-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 06/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المخاض السياسي العربي والولادة العسيرة للديمقراطية

بوفلجة غيات

عرفت المجتمعات العربية تطورات كبيرة في كلّ المجالات الإجتماعية والثقافية والتربوية والصحية والأمنية، إلى درجة لا يستهان بها رغم آراء المتشائمين من المحللين والمثقفين والإعلاميين.

وقد وصلت الأمور إلى مرحلة يصعب تجاوزها بدون تطبيق ديمقراطية حقيقية في مستوى طموحات الأجيال الصاعدة والمتعلمة.

لقد مرّت الدول العربية إلى مرحلة بناء الدولة، مباشرة بعد استقلالها من الإحتلال أو من الحماية الإستعمارية. حيث عرفت غالبية الدول العربية استمرارية في نظم الحكم، إذ أن الإحتلال الغربي خرج مظهريا ليبقى داخل البلد في متخفيا بعباءات عربية يحرّك الأمور من الخلف.

كما أن الإحتلال الأجنبي شجع النعرات والخلافات وقوة العشائر وجيوش العملاء، وترك لهم مقاليد الأمور في كل المجالات وعلى كل المستويات. بدليل أن الدول العربية في غالبيتها – إن لم نقل كلها – مبنية على قوى عشائرية وقبلية وجهوية ومذهبية، إلى جانب قوى العسكر. وقد سعى الإحتلال إلى تقوية كل هذه الشرائح المتعارضة والمتناقضة، وربطها بمصالحه. وقد حافظ عليها الحكام العرب بعد استقلال دولهم وقرّبوها وبنوا سلطاتهم على تناقضاتها. وهو ما جعل الأنظمة العربية تعاني من مجموعة من الصعوبات والتناقضات الهيكلية المعقدة، بحيث لا يستطيع إلا الحكام أو الإحتلال الذي أوجدها التعامل معها.

وهكذا يسعى كلّ جانب في هذه المعادلة إلى الحفاظ على هذا الواقع، إذ من خلاله يتمكن كل طرف في المعادلة من تلبية حاجاته المادية والسياسية والإقتصادية، وهي شبكة تتوسع من الأفراد إلى الأسر إلى القبائل والعشائر والمناطق، مما يؤدي إلى انتشار الفساد.

رغم فشل الحكومات والأنظمة العربية وفسادها، إلا أنه كان هناك شبه إجماع على قبول تلك الأنظمة، سواء كانت جمهورية أم ملكية أم أميرية، لهدف بسيط هو إعطاؤها وقتا كافيا، أملا في بناء دول عصرية مبنية على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات. كما أن هناك آمال على إنشاء دول حديثة مبنية على أسس ديمقراطية كما هو في العالم المتقدم.

إلا أنه مع مرور الزمن، تبين للشعوب، بأن حكامهم أتوا ليبقوا، وأنه ليست لهم نية الإصلاح ولا الرغبة في نقل الحكم إلى غيرهم بطرق سلسة ديمقراطية. أما حججهم في ذلك فتنوعت، فهي تارة خوفا من التهديد الخارجي، وتارة باسم الشرعية التاريخية لمن ناضلوا ضد الإحتلال وانتزعوا الإستقلال. كما يرى آخرون أن الشعب متخلف وغير واع وغير مهيأ للديمقراطية، أو يرون بأن الديمقراطية ثقافة غربية لا تتماشى مع قيمنا، وقد يرونها منافية للإسلام. ويرى آخرون بأنهم يريدون توفير شروط التنمية قبل الإنتقال إلى الديمقراطية، وكلها حجج طال تكرارها بل اجترارها حتى أصبحت لا تقنع أحدا.

وقد يصل بعض الحكام إلى مرحلة متقدمة، فيقومون بإجراء انتخابات شكلية تحت إشرافهم، ليخلفوا نفسهم، أو أنهم يقومون بتغيير القوانين والدساتير ليصبحوا رؤساء مدى الحياة، أو يقومون بتعقيد الأمور في وجه المنافسين بحيث لا يسمح لأي منافس ذا مصداقية بالترشح للإنتخابات، وغيرها من الأساليب المعتمدة في الوطن العربي.

إلا أن العالم يتغير وكل شيء يتغير، وهي سنة الله في الكون. لهذا لا يمكن أن تستقرّ الأوضاع على ما هي عليه حاليا، وذلك لعدة أسباب. ومنها انتشار الوعي بين الأجيال الصاعدة، واستفحال الفساد والأزمات، وظهور عجز الدول الرسمية، وتطور وسائل الإعلام والإتصال التي تساهم في إظهار العيوب وفضح المستور من ممارسات الحكام ورجال السلطة وحاشيتهم، وهو ما يدفع نحو التغيير.

وهكذا نشاهد تناقضا في الواقع الداخلي، بين أصحاب المصالح الذين يريدون إبقاء الأحوال على ما هي عليه، ويعارضون تطبيق الديمقراطية بحجج واهية مختلفة. وفي المقابل نشاهد أجيالا صاعدة متعلمة، أعدادها في تزايد مستمرّ، تسعى إلى التغيير من خلال تغيير العادات والتقاليد وطريقة اللباس وحرية التعبير والتفتح على الخارج، إلى درجة أصبحت تفصح عن معارضتها للحكام وممارساتهم، واستبدادهم وتمسكهم بالحكم. وقد أخذت أصواتهم في الإرتفاع بقوة، من خلال مختلف أساليب التعبير الحديثة. وهو ما يوضح وجود صراعات قد تكون خافتة وقد تكون سرية وقد تكون سياسية، إلا أنها موجودة. وقد وصل الأمر إلى إعلان الشباب والمثقفين في عدّة مناسبات، عن غضبهم وعدم رضاهم، من خلال الاحتجاجات، وقد وصل الأمر إلى العنف المسلح، كما نشاهده في بعض الدول العربية.

إلى جانب الواقع الداخلي المتصارع، نشاهد ضغوطا أجنبية متناقضة. فمن جهة نجد انتشار العولمة الإعلامية وانتشار حرية التعبير والدعوة لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في مختلف دول العالم، بما في ذلك الوطن العربي. وهناك بعض منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، التي تعمل جاهدة للدفع نحو تعميم تطبيق الديمقراطية.

مقابل ذلك نشاهد جهات استعمارية جديدة، تعمل بكل ما في وسعها للحفاظ على نفس الحكام، بدعوى الدفاع عن مصالحها، أو خوفا من إجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، قد تفرز حكاما إسلاميين يعادون المصالح الغربية في تلك الدول. وبالتالي فهم يجدّون في الحفاظ على الأوضاع كما هي، ويعززون قبضة الحكام على شعوبهم، وقد يشجعونهم على توريث أبنائهم خدمة لمصالحهم في تلك الدول.

وهكذا نلاحظ تناقضا في المواقف من تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي، بين مؤيد ومعارض، سواء من الداخل أم من الخارج، مما جعل العملية أكثر صعوبة وتعقيدا.

لقد شاهدنا دولا من أوروبا الشرقية، تحولت إلى الديمقراطية بطريقة سريعة، إلا أن سبب ذلك هو أن الضغوط الخارجية، وخاصة الأوروبية والأمريكية عملت بقوة نحو إنجاح العملية في أقصر فترة وبأقل تكلفة. في حين عملت نفس القوى الأجنبية على عرقلة تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي، بل دعمت الإستبداد والتوريث.

فرغم تطوّر الأوضاع بصورة مقبولة عموما، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، إلا أنها وصلت مرحلة، أصبح من الضروري تطبيق الديمقراطية الحقة. وبدون ذلك فإن الأمور تصل إلى الإنسداد السياسي والإقتصادي والأمني. وهي مرحلة لا بدّ من اجتيازها، إما بطرق سياسية سلسة أو عن طريق المواجهة واللجوء إلى العنف.

وهكذا فإن التحول إلى الديمقراطية عملية حتمية لا مفر منها. إلا أن الوقوف في وجه تطبيقها، قد أوصل الأمور إلى درجة يمكن تشبيهها بولادة عسيرة، تنم من خلال صراعات ثقافية وسياسية أليمة. وقد تدفع بمؤيدي الديمقراطية ومعارضيها إلى الصراع المسلح، مما قد يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى. وذلك قبل أن يضطر الحكام إلى التنحي عن مناصبهم، ليفسحوا المجال أمام التطورات الطبيعية للمجتمعات والشعوب والدول العربية، وحقهم في العيش الكريم. وحتى يسمح لهم بتجسيد طموحاتهم في التحرر والإنعتاق من قبضة حكام غير مرغوب فيهم.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ