الشعب اللبناني كلمته، والتي أدرك خلالها القوى اللبنانية المؤيدة لسوريا وإيران والنظام السوري والحلفاء الإقليميين والدوليين، لهذا الفريق أو ذاك أن سياسة الإرهاب ورفع الإصبع والتهديد لا تجدي نفعاً وأن الحل الوحيد هو في إتباع سياسة الحوار والانفتاح والنقاش الهادئ لحل كافة القضايا العالقة والخلافية بين النظامين وليس بين الشعبين... وما على الفريق الذي يعتبر أن سوريا هي سوريا الأسد، وليست سوريا الشعب العربي السوري وأن لبنان هو لبنان أشرف الناس وجمهور المقاومة، وليس لبنان كل اللبنانيين دون استثناء أن يدرك أن الخلاف في الرأي لا يجب أن يؤدي إلى التخوين وإلى إطلاق النعوت والألقاب الأوصاف بحق شركائه في الوطن.. وأن محاولة البحث عن صيغ توافقية وحلول جدية للأزمات لا تعني أبداً تراجعاً أو انكفاءً وهذا ما يجب أن يفكر فيه حزب الله جدياً..

ـــــــــ

* مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

-------------------------