-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إيران وموسم «الصفقات الكبرى» و«المصالح الدائمة»

عريب الرنتاوي

ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان ، فإن "المجتمع الدولي" بقيادة الولايات المتحدة يتجه لتشديد العقوبات على إيران ، وإحكام إغلاق أية منافذ يمكن أن "تتسلل" منها السلع والخدمات المحظورة إلى السوق الإيرانية ، وضمان أن تشمل العقوبات مروحة واسعة منها ، سواء تلك التي تدخل في صميم عمل واحتياجات "البرنامج النووي" أو تلك التي سيفضي غيابها أو نقصها ، إلى تصعيد المواجهة بين المواطنين والنظام ، ويبدو أن النشاط المحموم للدبلوماسية الأمريكية على ساحتي الإقليم والعالم ، يندرج في هذا السياق ، ويكاد ينحصر فيه.

 

الوزيرة كلينتون سعت أثناء جولتها الخليجية إلى تحقيق هدفين اثنين: الأول ، بناء إجماع خليجي مؤيد لفرض عقوبات جديدة على طهران ، وتغليب "المصلحة الكونية" في عزل إيران ونبذها على "المصالح المحلية" لهذه الدولة أو تلك ، لا سيما تلك الدول التي تحتفظ بروابط اقتصادية وتجارية وسياسية متينة مع إيران. والثاني ، إشراك هذه الدول صاحبة القدرات المالية والنفطية الهائلة ، في ممارسة ضغوط على الصين لدفعها للانضمام لقافلة "المجتمع الدولي" وتأييد العقوبات المقترحة على إيران ، فالصين هي آخر دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ، ما زالت تغرد خارج سرب الإجماع الدولي هذا.

 

في سعيها لتحقيق هذين الهدفين ، لم تدخر واشنطن من وسيلة إلا واتبّعاها ، فهي وظفت "قلق" قادة دول الخليج من مخاطر اندلاع حرب جديدة تكون دولهم وأموالهم ساحة ووقودا لها ، لوضعهم وجها لوجه أمام واحد من خيارين: إما الذهاب إلى نظام عقوبات قاس ومشدد ، وإما مواجهة احتمال اندلاع حرب لا تريدونها.. إما دخولكم على خط العقوبات المشددة ، ذات الجدوى والتأثير ، وبما يقنع إسرائيل بتأجيل أو الامتناع عن القيام بتوجيه ضربة عسكرية لإيران ، وأما الفشل في فعل ذلك ، والمقامرة بقيام "أزعر الحي" بتنفيذ تهديده ووعيده.

 

كلينتون لم تكتف بضمان إسهام دول الخليج في تنفيذ منظومة العقوبات الجديدة التي ستفرض على إيران ، فمثل هذا الأمر سيندرج في "باب تحصيل الحاصل" إن صدر قرار عن مجلس الأمن بهذا الشأن. واشنطن أرادت أيضا إسهام هذه الدول في الضغط على الصين ودفعها للالتحاق بهذا "الإجماع الدولي" ، حتى وإن اقتضى الأمر ، استخدام "سلاح النفط" واللجوء إلى "أدوات الضغط الاقتصادية والتجارية" ، وفي هذا السياق يقال أن جولة كلينتون حققت تقدما ملموسا ، بل أنها جاءت لتتوج سلسلة من الجهود والخطوات التي اتخذتها دول خليجية بحق الصين ، سبقت زيارة كلينتون ومهدت لها ، ومن بين هذه الإجراءات: (1) التلويح بإيقاف مشاريع خليجية - صينية عملاقة في ميدان التبادل التجاري والصناعي ، داخل دول الخليج وفي الصين وافريقيا. (2) اعتماد سياسة "التبريد المتدرج" لحرارة العلاقات الخليجية - الصينية. (3) تخفيض الصادرات النفطية للصين ، وهذا ما بدأ يحصل فعلا (تراجع الصادرات النفطية السعودية للصين 16 بالمائة). (4) اعتماد "الجزرة" إلى جانب "العصا" في التحاور مع الصين ، من خلال إغداق الوعود بصفقات "فلكية" وتعويض التنين الصيني عن كل قطرة نفط إيرانية سيخسرها أن توقف النفط الإيراني عن الانسياب في مجاريه.

 

ردات فعل الدول الخليجية على طلبات كلينتون وأجندة جولتها "الطموحة" ، لم تكن موحدة وبنفس المستوى من الحماس والحرارة ، فثمة دول تحتفظ بعلاقات سياسية طبيعية ـ جيدة مع إيران (قطر وعُمان) ، وثمة دول يربطها بإيران "ميزان تجاري" يقف على عتبة العشرين مليار دولار (الإمارات) ، وثمة دول اكتوت لديها حساسيات جغرافية وديموغرافية تجعلها في غنى عن تصدّر المواجهة المقبلة مع طهران.

 

لكن مع ذلك ، فقد نجحت واشنطن التي طالما رفضت "استخدام النفط والطاقة" كسلاح في العلاقات الدولية ، في إقناع دول خليجية بعينها في استخدامه والتلويح به ، نجحت في إعادة الاعتبار لـ"دبلوماسية دفتر الشيكات" ، التي طالما أظهرت فعاليتها ، من أجل الضعط على الصين ، وها نحن كمراقبين ومواطنين ، نعرف اليوم أن ما قيل لنا من قبل ، وعلى لسان غير زعيم عربي وخليجي ، بأن "النفط ليس سلاحا" ، لم يكن صحيحا إلا بالقدر الذي كانت فيه إسرائيل ومن يقف وراءها هم هدف هذا السلاح ، أما عندما يتعلق الأمر بإيران ، فإن النفط والبنزين والتجارة والعمالة والجاليات ، كلها أسلحة فتّاكة وغير محرم استخدامها ، ولا أظن أن عاقلا سيقبل بعد اليوم بالأعذار الرسمية العربية التي تساق لتبرير الاستنكاف عن استخدام "ورقة المصالح والطاقة والتجارة والمال والأعمال" في الصراع العربي الإسرائيلي.

 

وعلى مسار مواز آخر ، وبعيدا عن مياه الخليج الحارة ، كان نتنياهو يقوم بدور مماثل للدور الذي اضطلعت به كلينتون ، ولكن على "الجبهة الروسية الباردة" هذه المرة ، وبهدف رئيس واحد: حسم تردد موسكو وإنهاء مراوحتها ، حتى وإن تم اللجوء إلى: (1) اللوبي اليهودي في روسيا الذي اجتمع به نتنياهو لتحريضه وشحذ هممه. (2) التلويح بـ"ورقة سكاشفيلي" وعرض المعادلة التالية على الكرملين: تأييد العقوبات مقابل رفع الحظر على بعض السلالات المتطورة من التكنولوجية الرقمية ، وقف صفقة إس 300 لإيران مقابل وقف صفقة السلاح لجورجيا ، عزل إيران داخل أطواق الحصار الخانق ، مقابل "الإفراج" عن دور روسي متزايد في الشرق الأوسط.

 

والخلاصة ، أن قراءة وتحليل الحراك السياسي والدبلوماسي المحيط بأزمة البرنامج النووي الإيراني ، قد بات يوفر مادة خصبة لطلاب السنة الأولى في العلوم السياسية لاختبار نظريتين تأسيسيّتين ، الأولى وتتعلق بـ"المصالح الثابتة والسياسات المتغيرة" والثانية وتنص على عدم وجود "تحالفات دائمة ، بل مصالح دائمة" ، وها نحن نتعرف على المصالح الدائمة للاعبين الكبار على ساحة "الملف النووي الإيراني" والذين يتجهون لأكل مصالح اللاعبين الصغار وقضمها قطعة وراء أخرى ، ها نحن نعرف أن سكاشفيلي ليس نسيج وحده وأن هناك "نسخ" منه تنطق بلغات عدة ، من بينها لسان الضاد ، ها نحن نعرف من أية جيوب ستغرف واشنطن الأموال لضمان إنجاح استراتيجيها حيال إيران وملفها النووي ودورها الإقليمي ، ها نحن نعرف وظيفة نفطنا ومصائر عوائده ومآلاتها ، ثم يأتيك بعد ذلك من يسألك عن أسباب ضعف "تحصيلنا" في اختبارات التنمية البشرية

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ