-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وقفة مع السياسة الألمانية

جان كورد

يعتبر (أربعاء الرماد) الذي يصادف  الأول من صوم الأربعين يوماً لدى المسيحيين في ألمانيا، أحد أهم الأيام السياسية في السنة بالنسبة لمختلف الأحزاب والاتجاهات، في جمهورية ألمانيا الاتحادية، ولذلك اتخذ هذا اليوم مع الزمن اسم "أربعاء الرماد السياسي" الذي تعقد فيه مؤتمرات الخطابة وتندلع حرب كلامية عنيفة بين مختلف المحاور، تتسم بحدة التلاسن والهجاء والقدح والاستخفاف أحياناً، إلا أنه يوم سياسي هام جداً، يتعرّف فيه المواطنون على مواطن الخلافات العميقة بين القوى الحاكمة والقوى المعارضة...ويحاول الإعلام منح كل الأطراف المتعاركة قدراً كافياً للتعبير من خلالها عن الرأي ولقذف الحمم من بواطنها، وبذلك تساهم بروح رياضية عالية في التنفيس عن المشاعر القوية، الأمر الذي يراه البعض ضرورياً للغاية في مجتمع حرّ ديموقراطي، في حين يراه البعض الآخر تأجيجاً للمزيد من النيران التي تضّر بعلاقات الأحزاب والقوى بعضها ببعض...ولكنها الحرية والديموقراطية، ولكل رأيه في الموضوع...

أتابع كعادتي منذ سنوات عديدة معارك "أربعاء الرماد السياسي"، وأحصل من خلال ذلك على مزيد من المعارف بصدد السياسات الألمانية المختلفة، ومنها السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وقليل جداً من شؤون السياسة الخارجية، حيث معروف عن الألمان ابداء مزيد من الاهتمام بقضاياهم الداخلية لأسباب تاريخية لا مجال لذكرها هنا الآن...

استمعت طويلاً وبامعان هذه المرّة إلى الأمناء العامين ورؤساء هذه الأحزاب المتواجدة في البرلمان الاتحادي:

-الاتحاد الاجتماعي المسيحي   -الاتحاد الديموقراطي المسيحي    -الحزب الديموقراطي الليبرالي

 وهي الأحزاب الحاكمة المنضمة تحت سقف (التحالف المسيحي – الليبرالي)

-الحزب الاشتراكي – الديموقراطي     -حزب الخضر/تحالف 90     - الحزب اليساري

وهي الأحزاب المعارضة غير المنضوية في تحالف معين...

تكلّم عن الاتحاد الاجتماعي المسيحي رئيسه السيد هورست زيهوفر (61) الذي يتولّى رئاسة وزراء اقليم البايرن (بافاريا) أيضاً... وهو سياسي عريق ومعروف بتوازنه وقدرته على اقامة العلاقات مع الخصوم في أحلك الظروف، وشارك كوزير اتحادي في الحكومة المركزية لأكثر من مرّة... ركّز السيد زيهوفر على نقاط أساسية في كلمته، منها: إعلان رفضه للتصريحات السلبية لحليفه في الحكومة الاتحادية، الذي وصفه ب"الصديق غويدو فيسته فيللر" رئيس الحزب الديموقراطي الليبرالي، الذي يتولّى منصب ناب المستشارة الألمانية وهو وزير الخارجية الألمانية حالياً، بصدد وضع العاطلين عن العمل، وأكّد على أن الاتحاد الاجتماعي المسيحي يعمل على أن يبقى حزباً لكل الشعب، بطبقاته وفئاته المختلفة، ولذا فإنه يحافظ على التوازن الاجتماعي ولايريد التنازل عنه أبداً، إلاّ أنه حزب مناطقي معتز باقليمه (بافاريا) في جنوب ألمانيا، وطالب الأحزاب الأخرى، أن تتفهّم هذا الوضع، فمصالح شعب الاقليم أهم لديه من سائر المصالح الأخرى، على الرغم من أن الاقليم يشكّل أحد ركائز الاتحاد الفيدرالي والمجتمع الألماني حسب قوله... لم يتطرّق السيد زيهوفر إلى السياسة الخارجية حتى يوحي جيداً بأنه مهتم باقليمه دون غيره من المسائل، وأظهر لذلك عدم قبوله لكل ما يطرحه الحزب الليبرالي بصدد مشاريعه المعادية للطبقات الفقيرة، أو حاول إظهار هذا أمام الإعلام  والجمهور على الأقل...

السيدة د. أنجيلا ميركل (56) مستشارة ألمانيا منذ عام 2005 ورئيسة حزبها الديموقراطي المسيحي خلفاً للدكتور هيلموت كول الذي حكم قبل ذاك لمدة 16 عاماً كمستشار معروف بانجازه عملية الوحدة الألمانية، أعلنت عن عدم موافقتها هي أيضاً للتصريحات المسيئة للعاطلين عن العمل، والتي قد تضر بحزبها أكثر من الحزب الليبرالي ذاته، ومدحت "التحالف الكبير" الذي عقدته مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي فيما مضى، وحكمت باسمه لمدة أربعة سنوات سابقة، ولكنها أكّدت صحة رأيها في انجاز تحالف (مسيحي ديموقراطي – ليبرالي) من حزبها وحزب الاتحاد الاجتماعي الذي ينشط في اقليم بافاريا فقط، بموجب اتفاق تاريخي بينه وبين حزبها، حيث تتمكّن في ظل هكذا تحالف لتنفيذ مشاريعها وبرامجها المطروحة من فترة ما قبل الانتخابات الأخيرة...إلاّ أنها لم تتحدّث بكلمة واحدة عن سبب عدم قيام حكومتها بأي عمل جاد وملموس في أي مجال اقتصادي – سياسي – اجتماعي، وقد مضى على حكمها أكثر من مائة يوم حتى الآن... وتفادت المستشارة أيضاً الحديث عن السياسة الخارجية ، لأنها تدرك جيداً بأن فتح الباب على سياسة حكومتها في أفغانستان لن يأتي سوى بالزوابع، وهي أحوج ما تكون إلى الراحة والهدوء قبل انتخابات أكبر ولاية ألمانية (نورد راين فيستفالن)، في أيار (مايو) هذا العام، حيث لهذه الولاية تأثير كبير في القرار السياسي الاتحادي...

الدكتورغويدو فيستفيللر (49) الزعيم الليبرالي، وزير الخارجية، لم يعتذر للعاطلين عن العمل عن تصريحه الذي اتهم فيه الكثيرين منهم بالكسل والعيش على حساب الشعب، وجد الفرصة مهيأة له لأن يظهر نفسه كرجل صريح يضع اصبعه على جراح الشعب الألماني، وتفادى التطرّق إلى السياسة الخارجية، وطالب بمزيد من الدعم للنظام التعليمي لأنه رأى فيه هذا القطاع مستقبل ألمانيا، ورغم تهرّبه من الافصاح عن العديد من المسائل الهامة المتعلّقة بمشاكل حكومته الاتحادية التي يتحمّل فيها مسؤولية نائب المستشارة، أكّد بأن مشروعه لتخفيف الضرائب عن أصحاب الدخل العالي سياسة سليمة ومفيدة للحفاظ على الوحدة الوطنية، ولكنه اعترف بصراحة أن ألمانيا تخسر موقعها على سلّم الدول الصناعية – التجارية الكبرى، يوماً بعد يوم، وأتى بمثال مثير، من البرازيل التي قال بأن أكثر من 50% من سكانها من فئة الأصغر سناً، أو دون الخامسة عشرة من العمر...وهذا أمر مفزع لأوروبا التي تفتقر إلى العناصر الشابة، مما سيقلب الموازين لصالح الدول الشبيهة بالبرازيل... وكعادته فقد اعتبر خصومه من الاشتراكيين – الديموقراطيين وحزب الخضر واليساريين أزلاماً عاملين من أجل اقامة مجتمع شيوعي أثبت فشله تاريخياً على الأرض الألمانية بالذات...

السيدة ريناته كوناست (55) الزعيمة الأولى في حزب الخضر /تحالف 90 استهزأت باستمرار من الحكومة بأحزابها الثلاثة، وعلى الأخص بالسيد غويدو فيستفيللرالذي وصفته بممثل الشركات والبنوك الناهبة لثروات المجتمع في البرلمان الاتحادي وفي الحكومة...وقد قدّمت تقريراً طويلاً ومفصلاً مليئاً بعبارات السخرية الصارخة، شمل مختلف نقاط الضعف في سياسات الحكومة في كل المجالات، وبخاصة في مجال الطاقة والبيئة والضمان الاجتماعي – الصحي....

أما السيد زيغمار غابرييل (51) الزعيم الاشتراكي – الديموقراطي، الذي كان وزيراً في حكومة السيدة ميركل، في الدورة السابقة عندما كانت العلاقات حميمة بين الاشتراكيين – الديموقراطيين والتحالف المسيحي (الديموقراطي – الاجتماعي)، فقد هاجم بصورة لم يسبق لها مثيل كلاّ من السيدة أنجيلا ميركل ونائبها السيد غويدو فيستفيللر... ولم تخلو لهجته القوية الناقدة من التهكم والسخرية والازدراء، وكأنه أعلنها حرباً شعواء على الحكومة وسياساتها، لمنعها من النجاح في انتخابات ولاية نورد راين فيستفالن الهامة جداً، بهدف استعادة حزبه الذي أصابته هزيمة نكراء في الانتخابات الماضية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الاشتراكية – الديموقراطية مواقعه التي هجرها قسراً...وبدا الزعيم الاشتراكي – الديموقراطي هذا متعمّقاً في فهمه لطبيعة المشاكل الكبرى التي تعترض السياسة الألمانية الداخلية، وبخاصة ما يتعلّق منها بالنهب المنظّم للشركات والبنوك الذي ما كان ليتّم دون خدمة مبتذلة قدمتها الحكومة لها على مختلف المستويات...لقد أكّد على أن الأحزاب الحاكمة تعمل وفق برامج ومشاريع معدّة للتنفيذ بعد انتخابات ولاية نورد راين فيستفالن، كلها تصب في خدمة مزيد من النهب والسلب، وافقار أشد للطبقات الكادحة...

ولكن أشد الحملات على النظام الحاكم، بل على الاشتراكيين – الديموقراطيين وحزب الخضر أيضاً، رغم أنهما في المعارضة، قد جاءت على لسان دكتور الفيزياء، أوسكار لافونتين (67)، رئيس الحزب اليساري، الذي تخلّى عن مناصبه ومسؤولياته مؤخراً بسبب اصابته بالسرطان، وعاد إلى ولايته (السار) على الحدود الفرنسية، ليقود من هناك كتلة حزبه في برلمان الولاية فقط، تاركاً العبء الثقيل للحزب الذي تشكّل منذ سنوات قلائل من توحيد تنظيمات نقابية اشتراكية – ديموقراطية مع بقايا الحزب الشيوعي لألمانيا الشرقية، تلك الوحدة التي ما كانت لتتم دون تعاون وثيق بينه وبين الزعيم الألماني الشرقي اليهودي غيغور فلوريان غيزي (62)، فأدى العمل المشترك بين عملاقين متفوهين وذكيين للغاية إلى أن يكسح الحزب اليساري كثيراً من مواقع الاشتراكيين – الديموقراطيين، أعرق أحزاب ألمانيا اليسارية... ومعلوم أن (نابليون اقليم السار) كما يسمى السيد أوسكار لافونتين كان رئيساً للاشتراكيين – الديموقراطيين، ووزيراً للاقتصاد والمالية في آن واحد، في حكومة السيد غيرهارد شروودر، ثم تخلّى عن منصبه الحكومي وعن رئاسة الحزب ومن ثم عن عضوية الحزب تماماً، ليعود بعد فترة من الزمن إلى الساحة السياسية، بعد أن كتب كتاباً هاماً جداً عن تجربته، وليقود مع الدكتور غيزي أشرس حملة يسارية ضد الطبقات الحاكمة في ألمانيا، وفي محاولة مدروسة لانتزاع مواقع المنافسين من الاشتراكيين – الديموقراطيين والخضر أيضاً...

لم يترك زاوية من زوايا السياسات التي تنتهجها الحكومة إلاّ وسلّط عليها لافونتين الأضواء الساطعة، فأظهر بأن الحكومة ليست إلا خادمة مرتزقة للبنوك والشركات، وطالب زعماءها بارتداء أردية دعائية صريحة لمن يمولّها بالتبرعات أثناء حضورهم جلسات البرلمان، كما اتهمها بأنها معادية للطبقات الفقيرة، تنهب وتسرق وتخفي الأموال في واحات المال خارج ألمانيا، وطالب بمنع قانوني لتلقي الأحزاب للتبرعات المغرية والكبيرة، وأكّد على أن الحكومة عاملة على افقار الفقراء واغناء الأثرياء باستمرار...ثم هاجم المعارضة التي وصفها بأنها تركض صوب الخندق المحافظ، وبذلك تخون الشعب الألماني، وبيّن بأن فهمه للحرية والديموقراطية مختلف عن فهم الآخرين في أنه يريدهما لكل طبقات الشعب وفئاته وليس للموسرين فقط... وهو الوحيد الذي تحدّث بشكل سلبي ومعارض لمشاركة القوات الألمانية في "الحرب" في أفغانستان، ففي رأيه ما يحدث هناك هو "حرب" بكل مواصفاتها العسكرية، وطالب الاشتراكيين – الديموقراطيين في تأييد دعوته للخروج من أفغانستان، وتنفيذ ما طالب به زعيم الاشتراكية – الديموقراطية الكبير فيلي براندت الذي قال"يجب أن لاتنشب حرب بعد الآن من الأراضي الألمانية"... وإحدى النقاط الأشد اثارة في كلامه الذي اتسم بالهجوم السياسي الصارخ على وتيرة عالية هي أنه اعتبر دفع الحكومة للفقراء صوب فقدانهم لما تبقّى في أيديهم مما وفروه في حياتهم من أموال بسيطة مخالف لدستور البلاد.

وفي النهاية، من المؤسف جداً أن أحداً من سياسيي ألمانيا في هذا اليوم الهام من العام لم يتطرّق إلى مشكلة آلاف اللاجئين الأجانب الذين لايدرون ما سيصيبهم في حال اعادتهم قسراً إلى بلدانهم، حيث الظلم والفقر والمذلة...كما لم يتطرطق أحد إلى مشاكل الشعوب التي تئن تحت اضطهاد حكامها المجرمين والدكتاتوريين والناهبين وأعداء الحرية والديموقراطية، وبخاصة في شرقنا الأوسط...

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ