-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"الافتراق"
التركي ـ الإسرائيلي أديب
طالب* قد يبدو غريباً، أن
الولايات المتحدة الأميركية،
صامتة عن الافتراق التركي ـ
الإسرائيلي، أو حتى راضية عن
المواقف الجديدة لأنقرة تجاه تل
أبيب. وقد يبدو أن هذا الرضى
وذاك الصمت، أو كليهما على حساب
العلاقة الاستراتيجية
الأميركية ـ الإسرائيلية. على أمل الاقتراب من
الحقيقة نقول: إن الرؤية
الأوبامية، تتضمن في ما تتضمن،
بشكل عام موقفاً جديداً من
الإسلام والإسلاميين، ومؤشرنا
على ما نقول هو خطاب الرئيس
الأميركي أوباما في القاهرة،
وزيارته لتركيا، كأول زيارة له
لدولة إسلامية، مشيداً
باعتدالها الديني. وتتضمن
الرؤية وبشكل خاص، تثميناً
إيجابياً لنموذج الحكم
الإسلامي المعتدل، بثوابته
العلمانية، وبشرعيته
الديموقراطية الانتخابية،
وببعده عن الإيديولوجيا
العسكرية ـ الدينية ـ السلطوية،
وهذا فضلاً عن الزعامة
الكاريزمية لرئيس الوزراء رجب
طيّب أردوغان، وفضلاً أيضاً عن
امتداد حزبه "حزب العدالة
والتنمية"، على طول وعرض
الأرض التركية. أما أهمية
أردوغان عند المسلمين،
فيلخّصها وصف لجنة جائزة الملك
فيصل للسلام، إذ قالت عنه:
"إنه زعيم وطني إسلامي عالمي،
خدم قضايا الأمة، وفي طليعتها
قضية فلسطين". إن كون تركيا الدولة
الإسلامية الوحيدة في حلف
"الناتو"، ولهذا الأمر
دلالة استراتيجية أعطى تركيا
مساحة قوية مناسبة، للقيام بدور
فعّال في المنطقة، بعيداً عن
إسرائيل كبوابة لأميركا
وأوروبا معاً، وبعيداً أيضاً عن
السياسات الإسرائيلية
العدوانية، إن لم يكن معاكساً
لها. إن ما هو استراتيجي
أميركي ـ تركي، مستقلّ عن ما هو
استراتيجي أميركي ـ إسرائيلي،
وهذا ما حول تركيا الى دولة من
حقها أن تقرر التعليمات التي
تناسبها، وألا تنتظر أي تعليمات
خارجية. وكما قال داوود أوغلو
وزير خارجيتها: "إن تركيا
بتاريخها وجغرافيتها وتجربتها؛
لديها الكثير لتقوله في تشكيل
النظام الجديد"، ولقد اعتبرت
الكاتبة الصحافية الهامة
"سبيل أرصلان"، في مقال لها
في جريدة "وقت" أن دور
أردوغان يتفق ورؤية وزير
الخارجية الأميركي السابق
كيسنجر، التي طرحها عام 1995،
والتي تقول: "إن تركيا دولة
محورية في الشرق الأوسط". إن ارتباط تركيا
بـ"الناتو"، ودورها
الإسلامي الإيجابي المعتدل في
المنطقة، يعزز كل منهما الآخر،
وليس كالدور السلبي لإيران
الإسلامية المتشددة، والداعم
للفوضى والفرقة والانقسام. تركيا أردوغان العلماني
الإسلامي المعتدل؛ قادرة على
استقطاب وتعاون الشعوب
الإسلامية وحكوماتها في
المنطقة، وهي بهذا التوصيف،
عامل استقرار وأمان وتنمية، وهي
تماماً عكس الدولة العبرية،
مثيرة الحروب والعدوان والفوضى
والتخلّف والتطرّف. الافتراق التركي
الإسرائيلي؛ أعطى أردوغان
مشروعية قيمية وسياسية وشعبية
لتعامله مع القضية الفلسطينية،
ومع حق الفلسطينيين في إقامة
دولتهم، ومع حقهم في صدّ
الاعتداءات المتكررة تجاههم. إن
المشروعية التي أشرنا إليها،
تختلف عما تدّعيه إيران
المتشددة من حق في حماية
الفلسطينيين؛ فليس ثمة
"نووي" تركي، وليس ثمة
"أذرع" تركية، وليس ثمة من
يقول في تركيا: "إن لنا حقنا
في إدارة شؤون العالم"، وكما
يعرف القارئ، أن هذا القول
"المأثور" هو من أقوال
الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد "المأثورة". المشروعية التركية ـ
الفلسطينية، ليست ورقة هيمنة،
وهي ليست جسراً للسلطة، وهي
ليست بطاقة رابحة على طاولة
المفاوضات؛ بل هي جزء من التزام
دولي تجاه السلام، وهي عامل
رئيس ضد الإرهاب. قال وزير
الخارجية السعودي الأمير سعود
الفيصل: "هناك أهمية للدور
التركي في حل مشاكل الشرق
الأوسط، نظراً الى الثقل الذي
تتمتع به أنقرة سياسياً
واقتصادياً، والتزامها
بالقوانين الدولية في معالجة
القضايا وبخاصة القضية
الفلسطينية والإرهاب الذي يعصف
بالمنطقة". الافتراق التركي
الإسرائيلي، عامل ممهد ورئيس في
اقتراب وانفتاح أنقرة على كل من
الرياض ودمشق وبيروت، وحتى
بغداد والمنامة والكويت. إن
الاقتراب والانفتاح، إستندا
الى المقولة التركية: "صفر من
المشاكل مع الجوار"، واستندا
الى أهمية الترابط الاقتصادي
والسياسي مع ذلك الجوار، وفي ظل
مصالح مشتركة وعادلة ومتساوية. إن دليلنا على الترابط
الاقتصادي المثمر هو أن تركيا
قد وقعت مع سوريا ومع لبنان،
أكثر من مئة اتفاق في مختلف
المجالات، وهذا قد يمهد جدياً
لسوق اقتصادية مشتركة بين
البلدان الثلاثة، قد تتجاوز
مليارات الدولارات، وفي دوائر
السياحة والمياه والكهرباء
والأغذية والألبسة. نقول هذا من
دون أن يفوتنا ما تتمتع به
العلاقات الاقتصادية السعودية
التركية من اتساع ونمو مستمرين،
وقد تم تتويج تلك العلاقات
معنوياً، بفوز أردوغان بجائزة
الملك فيصل العالمية لخدمة
السلام، ومن دون أن يفوتنا
أيضاً النمو المتسارع لكم وكيف
الصادرات التركية الى مختلف دول
العالم. قال رئيس وزراء لبنان
سعد الحريري بمناسبة زيارته
لتركيا: "تركيا ولبنان يمثلان
سوقين يتمتعان بقدرات عالية،
وبقطاع خاص استثماري، وأعتقد أن
لدينا هدفاً مشتركاً ألا وهو
تحقيق الازدهار الاقتصادي في
منطقتنا"، وقد وصف الحريري
خطوة إلغاء التأشيرات بين لبنان
وتركيا بالمهمة جداً، وأشار الى
أن إلغاء التأشيرات شمل سوريا
والأردن، وقال: "مما يعني
أننا أفسحنا المجال أمام أكثر
من مئة مليون مواطن، للتنقل
بحرية بين هذه البلدان الأربعة،
فهل يمكنكم أن تتصوروا أسواق
العمل المتاحة؟". أما دليلنا على الترابط
السياسي التركي السوري والتركي
اللبناني، فهو ما نشرته
"هآرتس" في 12/1/2010: "دائرة
العلاقات الخارجية، لا سيما
العلاقات بين إسرائيل وتركيا،
التي كانت في السابق نموذجاً
للتعاون، تعاني من أزمة خطيرة،
فرئيس الحكومة رجب طيب أردوغان،
هاجم بشدة إسرائيل منذ حملة
الرصاص المصهور، وفي كل مناسبة،
والى جانبه رئيس الحكومة
اللبنانية سعد الحريري، حيث
هاجم إسرائيل واتهما
بالاستعمال المفرط للقوة،
وسرقة المياه، ودعا الى معاملة
المفاعل النووي في ديمونا كما
يتم التعامل مع المشروع النووي
الإيراني". ان هذا الترابط
السياسي، سيجعل إسرائيل تعد الى
المئة قبل أن تفكر وتخطط أو تنفذ
أي عدوان على غزة أو لبنان. ان
ذاك الترابط خطوة وقائية من أي
حرب مقبلة، وهو مهم جداً في عالم
يسعى للتوازن الإقليمي، وفي
عالم ضاق ذرعاً بإسرائيل
وعنصريتها وعدوانها واستخدامها
المفرط دائماً لما تملكه من
قدرات عسكرية وسياسية. لقد نقل المؤتمر
الصحافي المشترك بين الحريري
وأردوغان الافتراق التركي
الإسرائيلي الى سقف عالٍ وأكثر
احمراراً. قال الحريري: "ان
الدفاع عن الأرض ليس ارهاباً،
بل العكس هو الصحيح، لأن الهجوم
على لبنان هو الارهاب الحقيقي
الذي لا يغتفر" وقال أيضاً:
"إسرائيل دولة عدوة بالنسبة
لنا في لبنان، نحن لم نهاجم
إسرائيل، نحن يُعتدى علينا". الافتراق التركي
الإسرائيلي، يتسم بالثقة
والهدوء والاتزان، والبعد عن
المواقف الاستعراضية، والتي
اتسمت بها المواقف والسياسات
الإيرانية المتشددة، وكذلك
الإسرائيلية العنصرية، وأحدث
مثال على ما نقول، هو السلوك
العنصري لمساعد وزير الخارجية
الإسرائيلية داني يالون مع
السفير التركي أوغوز جلياكول.
وهذا ما استوجب انذاراً تركياً
لإسرائيل، واستتبع اجباراً
لإسرائيل على الرضوخ
والاعتذار، واحتراماً للكرامة
القومية التركية، وتقيداً من
قبل الدولة العبرية
بالديبلوماسية وأعرافها. قال رئيس الوزراء
التركي أردوغان للصحافيين اثر
عودته من زيارة الى روسيا:
"لقد أبلغوني اننا تلقينا
الرد الذي كنا ننتظره من
الناحية الديبلوماسية، الرسالة
تتضمن اعتذاراً"، وقد نقلت
صحيفة "جيروزاليم بوست"
الإسرائيلية التي تصدر
بالانكليزية عن مسؤول في حزب
"إسرائيل بيتنا" الذي
ينتمي اليه داني ايالون، أن
نائب وزير الخارجية انتهى
سياسياً. ان الاعتذار العبري، لن
يُضعف الافتراق التركي
الإسرائيلي، فالعنصري أيالون
لم يتصرف منفرداً حين أساء
للسفير التركي، بل كان يتصرف
وفق قرار سياسي وقح وفج اتخذته
الحكومة الإسرائيلية ورئيسها
نتنياهو ووزير خارجيتها
ليبرمان. الافتراق التركي
الإسرائيلي، عنوان فريد لتطابق
القيم الأخلاقية في الصدق
والعدالة والشجاعة التركية، مع
المفاهيم العلمية الواقعية
للمصالح الاقتصادية والسياسية.
والافتراق أيضاً رفع عن صدر
تركيا أردوغان عبئاً ثقيلاً
أخلاقياً ونفسياً هو عبء
التقارب التركي الإسرائيلي
السابق. وتعرف إسرائيل وستعرف
أكثر، أن قيم تركيا أردوغان
ومصالحها مع غير الإسرائيليين،
ومع العرب والمسلمين بالذات
أكبر بكثير منها مع
الإسرائيليين المعتدين دوماً
والمتغولين مراراً وتكراراً
على تلك المصالح والقيم. الافتراق التركي
الإسرائيلي، لن يصل الى نفي
إسرائيل من الوجود، وإزالتها من
الخريطة كما "يرغب" الرئيس
نجاد، وانما قد يحد من عدوانها
الاحتلالي العسكري والسياسي
لأراضي الغير، وقد يحد من
عدوانها على الشعوب وحقها في
تقرير مصيرها حاضراً ومستقبلاً. ان توازن وذكاء أردوغان
قد رد وبشكل ممتاز على عنصرية
ولؤم وحماقة وعدوانية نتنياهو
وحكومته الاستعمارية. *كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |