-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حكايا
شبكية.. بلا توثيق ولا فائدة من
يكمن وراء الإساءة إلى الإسلام
بدعوى خدمة الإسلام؟
نبيل شبيب حمل البريد الشبكي إلي
قبل فترة وجيزة -ويحمل يوميا
الكثير من الغث والسمين- عرضا
مصورا، وإن غلبت النصوص فيه على
سواها، في مطلعه عبارة تقول: (من
أروع ما سمعت عن الإعجاز العلمي
لكتاب الله الكريم عن مادة:
الميثالونيدز).. ولأنني لم أقرأ
هذه الكلمة في القرآن الكريم
بطبيعة الحال، ولم أسمع بها
أصلا.. تابعت الصفحات التالية،
المصورة والمكتوبة، حتى الختام
التقليدي: (انشرها...).. وبين هذا
وذاك تعريف بتلك المادة
وفوائدها الصحية، وحكاية عن
اكتشاف فريق بحث ياباني عن
وجودها في "التين
والزيتون"، ملصوقة بحكاية
أخرى عن "أستاذ جامعي من
الأزهر وعميد كلية من كلياته..
سابقا" اكتشف بدوره أن قول
ذلك الفريق الياباني إن المادة
المعنية لا تفيد إلا باستخلاصها
بنسبة واحد من التين إلى سبعة من
الزيتون، يتطابق مع ما وجده هو
من أن كلمة التين مذكورة في
القرآن الكريم مرة واحدة
والزيتون 7 مرات، إحداها بصورة
غير مباشرة عن الشجرة تخرج في
طور سيناء. بين التلفيق والتوثيق لا أجهل أن القرآن
الكريم لا تنقضي عجائبه، وأننا
نجد مع كل تلاوة لها مزيدا من
الهداية والمعرفة، وقد نكتشف ما
خفي عنّا في نلاوة سابقة، إنما
ليس هذا موضوع الحديث هنا، وليس
فيه ما يُستند إليه لتسويغ ما
جاء في العرض المصوّر المذكور
عن "التين والزيتون"،
وأعلم من كتب التفسير في الأصل
أن القسم بهما هو قسم -على
الأرجح- بمواطنهما في الشام
وسيناء، كما تشير تكملة القسم
"وهذا البلد الأمين" أي مكة
المكرمة. رغم ذلك قلت في نفسي:
الفكرة الواردة في المصوّر
الشبكي جميلة، وإن لم نعتبرها
تفسيرا "حديثا"، فإذا صّحت
الحكاية الواردة فيه، أو على
الأقل إذا صحّ أصل الرواية ولو
أضيف عليها بعض "الأبهرة"
-كما يقال- فلا بأس من تقديمها في
باب "استراحة المداد" من
قبيل المنوعات والخواطر في مداد
القلم!.. ولاحظت أن فريق البحث
العلمي الياباني، لم يُذكر له
في ذلك العرض المصور اسم ولا
عنوان، رغم زعم واضع التصميم أن
أفراد الفريق من العلماء،
ورئيسهم -واسمه مجهول أيضا- قد
اعتنقوا الإسلام جميعا!.. أما "الأستاذ الجامعي
الأزهري" وفق الحكاية فقد
ذُكر اسمه، والمفروض أنه كان
عميدا في جامعة الأزهر، فبحثت
عن أي أثر له، ولم أجد شيئا على
الإطلاق سوى هذا العرض المصوّر
الذي يذكر اسمه، بل ويذكر أيضا
أن الفريق الياباني المزعوم قد
منحه براءة الاكتشاف.. وأعترف
بأنني استحييت -أو استكثرت على
الحكاية بذل جهد إضافي- أن أسأل
إدارة جامعة الأزهر عنه!.. ولفت نظري وأنا أبحث في
الشبكة أن هذا العرض المصور عن
فائدة التين والزيتون (وشخصيا
أوقن بفائدتهما سواء اكتشف
العلماء جديدا بشأنهما أم لم
يكتشفوا وأوقن بإعجاز القرآن
الكريم من دون مصورات وحكايات
شبكية) قد صُمّم وبدأ نشره منذ
عام 2007م ونحن ساعة استلامه في
البريد في أواخر عام 2009م، ووجدت
أن عددا كبيرا من المنتديات
الشبكية، لا سيما ذات الميول
الإسلامية، قد تناقلته فيما
بينها، وحيثما نُشر وجد عددا من
التعليقات المعتادة: "جزاك
الله خيرا.." "ما أروع
الإعجاز القرآني..." وما شابه
ذلك. إنما لفت نظري أيضا
-وأثلج صدري- أن بعض المشاركين
في تلك المنتديات طالبوا بتوثيق
المعلومة، وبذكر اسم الفريق
الياباني أو رئيسه، وبتحديد
المصدر الأول للخبر.. وكلما ظهرت
المطالبة بالتوثيق انقطع
الكلام على الفور، فلا جواب من
صاحب الخبر ولا ناقله ولا
المرحبين والمصفقين له!.. بين استخدام المواهب
وتضييعها ليست هذه الواقعة جديدة
أو فريدة من نوعها، فالكاتب
والقراء يستقبلون يوميا
شبيهها، وأسوأ منها، وقد صدرت
أصوات تحذير عديدة من جانب
عقلاء، من العلماء والعامة،
وممن يوصفون بالمفكرين، وبقيت
الواقعة تتكرر، بألف صيغة
وصيغة، وفي ألف ميدان وميدان. 1- إن القرآن الكريم لا
يحتاج إلى "شهادة" من علم
حديث على إعجازه العلمي وغير
العلمي، وذاك ما يقوله كبار
العلماء المتخصصين في الإعجاز
مثل د. محمد راتب النابلسي ود.
زغلول نجار نفع الله بعلمهما
وعملهما، بل القرآن الكريم هو
كلام الله المعجز الذي يشهد على
كل ما سواه، ويعطي صفة: "نعم
هذا صحيح دون جدال" لكل ما ورد
فيه دون استثناء. 2- أما من يبحث عن قصص
حقيقية أو وهمية، ويتلقفها دون
روية، ويتداولها، وينشرها،
ويطالب بنشرها، لإثبات صحة دينه
أو قرآنه، فيحتاج هو إلى تجديد
إيمانه بالله عز وجل وبكتابه
الكريم، فالشعور بعقدة النقص أو
"الفراغ" الذي لا يقبل به
الإيمانُ بالله وكتابه، هما من
أسباب اللهث وراء مثل ذلك!.. 3- إن النص القرآني يفرض
على المسلم/ المسلمة التوثق من
نبأ يأتيه، كيلا يندم من بعد،
فمن ينشر دون أن يتوثق، أو يصدق
ما يقرأ دون أن يتوثق، يخالف
النص القرآني، حتى وهو يزعم أنه
يتحدث عن الإعجاز فيه، ولا يكفي
للتوثيق القول: هذا هو المصدر
الذي نقلت عنه، دون التأكد من
أنه ليس مصدرا فاسقا أو كاذبا أو
مخطئا أو غير متخصص في المادة
المنشورة أو أنه ليس المصدر
الأصلي بل هو ناقل دون تمحيص
وتوثيق. 4- لا يكفي لتسويغ عمل من
هذا القبيل تأويل قاعدة "ناقل
الكفر ليس بكافر" والقول تبعا
لذلك: "ناقل الخبر غير الموثق
ليس بكاذب"، فهنا تسري قاعدة
أخرى تؤكد الخطأ الجسيم، فكأنه
المشاركة في إفك مختلق عبر
النقل دون تفكير بالعاقبة ولا
تمحيص: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ
بِأَلْسِنَتِكُمْ
وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم
مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا
وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
-النور: ١٥- 5- لا يقتصر الأمر على ما
يجري تداوله من جانب غير
المتخصصين في مسائل الإعجاز
القرآني، بل يشمل ميادين أخرى،
بعضها من قبيل القصص المسلية..
أو المضحكة المبكية، كمن بقي
بين أمواج البحر أربعين ساعة
وهو يواجه الأهوال لحظة بعد
لحظة، بما فيها سمك القرش الذي
يصبح وديعا بلمسة حانية عليه..
ثم خرج ناجيا من الغرق، وروى
حكايته تلك ووجد من ينشرها، أو
كمن نشر صورة فنية أبدعها أحد
الهواة على أنها صورة حقيقية
لهيكل عظمي لإنسان عملاق، فقال
إنها كانت في جزيرة العرب وإنها
من عمالقة عاد الذين ذكرهم
القرآن الكريم، أو كمن رأى صورة
الجن منحوتة في الصخر.. أو من نبش
قبر شهيد.. أو.. أو.. وجميع ذلك مما
لا يتفق مع الإسلام، ولا يدل على
أن الذين ينشرونه أو يصدقونه
لديهم "قلوب يفقهون بها". 6- كيف يعتب هؤلاء أو
بعضهم إذن على من يقول بظهور
العذراء رضي الله عنها وأرضاها،
بل كيف يعتبون على من يقول إنه
يتلقى الأمر من الله (جل وتنزه
سبحانه عما يصفون) بالحرب على
المسلمين. 7- أكاد أميل ميلة واحدة
إلى القول إن بعض ما يُنشر على
تلك الشاكلة أو جلّه، هو من
إعداد قوم لا ينطلقون من
الإسلام أصلا ولا يلتزمون به،
فليس يوجد بين حرص المسلم على
إسلامه ومثل تلك الحكايا
الشبكية المضحكة المبكية
انسجام ولا توافق، ولكن بين
خصوم الإسلام وما ينشرون -إن صح
هذا الظن أو التكهن- انسجام
كبير، ويتوافق مع كونهم يعارضون
الانطلاق من الإسلام فيما نحتاج
إليه لتحقيق أهداف النهوض
والبناء.. إيمانا وعلما وتخطيطا
وإنجازا.. وليس اعتمادا على شبكة
عنكبوتية من خلال حكايا -واهية
كخيوط العنكبوت- وتصويرها
إعجازا!.. 8- إن بعض خصوم الإسلام
لا يهزؤون فقط ممن يتناقلون في
بعض المنتديات الشبكية
الإسلامية مثل تلك الحكايا
ويسلكون مثل تلك الطرق المعوجة
لإثبات صحة القرآن الكريم -وما
هو بحاجة إلى ذلك- بل هم
يتجاهلون مواقف كبار العلماء
الموثوقين وأقوالهم، ويستغلون
بدلا من ذلك ما ينشره "أنصاف
العلماء" أو "شطّار النقل
الشبكي" فيروّجون لتصوّر
كاذب عن الإسلام، أنه دين
"صغار العقول"، وهم يعلمون
في الأصل بحقيقة الإسلام وكونه
دين الفطرة والعقل والمنطق
والعلم والعمل، ويعلمون بحقيقة
الإعجاز في آيات الله تعالى
البينة الثابتة في أنفسهم وفي
الآفاق.. ولولا الاستكبار لقل
كثيرا عدد من يعرضون عن تلك
الآيات!.. 9- إن العامة من المسلمين
المترددين على الشبكة والذين
يستلمون ذلك الكمّ المزعج من
الحكايا غير الموثقة، لم يعودوا
يتقبلونها هكذا دون تفكير،
ويوجد فيهم -كما سبقت الإشارة-
من يطالب بالتوثيق، ومن شأن
انتشار ذلك في الأوساط الشبكية
أن يجعل تلك الظاهرة -الصغيرة
سخافة الثقيلة مفعولا- تضمحلّ
وتتلاشى!.. 10- إن الذين يقومون على
إعداد تلك العروض المصورة
وأمثالها، والبحث عن حكايا
ملفقة ونشرها، يتمتعون كما يبدو
من أعمالهم بمواهب ذاتية،
ولديهم على ما يبدو نوايا
صادقة، ويحبون أن يخدموا دينهم
وأمتهم، فليوظفوا هذا كله
توظيفا هادفا، وليتذكروا أن
الله تعالى يأمر بالقول الطيب،
والحسن، والصادق، والسديد،
ويأمر بالتفكير والعطاء
والإبداع والإنجاز، ويأمر بألا
يكون في حياة المسلم/ المسلمة
فراغ، فالفراغ هو الوقت الضائع،
والوقت الضائع هو من عمر
الإنسان.. ولا تزول قدما عبد حتى
يسأل -فيما يسال- عن عمره كيف
قضاه!.. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |