-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بين
العرب وإسرائيل: ممارسات
وتداعيات بوفلجة
غيات هناك
علاقة قديمة بين العرب
وإسرائيل، وتاريخ قديم من
العداوة والتنافس والحروب
والصراعات، العسكرية والسياسية
والحضارية. فما من
شك أن الحضارة العربية
الإسلامية حضارة كبيرة وعظيمة،
بقيمها ومبادئها وعقيدتها. فرغم
ما أصابها من وهن وتخلف متعدد
الجوانب، تبقى الأمة العربية
قوة حضارية لا يستهان بها. وأن
ضعفها في حكامها بالدرجة
الأولى، وهي أمة لها إمكانيات
بشرية كبيرة، وقد أنعم الله
عليها بخيرات وموارد طبيعية
ضخمة، ولأبنائها عزة وكرامة
وقدرة على الصبر والتحمل، وكلهم
أمل ويقين بغد أفضل. فرغم
ضعفهم المادي وأزماتهم
وهزائمهم المتكررة، إلا أنهم
لازالوا مصرين على البقاء
والمقاومة والمواجهة، متمسكون
بقيمهم ومُثلهم وأهدافهم. تبرز
قوة الحضارة العربية الإسلامية
من خلال مقارنتها بحضارات أخرى
أتت بعدهم وتطورت، إلا أنها لم
تصمد طويلا وسقطت، وليس عهد
الشيوعية عنا ببعيد. أما
إسرائيل، فدولة حديثة، ظهرت
بطريقة اصطناعية بدعم من الغرب
كلّه. ورغم مرور أكثر من نصف قرن
على ظهورها، فلازالت تتلقى دعما
هائلا، لا تستطيع البقاء
والإستمرار بدونه. وهو دعم
متعدد الأوجه سياسيا واقتصاديا
وماليا وعسكريا وعلميا
واستراتيجيا، إلى درجة يمكن
اعتبار إسرائيل ولاية من
الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا
ليس بغريب بروز قوة إسرائيل
العسكرية والإقتصادية
والصناعية والدبلوماسية، أمام
دول عربية متخلفة، متشرذمة
ومنهزمة. وهو ما يبرز تفوق
إسرائيل، ولو مرحليا على كلّ
العرب، رغم سعة أراضيهم
وإمكانياتهم المادية والبشرية. والسؤال
الذي نحاول الإجابة عنه من خلال
هذه الورقة، هو سبب تغلب الدولة
الصغيرة على مجموعة من الدول
العربية الكبيرة، ومظاهر
تباينهما من حيث الممارسات
والنتائج. العناية
بالوارد البشرية: تهتم
إسرائيل بالمواطن الإسرائيلي
وتقدّره وتقدم له تعليما
متمّيزا، فلكل فرد قيمته
ومكانته وأهميته، وهي تجتهد في
استقطاب اليهود من كل العالم
للعيش بإسرائيل، وتوفر لهم
السكن والعمل والمساعدات وتوفر
لهم شروط العيش الكريم، لهذا
فإن يهود العالم يهاجرون إليها. في حين،
يظهر من خلال ممارسات الدول
العربية، وكأنها تحتقر
أبناءها، وتنكّل بهم، وسجونها
مملوءة بهم، نظامهم التعليمي
هزيل، تركز على العدد على حساب
النوعية، أبناؤها يعيشون أزمات
مستعصية الحلّ فيما يخص السكن
والشغل، لذلك فلا غرابة أن
أبناءها يهاجرون منها. العناية
بالفلاحة: قامت
إسرائيل بتطوير فلاحتها، وأول
شيء بدأت به هو تنظيم وتشجيع "الكبتزات"،
وهي مستوطنات وتعاونيات فلاحية.
لهذا فإن لإسرئيل اكتفاء ذاتيا
من حيث الإنتاج الفلاحي، بل
أكثر من ذلك هي دولة مصدرة للخضر
والفواكه إلى كلّ من الولايات
المتحدة وكندا وأستراليا
وأوروبا. في حين
أن الدول العربية، رغم
إمكانياتها الكبيرة، من يد
عاملة وأراض شاسعة ومياه وفيرة
غير مستغلة بطرق علمية، لهذا
فهي تعتمد على الخارج في تلبية
حاجاتها الغذائية. وهو ما
يجعل الفلاح العربي أقل تدريبا
وأقل مكننة وأقل استغلالا
لأراضيه ومياهه، وبالتالي أقل
اعتمادا على الأساليب العلمية
وأقل إنتاجا، وهو أمر ليس بغريب. الإهتمام
بالصناعة: تهتم
إسرائيل بتطوير صناعاتها
المختلفة، بحيث تكون في مستوى
تنافسي مع الدول المتقدمة، في
أوروبا وأمريكا وآسيا، من حيث
الجودة والنوعية والكلفة. وقد
تمكنت من الوصول إلى مراكز
رائدة في إنتاج عدد من القطع
والأجهزة، وخاصة في المجالات
التكنولوجية المتطورة. بينما
فشلت الدول العربية في إنشاء
صناعات عربية متطوّرة، وأن
أنتاجها بقي محصورا في مجالات
صغيرة، قد نذكر منها النسيج،
ومواد البناء، وأحيانا خدمات
الإتصالات، وخاصة الخلوية. كما
أن جل الدول المصدرة للطاقة،
ركزت على الصناعات
البتروكميائية بمساعدة الشركات
الأجنبية والأمريكية خاصة. لهذا
بقيت كل محاولات التصنيع خجولة
ومحدودة إلى حدّ الآن، وبقيت
الدول العربية أسواقا
استهلاكية بالدرجة الأولى. أنظمة
الحكم السائدة: يتميز
نظام الحكم في إسرائيل
بالديمقراطية، حيث نجد مجموعة
من الأحزاب تتداول الحكم فيما
بينها على السلطة، ولا شيء يمرّ
دون مناقشته على مستوى "الكنيست"
والموافقة عليه، خاصة فيما
يتعلق بالعلاقات العربية
الإسرائيلية والقضايا الأمنية.
وأن للكنيست دور مهم بل محوري في
الحياة السياسية الإسرائيلية،
وقد تمكّن من إسقاط عدة حكومات.
كما أنه ليس بغريب استجواب
الشرطة الإسرائيلية لرئيس
الجمهورية أو رئيس الحكومة في
حالة اتهامه بالفساد. أما في
الدول العربية، فإن الحكم
تسلطي، كل رئيس دولة يأتي من
خلال عمليات يشوبها الكثير من
الشك، ويبقى في السلطة حتى
الموت، ويورث بعد ذلك ابنه، وأن
الأمراء يتميزون بنوع من
الحصانة فوق القانون. أما
البرلمانات العربية فعبارة عن
ديكور في إطار ديمقراطية
الواجهة. وأن الدول العربية
تجري مفاوضات خطيرة بطرق سرية،
وتعقد الإتفاقات الخطيرة مع
الأعداء دون رجوعها إلى
برلماناتها وهياكلها
التشريعية، كما أن كثيرا من هذه
البرلمانات يطعن في شرعيتها. فمثلا
وثيقة السلام العربية التي
وافقت عليها الدول العربية، لم
يناقشها أي برلمان عربي، رغم
كونها وثيقة سياسية
وإستراتيجية مهمة، فهل بإمكان
إسرائيل تقديم وثيقة مشابهة دون
موافقة "الكنيست" عليها؟. كما
أننا لم نسمع عن قيام الشرطة
بإجراء تحقيق مع مسؤول سام في
دولة عربية، فما بالك برئيسها،
رغم الفساد المستشري في أركان
الدول العربية عموما. العناية
بالتعليم والبحث العلمي: تهتم
إسرائيل بنوعية التعليم المقدم
لأبنائها، وتصرف عليه أموالا
طائلة. ينتقل الطلبة إلى
الجامعات وتوفر لهم كل
الإمكانيات. كما أن الجامعات
الإسرائيلية تتميز ببحوثها
العلمية المرموقة، ويمكن
الإطلاع على نتائجها المنشورة
في المجلات العلمية الدولية.
وهو ما أثمر في إيجاد صناعات
متطورة، وتكنولوجيا رفيعة
المستوى، تمكنت من استغلالها
للحصول على اقتصاد قوي ومتطوّر. أما
الدول العربية، فلا زالت تقدم
لأبنائها تربية متخلفة، في
أقسام مكتظة، ومربين يعانون نقص
الوسائل والإمكانيات والتدريب.
كما أن واقعهم المعيشي مزر، رغم
أنهم يعدّون أجيال المستقبل. بل
أن المدرسين يرون أنهم فاشلين
في حياتهم، فكيف يربون ويدرسون
أطفلا ناجحين؟ أما
البحث العلمي، فإن الدول
العربية تكذب عن نفسنا وعن
شعوبها. فالأموال التي تخصصها
للبحث العلمي تبقى محدودة،
ويصرف جلها في أمور ليست من
العلم في شيء. وهكذا
انعكست المشاكل والممارسات
الإجتماعية والتخلف المتعدد
الأوجه على البحث العلمي، فكانت
نتائج ذلك قلة البحوث المنشورة
في المجلات العالمية. وجلّ
المؤتمرات العلمية التي تنظمها
مختلف الجامعات العربية، هي
عبارة عن تظاهرات إعلامية
بالدرجة الأولى، أقرب إلى
المهرجانات منها إلى الملتقيات
العلمية، ولا تضيف شيئا للبحث
العلمي. بل أن بعض الدول أصبحت
تخلط السياسة بالعلم، فيستدعى
أستاذ لأنه من دولة صديقة،
وترفض آخر لأنه ينتمي لدولة لها
علاقات سيئة بها. كل ذلك
انعكس في صورة تخلف متعدد
الأوجه، وصعوبات متعددة، مما
يوضح فشل البحث العلمي، وعدم
نجاعته، ودليل ذلك المراتب
المتخلفة للجامعات العربية ضمن
ل 5000 جامعة عالمية. بناء
القوة العسكرية: إن كون
إسرائيل دولة معتدية ومحتلة،
وسط محيط بشري عربي، جعلها
تعتمد منذ الوهلة الأولى لدخول
المعمرين أرض فلسطين على قوة
عسكرية متطورة. وهكذا اقتنت
الأسلحة وطوّرتها وأصبحت الآن
من أهم الدول المصدرة للأسلحة
في العالم. كما أصبح لها أقوى
جيش في المنطقة من حيث التجهيز
والتدريب. أما في
الدول العربية، فرغم الحروب
والهزائم، فإنها بقيت تعتمد إلى
درجة كبيرة على استيراد خردة
الأسلحة من دول العالم. فهي
تحتاج إلى مساعدات أمريكية،
وهذه الأخيرة تحافظ على ميزان
القوى لصالح إسرائيل. كما أن
الولايات المتحدة الأمريكية
"صديقة العرب وحليفة إسرائيل"،
تمارس حق الفيتو في مجلس
الأمن، وتمنع أي دولة أخرى ترغب
بيع أسلحة متطورة للدول العربية.
فالسلاح أداة إستراتيجية لا
يمكن الحصول عليها من الخارج،
بل يجب تصنيعها وتطويرها محليا. فالدول
العربية لا تستطيع تفعيل معاهدة
الدفاع المشترك، ولا تستطيع
التعاون في إنتاج أسلحة
وتطويرها كما تفعل إسرائيل. وهو ما
يحافظ على استمرار الخلل في
التوازن العسكري بين العرب
وإسرائيل لصالح الأخيرة، ما دام
العرب ينتهجون نفس السياسة. العناية
باللغة القومية: تعتني
إسرائيل باللغة العبرية، وهي
اللغة الرسمية المستعملة في
التعليم وفي كل المؤسسات. فهي
الدولة الوحيدة في العالم التي
تستعمل هذه اللغة، مع ذلك تجتهد
في تطويرها، ولا نسمع عن مثقفين
وباحثين في إسرائيل ينادون
بتغييرها واستعمال اللغة
الإنجليزية لغة العلم بدلها.
لهذا اعتنوا بلغتهم فكانت أداة
طيعة لهم في التأليف والكتابة
والإبداع، وساهموا بذلك في
إثراء الأدب العالمي. كما أن
عدد الكتب التي تنشر في إسرائيل
وحدها أكثر من الكتب التي
تنشرها دور النشر في العالم
العربي كله، وبكل اللغات، بما
في ذلك اللغات الأجنبية. أما في
العالم العربي، فهناك إهمال
للغة العربية، وقد بدأت حملة من
الضغوط لدفع بعض الدول العربية
لتغيير لغة التدريس، والانتقال
إلى اللغة الإنجليزية في
المدارس والجامعات، وهو ما يتم
تطبيقه فعليا بغالبية دول
الخليج العربي، قد يكون اعتقادا
منهم أن اللغة العربية متخلفة
وهي سبب التخلف الذي لحق بتلك
الدول. إلا أن
سبب التخلف في أي أمة، يكمن في
عقول أبنائها وأن اللغة هي أداة
للتعبير، وأن التقدم والتطور
يتمان بالعمل والعلم بأي لغة
كانت، شرط توفر الجدية
والصرامة، وهي عوامل تفتقرها
الشعوب العربية. العناية
بالعقيدة الدينية: تهتم
إسرائيل بدينها وعقيدتها، ولها
مؤسسات دينية لها أثر كبير على
سياسة الدولة العبرية، وهي
مؤسسات تفرض السياسات المتطرفة
من خلال تدعيمها لليمين
المتطرّف. وأن إسرائيل تنفق على
المؤسسات الدينية بسخاء،
وتمنحها الأهمية الكبيرة، ذلك
أن إسرائيل دولة عبرية بالدرجة
الأولى، أقيمت على أساس التوراة. أما
الدول العربية، فتحارب المدارس
الدينية وتشن عليها حملات،
وتضايق عليها، وقد تتهمها
بالتطرف والعنف بل تتهمها
بإنتاج التخلف والإرهاب. لهذا
فإن الدول العربية عموما تضيّق
على التعليم الدّيني وقد
تحاربه، وهي تستجيب للضغوط
الغربية خوفا من اتهامها برعاية
الإرهاب. تداعيات
السياسات والممارسات: إن واقع
حال أي دولة وأي أمة من التقدّم
والتطوّر والنجاح والإنتصار،
أو الضعف والتخلف والفقر
والإنهزام، هي نتيجة ممارسات في
مختلف المجالات. وهكذا
اهتم الإسرائيليون بالعلم
والعلماء، وأقاموا نظاما
ديمقراطيا للحكم، وجدّوا
واجتهدوا، ووضعوا لأتفسهم
أهدافا مدروسة وجيدة، لخدمة
أمتهم والسير بها قدما نحو
التقدم والتطور والإزدهار.
فطوروا قدراتهم وإمكانياتهم،
ووصلوا إلى تحقيق أهدافهم إلى
حدّ كبير. في حين
أن العرب، لم يعطوا العلم
والعلماء حق قدرهم، ولم يعطوا
العناية اللازمة إلى الموارد
البشرية وتطويرها، واعتمدوا
أساليب تسلطية في الحكم،
وأهانوا شعوبهم وعاملوهم
معاملة لا تليق بهم، ولم يعملوا
ما فيه الكفاية لتطوير الفلاحة
والصناعة والجيش، فكانت نتيجة
ذلك حصاد التخلف والإنهزام
والذل والهوان على الأعداء. وهكذا
ضيع العرب الأمن الغذائي والأمن
العسكري والأمن الإستراتيجي،
بل أصبح وجود الأمة ككل في خطر،
نتيجة التفريط في مقوماتها. إن طريق
النمو والتطوّر واضح، وأن
اتباعه يؤدى إلى تغيير أحوال
الأمة العربية. وما يجب توفره هو
الإخلاص وحب الوطن والوعي
والرغبة في التغيير والإصرار
على تحقيق الأهداف. كما يجب
الاستيقاظ من الغفلة، والنظر
إلى واقع الدول التي تتطوّر من
حولنا، والتعلّم منها وأخذ ما
هو إيجابي ونافع عنها حتى ولو
كانت عدوّة. كما يجب أن نغير ما
بأحوالنا، من حيث أساليب
التفكير والعمل والتخطيط
لمواجهة التحديات، إذ أن "الله
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم". ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |