-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 08/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إعلان الإفلاس في أجواء احتفالية 

مؤتمر لندن حول أفغانستان.. جرعة دواء نفسانية للدول الغربية

نبيل شبيب

إما أنهم لا يفهمون شعب أفغانستان، أو أنهم لا يريدون فهمه، والتشبث بدلا من ذلك بوهم فرض ما يريدون بوسائل قد تكون لها فعاليتها في عالم طريقة التفكير الغربية، ولكن لا تسري على طريقة التفكير الأفغانية، على مستوى عامة الشعب، وليس على مستوى طالبان فقط.

بعد أن أصبح العجز العسكري ظاهرا للعيان، يريدون فتح أبواب النصر الأمريكي-الأطلسي في أفغانستان عبر ما أطلقوا عليه اسم "صندوق السلام والمصالحة"، وخصصوا له مبلغا من المال بحجم 360 مليون دولار، والجدير بالذكر أن مخصصات الحرب الأمريكية وحدها عام 2010 م أكثر من 72 مليار دولار، ونفقات حربي احتلال العراق وأفغانستان تجاوزت في هذه الأثناء ألف مليار دولار.

 

كل إناء بما فيه ينضح

لعل أفضل تعبير عن طريقة التفكير الغربية بهذا الصدد قول وزير الخارجية الألماني فيسترفيلي -وهو من الليبراليين- "نريد أن ندفع الشباب الذين أصبحوا مقاتلين مقابل مبلغ 200 دولار للواحد منهم، أن يعودوا إلى قراهم"!..

كأن الوزير الألماني يحسب نفسه في "سوق خضراوات" ولا يخطر له أن "الشباب" المقاتلين يقاتلون لتحرير بلدهم، ولئن كان الواحد منهم يحصل على 200 دولار، فهذا ما يعبر عن اكتفاء أسرته بما تتطلبه تكاليف المعيشة المتواضعة في أفغانستان كي يتفرغ لمهمة التحرير، أم أن الوزير الألماني -وأقرانه.. وكل يعبر عن طريقة التفكير ذاتها بصياغة أخرى- يتصور أن المواطن الأفغاني يود أن يكون في جيبه بضع مئات الدولارات، ليجلس مستريحا، سيان ما يصنع زهاء 150 الف جندي أمريكي وأطلسي في بلده؟!..

كونراد شيتّر، الخبير بشؤون أفغانستان في مركز البحوث الإنمائية في بون، يجيب على "المغريات المالية" بقوله "يسود الاعتقاد أن في الإمكان شراء بعض الجبهات المحلية بالمال لإخراجها من القتال وبالتالي ليجفّ معين طالبان، ولكن لا ينبغي إغفال أن كثيرا من الأفغان يتحركون أشبه بالأعلام الصغيرة في الريح، أي أن من يقبل بالمال ويضع السلاح اليوم يمكن أن يتحول بعد أيام إلى جبهة طالبان مجددا.. يوجد مثل شعبي يقول لا يمكن شراء الأفغان وإن إمكن استئجارهم لحين من الزمن!".

يفكر بطريقة غربية أيضا.. ولكن يحاول استيعاب الواقع قليلا على الأقل!..

 

أزمة العجرفة

عنوان "صندوق السلام والمصالحة" أقرب إلى عنوان تهكمي على من وضعه منه إلى عنوان "استراتيجية جديدة" يبحثون عنها ولا يجدونها، فالمسألة ليست مسألة سلام ولا مصالحة، بل هي بكل وضوح محاولة يائسة -على طريقة التفكير الغربية- لشق صفوف طالبان، وتستند إلى وهم آخر يقول إن ثلاثة أرباع المقاتلين في تلك الصفوف مجرد أناس فقراء يقاتلون من أجل المال، ويضاف إلى ذلك تصور آخر يقول إن طالبان تموّل نفسها من عائدات المخدرات، ويتجاهلون أن انتشارها كان قبل عهد سلطة طالبان القصير، ثم اختفت خلاله، وعادت إلى الانتشار مع الاحتلال وحكومته برئاسته كرزاي.

أما الانفتاح على طالبان نفسها فهو -كما يقال- "كلام جرائد" أي هو وسيلة من وسائل إقناع الرأي العام الغربي بأن حكومات بلدانه تبحث عن مخرج من تلك الحرب المرهقة، الجارية منذ 9 سنوات دون جدوى، أو بتعبير آخر هي وسيلة إلهاء على أعلى المستويات عن حقيقة أن الاحتلال عاجز عن الاستمرار وعاجز عن الإقرار بالهزيمة والانسحاب، على السواء. إنما لا يوجد أي عرض "سلام ومصالحة" جادّ تجاه طالبان التي لم تبدل موقفها القائل باستحالة المفاوضات إلا مع انسحاب الاحتلال انسحابا كاملا.

المبعوث الأطلسي الجديد مارك زيدويل من بريطانيا أصدق تعبيرا عن طريقة التفكير الغربية تجاه طالبان عندما يقول: "لا مناص من الحديث في النهاية مع شخوص تثير مشاعر الكراهية".. فأزمة الغرب في نهاية المطاف هي أزمته مع نفسه، أزمة العجز عن تصور وجود شعب يريد التحرر من احتلاله وهيمنته وأسلوب تفكيره، وكذلك أزمة العجز عن التخلي عن العجرفة الخاوية تجاه الآخر والهيمنة بالقوة على أرضه وثرواته وإرادته، فضلا عن الاعتقاد الحاسم بأن كل ما في العالم قابل للتحقيق -مهما كان فاجرا وكانت الغاية إجرامية- بالسلاح والمال أو أحدهما.

كرزاي الذي أوجده الغرب ولم يجد أحدا سواه يمكن أن يحل مكانه ويقبل بمثل ما يصنعه في مؤخرة الاحتلال، كما أظهر "انصياع" الغرب -وفق ما صوّره السياسيون- لنتائج انتخابات فاسدة، هو في الوقت الحاضر قائد جوقة "قرع طبول السلام" المزعوم مع طالبان، وليس لديه سوى شرط واحد، أن يضعوا السلاح.. وهو شرط "بسيط!" وكأنهم يصدقون وعوده بأن تكون الانتخابات النيابية القادمة "نظيفة" - ولم يكن يصدقها حتى السامعون في مؤتمر لندن فانطلقت الابتسامات الساخرة على وجوههم- أو وعده بأن يفتح باب "المؤتمر الأفغاني الكبير" أمام ممثلين عن طالبان، بينما لا يواري إطلاقا أنه يتشبث بالاحتلال بأظافره، فيعلن بكل وضوح، أنه حتى لو نجح -فيما لم ينجح به طوال تسع سنوات مضت- بتشكيل قوات أفغانية وأجهزة أمن أفغانية قبل حلول عام 2014م، لتتولى بنفسها ما تقوم به قوات الاحتلال حاليا، فإنه على اقتناع بضرورة استمرار الحصول على الدعم العسكري من دول الاحتلال لفترة تمتد ما بين 10 سنوات و15 سنة!.. 

 

خداع النفس

هذه حرب عسكرية لا يمكن حسمها بالنصر.. أي بانتصار الاحتلال العدواني الفاجر، كما يقول الخبير الألماني شتيتر، وإن زعم قائد قوات الاحتلال ماكريستال أن في الإمكان "إضعاف" طالبان -لم يعد يتحدث عن نصر أصلا- مع حلول خريف عام 2010م، وكم صدر وعيد وتهديد مشابه من قبل.. فلا غرابة أن تنقل مجلة فوكوس الألمانية عن مؤتمر لندن أن الحاضرين فيه كانوا في حاجة إلى هذه المقولة "للترويح عن النفس"، والواقع أنها كانت أشبه بنكتة من النكات المريرة السمجة!.

لقد كان مؤتمر لندن في حصيلته الحقيقية أشبه بتعاطي علاج نفساني -وفق تعبير مجلة فوكوس أيضا- من جانب دول غربية أتعبتها الحرب وأصبحت في حاجة إلى جرعة دواء نفساني، وهذا بالذات ما يكمن في وصف يوم انعقاده على لسان المضيف، رئيس الوزراء البريطاني براون، أنه "يوم الحسم".. بينما يرى المعلقون الغربيون، مثل توماس فرانكفيلد في صحيفة هامبورجر آبند بلات الألمانية أنه بالقياس إلى ما سبقه من الإعلان عن استراتيجية جديدة فيه، أقرب إلى "إعلان الإفلاس في أجواء احتفالية".. ولكنها أجواء تثير "الشفقة" مثلما قد تثيرها غلبة رنة اليأس على رنة خداع النفس في قول براون: "سوف ننتصر عليكم، ليس في ساحة القتال فقط، بل في قلوب الشعب الأفغاني وعقوله"!..

الخبير الألماني بشؤون أفغانستان يقول بالمقابل "إن على المجموعة الغربية أن تتخلى عن محاولة تطبيق النموذج الغربي على أفغانستان".

يبدو أن هذا ما ينبغي أن تتخلى عن التفكير به أيضا حكومات بلدان عربية وإسلامية عديدة، شارك بعضها في مؤتمر لندن، ويبدو من خلال ما أسفر عنه أنها تريد حمل قسط من أعباء مشكلة الاحتلال مع مستقبل أفغانستان، سواء في إنفاق الأموال أو في عقد مؤتمرات تالية، إنما تأبى أن تطرح على نفسها السؤال عن مبادرة عربية وإسلامية ذاتية للتعامل مع قضية إسلامية على أرض بلد إسلامي.. فمما يثير الأسى أن مثل هذا السؤال بات مستهجنا، أو هو من باب "الترويح عن النفس" أيضا في عصر انحطاط سياسي لا يحتاج إلى الفكاهات والنوادر، بل إلى قلوب وعقول تفكر وتعقل أن من المستحيل دخول "جنات" التحرير والعدالة عبر بوابات دول الاحتلال والهيمنة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ