-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 24/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عزيزي فوكوياما

مرح البقاعي

بدخول الزعيم الروحي لشعب التيبت البيتَ الأبيض من الباب الخلفيّ، واستقباله في أكثر غرف البيت العتيد تواضعا وهي غرفة الخرائط Map Room ـ بعد أن نفى الناطق باسم الرئاسة الأميركية روبرت غيبس إمكانية لقاء الرئيس أوباما مع الدلاي لاما في المكتب البيضاوي، وبقيام الانقلاب العسكري في النيجر مساء الثامن عشر من شهر شباط/ فبراير الجاري وسيطرة الانقلابيين على مقاليد الحكم ـ الحدث الذي يضاف إلى جملة الانقلابات العسكرية التي شهدها العالم في العامين الأخيرين، وبدعم أميركي عسكري غير مسبوق لحكومة اليمن للقضاء على جيوب القاعدة المتمركزة في الجنوب دون الالتفات إلى أن صنعاء تستخدم هذه الإمدادات اللوجستية للجم المعارضة وتمكين قبضتها من الحكم المفلوت من أصابعها ـ بدعوى تنفيذها للأجندة الأميركية في مكافحة بؤر التطرف الإسلامي المسلّح في الشمال "الحوثيّ" المدعوم إيرانياُ والجنوب "القاعديّ" المدعوم من مسلّحي قاعدة الجزيرة العربية؛ في ضوء هذه المستجدات الثلاث أستطيع أن أقول: لا، لم ينتهِ التاريخ!

 

نعم، التقى الرئيس أوباما الحائز على جائزة نوبل للسلام، إثر انتقادات تعرّض إليها من غير جهة ناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الدينية، التقى الدلاي لاما، وكان قد رفض لقاءه في شهر تشرين الأول/ أوكتوبر الفائت حين كان زعيم التيبت في زيارة للعاصمة واشنطن، وذلك في سابقة لم يفعلها أي رئيس أميركي منذ العام 1991. السبب في تأجيل اللقاء هو تجنّب إغضاب العملاق الصيني قبيل زيارة أوباما التي كانت مقررة إلى بكين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، الزيارة التي عاد منها أوباما بخفّي حنين ولم يلقَ خلالها تجاوبا من نظيره هيو جينتاو في قضية المساهمة الفاعلة في حل الأزمة المالية العالمية، أو موقفها المتشدّد من قضايا المناخ والاحتباس الحراري، أو تحفظها على طلب الدول الكبرى وفي مقدمتها أميركا لفرض عقوبات على إيران في شأن ملفها التسلّح النووي الذي يشغل العالم. هكذا جاء هذا اللقاء بهيئة ردّ فعل أميركي مجازي على النكران الصيني لصدر أميركا الوسيع، والذي فتحه أوباما ،عارياً، لغير نظام مستبد في العالم!

 

أما الإنقلاب العسكري في النيجر فجاء مذيِّلا لسلسلة من الانقلابات شهدتها غير دولة في القارة الإفريقية خلال السنتين الأخيرتين، في مؤشرٍ منذرٍ إلى تراجع المدّ الديمقراطي في القارة السوداء، وعودة حمى التغيير السياسي بقوة السلاح، على مرأى من الولايات المتحدة الأميركية صاحبة أجندة الحرية Freedom Agenda التي تشكل أسّ مشروع نشر الديمقراطية في العالم، المشروع العولمي الذي ما زال موضع جدل ساخن بين مراقب حيادي ورافض فظ ومتوجّس متشائم من الأسلوب الذي انتهجه الرئيس جورج دابليو بوش في تطبيق هذه الأجندة وبخاصة تنفيذها عسكرياً في العراق، وما ترتب عليه الحال في العراق الجديد الذي ما زال يتخبط في انقساماته الحزبية والمذهبية ولم يحسم أمره من مسألة التداول الديمقراطي للسلطة بعيدًا عن التجاذبات الدينية والعرقية والفئوية. وإذا كان العراق قد أسقط النظام البعثّي البائد بالآلة العسكرية لدول التحالف الغربي ورأس حربتها الولايات المتحدة الأميركية، فالخوف كل الخوف أن جرعة المنشطات التي يتلقاها غير نظام استبدادي في العالم بإمكانه أن يغذّي ـ في المقابل ـ حركات التغيير العسكري التي تعيد العجلة إلى مرحلة شهدت فيها  دول الشرق الأوسط ـ المنطقة الأكثر سخونة في العالم ـ حمى البلاغات العسكرية التي يعلنها الضباط الإنقلابيون المتكالبون على السلطة من الإذاعات الرسميّة؛ ففي تاريخ 30 من مارس 1949 شهدت سوريا انقلاب حسني الزعيم الذي يعد الانقلاب الأول في تاريخ الدولة العربية الحديثة المستقلة، ويعتبر أيضاً القاعدة الأساس التي شرعت للمؤسسة العسكرية العربية إرساء أنظمة أتت بانقلاب وذهب غالبيتها بانقلاب أيضاً، وذلك مروراً بانقلاب جمال عبد الناصر في مصر العام 1952؛ وانسحابا على مشهد التغيير السياسي العنفي في انقلابات: العراق 1958، سوريا مجدداً في عاميّ 1961و1963، اليمن 1962، الجزائر1965، ليبيا 1969؛ وصولاً إلى موريتانيا حيث قاد مهندس الانقلابات العسكرية هناك، محمد ولد عبد العزيز، انقلابه السادس في تاريخ 6 آب/ أغسطس من العام 2008 مطيحاً بالرئيس محمد ولد الشيخ عبد الله.

 

عزيزي فوكوياما، هذا هو الرئيس أوباما، نائياً بنفسه عن مصطلح الإرهاب وملاحقة صانعيه في العالم، فارداً ذراعه لغير نظام مستبدّ في خطابه الشهير في جامعة القاهرة، متقربا من الأنظمة ذات التاريخ الطويل من الاستبداد والقهر ومعاندة تيارات التحرر والتعدد السياسي والعرقي في آن ، ها هو يقع في فخ الإرهاب ومكافحته من جديد، ولكن هذه المرة في فخ مضاعف، حين يساند عسكريا قوى عرف عنها نهجها القمعي الاستبدادي من أجل أن تكون ظهيره في درء الإرهاب والقضاء على جيوبه، متجاهلاً، عن دون دراية منه أو عن نقص واضح في الخبرة في القضايا الدولية ومترتّبات الأمن الدولي، ما يمكن أن تؤول إليه هذه الخطوة من مدّ في عمر الأنظمة المولّدّة أصلا لبؤر التطرف والإرهاب وقد جاء احتجاجاً على قمع الداخل واستبداد السلطات المحلية مدعومة بقناعة أميركية ـ استمرت على مدى ستة عقود انقطعت في عهد الرئيس بوش وتعود إلى الساحة السياسية اليوم ـ ومفادها أن الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يمرّ عبر حصر الفعل السياسي بيد الحاكم الواحد أو الحزب الواحد، وأن البديل لغياب الأنظمة الأحادية هو استيلاء الجماعات الدينية على الحكم، والتحول العلني من الدولة الشمولية إلى الدولة الدينية، جرياً على السيناريو الذي حاولت وتحاول مصر الإيحاء به للولايات المتحدة من خلال علاقتها الالتباسيّة مع جماعة الإخوان المسلمين.   

 

فصل المقال أن "الديمقراطية المعاصرة التي بدأت بالنمو منذ بداية القرن التاسع عشر، وانتشرت تدريجيا كبديل حضاري للأنظمة الديكتاتورية في العالم" هي في حالة انكفاء مطرد ودراميّ في ظل غياب الدور الأميركي المدافع عن حقوق الإنسان في العالم من مغتصبي هذه الحقوق، الدور المساند لقوى التحرر والتنوير التي دعا إليها الآباء المؤسسون ـ واضعو دستور الدولة الأميركية الحديثة الذي ينص في مادته الأولى على منع إصدار أي قانون يحضّ على إقامة دين من الأديان أويمنع حرية ممارسته، قانون يحدد من حرية التعبير والصحافة، أو يحظر الحق في التجمّع سلميا ومطالبة الحكومات بإحقاق العدل.

 

إنها صحوة الاستبداد مباركا بالدعوات الأميركية يا عزيزي فوكوياما! فها هو الرئيس الأميركي يشير إلى حاجة العالم إلى "أن يكون للملك عبد الله نسخٌ مستنسخة" تتمكن من مكافحة أشكال العنف الديني أسوة بما فعله العاهل الأردني العتيد في استحداثه لما يقارب المائة قانون جديد لمكافحة الإرهاب، ولكن، هذه المرة، عن طريق تقليم أظافر التيارات السياسية وجزّ رؤوس المعارضة وتطهير الأصوات المطالبة بالإصلاح الحكومي. إنها حقاً صحوة الاستبداد ومقتل الجيفرسونية الأميركية التي "تعمل من أجل حريّة الإنسانية جمعاء".

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ