-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بعض
إشكاليات الحركات القومية (1) جلال
عقاب يحيى* ـ
إشكالية تأسيسية تخصّ تشكيل
الأمة ـ واقع
التذرية والتنتيف والفوات .
واقع التكلّس القطري وتراجع
العمل القومي حتى النفس الأخير .
وواقع غياب الوحدة من الواقع،
وحتى من البرامج العملية، وواقع
الموجات الطائفية العاصفة
المنطلقة من عقال الدهاليز
والكهوف، وكثير كثير من سمات
الواقع القائم .. تفتح الشهية
للخوض في جوهر المفاهيم
والعلاقات والرؤى : القومية،
القطرية، مثلما تطرح عديد
الأسئلة عن حقيقة الروابط
القومية، وموقع القطري وما
دونه، والخلفيات السياسية
وغيرها في الذي يجري، وفي هذا
الدمار المزري الذي جعل الأقدام
تحتل العقول، وأطلق العنان
للغرائز الشعبية للدوس على ما
تبقى من أواصر، ونقل التناقضات
إلى أصعدة انحرافية تدفع الشعوب
ثمنها، ومثلها المستقبل العربي
. الآن
تروج أفكار جديدة تعتبر نفسها
الابن الشرعي للعولمة، والتطور
العالمي ومفرزاته في أوطاننا،
خاصة دعاة سقوط وموت
الأديولوجيا، أو ما يمكن القبض
عليه : موت المبادئ والشعارات
التي شكلت محتوى مرحلة النهوض،
وجوهر قيام وانتشار وانتشاء
الأفكار والحركات القومية، بما
يعني أنه لم يعد للقومية(مثلاً)
حظ ولا وجود، ولا لدعوات الوحدة(ناهيك
عن العمل من أجلها)، وبما يعني
السباحة في حدود المسابح
القطرية ومستنقعاتها المتشكلة
في ممارساتها، بمواصفاتها
البدائية : الطائفية والمذهبية
والإثنية والعشائرية، وما دون،
وبالعودة عقوداً غلى مراحل ما
قبل الدولة القطرية، وبما يهدد
الأطر القائمة بالمزيد من
التفسخ والتوليد القسري
والطبيعي عبر الاقتتال الداخلي
والحروب الأهلية، وانفلات خزين
الاحتقان الطبيعي والمصنّع..
وصولاً إلى استباحة الأمة،
والتخلي عن فلسطين، وترك العراق
لقمة للمحتل والحقد والعملاء..
وانتظار ما تسفر عنه خلخلات
التفسيخ السائرة على أكثر من
حامل في عديد الأقطار العربية،
والقادم يمكن أن يشمل معظمها . وإذا
كنا نقرّ بداية بحجم ودور الفعل
الخارجي فيما يجري، وهو فعل وصل
قمته في اغتصاب فلسطين، واحتلال
العراق، وفي ظواهر وتدخلات
كثيرة، فإن ذلك لا يكفي وحده
لتفسير ما يجري، وهو نهج أعوج
تنشره النظم المأزومة،
المسؤولة، بشكل رئيس، عمّا آلت
إليه الأوضاع . نعم،
الوطن العربي، وبما في ذلك من
خصوصية يجب وضعها في مكانها
الطبيعي دون تقزيم، أو توريم،
يقع منذ عقود في مركز
الاستراتيجيات العالمية :
الإمبريالية، الكولنيالية،
الاحتلالية، ببصمة صهيونية
تمثل النكهة الخاصة التي
ابتلينا بها، والتي تجعلنا، إلى
جانب النفط، نحظى بثقل ملموس،
وبهذا الاهتمام الفج الذي بلغ
أوجه، خصوصا والكل يعلم مدى
سيطرة الصهيونية على دوائر
القرار في العالم، ومدى خبثها،
ودقة تنظيمها، وحسن أدائها
للوصول إلى أهدافها . في هذا
الميدان يمكن الغوص والجري
عميقاً وطويلاً في فصول،
وألوان، وسيناريوهات المؤامرة،
والقبض عليها بالجرم المشهود في
وقائع تفقأ العيون(حيثما سرنا
ونظرنا وقرأنا ما يجري) . لكن،
وكي نكون موضوعيين، ومسؤولين،
ومعنيين بهموم أمتنا ومستقبلها
يجب الاعتراف التأسيسي بأن جميع
المؤامرات، جميع
الاستراتيجيات، بما فيها تلك
الاقتحامية، الاحتلالية، ما
كان لها أن تنجح لولا توفر عوامل
ذاتية : بنيوية وسياسية، ولولا
وجود أوضاع مناسبة، وممارسات
أنظمة وفّرت الأرضية والغطاء
وأسباب النجاح.. وإلا سنجنح، كما
يفعل عديد مسؤولي ومنظري
الاتجاهات القومية، إلى التستر
على الموبقات والجرائم
والخيانات والنواقص والسلبيات،
بل وخلق المناخات التي ساعدت،
والتي تتحمل المسؤولية الأساس
فيها القوى والأنظمة السائدة :
حكما وفكراً وممارسات وشعارات . **** بالأصل،
وفي عزّ سنوات النهوض كان
المشروع القومي الرائج،
المندفع بقوة المرحلة يعاني
خللاً بنيويا في التحليل
والتركيب والبرمجة حمله في عقله
وأحشائه، ناهيك عن الممارسة
التي أظهرت فجواته، ثم سنوات
الفوات والهزيمة والتحولات
التي أكدت عمق الأزمة، وخلخلة
وخيانة القوى الحاكمة لألف باء
ذلك المشروع ومقتضياته . لقد
انطلقت الحركات القومية من ردّ
فعل مباشرغاضب، عنيف، عاطفي على
واقع، وعملية تمزيق الأمة
وشرذمتها وتجزئتها بتلك
الطريقة، فلم تر، أو لم ترد فحص
ودراسة الواقع الأسبق
وامتداده، فركّزت على فعل
المؤامرة القادمة والمحمولة من
قوى استعمارية، كولينالية،
شمولية، لأهداف واضحة لا تخفى
على أحد، والذي وصل ذروته في
تقطيع أوصال الجسد الباقي(خاصة
بلاد الشام)، وزرع كيان سرطاني
في قلب القلب استطاع استنزاف
الأمة، ونخر الخلايا الحيّة
فيها، وإلحاق سلسلة هزائم
بقواها القومية شكّلت أرضية
الفوات والانحدار والردّة
والاستسلام، والقطرية
المنتشية، ثم ما دونها من
دويلات الأقطار المنخورة.. ذلك
المنهج التقريري، الفرْضي،
الفَرَضي،الرد فعلي على أفعال
عنيفة بدا ممكناً، ومقبولاً،
ومستور العيوب في مرحلة الصعود
والانتشار، خاصة وأنه خاطب
العواطف قبل العقول، فالتفّت
حوله تحمله زاهية، معتقدة أنه
كاف، وأنه الطريق للوحدة
والتقدّم والنصر، فتراجعت
ثقوبه وعيوبه إلى مرحلة الوصول
للحكم حين بات عليه مواجهة
مفردات الواقع كما هي لا كما
يفترض، ولا كما تخيّلها
الحالمون، وهو ما ستمرّ عليه
عند التعرض للحركات القومية
ودورها ومسؤوليتها . بعض
ملامح الإشكالية .. قبل
إلقاء اللوم على الغير، وتحميل
الآخر : الخارجي ـ المؤامرة ـ
الصهيونية ـ الإمبريالية
والقوى المتحالفة معها كل
المسؤولية والمصائب التي لحقت
بنا.. يجب الوقوف المعمّق،
والشجاع عند ماهيات الفكر
القومي الذي ساد وما تركه من
آثار على النتائج، وعند طبيعة
القوى التي عبّرت عنه( بهذه
الطريقة أو تلك)، ومدى وعيها،
وإيمانها، وصلاحيتها، وصدقها،
وصولاً إلى المرحلة الحالية :
مرحلة ما دون القومي، وحتى
القطري.. ضمن عجالة نحاول فيها
المرور السريع على أبرز تلك
الإشكاليات، وفقا لما تتحمله
دراسة (مختصرة)، والتي نجد في
صدرها : 1ـ في
واقع ومفهوم الأمة : الذي لا
شكّ فيه أن عوامل كثيرة،
متضافرة : متناغمة ومتناقضة،
متآلفة ومتنافرة، جمعية
وتفريقية ساهمت في كينونة الأمة
العربية عبر التاريخ، وصولا إلى
ما يمكن الاتفاق عليه بوجود أمة
عربية واحدة في المكان المحدد(الوطن
العربي)، وعبر الأزمنة الموغلة
في القدم (بعد الفتح الإسلامي ـ
عموما ـ في حين يصرّ غلاة
القومية العربية على أنها كانت
قبله بقرون)، على الرغم من أن
هذه(الحقيقة) جرى الخلاف الكبير
عليها، ما بين من يعتبرها حقيقة
الحقائق الأبدية التي لا تقبل
الشكّ والنقد والإنقاص، وبين من
لم يعترف بوجود أمة عربية(دعاة
الأمم البديلة : السورية، أو
بلاد الشام، والفرعونية،
والفينيقية، وغيرها كثير مما
تذروه رياح مرحلة التفكك
والفوات )، إلى جانب من اعتبرها
أمة ناقصة التكوين، أو في طورها
إلى التشكل والتكوين( مواقف
الأحزاب الشيوعية وفق الوصفة
الستالينية الشهيرة)، إلى "
إبداعات" مرحلة الشرذمة
والتذرية وبعض الدعوات الغريبة
في إلغاء فكرة الوحدة
واستبدالها بهربشات إفرازية
تنسجم وطبيعة القوى المسيطرة،
إلى آخر منتجات الطوائفية،
والزواريبية، والإقليمية،
والمتصهينة . الخلاف
يعود بالأصل إلى تعدد ووفرة
الأقوام والشعوب التي عاشت
وتفاعلت في رقعة جغرافية جرى
الاتفاق على أنها الوطن العربي
الواحد (من المحيط إلى الخليج)،
وبينها أقوام وشعوب لا تنحدر من
أرومة واحدة، ناهيك عن الأرومة
العربية التي سيطرت، ونظرّ لها
عديد دعاة الأمة الواحدة
باعتبارها من عرق واحد، ومكان
واحد( حتى وإن تواجدت في أمكنة
متباعدة)، بينما هناك أثنيات
تعتبر أنها خارجها، وحتى
بالتضاد لها، أو بالتمايز عنها،
وأنها غير معنية بها . في هذا
الجانب، وضمن الظروف الصعبة،
والمتشعبة التي ولدت فيها تلك
الأفكار، وبلوراتها القيصرية
في حركة القومية العربية، فإن
العجالة والقسر التقريري،
والأدلجة، والتكييف الإرادي..
سمات غمرت منظري الاتجاه
العروبي في تحديد مقومات وأعمدة
الأمة وحركتها القومية، ونجده
أكثر فضفضة وارتباكا عند تناول
وتحديد موقع البعد الديني(الإسلام،
خاصة) من كل ما جرى، وموقعه في
تشكيل الأمم، والأمة العربية
بشكل محدد . العجالة
تبدّت بحركية تتسم بالتناقض
والتفاوت بين من يلغي تماما، أو
يهمّش جذرياً دور الدين في
مكونات الأمم(الأمة العربية)،
خاصة وأن الإقرار به ينسف، أو
يلجم ويحجم الاتجاهات
العلمانية السائدة، والتي كان
لها سبق البلورة والعمل
السياسي، مثلما ينسف حجم وموقع
ودور المسيحيين العرب( الهام
والضروري)، وهو اتجاه يتلخبط
ويتلعثم فكرياً عند الحديث عن
عملية التعايش والإدماج التي
أجراها الفتح الإسلامي لعدد من
الشعوب المختلف (على الأقل) في
أصولها، والتي وسمها بالعربية (لأنها
تتكلم العربية، وتقطن تلك
الرقعة التي جرى الاتفاق على
أنها الوطن العربي). عدا عن أن
المطالبة بفصل الدين عن الدولة(على
غرار الغرب المتأثر بتعاليم
وشعارات الثورة الفرنسية،
والذي عرف عبور مراحل مختلفة
عمّا عرفه الشرق العربي، خاصة
لجهة دور الكنيسة ورجال الدين
ومستوى تحالفهما مع الإقطاع، بل
ولجهة البلورة الطبقية أيضاً،
والسياسية، والأديولوجية)
اصطدم بثقل هيمنة العقيدة
الدينية وتأثيرها القوي في
الطبقات الشعبية التي يتجه
إليها ذلك الفكر، ثم في مناطحته
الهشّة لرجال الدين، وللحركات
الدينية التي أخذت بتلابيبه بعد
مرحلة(الصحوة) واكتشاف ثغراته
وضعف تأثيره في الوسط الشعبي..
فحدث الاصطدام وارتجاج الذي دفع
بعض ذلك الاتجاه إلى الاستسلام
ومحاولة القيام بنوع من
المصالحة، أو التسوية، أو
الارتداد على ما كان يؤمن به . بينما
يعاني الاتجاه الذي حاول
التركيز على العامل الديني :
أساسا، من تناقض بنيوي، وأرجحة
أقرب إلى التلفيق والخلط لإيجاد
توليفة تتأرجح فيها المفاهيم
والأفكار وتتمرّجح تارة باتجاه
قومي شبه علماني، انتقائي،
وتارة نحو مشيخة الأفكار
وطلائها بأسلمة تجعلها أقرب إلى
مفاهيم المتشددين الإسلاميين،
فلا تعرف حدود تلك الحركات من
أفكار المشروع النهضوي الحداثي
الذي اعتبر الجوهر التمييزي عن
الحركات الدينية التقليدية،
ولا موقع الدين في الدولة ومن
السياسة، ولا مسألة الهوية
القومية وتفارقها عن بقية الدول
الإسلامية . ولأن
الدين، عند جميع الأمم، لم يكن
عاملاً حاسماً في تكوين أمة
بعينها(بعض الأمم تشكلت دون
تأثير العامل الديني) باعتباره
أمميا، عامّاً، وليس قصرا على
شعب بعينه، أو أمة بذاتها . ( أحد
أوجه الصراع مع الصهيونية،
واليهودية السياسية محاولاتها
ركوب الدين والادعاء بتخصيصه
لشعب يطلقون عليه " اليهودي"أو
" شعب الله المختار") .
ونعرف أن الاتجاهات الدينية
قفزت فوق القومي إلى رحاب أمة
الإسلام الواحدة، وعديدها،
خاصة العربية منها، لا يعترف
بوجود أمة عربية واحدة، وهو ما
يثير بدوره إشكالات من نوع آخر،
تصبّ، في النتيجة، في بحر
الإشكالية المتلاطم . بينما
حاولت بعض الحركات السياسية،
والفكرية القيام بعملية خلط بين
القومي والديني لتوليف خليطة
بينهما، ترجّح تارة هذا الجانب،
وتستخدم تارة أخرى ذلك الجانب
وفقا لتماوجات مرحلية،
ولمتغيرات عرفتها الحركات
القومية، خاصة تلك التي وصلت
للحكم، والتي انتعشت وراجت بعد
صعود الاتجاهات الدينية،
وارتباك فانهزام الحركات
القومية ومشاريعها : النهضوية ـ
التوحيدية، بما كانت عليه في
الأصل، وبما تشرّبته من فكر
علماني، يساري، ديمقراطي،
حداثي (كان يعاني بدوره
العمومية والتبسيط، والتناقض ) . الأمة
العربية التاريخية، التي نضجت
مقوماتها، وتكوّنت في رحاب
الحضارة العربية ـ الإسلامية
المديدة زمنيا، الشاسعة
جغرافيا.. لم تكن قصرا على شعب
واحد يرجع إلى أرومة واحدة، أو
انطلاقا من مكان واحد (بغض النظر
عن محاولات القسر والاختلاق
والانتهازية)، بل تجمّعت
وتناغمت وتفاعلت وتفاوتت
وتناقضت فيها مجموعة من الشعوب(
البحث في الأصول لا يوصل إلى
نتائج قاطعة)، كانت اللغة
والثقافة العربية هي الإطار،
والدين الإسلامي هو
الإيديولوجيا العامة، أو
الغطاء الكبير . وبالوقت نفسه لم
تكن قصرا على دين واحد(الإسلام
بالتحديد) فقد لعب المسيحيون
العرب، واليهود العرب(خاصة قبل
إشكالية زرع الكيان الصهيوني)
دورا مهما في التشكيل والبلورة
والتأسيس، وسنجد بصمات
المسيحيين العرب واضحة في
القرون الماضية، خاصة في بواكير
النهوض، وإرهاصات بلورة وتأسيس
الفكر القومي الحديث، وفي مراحل
التحرر والكفاح متعدد الأشكال،
ومقاومة التتريك والتغريب، وهم
جزء صميمي من بنيان الأمة . **** كما
قلنا، في غمار ردّ الفعل،
والاندفاع العاطفي، والحقّ
المشروع في توحيد الأمة،
والدفاع عنها وهي تتعرّض للمزيد
من التمزيق والتفتيت، وتأثرا
بالدعوات القومية الأوربية،
خاصة الألمانية والإيطالية، لم
يأخذ دعاة، ومن بعد أحزاب
الاتجاه القومي، ذلك التعدد،
والتفاوت والغنى بالاعتبار، بل
عديدهم لم يعترف بوجوده أصلا،
معتبرا أن العرب هم لحمة وسداة
الإسلام، وهم أرومة واحدة
انطلقت من الجزيرة العربية
ووصلت أرجاء الوطن العربي
فعرّبت حيث حلت( تشمل هذه النظرة
الأمازيغ في عموم الشمال
الإفريقي، وأقوام أخرى مختلطة)،
ناهيك عن الاعتراف بالأقليات
القومية الأخرى وحقوقها،
وموقعها، وعن مراحل وفجوات
التقطّع والانفصال والاحتلال
وما أحدثته من تغيير في البنى
والثقافة، والسيرورة، وحتى
التشكيلات الاجتماعية ـ
الاقتصادية ومفرزاتها المختلفة
في عموم الميادين ، وواقع
وواقعية الأقطار القطرية وما
فعلته وأحدثته في شعوبها، وواقع
التكوينة شبه الخصوصية لكثير من
الأقطار، أو السمات العامّة
المشتركة لبعض التشكيلات
الجغرافية : ( بلدان المغرب
العربي ـ مصر والسودان ـ
الجزيرة العربية، بما فيها
اليمن، وبالتمايز أيضاً ـ بلاد
الشام ومعها، أو دونها العراق ..)،
وموقع الفسيفساء الديني
والمذهبي والقومي والعشائري
والإقليمي داخل كل مجتمع، ومدى
قابلياته : صعوداً ونكوصاً ..إلخ
. لقد
انطلقوا من حقيقة وجود أمة
عربية واحدة، مبلورة، متعضدية،
متجددة، حيّة نابضة.. لا يأتيها
الباطل والفكفكة والزوال،
ورسالتها خالدة(وإن كان الخلاف
بيّنا حول ماهيّة تلك الرسالة
وطبيعتها وأصولها التاريخية
ومرجعيتها بالتحديد، وتقاطعها
مع الفكر الجديد، ومفاهيم
الدولة والدستور والشعب
والملكية والحاكم والحاكمية،
والعدالة الاجتماعية،
والديمقراطية .. إلخ)، وأن الهدف
الرئيس : عودتها لممارسة دورها
الطليعي ( الذي قطعه الاستعمار
الغربي)، دون أخذ بالاعتبار
محتوياتها، وحقوق مكوّناتها،
ناهيك عن وعي ظروف تشكلها، و(
مراحل سيروراتها، وما فعلته
التطورات القطرية من اختلافات
وتفاوتات فيها، وعوامل الخلاف
والاختلاف الأخرى في سمات
وثقافة الشعوب التي تعيش الوطن
العربي قبل الاحتلال وأثناءه
وبعده ) . ـ
البنيان القطري، رغم تماوجاته،
ومناقلاته التاريخية، وحدوده
الجغرافية المتغيرة في المكان
والزمان، لم يكن وليد الحالة
الاستعمارية وحسب، بل إنه سابق
عليه بمراحل متعددة، بما في ذلك
ما يمكن قراءته في المكوّن
التاريخي لتلك الكتل
الجغرافية، وما عرفته كلّ منها
من أحقاب تاريخية مختلفة،
كالسمات المشتركة لسكان وادي
النيل، والمختلفة عنها في بلاد
الشام، أو الجزيرة العربية، أو
شمال إفريقيا، بما فيها أصول
الشعوب وتعدد وتداخل وتمازج
الحضارات المتعاقبة، وتنوّع
الثقافات، وحتى اللغات
المحكية، والإثنيات . أما
البنيان القطري الذي نهض قبيل،
ومع الغزو الاستعماري الشامل
للوطن العربي، والذي تكرّس
بوجود كيانات رسمية(بعد الخروج
المتعدد الأشكال) فقد تمطّى
وتمدمد عمقا لمنح نفسه مشروعية
الوجود والبقاء وفق تلك الخصائص
التي أراد التركيز عليها،
والمعارك البينية التي خاضها،
والتوجس من الآخر العربي
المجاور، وعمليات الحقن
والتعبئة في المحميات القطرية
ضد المحميات الأخرى، وما هو
موجود من اختلاف في وتائر
النمو، وفي الثقافة، وسيرورات
التطور، والسياسة، وغيره كثير..
مما كان يستدعي أخذه باعتبار
قادة الاتجاهات القومية وهم
يصوغون مهماتهم البرنامجية،
ويرفعون شعاراتهم الاندفاعية،
وهم يعتلون صهوة الحكم لوضع
الأهداف موضع التطبيق . إن
الإقرار بالواقع الذي نُظر له
على أنه تنازل واستسلام، لا
يعني أبدا الوقوف عنده، بل هو
عملية ضرورية لصياغة المهام
والأهداف الواقعية كي لا تسبح
في الفراغ، أو ترتطم بالواقع
فتقرف رقبتها كما حدث لجملة
أهداف مرحلة النهوض القومي . ـ
إشكالية تكوين الأمة،
وسيروراتها غير الطبيعية :
مراحل التفكك والضعف، فمراحل
الاحتلال والاستعمار، تلاقحت
مع إشكالية الفكر القومي الذي
قاد وساد لإنتاج أزمة الفكر
القومي، خاصة وأن الخلط الذي
جرى بين الأمة والحركة القومية،
وفشل الأخيرة في تحقيق أيًّ من
الأهداف المركزية، انعكس
وبالاً على الأولى فطال الشكّ،
واليأس كل شيء، وباتت الأمة
العربية(من جديد) أمام تحدي
إثبات الوجود بواقع قطري ينحدر
إلى الزواريب والحارات وعقلية
الزنقة، والمزرعة، والدكان،
والطائفة والقبيلة والمشيخة،
والما قبل قومي، ووطني.. بل وما
دونهما بكثير . إن
الحركة القومية( بغض النظر هنا
عن جوهر فكرها، ونقائصها، وعمّا
آلت إليه ـ على يد من حملها وركب
أمواجها، وتاجر فيها،
واستخدمها، ونخرها ونحرها....) هي
تعبير سياسي عن حركة الأمة
وصبواتها في مرحلة معينة، وهي
بالتالي قابلة للمناقلة
والتغيير والتبديل، خلاف الأمة
التي تعتبر بمثابة الحقيقة
الراسخة في الوجدان الشعبي، وفي
المحفّزات، وجوهر حركة الأمة . الأمة
التي نقصد هي الأمة : الانتماء،
الهوية، البصمة الخصوصية،
الخيمة والإطار الشامل لجميع
مواطنيها القاطنين فيها بغض
النظر عن أصلهم العرقي، وعن
دياناتهم ومذاهبهم وعشائرهم،
بل وانتماءاتهم السياسية
والطبقية . وهي بذلك الوعاء الذي
تصبّ فيه( ويجب أن تصبّ) جهود
كافة فروعها وتلاوينها لتشكيل
لوحتها الغنية، الزاخرة
بالحياة، والقادرة على الحياة . وإذا
كنا نستبق النتائج اللاحقة في
هذه الدراسة(السريعة)، فمن
الأكيد أن تقوية مشاعر وروابط
الانتماء بالأمة، ولها .. لا
يتأتى إلا عندما تعترف الأمة
بحقوق المواطنة المتساوية
لجميع الساكنين فيها، بما في
ذلك الحقوق القومية والدينية
وغيرها، للتنوعات والمكوّنات
المتعددة فيها، على قاعدة :
الوحدة والتناغم والتكامل
والعدل . (( يتبع
)) *كاتب
وباحث ـ الجزائر ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |