-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عواصف
التغيرات الدولية وتداعياتها
على المنطقة العربية بوفلجة
غيات لقد وقعت أحداث كبيرة في
العالم، أثرت على العالم بصورة
عامة، بما في ذلك المنطقة
العربية. من هذه الأحداث، نجد
غزو التاتار لبلاد المسلمين
والحروب الصليبية واحتلال
فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في
قلب الأمة العربية. وهي أحداث
أثرت في المنطقة، إلا أن أهم حدث
سياسي في آخر القرن العشرين، هو
سقوط الإتحاد السوفياتي. وهكذا انحصر دور
الإتحاد السوفياتي الذي تفتت
إلى مجموعة دول مستقلة وتم حلّ
حلف وارسو، الذراع العسكري
للكتلة الشرقية سابقا. وهكذا
برزت روسيا الإتحادية من هذا
الركام، إلا أنها لم تتمكن من
ملء فراغ الإتحاد السوفياتي،
بما كانت له من قوة ونفوذ في
مختلف دول العالم، وخاصة في
الدول النامية. وقد تأثرت المنطقة
العربية بغياب دعم قويّ كانت
تتلقاه من الكتلة الشرقية من
أسلحة ودعم سياسي في المحافل
الدولية. وهكذا غاب الدعم القوي
الذي كانت تتلقاه الثورة
الفلسطينية ماديا وسياسيا، مما
أدى إلى استحواذ الولايات
المتحدة الأمريكية مع حلفائها
على ملف الشرق الأوسط والقضية
الفلسطينية. وإذا عرفنا أن
الغرب هو أكبر حليف لإسرائيل،
يتبين لنا حجم الخسارة العربية
في المجالات السياسية والأمنية. وفي نفس الفترة تقريبا
تزحزح موقع جمهورية مصر
العربية، وتحولت من كتلة
المواجهة والمعارضة لإسرائيل
والإمبريالية والصهيونية، إلى
حليف قوي للولايات المتحدة
الأمريكية وإسرائيل، بعد توقيع
مصر على اتفاقية السلام بكامب
ديفيد. كما أن الثورة
الفلسطينية دخلت تحت العباءة
الأمريكية بعد معاهدة أوسلو
ودخول السلطة إلى الضفة
الغربية، وتعاونها أمنيا مع
الولايات المتحدة وإسرائيل من
أجل قمع المقاومة والمعارضة،
والتي بقيت منحصرة في الحركات
والأحزاب الإسلامية، ومن أهمها
حركة حماس والجهاد الإسلامي،
بعد هيمنة حركة فتح على السلطة
وتخليها عن المقاومة المسلحة. وهكذا بقيت الولايات
المتحدة الأمريكية، القوة
العظمى الوحيدة في العالم، مما
جعلها تهيمن على الأحداث
السياسية والعسكرية في العالم.
فهي تتحكم في أقوى اقتصاد في
العالم وتهيمن على منظمات
التجارة الدولية، وتتحكم في
أقوى وأضخم ترسانة عسكرية من
خلال الحلف الأطلسي. كما أنها
تهيمن على الدبلوماسية
العالمية من خلال تحكمها في
الأمم المتحدة و المنظمات
التابعة لها، إضافة إلى مجلس
الأمن من خلال امتلاك حق النقض
"الفيتو". وقد أدى تطوّر الأحداث
وغياب الدعم القوي الذي كانت
تتلقاه بعض الدول العربية وغياب
التوازن السياسي في العالم،
وهيمنة العولمة على مختلف
التعاملات السياسية
والإقتصادية، وسقوط الكتلة
الإشتراكية وتراجع القطاع
العام كممارسات اقتصادية في بعض
الدول العربية كالجزائر وسوريا
وليبيا، إلى ظهور أزمات في
التكيف مع المستجدات، اقتصاديا
وسياسيا. وهكذا اضطرت الدول
العربية، التي كانت تعتمد
المنهج الإشتراكي، أو تلك التي
كانت تنتهج سياسة متوازنة بين
الكتلة الإشتراكية
واالرأسمالية الغربية، إلى
إعادة النظر في سياستها وأسلوب
إدارة اقتصادها بل حتى في
مواقفها السياسية. في هذه الظروف زادت
غطرسة الولايات المتحدة بعد
أحداث 11 سبتمبر 2001، مما أدى إلى
دخول قوات الحلفاء إلى
أفغانستان ثم احتلال العراق،
وما تبع ذلك من عودة طالبان
بقوة، وظهور المقاومة المسلحة
في العراق، وزيادة دور القاعدة
وانتشارها في مختلف بقاع
العالم. وهكذا تزايدت
الإضطرابات الأمنية في مختلف
مناطق الوطن العربي وظهر ما
أصبح متعارفا عليه بالإرهاب، في
الجزائر، وحدوث تفجيرات مختلفة
في المغرب وتونس والسعودية
واليمن... كما ظهرت اضطرابات
أمنية كبيرة بدعم من الغرب
لزعزعة استقرار بعض الدول، كما
حدث في السودان من دعم غربي
للجنوب ومساهمة في تعفين قضية
دارفور. كما أن الغرب مارس ضغوطا
وابتزازات على بعض الأنظمة
العربية، ومنها الضغوط على
سوريا بعد مقتل الرئيس رفيق
الحريري في لبنان واتهام
السلطات السورية بذلك، والضغوط
على ليبيا في قضية تحطم الطائرة
الأمريكية في لوكربي
الأسكتلندية، واتهامها برغبة
امتلاك أسلحة الدمار الشامل.
كما أنني لا أستبعد وجود أياد
غربية وراء الإضطرابات الأمنية
في الجزائر من أجل الضغط عليها
وابتزازها سياسيا واقتصاديا. إن العاصفة السياسية
التي أدّت إلى غياب الإتحاد
السوفياتي وبالتالي إلى زعزعة
التوازنات العالمية وإلى
التأثير السلبي على المنطقة
العربية. وهو ما جعلها تقدم
التنازلات تلو التنازلات في
قضايا الأمة الإستراتيجية، مثل
قضية فلسطين. كما جعل بعض الدول
العربية، مثل مصر والمملكة
السعودية تتحول من داعم
للمقاومة والدفاع عن القضايا
العادلة للأمة العربية في
فلسطين إلى دول داعمة للحلول
السلمية والإنهزامية في
المنطقة العربية. وهكذا نجد دولا واجهت
الأحداث بصلابة وخشونة، أدت إلى
نشوب صراعات عسكرية، كانت
نتيجتها سقوط أنظمة، كما حدث في
العراق. وهو ما يمكن تشبيهه
بشجرة عالية بجذورها وقفت صامدة
في وجه الرياح القوية والعواصف
الهوجاء، مما أدى إلى اقتلاعها
من جذورها. في حين نجد دولا أخرى
تعاملت مع أحداث خطيرة بكل
بمرونة وحكمة، في انتظار مرور
العاصفة. فهي كالقصبة التي
تتمايل مع الرياح القوية، ، مما
يؤدي إلى ثباتها وبقائها سليمة
بعد هدوء العاصفة. وهو ما أمكن
مشاهدته مع سوريا التي تمكنت من
مواجهة مجموعة من العواصف
والضغوط وتعاملت معها بحكمة،
إلى أن تحسن المناخ الدولي
وتمكنت من اكتساب أوراق سياسية
وإستراتيجية لصالحها في
المنطقة. كما نجد دولا أخرى
انخرطت في مسار السلم والتسوية
والقبول بإسرائيل والتنسيق
معها والضغط على المقاومة
الفلسطينية لدفعها للإعتراف
بإسرائيل. يتم ذلك بتنسيق مع
الولايات المتحدة الأمريكية،
كما فعلت مصر، بتنسيق مع
السعودية والأردن. في حين اندمجت دول أخرى
بقوة في النظام الغربي اقتصاديا
وسياسيا بل حتى ثقافيا، واستغلت
ثرواتها لتحدث ظاهرة اقتصادية
فريدة، اعتمادا على ثرواتها
النفطية وإمكانياتها المالية،
مما أدى إلى ازدهار العمران بها
إلى درجة كبيرة. وهكذا رغم ما حدث في
العالم من تغيرات كبيرة، وما
لحق العالم العربي من تداعيات،
ورغم ما يقال عن الأنظمة
الرسمية العربية ومشاكلها، إلا
أنها استطاعت أن تتكيف مع
الأحداث، كل دولة بطريقتها
الخاصة، وقد لحق البعض منها
الكثير من الخسارة والضياع
والتكسير. بينما استطاعت دول
أخرى مسايرة التغيرات والتكيف
معها سياسيا وأمنيا واقتصاديا،
وهو ما يبرز قوّة هذه الأمة
وقدرتها على الصبر والثبات
لمواجهة التحديات، رغم شدة
الضغوط والصعوبات التي تواجه
الأمة العربية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |