-ـ

ـ

ـ

الأربعاء 10/02/2010

في 14 شباط.. اللبنانيون بين خيارين مشروع الدولة أو الفوضى..!!

حسان قطب*

اللبنانيون اليوم بين خيارين.. وعليهم الاختيار بين مسارين مختلفين.. إما الالتحاق بمسار بناء الدولة الواحدة القوية التي تجمع تحت سقفها وتشمل برعايتها 18 طائفة لبنانية مختلفة وإن تفاوتت هذه الطوائف في تعدادها وحضورها على مساحة الوطن الجغرافي والديمغرافي... وإما الالتحاق بمشروع الفريق الواحد الذي يريد أن يضع يده على مؤسسات الدولة والإدارات العامة دون وجه حق وتحت مسمى وعنوان  إلغاء الطائفية السياسية وإلغاء طائفية الوظيفة... وتعطيل التعيينات الإدارية يشكل مقدمة لإفراغ الإدارة من قدرتها على تقديم الخدمة العامة للمواطنين عامةً من مختلف الطوائف والمذاهب والملل.. والتشكيك المستمر في بعض الإدارات ومديري بعض المؤسسات الذي لا يؤدي إلاّ إلى توسيع الهوة بين المواطن اللبناني وبين إدارته ويزيد من التصاقه بمرجعيته الدينية ويعمق ارتباطه بمرجعيته السياسية الناشطة في تغذية الروح المذهبية والطائفية..

وفي هذا الإطار وتحت هذا العنوان وبما يدل على هذا المؤشر الخطر نشرت صحيفة النهار في 9/2/2010، "علمت "النهار" أن الأمين العام لوزارة الخارجية بالوكالة السفير وليد حبيب بدأ أمس اعتكافه احتجاجاً على تهجّم مدير المغتربين في الوزارة هيثم جمعة.. (وهو مسؤول في حركة أمل).. عليه لتدخله في مسائل ليست من اختصاصه، وذلك خلال اجتماع عقد في مكتب وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي وبرئاسته، وكان مخصصاً لدرس الترفيعات من رتبة سكرتير سفارة إلى مستشار في مرحلة أولى ومن مستشار إلى سفير في مرحلة ثانية.... كيف بدأ الخلاف الحاد؟ لدى طرح الشامي لوائح اسمية للتصنيف والترفيع، اقترح الشامي تصنيف 20 دبلوماسيا برتبة سكرتير، فاعترض حبيب لأن هؤلاء لم يخضعوا لمباراة ينظمها مجلس الخدمة المدنية، وهناك دبلوماسيون من جميع الطوائف لهم الحق في التصنيف قبل دبلوماسيي وزارة المغتربين، إذ أنهم كانوا فيها قبل دمجها بوزارة الخارجية ولا يمكن ترفيعهم قبل أولئك الذين اجتازوا مباراة، وهم منذ سنوات ينتظرون دورهم. عندئذ ارتأى الشامي أن يستدعي جمعة الذي حضر الاجتماع وهو ليس عضواً في اللجنة الإدارية للوزارة، ويكون الوزير بذلك ارتكب خطأ. وانبرى جمعه يدافع عن حق العشرين، فعارضه حبيب للأسباب التي ذكرت، فعلا صوت مدير المغتربين حتى اخترق أبواب مكتب الوزير، عندئذ ردّ عليه حبيب: "كيف تتحدث بهذه اللهجة وأنا الأمين العام للوزارة بالوكالة؟"، فاستمر جمعة برفع صوته دون أن يتدخل الشامي ليضع حداً للأمر. عندئذ انسحب حبيب احتجاجاً وقرر الاعتكاف... وأحدثت هذه المواجهة بين حبيب وجمعة في مكتب الشامي استياء كبيراً لدى الدبلوماسيين على كل المستويات والانتماءات، لأن ذلك سيوقف البحث في التشكيلات المطلوبة، وسيستمر الشغور من السكرتير في السفارة إلى السفير، علماً أن ثمة 16 مركز سفير شاغراً لبلوغهم السن القانونية، وهناك 6 سفراء سيحالون هذه السنة على التقاعد.. وتجدر الإشارة إلى أن التشكيلات ملحوظة في البيان الوزاري، وبعد مرور أكثر من شهرين وصل التداول إلى الطريق المسدود".

هذا الخبر الذي أوردته جريدة النهار خير دليل على طريقة تعاطي أصحاب مشروع تفريغ الدولة من الكفاءات وأصحاب الاختصاصات  إنما يشير إلى الواقع الخطير الذي وصلت إليه البلاد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفراغ الخطير والشغور الكبير في كافة الإدارات العامة.. والنقاش يتم بطريقة ميليشيوية سلطوية فوقية تمامًا كما اعتاد هؤلاء أن يمارسوا سلطتهم على أنصارهم وأتباعهم.. واستمرار تجاوز القانون في التعيينات الذي يجب أن تمر تماماً كما يحلو لهم ويناسبهم  أو لا تعيينات على الإطلاق.. ولتتعطل مصالح الناس وأشغالها ولتتأزم الأمور أمام جمهور اللبنانيين طالما أن مصالح هذه الطائفة أو تلك لم تنفذ أو تفرض على سائر اللبنانيين.. وهذا المشروع له أصول وجذور وقواعد ورؤية يوضحها لنا عضو مجلس شورى حزب الله... الشيخ محمد يزبك حين قال أن: "لا تناقض بين ولاية الفقيه والمواطنة... حين حاضر العلامة الشيخ محمد يزبك عن ولاية الفقيه والمواطنية مؤكداً أن الهدف الأساسي من بعثة الأنبياء جميعاً على مدى التاريخ هو تشكيل حكومة ودولة لتأمين المصالح والمتطلبات المادية والمعنوية واعتبر أن أزمتنا في لبنان هي أزمة الأخلاق، والدولة هي المسؤولة قبل مسؤولية المشايخ والمطارنة والمساجد والكنائس• وأكد الشيخ يزبك أن لا تناقض بين الولاية والمواطنية، فالولي الفقيه الذي نعتز ونفتخر بمرجعيته يقول لنا على الدوام عليكم أن تحافظوا على وحدتكم في لبنان، وهذه الولاية تريد للبنان أن يكون قوياً وعزيزاً، قادراً على أن يدافع عن نفسه• وأعلن أن: المقاومة الإسلامية في لبنان التي تتفيء بولاية الفقيه هي الأكثر تمسكاً بالوحدة الوطنية وبالحوار والعيش المشترك والأشد عزيمة في الدفاع عن الوطن وأهله.

فهذا الفريق الذي يستظل ولاية الفقيه المقيم في إيران لا يمكن أن يرى أية مصلحة في استقرار لبنان ووحدته ونموه الاقتصادي طالما أن مشروع حكم ولاية الفقيه غير مستقر في إيران.. فالاستظلال معناه الخضوع والخنوع لهذا الفيء الذي يرخيه الولي الفقيه على مجموعاته المتواجدة في لبنان وسواه.. وإتباع أوامره ونواهيه والالتزام بقراراته ومقرراته ستكون فقط هي التي تخدم مصلحته في المركز الذي هو طهران وليس في النواحي والأطراف الممتدة في العالم الإسلامي والتي يشكل لبنان واحدة منها.. وفي هذا الأمر فإن هذا الفريق بعتب ران كل تقدم يحرزه في التشكيك بالإدارة العامة ومؤسسات الدولة إنما هو مقدمة لتغييرها وتغيير تركيبتها ونمط أدائها ومستقبل دورها...

وفي المقابل هناك المشروع الأخر الذي يسعى لتعزيز روح الدولة ووجودها الذي غاب لفترة طويلة عن الوطن وعن رعاية المواطنين، والعمل لتعزيز دورها وسلطتها على كافة أراضيها دون استثناء وتطوير قدراتها العسكرية والأمنية لبسط السلطة الشرعية وحدها دون سواها ومعاملة المواطنين بمساواة وعدالة والخضوع لسلطة قضائية شفافة ونزيهة تقيم العدل وتنتزع حقوق المواطنين من الظالمين وتحمي السلم الأهلي والعيش المشترك بين اللبنانيين فلا تطغى فئة على فئة ولا فريق على فريق.. والعمل على تطوير إدارات الدولة وضبط أدائها.. وتعزيز احترام المرجعيات الدينية ودورها التوحيدي والتوفيقي لينعم لبنان بهدوء واستقرار بين طوائفه ومذاهبه.. وهذا الاستقرار والهدوء والتفاهم والتناغم لا بد منه لينعم لبنان باستقرار سياسي وتطور اقتصادي وبحبوحة مالية تؤمن فرص عمل للبنانيين وتحد من غائلة الهجرة ووحشة السفر للعمل في الخارج..

إذاً اللبنانيون بين مشروعين... مشروع يفرغ الدولة ومؤسساتها من موظفيها وكفاءتها ودورها وحضورها ويسعى للتشكيك المستمر بالإدارات العامة ودورها.. تمهيداً لتعطيلها لاستبدالها بإداراته.. وموظفين يخضعون لمشروعه... ومشروع أخر يستهدف بناء الدولة لتكون حاضرة في خدمة مواطنيها جامعةً لأبنائها يستظلون رعايتها وحمايتها جميعاً دون استثناء.. وتعمل على تعزيز السلم الأهلي والعيش المشترك بين كافة الطوائف والمذاهب..

لهذا السبب كل اللبنانيين المؤمنين بقيام الدولة يجب أن يشاركوا في مهرجان 14 شباط وإلا فإن المشروع الأخر سوف يكون مشروع الشيخ محمد يزبك وهيثم جمعة..

ــــــــــ

* مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ