-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من الذي أوصل العالم إلى هذه الأزمة الخانقة..؟!

الدكتور عبد القادر حسين ياسين*

نشرت صحيفة "فرانكفورتر الغماينة تسايتونغ"، Frankfurter Allgemeine Zeitung  الناطقة بلسان رجال المال والأعمال والصناعة ووسطاء البورصة في ألمانيا ، مقابلة أجراها رئيس التحرير مع رئيس "صندوق النقد الدولي" دعا فيها إلى إجراء "المزيد من الحوار بين الشمال والجنوب".

ونتيجة للتصلب المتكرر للدول الصناعية (وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية) في كل لقاء بين الأغنياء والفقراء، أصبح البعض يطلق على كل "حوار" بين الشمال والجنوب بأنه "نكتة العصر" من حيث عنجهية الغرب وآذانه الصماء.

لقد ظلت الدول الصناعية الرئيسية (الشمال) بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية تتهرب من المفاوضات الشاملة مع دول العالم الثالث (الجنوب) حين اقترحت بديلها "الجزئي"، وذلك بأن يتم "الحوار" في إطار المؤسسات القائمة ، لكي يتسنى لدول الشمال توجيه المفاوضات ومن إملاء الشروط التي تخدم مصالحها وأهدافها.  وقد بَينت الاجتماعات السنوية التي تعقد ضمن تلك الأطر، بما لا يدع مجالاً للشك، الطابع المصلحي لهذه الاجتماعات.

 

صندوق النقد الدولي

ان طرق الاستفادة من أموال صندوق النقد الدولي (وخاصة ضمن أسلوب "السحب الواسع") لن تتم الموافقة عليها إلا بعد موافقة الممولين الأساسيين. ولذلك فإن العملية لا تسير وفق متطلبات التنمية في العالم الثالث بعيداً عن الضغوط، بل في معظم الأحيان لا تقدم القروض إلا لإنقاذ رؤوس أموال المصارف التجارية التي تعود في معظمها لدول غربية.

 

ولهذا فإن العملية هيكلية ولا تقف عند السحب من أموال الصندوق، بل تتعداها إلى الشروط والأساليب التي تتم بها طرق التمويل.

 

لقد طالبت دول العالم الثالث، من خلال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، بضرورة إعادة النظر في النظام النقدي العالمي، خاصة وإنه قد مضى على اتفاقية  Bretton Woods"بريتون وودز" التي أنشأته 66 عاماً.

 

البنك الدولي للإنشاء والتعمير

أما النقطة الثانية فتتعلق ب "البنك الدولي للإنشاء والتعمير" والمؤسسات التابعة له مثل "الهيئة الدولية للتنمية"  التي تقدم القروض للدول الأكثر فقراً من دول الجنوب. وكما هو معروف، فإن التصويت على أي قرض يقدمه البنك الدولي للإنشاء والتعمير (والمؤسسات التابعة له) يتم حسب نسبة المساهمة في رأس ماله، وبالتالي فهو تحت رحمة الدول الغنية.

إن التوجه المصلحي القائم على "المذهب الميكافيلي" الذي تنتهجه دول الشمال (وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية )  تجاه دول العالم الثالث التي بنت سعادتها ورفاهيتها على حساب شعوبها، وما زالت خيرات دول الجنوب تمثل شريان الحياة الاقتصادية في ما يسمى ب"العالم الحر"، يُبين بوضوح أن ليس ثمة بديل للمفاوضات الشاملة والنظرة الكلية للقضاء على المشكلات الصارخة التي تطبع العلاقات غير المتكافئة لعالمنا المعاصر، وفي مقدمتها مشكلة المديونية الأخذة في التفاهم بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث.

 

وفي دراسة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير يقول خبراء البنك أنه "لكي يتم التخفيف من حدة هذه الظاهرة، يجب أن تزيد تلك الدول من صادراتها بنسبة 5 بالمئة على الأقل [كذا... !!]. ولا يحتاج المرء لأن يكون خبيراً اقتصادياً  لكي يدرك أن هذا الرقم يتطلب نمواً موازياً في الدول الصناعية بنسبة 4 بالمئة.

ويعتقد الخبراء الذين اشرفوا على هذه الدراسة (والتي نشرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية تقريراً شاملاً عنها) إن هذا من غير الممكن… وحتى في حالة تحقيقه، فإنه يتطلب مرونة كبيرة من قبل الدول الصناعية مثل عدم اتخاذ إجراءات الحماية الجمركية، وفتح الأبواب أمام صادرات العالم الثالث، لكي يحدث في النهاية الانتعاش الاقتصادي المطلوب. و لكن يبدو أن القضية بكاملها تدور في حلقة مفرغة!!

إن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاقتصاد الدولي بمؤسساته المالية ترجع، في رأيي المتواضع، إلى طبيعة "اللاتكافؤ" التي تتسم بها العلاقات الدولية، وازدياد حدة التناقضات، وازدياد الهوة اتساعاً بين الشمال والجنوب. وما ظاهرة المديونية المتصاعدة لدول العالم الثالث إلا إحدى النتائج لهذا الوضع غير الطبيعي الذي ينبغي تصحيحه من خلال نظرة شاملة.

 

إن عملية التنمية في العالم الثالث تصطدم بالفيتو الأمريكي طالما أن استثمار تلك القروض يُحدد في المجالات التي تريدها الدول الصناعية وحسب الأنماط التي تريد أن تتطور وفقها دول الجنوب!!

لقد رفض المندوب الأمريكي في الاجتماع المشترك الأخير لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، رفض زيادة حصة الولايات المتحدة في ميزانية البنك والمؤسسات المالية التابعة له. وعلى الرغم من اقتراح كبار المسؤولين في تلك المؤسسات المالية، والمطالبة الملحة لممثلي دول العالم الثالث جميعاً بزيادة حصتها في رأسمال البنك، فقد رفضت الولايات المتحدة التجاوب مع رغبات الأسرة الدولية.

ومما يزيد الأمر تعقيداً أن المساهمين الكبار الآخرين ( الإتحاد الأوروبي وكندا واليابان) قد ربطوا مساهمتهم بضرورة موافقة الكونغرس الأمريكي على زيادة مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية البنك والمؤسسات التابعة له!!

غني عن البيان أن الخروج من الأزمة يحتاج إلى حل شامل، خلافاً لما تزعمه الإدارة الأمريكية بأن "الانتعاش الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي  سيتعمم شيئاً فشيئاً، لأنه سيؤدي إلى الحد من عجز الميزانية، الأمر الذي سيؤدي إلى تخفيض نسبة الفائدة الأمريكية، وبالتالي المشاركة في تخفيف العبء على  موازين المدفوعات  في دول العالم الثالث"

 

وحتى في هذا الإطار الضيق والنظرة الجزئية حيث اختصرت المستشارة الألمانية  الأزمة في "التضخم والبطالة"… إلى آخره، فإن الميكافيلية تظل المذهب المفضل للدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

 

قبل 55 عاماً وقف الدكتور أحمد سوكارنو ، الرئيس الإندونيسي الراحل وأحد أبرز زعماء العالم الثالث ،  في مؤتمر باندونغ وقال للمؤتمرين: "… إنني من أولئك الذين يريدون تفادي حدوث ما لا يمكن إصلاحه". وقال بانديت جواهرلال نهرو ، رئيس وزراء الهند الرحل : " لا نزال نعيش في عالم يسوده الخوف، الخوف من المستقبل..."

 

في ذلك الوقت لم يكن ثمة صواريخ بالستيكية Ballistic عابرة للقارات (تطلقها غواصة نووية أمريكية من قاعدتها في جزيرة غوام في المحيط الهادئ فتصل الى هدفها في ساحة الرشيد في بغداد...!!) ولا قنابل نيتروجينية ("تقضي على البشر دون أن تلحق الأذى بالبنايات" !!)… و"الخوف" الذي أسار اليه نهرو هو  "أن نظل فقراء إلى الأبد…"

 

فمن الذي أوصل العالم إلى هذه الأزمة الخانقة"؟

ومن الذي زرع الخوف من الحاضر والمستقبل بعد أن أصبح ينفق على الأسلحة ما يزيد على 750 بليون دولار سنوياً، في حين لا تزيد قيمة المبالغ المخصصة لمساعدات التنمية لكل دول العالم الثالث مجتمعة على 30 بليون دولار في العام؟!

من الذي بذر الشك في قلوب ملايين الجياع بأن يظل الفقر والجهل والمرض ينهشهم؟

إنه "العالم الحر" بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

أثناء الاجتماعات التحضيرية التي سبقت انعقاد مؤتمر باندونغ في شهر تموز (يوليو) عام 1955 اقترح نهرو ، توجيه الدعوة إلى الولايات المتحدة الأمريكية "ولو بصفة مراقب...".

وكان الرد الأمريكي على اقتراح نهرو يتلخص في رفض حضور أي مراقب يمثلها "حتى لو كان القنصل الأمريكي العام في جاكرتا". ووصفه جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة في ذلك الوقت واحد أشهر فرسان "الحرب الباردة" ب "المؤتمر المزعوم".

فما أشبه الليلة بالبارحة!!

ـــــ

* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ