-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 24/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم

طريف السيد عيسى / السويد

( قال الإمام محمد بن سيرين والإمام مالك بن أنس وغيرهما , عليهم رحمة من الله : هذا العلم دين , فانظروا عمن تأخذون دينكم ) وروى ذلك أيضا الإمام مسلم في مقدمة صحيحه .

إنَّ لأهل العلم منزلة عالية في الإسلام ، ودرجة رفيعة ، كيف لا ... وهم الذين اجتباهم الله لحفظ دينه ، ونشر كلمته ،   فجاء ذكرهم مقرونا بشهادة رب العباد فقال جل شأنه:

(شهد الله أنَّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط)

ونفى رب العزة  المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم فقال:

(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

وجعل من خشيته أهم صفة للعلماء  فقال:

(إنَّما يخشى الله من عباده العلماء).

 ومن خشية العلماء لربهم أنَّهم لا يتكلمون إلا عن علم وهدى وبصيرة ، ويخشون ربهم من فوقهم أن يتقوَّلوا عليه بلا علم ، ويوقِّعوا عنه بجهل ، لأنَّهم وقَّافون عند حدود الله ونواهيه ،وفي ذلك قال تعالى :

(ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً)الإسراء- 2

إلاَّ أنَّه وفي عصرنا الحالي استبيح حمى العلم  , واقتحم بوابته ، وولج فيها مولجاً لا يستحقه ، أناس ليس لهم في العلم الشرعي باع  كبير , فركبوا صهوته ، وتراموا على شاشات التلفاز  ،وصعدوا المنابر ,وأصدروا الفتاوى وتكلموا في الأحكام الشرعية  ، وقسم آخر وهم كثيرون إذا اجتمعوا في المجالس والسهرات  ، وطرحت مسألة فقهية أو شرعية ، فيخوض فيها الخائضون، ويتمنطق متحدثاً عنها ، ويلت ويعجن  مدَّعياً أنَّ لديه علمها وحكمها .

( ذكر الشيخ: محمد الغزالي  رحمه الله  :قرأت كتاباً لأحد المهندسين يفسِّر حقيقة الصلاة تفسيراً لم يعرفه المسلمون طوال أربعة عشر قرناً ، فعجبت لهذا الحمق في خرق الإجماع ، وقلت: أما يجد هذا المخترع مجالاً لذكائه في ميدان الهندسة ليتقدَّم فيه بدل أن يشغل نفسه ويشغلنا معه بهذه التوافه)  من كتاب :ليس من الإسلام  - للشيخ: محمد الغزالي ص 56

( ورحم الله زمناً جاء فيه أنَّ الإمام مالك قال:إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ، فما اتَّفق لي فيها رأي إلى الآن) من كتاب : ترتيب المدارك ج1- ص 178.

 

وإنَّ العجب ليأخذني كلَّ مأخذ ، حين أرى هؤلاء المتقحِّمين باب العلم حين تُعرض أي مسألة من متعلقات الشريعة ، فيتحدثون عنها ، ولم يكلِّفوا أنفسهم البحث عن حكمها ودلائل حلِّها أو حرمتها، بل تجد المبادرة والمسارعة للإفتاء وإبداء الرأي بحجَّة أنَّها وجهة نظرهم ، ولا يعني أن تكون وجهة النظر صحيحة ، وكأنَّ علم الشريعة  خاضع لوجهات النظر وعلم يُتناول على مائدة الحوار والكل يبدي رأيه متوقعاً ومخمِّناً أنَّ ذلك هو الحكم الشرعي!

أذكر أن أحد هؤلاء كان يتناقش مع آخر حول اللحية وحكمها , فقال الذي يدعي العلم إنها فريضة والدليل هوماقاله المنشد الفلاني مادحا اللحية وأصحابها  , فرد عليه الآخر قائلا : وهل نأخذ الحكم الشرعي وأدلته من أناشيد  المنشدين أم من خلال النصوص وما قال فيها أهل العلم المعتبرين , فكان جوابه : أنا هكذا أقول وأرى !

فلا تعجب عندما ترى أمثال هذا الشخص يصول ويجول في الشرع فيفتي ويعمل شيخ على العباد  , فياحسرة على العباد ... وياحسرة على دين الله عندما يستباح من قبل الجهلاء .

( وقد اشتكى الإمام ابن رجب  رحمه الله  من هؤلاء قائلاً: يالله العجب ! لو ادَّعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا

، ولم يعرفه الناس بها ، ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذَّبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم يمكِّنوه أن يعمل فيها ما يدَّعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدَّعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ، ولا يجالس أهله ولا يدارسه)  من كتاب : الحكم الجديرة بالإذاعة.

 

(قال الإمام الشافعي رحمه الله : فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلاَّ من حيث علموا ، وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أوْلى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله)كتاب : الرسالة ص 41.

 

(وقال الإمام ابن حزم :لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها ، فإنَّهم يجهلون ويظنُّون أنَّهم يعلمون ، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون)  كتاب : مداواة النفوس ص 67.

 

مايهمنا هو الحديث عن صفات ومواصفات من يؤخذ عنهم العلم وخاصة في عصرنا الحالي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل , وغدونا نعيش حالة فوضى في ساحة العمل الإسلامي بسبب الرؤوس الجهال والمتطفلين على العلوم الشرعية .

فلا بد من معرفة جليَّة لسمات أهل العلم وأصحابه ؛ لئلاَّ يختلط الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ ، وليعبد الله على بصيرة وبيِّنة، خصوصاً أنّ أحاديث صريحة وردت  عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في التحذير ممن يتقمصون مسوح العلم وينطقون به ، وهم من أئمة الجهل .

(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :سيـأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب ، ويُكَذَّبُ فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخوَّن فيها المؤتمن ، وينطق الرويبضة . قيل: وما الرويبضة؟قال: الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامَّة) أخرجه ابن ماجه وأحمد في المسند بسند حسن ، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني.

( وثبت عند أحمد من حديث أبي الدرداء أنَّ النبي  صلى الله عليه وسلَّم  قال:إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون) .

عندما يمرض أحدنا فلا يقبل بأي طبيب , بل يبحث ويسأل عن طبيب بارع ومشهور , وعندما يقع أحدنا في مشكلة لها علاقة بالقانون فنبحث ونفتش عن المحامي الشاطر والفاهم .

بينما عندما يصل الأمر لديننا فنتساهل في البحث عمن نأخذ منه الدين , فننخدع بمظهر البعض , وننخدع لكلام البعض , ولمجرد أن كان صاحب لحية طويلة  ويلبس الثوب فيعطي لنفسه الحق في أن يكون الناطق الرسمي لدين الله تعالى , وعندما تعرضه على أصول تلقي العلم فتجده خفيف البضاعة .

لذلك ينبغي على الناس أن لايتهاونوا وهم يبحثون عن الحق ,ومن يبحث عن الحق لابد ان يعرف  صفات من يأخذ عنهم العلم ، لئلا يضيع الطريق الشرعي ، ويضل السبيل ، ويمكن ذكر أهم هذه الصفات والشروط :

 

1ـ خشية الله تعالى:

وهي صفة لصيقة بأهل العلم الراسخين الربَّانيين ، الذين يخشون ربهم ، ويراقبونه في ما دقَّ وكبر ، جليلاً كان أو حقيراً ، فخشية ربَّهم ملازمة لهم ، لا يحيدون عنها ولا يتحايلون عليها .

(نادى أحدهم الإمام الشعبي قائلاً له: يا عالم؟ فقال الشعبي: إنَّما العالم من يخشى الله).

 

2ـ تلقي العلم عن الراسخين في العلم:

وكم من مدَّعٍ للعلم ، متعالم مع جهل ، ينظر لنفسه نظر الكبر والغرور ، فيظنُّ أنَّ جمع العلم يكون من قراءته للكتب فحسب ، فلا حاجة ليقرأ العلم على أهله ، ولا ليثني ركبه عند أهل العلم ، تلقياً منهم ومذاكرة معهم ، ومراجعة عليهم ، ليعلو كعبه في العلم ، وقد كان أهل العلم ينهون عن نيل العلم من الكتب فحسب ، بل لابد من مقارنة ذلك بالحضور عند أهل العلم ، والتلقي من الأشياخ ، ليقوى باع الطالب في العلم ، ويشتد عوده في الفهم ، ويصلب مراسه لمعالجة مشكلات الكتب وما يكتنفها من مسائل غامضة. قال كمال الدين الشمني:

من يأخذ العلم عن شيخ مشافهةً ***** يكن من الزيف والتصحيف في حرمِ

ومن يكن آخذاً للعلم من صحف ***** فعلمه عند أهل العلم كالعدم

فلا يعقل آيات الله ، ولا يفقه أحكامها ويستنبط دلائلها إلا البارعون في العلم .

قال تعالى:(وما يعقلها إلاَّ العالمون )العنكبوت- 18

 وقوله تعالى:(وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)النساء- 83 .

وقال تعالى:(فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون) الأنبياء- 7

(أخرج الدارمي في سننه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ , قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ:فَغَضِبَ لَا يُغْضِبُهُ إلاَّ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ: ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ شَيْئًا؟! إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ، إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ) .

 

(قال الأوزاعي : كان هذا العلم شيئاً شريفاً ؛ إذ كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه ، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله).

ولا عجبَ أن ترى كثيراً من الرؤوس الجهال يتخيرون المسائل الخلافية ويثيرونها بين الحين والآخر , وكلما هدأ الخلاف اثاروها من جديد , لتكون خلافاً يحكى أمد الدهر ، وذلك لقلَّة الفهم ، وضعف العلم ، ولو سكت هؤلاء القوم ولم ينطقوا لكان ذلك بهم أحرى وأوْلى من أن يتكالبوا على التدريس والتعليم ، وبضاعتهم في العلم مزجاة .

( قال كلثوم العتابي:لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف ) معجم الأدباء ج5 ص 19.

( وقال أبوحامد الغزالي: لو سكت من لا يعرف قلَّ الاختلاف ، ومن قصر باعه وضاق نظره عن كلام علماء الأمَّة والاطِّلاع عليه فماله وللتكلُّم فيما لا يدريه ، والدخول فيما لا يعنيه ، وحق مثل هذا أن يلزم السكوت) الحاوي للفتاوى ج2 ص 116.

 

ولهذا كان أهل العلم  رحمهم الله جميعاً  إذا سئلوا عن مسألة ولم يعرفوا لها جواباً قالوا : الله أعلم ، ولم يتفذلكوا ويتمنطقوا  ويتفيقهوا ، بل كانوا متَّسمين بالوضوح تجاه مستفتيهم ، إن علموا حكم المسألة قالوا بها ، وإن جهلوها قالوا لا نعرفها ، بل كانوا لا يجزمون في فتاويهم في بعض الأحيان  إن شعروا أنَّ المسألة قد تحتمل أوجهاً متعدِّدة . (نقل عن الإمام مالك أنَّه في بعض الأحيان إن أفتى قال: إن نظنُّ إلاَّ ظنَّاً وما نحن بمستيقنين) جامع بيان العلم وفضله ج2ص 146 .

فليس عالما كل من أطال لحيته ولبس الثوب ,وليس عالما كل من وقف على المنبر , وليس عالما كل من حدث الناس بالمواعظ ,وليس عالما من أم الناس بالصلاة بين الحين والآخر , وليس عالما كل من جمع حوله بعض الأتباع,إن الشيخ الحق هو من تلقى العلم من مصادره المعتبرة .

 

( قال ابن مسعود : إنكم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه , وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه كثير خطباؤه , فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح , ومن كان بالعكس فهو مذموم )

( وقال عبد الله بن مسعود أيضا : لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعن علمائهم , فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا )

إن رُمْتَ حقَّاً لهذا الدِّين مصلحة ***** لا تظلم القوس أعط القوس باريها

 

3- أن يكون له باع في تلقِّي العلم وتحصيله:

لابد لمن يريد التصدر والتحدث أن يكون من أرباب التحصيل العلمي بالطرق المعتبرة, سواء الجامعات والمعاهد المعتبرة والمعروفة أو عن طريق أهل العلم الثقات المعتبرين .

فذلك قوَّة  في التمكن الشرعي ،والذي  له أثره البالغ على المتعلم  , ذلك أنَّه يعطي المتعلِّم أو المستفتي اطمئناناً لمن يسأله،والقارئ ارتياحاً لما يكتبه الداعية المعلِّم، وقد كان أهل العلم الربَّانيين السابقين منهم واللاحقين يطلبون العلم ، ويجتهدون في نيل مرامه ، من المهد إلى اللحد.

 

( قال الإمام أحمد : فكانوا لا يفارقون كواغد العلم ، ولا أوراق الشريعة ، فهي معهم في حلِّهم وترحالهم ، بل لا يتركون معلِّميهم وأساتذتهم في طلب العلم عليهم بثني الركب عندهم).

(إن إماماً كابن الجوزي طلب علم القراءات وقد كان باقعة في العلم ، علاَّمة في الإدراك والفهم ، مشهوراً بين الأنام ،

ومع ذلك يطلب هذا العلم مع ابنه الصغير وهو في سنِّ السبعين ، ولم يكن كبر عمره ، وشرف رسوخه في العلم ، حائلاً بينه وبين طلب العلم ، وملازمة أخذه وإدراكه ، والعيش معه ليل نهار ، حفظاً واطِّلاعاً وبحثاً ومذاكرة وفهماً وتعليماً وإفتاءً )

 ( وقد قال علماؤنا بأنَّه: من لم يتقن الأصول حرم الوصول ).

 

إلاَّ أنَّ القضيَّة  وللأسف  اختلفت وخاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه المستعجلون للتدريس ، والذين تزبزبوا قبل أن يتحصرموا ، والمدَّعون للعلم والعلم بريء منهم.

 (فعلى هذا لا يكتفى بمجرَّد انتسابه إلى العلم ، ولو بمنصب تدريس أو غيره ، لا سيما في هذا الزمان الذي غلب فيه الجهل ، وقلَّ فيه طلب العلم ، وتصدَّى فيه جهلة الطَّلبة للقضاء والفتيا ، فتجد بعضهم يقضي ويفتي وهو لا يحسن عبارة الكتاب ، ولا يعلم صورة المسألة ، بل لو طولب بإحضار تلك المسألة وهي في الكتاب لم يهتد إلى موضعها ؛ فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون ) من كتاب : رسالة في الإجتهاد والتقليد – ص 48-49 للشيخ حمد بن ناصر بن معمر .

لقد هزلت حتَّى بدا من هزالها ***** كلاها وحتَّى سامها كل مفلس

( قال الأستاذ مالك بن نبي  رحمه الله في كتابه شروط النهضة ص 91   : والحقيقة أنَّنا قبل خمسين عاماً كنَّا نعرف مرضاً واحداً يمكن علاجه ، هو الجهل والأميَّة ، ولكننا اليوم أصبحنا نرى مرضاً جديداً مستعصياً هو(التعالم). وإن شئت فقل: الحرفيَّة في التعلُّم ؛ والصعوبة كلَّ الصعوبة في مداواته . وهكذا فقد أتيح لجيلنا أن يرى خلال النصف الأخير من هذا القرن ظهور نموذجين من أفراد في مجتمعنا:حامل المرقعات ذي الثياب البالية ، وحامل اللافتات العلميَّة) .

 

ذكر لي شخص أنه كان يتحاور مع أحد المتعالمين والمتفيقهين  , حول بعض المسائل الشرعية التي لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر , فقلت له : ماهي شهاداتك العلمية والشرعية وعمن تلقيت العلم , فقال : لقد خطبت الجمعة عدة مرات قبل سنوات طويلة !!!

عدة خطب جمعة اصبحت مؤهلا شرعيا لبعض المتفيقهين , هزلت .

كلُّ من يدَّعي بما ليس فيه ***** فضحته شواهد الامتحان.

 

واليوم حتى تغدوا ممن يشار إليهم ويلقبون بلقب الشيخ فلا تحتاج أكثر من أن : تطيل لحيتك , وتلبس الثوب , وتضع الغترة أو الشماغ , وطبعا أن تعمل جاهدا لتقف خلف الميكرفون محدثا الناس ولا يهم نوع الحديث وفحواه ومقصده المهم أن تظهر بهذا المظهر .

ولن أستطرد بذكر شيء من هذا القبيل ،فالقلب يعتصر ألما على حالنا , فلا أحبُّ أن أنكأ الجراح ، ولا أذرَّ الملح على الجراح!

(ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية  قال:  أكثر ما يفسد الدنيا نصف متكلم ، ونصف متفقه ، ونصف متطبب ، ونصف نحوي ، هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان ، وهذا يفسد الأبدان ، وهذا يفسد اللسان)  مجموع الفتاوى ج5 – ص 118

مع إحترامي لأهل العلم الحقيقيين , الأتقياء الأخفياء .

 

4- معرفة قدر أهل العلم :

 عبارة كثيرا مانسمعها من الرؤوس الجهال: هم رجال ونحن رجال ...

َ الاحتجاج بهذه العبارة غير صحيح ؛ لأنَّ الذي قالها هوالإمام أبو حنيفة ، كما نقلها عنه ابن حزم رحمه الله :

 ( ما جاء عن الله تعالى فعلى الرأس والعينين ، وما جاء عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسمعاً وطاعة ، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم تخيَّرنا من أقوالهم ، ولم نخرج عنهم ، وما جاء من التابعين فهم رجال ونحن رجال) الإحكام لابن حزم ج4- ص 573.

 فأبو حنيفة حين قال هذه العبارة  ، فقد قالها لأنَّه يصنَّف من التابعين ، حيث رأى أنس بن مالك ، واجتمع مع جمهرة من التابعين الأكابر، فيصدق عليه أنّه رجل وهم رجال لأنَّه هو وهم من التابعين ، ومن لنا بعلم أبي حنيفة في هذا العصر :

 

لنقول فيه : هو رجل وهم رجال! 

كنت أنتظر إحدى الصلوات فدار حديث بيني وبين أحد المتفيقهين , فطال الحديث لمدة نصف ساعة , وخلال هذه المدة القصيرة , طعن المتفيقه بأربعة من أهل العلم  المعروفين والمعتبرين والمشهود لهم بالعلم والصلاح , وإنني بغنى عن ذكر إسم هذا المتفيقه وإسم هؤلاء العلماء الأجلاء .

فقلت له وماهو تحصيلك العلمي والشرعي فبهت الذي يقذف أهل العلم وأحمر وجهه ....

فهؤلاء المدَّعون للعلم والمشيخة ، لم يعرفوا قدر علمائهم ، وإذا كانوا يعدُّون أنفسهم أنَّهم رجال ، فإنَّ الرجال يحترم بعضهم بعضاً .

(قال الشيخ عبدالرزاق عفيفي لأحدهم حين ادَّعى أمامه تلك الدَّعوى قائلاً له : نعم ... هم رجال ... وأنت دجَّال!!)

( قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف : وقد ابتلينا بجهلة من الناس , يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم ...) 

أخي في الله يا ابن الإسلام ,  دينك دينك  ، اختر لنفسك عالماً متفقِّهاً في دين الله تنهل منه العلم ، وتأخذ عنه الفتوى ، وإيَّاك ومشايخ السوء والرؤوس الجهال  ؛ ولا تنخدع بالمظهر ,  فعنهم ابتعد ، ولهم خالف ، وعلى آرائهم فاضرب .

أنا لا أدعي علما , وأعترف لأهل الفضل بفضلهم , وأحترم أهل العلم وأقدرهم , وأقبل أياديهم حتى لو اعتبر البعض ذلك مخالفة, فلي في صحابة رسول الله القدوة :

( عن عمار بن أبي عمار أن زيد بن ثابت ركب يوما، فأخذ ابن عباس بركابه فقال: تنح يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا .فقال زيد أرني يدك، فأخرج يده فقبلها، فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسولنا صلى الله عليه وسلم .

رواه ابن سعد في الطبقات  والذهبي في السير  وابن الجوزي في صفوة الصفوة  والحافظ في الإصابة  وجود إسنادها الحافظ في الفتح .)

(قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن أورد عدداً من الآثار لجواز تقبيل يد العلماء والفضلاء: وأفعال السلف في هذا الباب أكثر من أن تحصر، والله أعلم)

(وقال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة، وذلك مستحب عند العلماء، وإنما اختلفوا في تقبيل اليد، فأنكره مالك وأنكر ما روي فيه، وأجازه آخرون , قال الأبهري: وإنما كرهها مالك إذا كانت على وجه الكبر

والتعظيم، وأما إذا كانت على وجه القربة إلى الله لدينه، أولعلمه، أولشرفه، فإن ذلك جائز)

(قال الحافظ ابن حجر: وقد جمع الحافظ أبو بكر بن المقري جزءاً في تقبيل اليد سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرة وآثاراً)

 

وأكررها وسأكررها , فكل من يفتح المجال ويساعد هؤلاء الرؤوس الجهال فهو شريك بالجريمة التي ترتكب بحق العلم الشرعي .

ومما يؤسف له أن تجد من يسهل ويفسح  المجال للرؤوس الجهال كي يتقدموا الصفوف واعظين ومحدثين ومقتحمين حمى العلم الشرعي , وهم أي المسؤولين يعرفون أن هؤلاء لاعلم لديهم , , لكن في الواقع يجد هؤلاء الرؤوس الجهال كل التسهيلات .

لذلك ,  فكل من يسهل للرؤوس الجهال فهو شريك في إستباحة حمى العلم الشرعي وسيقف يوم الحساب يوم لاينفع مال ولا بنون , وسيتعلق به كل من ضل بسبب هؤلاء الرؤوس الجهال , قائلين يارب إن هؤلاء المسؤولين كانوا يعرفون أن فلانا ليس من أهل العلم الشرعي , ومع ذلك كانوا يقدموه لنا باعتباره من أهل العلم , رغم النصح المتكرر لكنهم كانوا مصرين ...

أسير خلف ركاب النُّجب ذا عرج ** مؤمِّلاً كشف ما لاقيت من عوج

فإن لحقت بهم من بعد ما سـبقوا ** فكم لربِّ الورى في ذاك من فرج

وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ** فما على عَرَجٍ من ذاك في حرج

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ