-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إشكالية
التغيير وثقافة المجتمع أ.د.
محمد اسحق الريفي لا
شك أن ثقافة المجتمع تدفع إلى
التغيير في مجتمع ما، وتقود
عملية التغيير حتى نهايتها،
ونقصد هنا بالتغيير؛ الإصلاح
والنهوض، والتنمية والتقدم،
والرقي الحضاري.
وفي المقابل؛ لا بد من
النهوض بثقافة المجتمع؛ لتكون
قادرة على الدفع باتجاه
التغيير، إذ أن ثقافة المجتمع
هي المسئولة عن الأنماط
السلوكية والاتجاهات الفكرية
السائدة في ذلك المجتمع.
ولذلك فإن تغيير ثقافة
المجتمع هي نقطة الانطلاق نحو
التغيير، ولكن كيف يمكن تغيير
ثقافة المجتمع والنهوض بها، ومن
الجهة المسؤولة عن ذلك؟ وفي
البداية، نستعرض باختصار مفهوم
"ثقافة المجتمع"، التي هي
مجموعة القيم والأفكار
والخبرات والتجارب المتراكمة
في مجتمع ما، والتي تمثل هوية
أجياله، وتتحكم في تصرفاتهم
ومسيرتهم، وتميزهم عن غيرهم من
المجتمعات الأخرى؛ في التصورات
والاعتقادات، والمبادئ
والأخلاقيات، والعادات
والتقاليد، والأذواق
والأحاسيس، والمعاملات
الحياتية اليومية. وثقافة
المجتمع هي التي بها تحتفظ
الأمة بهويتها الثقافية،
وخصائصها التاريخية، وسماتها
الحضارية.
ولذلك فإن ثقافة المجتمع هي
منظومة اجتماعية وثقافية؛ تشمل
كل ما يسود المجتمع من أنماط
السلوك والعادات والمعتقدات،
والآداب والفنون والتاريخ
واللغة، وكل ما يتصل بها من
جوانب ثقافية واجتماعية
وحضارية. جاء
الإسلام لتغيير حياة الناس،
وإخراجهم من الظلمات إلى النور،
عبر تغيير ثقافات المجتمعات
البشرية، بدءاً بثقافة المجتمع
العربي الجاهلي في جزيرة العرب،
وفي مكة تحديداً، الذي كان في
ذلك الوقت يتمتع بلبرالية وحرية
مطلقة، ولكنها كانت إلى حد ما
مقيدة بمنظومة من القيم
الإنسانية الفاضلة، التي تفوق
في إنسانيتها الآن قيم الحضارة
الغربية، وجاء رسول الله سيدنا
محمد، صلى الله عليه وسلم،
لتطوير تلك المنظومة من القيم
الإنسانية الفاضلة، والارتقاء
بها، وإتمامها إلى درجة الكمال،
للارتقاء بالإنسان، في كل مكان
وزمان، حيث كان المجتمع العربي
في جزيرة العرب؛ المحطة الأولى
لرسالة الإسلام العظيم، على
خريطة طريق تغيير العالم كله
نحو الهداية والرشاد. والآن،
وفي ظل هذه الأوضاع البائسة
والمزرية، التي تسود المجتمعات
العربية، حدث في ثقافة المجتمع
خلل كبير، فأصيبت بشلل مقعد،
وأصبحت غير قادرة على الدفع
باتجاه التغيير، ومواكبة حركة
التاريخ، ومواجهة التحديات
الثقافية التي تحول دون نهوض
أمتنا العربية، وتعرضها إلى خطر
الانهيار والاضمحلال، وساد
مجتمعاتنا العربية التخلف
الحضاري والاستبداد السياسي،
وأصبحت الأمة العربية محط أطماع
الأمم الأخرى؛ بل كالقصعة التي
تداعى عليها الأكلة من الأمم
الأخرى الطامعة.
وبعبارة أخرى، عوامل الضعف
الداخلية، الناجمة عن شلل ثقافة
المجتمع، هي التي أوصلت أمتنا
إلى هذه الحالة البائسة. وإذا
كانت ثقافة المجتمع هي المسئولة
عن الأنماط السلوكية
والاتجاهات الفكرية السائدة في
عالمنا العربي، والتي مع الأسف
الشديد؛ تنطوي على مخزون هائل
من ثقافة التشرذم والفوضى
والانقسام، بعكس ما نادى به
الإسلام، والتي أدت إلى تأجيج
النزاعات والصراعات؛ المذهبية
والطائفية والسياسية والعرقية
وغيرها، وانتشارها في العالم
العربي، بشكل مروع!
وهنا تجدر الإشارة إلى أن
الناس في مجتمعاتنا العربية؛
اعتادوا على أن يعزوا الظواهر
السلبية في مجتمع ما إلى
الثقافة السائدة فيه، أو ثقافة
المجتمع. وهنا
تحدث الإشكالية، إذ أصبحت ثقافة
المجتمع هي المسؤولة عن التخلف
والظواهر السلبية، بل هي التي
تعيق عملية التغيير، وكل ما يلم
بالمجتمعات العربية من مصائب
ومشاكل. وبذلك
نكون قد وقعنا في دائرة مغلقة،
ووصلنا إلى طريق مسدود، لا بد
لنا من شقه، لنمضي إلى الحضارة
والمجد، ولكن كيف يمكن للعرب
تجاوز هذه المحنة وإصلاح خلل
ثقافة المجتمع؛ حتى تكون قادرة
على إطلاق عملية التغيير
المنشود، الذي نحن في أمس
الحاجة إليه؟ هذا
السؤال يقودنا إلى تساؤلات
عديدة حول دور علماء الأمة،
والدعاة، والمثقفين عامة، في
تغيير ثقافة المجتمع وتحقيق
التغيير المنشود، في وقت يتم
تعويم المسؤولية عن التخلف
والانحطاط في مجتمعاتنا،
والاختلاف حول التغيير
المطلوب، وتبدو المسألة وكأن
هناك صراعاً بين التغيير وثقافة
المجتمع!
ولا شك أن دور المثقفين في
عملية التغيير مغيب إلى حد
كبير، بسبب الاستبداد، وما نجم
عنه من إقصاء لدور الثقافة
والفكر في الإصلاح والتغيير
والنهوض. ولحل
هذه الإشكالية؛ لا بد من الرجوع
إلى الأصل، الإسلام العظيم، فإن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |