-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
النموذج
التركي في تعايش الإسلام
والديمقراطية بوفلجة
غيات تعتبر
تركيا نموذجا للتطورات
التاريخية التي حدثت في العالم
العربي والإسلامي في العصر
الحديث. لقد دخل الإسلام إلى
تركيا فتبناه الأتراك وسعوا إلى
نشره في أوروبا خاصة. وقد أصبحت
تركيا مقرا للخلافة العثمانية
التي هيمنت على غالبية أقطار
العالم الإسلامي في مشرقه
ومغربه، وفي القارات الثلاث،
بآسيا وإفريقيا وأوروبا. وقد
كانت للخلافة العثمانية قوة
وصَيت، أرغمت أعداءها
الأوروبيين على التعامل معها
واحترامها، وقد اشتهرت
بأساطيلها البحرية وقوة جيوشها
وفتوحاتها في أوروبا. إلا أن
دخولها الحرب العالمية الأولى،
وتكاتف الغرب عليها، واشتعال
الثورات في مناطق نفوذها، بما
في ذلك المنطقة العربية، عوامل
أدت إلى انهزام العثمانيين
وسقوط الخلافة بها، وبالتالي
تراجع دور تركيا على المستوى
العالمي. وهو ما أدى إلى نهاية
الحكم العثماني وسلاطينه،
وبروز تركيا الحديثة مع وصول
العسكر تحت قيادة مصطفى كمال
أتاتورك بأفكاره العلمانية،
المعادية للإسلام إلى سدّة
الحكم. وهكذا ألغى الخلافة
العثمانية في 3 مارس 1924، وطرد
الخليفة وأسرته من البلاد،
محاولا طيّ صفحة الماضي
العثماني من خلال الإعلان عن
ميلاد تركيا الحديثة. وقد
بدأت حملة شرسة على رموز
الثقافة العثمانية تحت قيادة
مصطفى أتاتورك، بما في ذاك
الحرف العربي العثماني، محاولا
ربط تركيا بأوروبا الحداثة
والتطور. حيث سجل بذلك منعرجا
كبيرا، أدارت تركيا بموجبه
ظهرها إلى الشرق العربي
الإسلامي "المتخلف". وقد
استمرّت نفس السياسة تقريبا بعد
فترة حكم أتاتورك إلى اليوم،
حيث تسعى تركيا للإنضمام إلى
الإتحاد الأوروبي. فلم يكلّ
حكام تركيا المتتابعون ولم
ييأسوا، وقد عملوا على تغيير
كثير من قوانين تركيا
وممارساتها السياسية من أجل
التكيف مع تشريعات ومتطلبات
الإتحاد الأوروبي. مع كل ذلك
أوصدت أوروبا أبوابها في وجه
تركيا المسلمة، وذلك لكون
الأوروبين يعتبرون أوربا حظيرة
مسيحية. إلا أن
محاولات التكيف مع استحقاقات
الإتحاد الأوربي ساعدت على نضوج
الممارسات الديمقراطية في
تركيا، مما أدى إلى السماح
للأحزاب السياسية الإسلامية
بممارسة السياسة في الملعب
العلماني تحت سقف الديمقراطية.
كما أن الحركة الإسلامية في
تركيا نضجت لكي تقبل بمعايير
اللعبة الديمقراطية الغربية. وقد
ظهرت عدة شخصيات وأحزاب سياسية
ذات التوجه الإسلامي ودخلت
الانتخابات ومجالات المنافسة
السياسية. فوصلت إلى الحكم
وأطيح بها عدّة مرات عن طريق
الإنقلابات العسكرية أو من خلال
المناورات السياسية، مع ذلك
استمرت الحركة الإسلامية في
تركيا في اعتماد الأساليب
السياسية السلمية ولم تنجرّ إلى
العنف، كما حدث في كثير من الدول
العربية. وهكذا
بدأت الحركة الإسلامية مجال
السياسة مع حزب النظام الوطني،
الذي أسسه المهندس نجم الدين
أربكان في يناير 1970، وقد تم حضر
نشاطه، ليخلفه حزب السلامة
الوطني في أكتوبر 1972. وقد عاد
نجم الدين أربكان بحزب جديد وهو
حزب الرفاه، وساهم في تحالفات
في حكومتي كل من سليمان
ديميريل، وبولند أجاويد، وقد
بقي شريكا في السلطة حتى
الإنقلاب العسكري سنة 1980. أما
أهم مرحلة برزت بتوجهاتها
الإسلامية، فقادها حزب العدالة
والتنمية الذي أسسه الطيب رجب
أردوغان، وقد تمكن من الفوز في
انتخابات 2002. وبهذا
انتهت حقبة المواجهات بين
الإسلاميين والعلمانيين، وبين
الإسلاميين والجيش، حيث كان كلّ
طرف يسعى إلى نفي الآخر، حتى تم
التوافق بينهما، من خلال انتصار
الديمقراطية في تركيا وقبولها
بحكومة إسلامية تحت قيادة حزب
العدالة والتنمية برئاسة الطيب
رجب أردوغان. وهنا
عرفت تركيا انطلاقة حضارية
جديدة، بآليات عصرية، على أسس
سليمة من التصالح مع الذات، ومع
ماضيها العثماني وممارساتها
الديمقراطية. فأصبحت
تركيا بذلك محورا لعملية سياسية
نشطة، كنموذج فريد في تنظيم
الحكم وتداول السلطة، باعتماد
الديمقراطية الغربية. كما قامت
بنشاطات سياسية مهمة في منطقة
اتسمت بالحروب والصراعات، منذ
زرع الكيان الإسرائيلي في قلب
الأمة العربية. أما في
المجال الإقتصادي تعمل تركيا
على إيجاد تجمع اقتصادي بدأت
تتضح معالمه، بدءا بمحور
استراتيجي مع سوريا، وهناك جهود
لتوسعته كي يضم دولا إسلامية
أخرى في المنطقة. حيث تم التصالح
التاريخي بين تركيا وأرمينيا،
وتمت اتصالات مع العراق وإيران
وباكستان، لتعزيز هذا التحالف. وبذلك
يظهر تجمع اقتصادي قوي بشمل
مجموعة من الدول الإسلامية
والعربية، وهو ما يعيد نوعا من
التوازن إلى العالم، بحيث تظهر
أول كتلة اقتصادية وحضارية تمثل
الحضارة الإسلامية وتدافع عنها
في المحافل الدولية. وهكذا
قدمت تركيا نموذجا مشرفا
للإسلام بممارسات ديمقراطية
حديثة، وهو مثال يُقتدى به في
العالم الإسلامي والوطن
العربي، إن أراد الخروج من
دوامة التخلف والتبعية. وقد
أثبت هذا النموذج نجاحه في
التعايش مع الواقع السياسي
بتناقضاته، وعرفت تركيا تطورا
اقتصاديا كبيرا. ولعلّ ذلك يجعل
هذا النموذج "الإسلامي
الديمقراطي" أكثر جاذبية
للدول العربية التي تعاني من
تسلط الحكام وغياب الديمقراطية
وطغيان تخلف متعدد الجوانب
والأشكال. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |