-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التنين
الصيني هل
هي بداية تحطم أسطورة نهاية
التاريخ ؟ بقلم:
إدريس جندا ري* إن
المتابع لما يجري على الساحة
الدولية؛ من شد و جذب؛ بين
المحاور المتنافسة؛ على التحكم
في صناعة القرار الدولي؛ ليفهم
منذ البداية؛ أن هذا التنافس
المحموم؛ الذي يصل إلى مستوى
حرب باردة جديدة في طبعة ثانية؛
يحمل بين طياته الكثير من
المستجدات؛ على مستوى السياسة
الدولية . و
لعل أبرز هذه المستجدات؛ ترتبط
بصعود الصين؛ كقوة اقتصادية و
سياسية جديدة؛ يمكنها أن تعيد
إلى السياسة الدولية ذلك
التوازن المفقود؛ منذ نهاية
الحرب الباردة في طبعتها
الأولى؛ و التي أفرزت قطبا
أحاديا؛ يتحكم في مجريات
الأحداث الدولية؛ من منظوره
الخاص؛ و من دون اعتبار لباقي
الدول و الشعوب. الطفرة
الاقتصادية الضخمة: لقد
أعلنت الصين عن نفسها؛
باعتبارها قطبا جديدا؛ من خلال
الطفرة الاقتصادية الكبيرة
التي تعيش عليها؛ حيث تراوح
معدل النمو بين 10%و 12%؛ و أطاحت
الصين بالعملاق الألماني؛ الذي
كان يسيطر على التجارة الدولية
لأول مرة؛ حيث حققت نموا يصل إلى
حدود44.4% في يناير/كانون الثاني
من سنة 2010؛ و توجت بذلك كأول
مصدر في العالم. كما تخطت الصين
لأول مرة الولايات المتحدة
الأمريكية؛ من خلال صادراتها من
السيارات؛ التي ارتفعت بنسبة
88%؛ و قدمت نفسها بذلك كأول سوق
عالمي للسيارات. و
تصنف الصين على مستوى الناتج
المحلي الإجمالي في المرتبة
الثانية؛ بعد الولايات المتحدة
الأمريكية. و هذا التصنيف يحمل
أكثر من دلالة؛ خصوصا إذا علمنا
أن الناتج المحلي الإجمالي؛
يرتبط بحجم الاقتصاد؛ بحسب قيمة
السلع و الخدمات المنتجة من
الموارد المحلية. الشيء الذي
يؤكد أن الصين تمتلك قوة
اقتصادية ذاتية؛ تنافس ما
تمتلكه أكبر اقتصاديات العالم . و
قد كان دخول الصين إلى منظمة
التجارة العالمية بداية لفرض
هذه القوة؛ على المستوى
العالمي؛ حيث أصبحت الصين تسيطر
بسلعها؛ الرخيصة الثمن و ذات
الإنتاجية المرتفعة؛ على
الأسواق العالمية؛ باعتماد
استراتيجية اقتصادية واضحة
المعالم؛ تقوم على تصدير أكبر
حجم من السلع بأقل تكلفة . و
رغم ما يشاع حول الصادرات
الصينية؛ باعتبارها تفتقد
للجودة؛ فإنها ما زالت محافظة
على رضى المستهلكين؛ في جميع
دول العالم؛ محققة لأول مرة في
التاريخ الاقتصادي دمقرطة في
الاستهلاك؛ و على المستوى
العالمي؛ بحيث أصبح من حق جميع
الناس عبر العالم؛ تحقيق قدر من
الاستهلاك - و خصوصا التقني و
الصناعي- يتلاءم مع قدراتهم
الشرائية . إن
جميع هذه النجاحات الاقتصادية
الواضحة المعالم؛ هي التي عبرت
عن نفسها بجلاء؛ خلال الأزمة
الاقتصادية العالمية الأخيرة؛
حيث ظلت الصين بنظامها البنكي و
الصناعي الضخم محافظة على
توازنها؛ في مواجهة الهزات
العنيفة؛ التي خرجت من (وول
ستريت) و عمت العالم ككل؛ مسببة
في سقوط مؤسسات مالية و صناعية
عتيدة. و في ظل هذا الوضع
الاقتصادي الكارثي؛ استطاعت
الصين أن تحقق اختراقها الكبير
للأسواق العالمية؛ و تربعت على
عرش أول المصدرين في العالم؛
كما حافظت على نسبة نمو مرتفعة؛
لم تحظ بها أية دولة في العالم؛
تقترب من 10%؛ حيث تبدو الولايات
المتحدة و أوربا في انشغال كلي؛
للملمة الجراح الاقتصادية
العميقة؛ التي تسببت فيها
الأزمة الاقتصادية الأخيرة؛
بينما تبدو الصين هرما اقتصاديا
شامخا؛ يعبر عن قوته في أحلك
الفترات . القوة
السياسية الصاعدة: تأسست
الصين الشعبية؛ بعاصمتها
السياسية بكين؛ بتاريخ 1 أكتوبر
1949؛ كجمهورية شيوعية؛ تقوم على
نظام الحزب الواحد؛ بقوة سكانية
وصلت حسب تقديرات 2007 إلى
1.321.851.88؛ و بمساحة تصل إلى 9.572.900
كلم. و قد تأسست الصين بنظامها
الجديد على أنقاض نظام سياسي
متهالك؛ كان سببا لعقود من
الحروب الأهلية؛ الشيء الذي جعل
الدولة الحديثة تعاني من نزعات
استقلالية؛ تبدأ مع الطايوان و
لا تنتهي مع إقليم التبت. و
هي نزعات تستغلها المحاور
الدولية المنافسة للصين (و
خصوصا الولايات المتحدة و
أوربا) أبشع استغلال؛ باعتبارها
أوراق سياسية رابحة؛ تمكن هذه
القوى من لجم الصين عن
طموحاتها؛ و تذكيرها دائما
بالجراح التي يعاني منها جسدها
الفتي. لذلك فالغرض الحقيقي؛
ليس هو دعم زعيم التبت( الدالاي
لاما) و لا دعم استقلال
الطايوان؛ و لكنه هدف ذو بعد
استراتيجي بعيد المدى؛ يقوم على
إثارة النزعات داخل الدول
لإضعاف الخصم خارجيا . خصوصا
و أن النظام السياسي الصيني؛
يختلف جذريا عن مثيله في أوربا و
أمريكا؛ بل و أكثر من ذلك؛ يقدم
نفسه كاستمرار للنظام الشيوعي؛
الذي أعلن فوكوياما نهايته؛ مع
نهاية الحرب الباردة. و هذا ما
يشكل خطرا على النظرية السياسية
الغربية؛ التي لا تتصور نظاما
سياسيا غير ليبرالي؛ كما لا
تتصور نظاما اقتصاديا غير
رأسمالي؛ و لا نظاما اجتماعيا و
فكريا خارج منظومة الحداثة
الغربية؛ التي بدأت مع القرن
الخامس عشر. لكن
الصين؛ و خلافا لكل هذه
التصورات (الميتافيزيقية) تعلن
أن بالإمكان صناعة القوة و
التفوق؛ من منظور مغاير؛ و أن
النموذج الغربي؛ في السياسة و
الثقافة و الاقتصاد و الاجتماع
... لا يمثل النموذج المثالي الذي
يجب أن يحتذى؛ بل هو نموذج
يستجيب لشروط إمكانه الزمنية و
المكانية و الثقافية كذلك؛ و لا
يمكن بذلك زرعه خارج هذه الشروط
. و
هذه رسالة واضحة تلقننا إياها
الصين؛ و يجب علينا كأمة أن نصغي
إليها بتمعن؛ عسانا نتحرر يوما
من الاستلاب الذي يمارسه علينا
الغرب؛ في جميع المجالات؛ حتى
أصبحنا دعاة إيديولوجيين
للغرب؛ أكثر من الغربيين
أنفسهم؛ و نسينا بذلك خصوصيتنا؛
التي لا يمكننا كأمة أن نكون
فاعلين في صناعة التاريخ بعيدا
عنها . إن أول
سؤال يطرح نفسه على المتتبع
للصعود المتنامي للصين؛ كقوة
جديدة هو: هل يمكن للصين أن
تستمر لوقت أطول؛ في ممارسة
الحياد السلبي؛ في عالم يمور
بالمشاكل و التحديات ؟ أم إن
التنين الصيني يعيش استراحة
محارب فقط و إننا على المدى
القريب؛ سنعيش على إيقاع حضور –
سياسي خصوصا- للعملاق الصيني
الصاعد ؟ إن
الولايات المتحدة؛ و عبر
مراكزها الإستراتيجية؛ تعلم
أكثر من غيرها؛ أن الصين بقوتها
الاقتصادية و تماسكها السياسي و
خصوصيتها الثقافية؛ لن تستمر في
الحياد و اللامبالاة لوقت أطول؛
بل إنها تستعد للعب دور قطب
جديد؛ سيكون مؤثرا –لا محالة-
في نسج خيوط السياسة الدولية . فقد
حذر هكتنكتون في كتابه (صدام
الحضارات) من عدوين محتملين
للنموذج الأوربي-الأمريكي؛ في
السياسة و الاقتصاد و الثقافة و
الدين ... و أكد أن الصراع الذي
سيعيشه القرن الواحد و العشرون؛
سيكون حضاريا؛ و ليس سياسيا
بالمعنى البسيط للكلمة؛ أي إن
التحدي القادم؛ سيكون أكثر
تعقيدا مما مضى؛ بحيث يتوقع
صعود مد حضاري كاسح للحضارتين
الإسلامية و
الهندية-الصينية-الكونفوشوسية.
و هذا ما سيؤثر –لا محالة- على
التماسك الحضاري الغربي؛ الذي
طالما بشرت به النزعة الأورو-
الأمريكو – مركزية؛ و قدمته
كمسلمة؛ يجب على كل شعوب العالم
الالتزام بها . إن
الغرب –حسب هكتنكتون- سيواجه؛
خلال القرن الواحد و العشرين؛
خصمين حضاريين عنيدين؛ بعد أن
حسم صراعه مع العدو الأحمر؛ لكن
ما يتأكد الآن من خلال الصعود
المتنامي للصين؛ هو أن العدو
الأحمر ما يزال يشكل نفس التحدي
السابق؛ و هذه المرة بطعم
كونفوسوسي؛ يجعله أكثر تماسكا و
قوة من العدو الأحمر السابق؛
المرتبط بالتصور الغربي . إن
صناع القرار الاستراتيجي في
الولايات المتحدة؛ يعلمون علم
اليقين؛ أن الصين التي استطاعت
نسج خصوصيتها السياسية و
الثقافية؛ في منأى عن النموذج
الغربي؛ كما استطاعت بناء قوتها
الاقتصادية؛ كفاعل اقتصادي
جديد يمثل العمود الفقري
للاقتصاد العالمي؛ إنتاجا و
استهلاكا؛ تصديرا و استيراد.
إنهم متأكدون من أن المارد
الصيني لن يستمر داخل القمقم
لمدى أطول؛ بل إن خروجه قريب
جدا؛ و هو يعبر عن نفسه الآن؛ من
خلال مجموعة من القرارات
السياسية الفاعلة على الساحة
الدولية. إن
الواضح الآن أن الغرب (الولايات
المتحدة-أوربا) يتعامل مع
الصعود المتنامي للصين؛ من
منظور استعماري قديم (أكل عليه
الدهر و شرب)؛ يقوم على التدخل
في الشؤون الداخلية للدول و
الشعوب؛ و يقدم نفسه رقيبا على
سياساتها الداخلية. و تبدو هذه
الرقابة أكثر وضوحا في تعامله
مع الصين؛ بخصوص بؤر النزاع في
الطايوان و التبت؛ حيث يسعى
الغرب من خلال دعم استقلالهما؛
إلى تقسيم الصين إلى دويلات و
أقاليم؛ تبدأ مع الطايوان و لا
تنتهي مع التبت؛ و هو يطبق في
هذا الصدد ببراعة خطة (فرق تسد)؛
التي تعامل بها مع الاتحاد
السوفييتي سابقا؛ حيث تم تقسيمه
إلى دويلات صغيرة و متناحرة؛
تجمعها علاقة عداء مع المركز . و
ضمن هذه الاستراتيجية بعيدة
المدى؛ تستقبل الدول الغربية
(الدالاي لاما) الزعيم الروحي
لإقليم التبت؛ و تمده بالقوة
المالية و الإعلامية؛ و تفرضه
كقضية وطنية. و ضمن هذه
الاستراتيجي كذلك؛ تمد
الولايات المتحدة الطايوان
بآخر تقنيات التسلح؛ و تمدها
بالدعم السياسي و الإعلامي
الكبير؛ و بالمساعدات الضخمة؛ و
ذلك تمهيدا لإعلانها كدولة
مستقلة عن الصين؛ و تحويلها بعد
ذلك إلى قاعدة عسكرية؛ متعددة
الاختصاصات؛ لمحاصرة الصين من
جميع الاتجاهات؛ تحسبا لأي تحول
في السياسة الخارجية الصينية
تجاه الغرب؛ و الولايات المتحدة
الأمريكية خصوصا . لكن
الأمر المثير للاهتمام في هذا
الصراع؛ هو أن الصين لم تقف
مكتوفة الأيدي؛ بل استثمرت
طفرتها الاقتصادية و تماسكها
السياسي؛ في مواجهة كل
المبادرات المعادية؛ سواء من
أوربا أو أمريكا. فالصين
ردت بقوة على الدول التي تستقبل
و تدعم الدالاي لاما؛ اقتصاديا
و دبلوماسيا (فرنسا – الولايات
المتحدة) . لكن الرد الذي يستوقف
كل متتبع للشأن السياسي الصيني؛
هو ضد صفقة الأسلحة الأخيرة
التي عقدتها الولايات المتحدة
مع الطايوان. فقد كان رد الفعل
الصيني قويا إلى أبعد الحدود؛
إلى درجة أن اعتبره كل
المحللين؛ أنه يمثل إعلان ميلاد
حقيقي لقطب جديد في السياسة
الدولية؛ تمثله الصين. فقد تم
استدعاء السفير الأمريكي؛ و تم
إبلاغ واشنطن رسالة احتجاج
مباشرة؛ مرفقة بتهديدات
اقتصادية و سياسية و عسكرية
واضحة. و
يبدو أن الصين مستمرة في تنفيذ
احتجاجاتها هذه؛ و خصوصا على
مستوى الشق السياسي؛ ففي ذروة
الاحتقان الذي يعيشه الملف
النووي الإيراني؛ و في طريق
تحقيق إجماع دولي على معاقبة
إيران؛ بل و إعلان الحرب عليها
حتى؛ خصوصا بعد انضمام روسيا
إلى صف الغر ب. في ذروة الاحتقان
هاته؛ تقف الصين شامخة و معبرة
عن موقفها بكل وضوح؛ لا لفرض
عقوبات جديدة على إيران؛ نعم
لعمل الدبلوماسية؛ لا يمكن حل
الملف النووي الإيراني عبر
العقوبات و الحرب؛ بل عبر
المفاوضات. و لعل الموقف الصيني
هذا هو الذي يؤجل إلى حدود الآن
أية عقوبات محتملة على إيران؛
بل و يبقي عليها تهديدات
كلامية؛ لا سبيل إلى فرضها على
أرض الواقع. كما
يبدو الموقف الصيني؛ بخصوص
السلاح النووي الكوري-الشمالي؛
غير مختلف عن الموقف تجاه الملف
النووي الإيراني؛ فالصين ترفض
بشدة فرض عقوبات على كوريا
الشمالية؛ بل و أحبطت غير ما مرة
هجوما عسكريا أمريكيا وشيكا على
الجار الشمالي. و كلها مؤشرات
واضحة؛ تقدمها الصين؛ لتأكيد
قوتها السياسية الصاعدة؛ من
خلال الرد بالمثل على
الأمريكيين و الأوربيين. إن
الواضح الآن و بشكل أكثر جلاء؛
هو أن الصين تؤسس لمرحلة جديدة؛
يعيش على إيقاعها العالم
الجديد؛ مرحلة تتأسس على مقولة (
بداية التاريخ) من جديد؛ طبقا
لنبوءة ( العودة الأبدية le
retour éternel ) التي قال بها الفيلسوف
الألماني الكبير (فريدريك
نيتشه) : إن كل اتجاه على خط
مستقيم انما هو اتجاه موهوم،
فالحقيقة منحرفة لأن الزمان
نفسه خط مستدير -هكذا تكلم
زرادشت- ترجمة فليكس فارس-ص:184 --
فلا نهاية نهائية للتاريخ؛ ما
دامت إرادة الشعوب قادرة على
التأسيس للبدايات في كل مرة؛ و
هذه هي الروح التي يحملها
النشيد الوطني الصيني: "
مسيرة المتطوعين" انهضوا
! كل من يأبون أن يصبحوا عبيد ! ليصبح
جسدنا و دمنا سورنا العظيم
الجديد ! عندما
تواجه الأمة الصينية أعظم خطر
لها الجميع
ينفقون آخر صيحاتهم انهضوا
! انهضوا ! انهضوا ! قلوبنا
الملايين تنبض كقلب واحد تحدى
نار العدو ! تقدم ! تحدى
نار العدو ! تقدم ! تحدى
نار العدو ! تقدم ! ـــــــ *كاتب و
باحث مغربي ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |