-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تجربة
الوحدة القديمة.. وواقع النكبة
الراهنة
حتى
متى نعيش مع ماضينا.. ونموت في
حاضرنا؟
نبيل
شبيب منذ
بضعة أعوام دبّت الحياة في بعض
المناسبات التي غابت أو سبق
تغييبها حينا من الزمن، ومن
بينها المناسبة السنوية لقيام
الوحدة بين مصر وسورية، ورافقها
ويرافقها اهتمام مشابه بجمال
عبد الناصر، رئيس الجمهورية
العربية المتحدة آنذاك، وبعد
الموجة الأولى من الكتابات
بمناسبة ذكرى مولده، وذكرى
وفاته، أصبحت هذه الكتابات لا
تنقطع من غير مناسبة سنوية
لذكرى تاريخية.. إذ يجد أصحاب
الأقلام ما يكفي من الأحداث
المأساوية المعاصرة، ليعودوا
من خلالها إلى تمجيد بطل
القومية العربية، ورئيس دولة
الوحدة الأولى، وزعيم التحدي
الأكبر لقوى الاستعمار في عهده..
كما لا تنقطع كتابات أخرى أو
"حملات" كتابية تجاه كل من
"يتجرّأ" على النيل من
شخصه، أو عهده، أو إنجازاته،
كما كان مؤخرا تعقيبا على ما
يدلي به عبد الكريم النحلاوي،
قائد انقلاب انفصال سورية عن
مصر عام 1961م، في برنامج "شاهد
على العصر"!.. جميع
ذلك "تاريخ"، وجميع ذلك
مادة لدراسات تاريخية، ويمكن أن
يستوحي من يشاء ما يشاء من أحداث
التاريخ، إذا ما أراد استثارة
الهمم والعزائم لصناعة الحدث في
الوقت الحاضر، إنما هل هذا ما
يجري فعلا؟.. لا يكتب
الشيوعيون -إلا نادرا- شيئا
إيجابيا عن عبد الناصر، فقد أتى
حين من الدهر في عهده، شهد
تجريدهم من مراكز قوتهم.. ولا
يكتب الإخوان المسلمون شيئا
إيجابيا عن عبد الناصر، فقد كان
عهده بداية رحلة لم تنقطع حتى
اليوم من معاناتهم في مصر
تخصيصا وفي سواها.. وقليل
من القوميين العرب الذين يكتبون
اليوم عن عبد الناصر من يجد قلمه
الطريق إلى الإطراء والنقد معا،
وليس إلى التمجيد المحض دون
حساب.. كذلك
ينقسم من يكتبون عن "تجربة"
الوحدة بين مصر وسورية، بما
يتجاوز ما حصل من انقسام يوم
الانفصال، ففريق يرى في تلك
الوحدة أخطاء أودت بها وحمل عبد
الناصر المسؤولية الأكبر عنها،
وفريق لا يرى الأخطاء إلا في
سواه.. ولو
تأملنا قليلا لوجدنا كتابات
أخرى عن غير عبد الناصر، وعن سوى
الجمهورية العربية المتحدة
نشأة وانفصالا، إنما نجد النهج
نفسه، ما بين التمجيد.. ونقيضه. ولو
اجتمعت الأمة من أقصاها إلى
أقصاها على تمجيد عبد الناصر
وما صنع، والوحدة بين مصر
وسورية وما كان فيها.. فلن يؤدي
ذلك إلى تحرير فلسطين اليوم،
ولا إلى تحرير العراق.. ولا إلى
نجدة الصومال واليمن والسودان..
ولا إلى توحيد مصر وسورية أو
توحيد "الفئات" التي بدأ
التركيز على تمزيقها داخل القطر
الواحد بعد تمزيق الأرض
(العربية أو الإسلامية.. حسب
الاتجاهات) إلى أقطار!.. ولو
اجتمعت الأمة من أقصاها إلى
أقصاها على إدانة عبد الناصر في
لحده، وعلى التنديد بما كان
خلال سنوات الوحدة الثلاث، فلن
يغير ذلك شيئا من الواقع
السياسي وغير السياسي الراهن،
الأسوأ بما لا يقاس مما كان
آنذاك!.. •
• • إلى وقت
قريب كان أكثر ما يعاب على
"الإسلاميين" بأقلام
سواهم، أنهم يخدّرون أنفسهم
بتمجيد الماضي، ويغفلون عن
الواقع الحاضر.. وفي الوقت
الحاضر نجد هذا العيب لا يكاد
يُستثنى منه فريق، إلا أولئك
الذين يهدمون الحاضر والمستقبل
بمعاولهم السياسية وغير
السياسية، ولا يأبهون بمن يستحق
التمجيد أو يستحق الإدانة من
الماضي القريب أو البعيد!.. وسيّان
كيف قلبنا وجهات النظر
المتلاقية والمتنافرة حول شخوص
الماضي أبطالا وغير ذلك، وحول
أحداث الماضي وحدة أو انفصالا
وحربا أو سلاما، فلن نجد أمرا
ساهم في مسيرة الانحدار
والتدهور، نكبة بعد نكبة، وجيلا
بعد جيل، قدر هذه الصورة
المتكررة الآن.. صورة التشرذم ما
بين مختلف الاتجاهات مع
الاستغراق في التمجيد
والتنديد، أو الجلوس في مقاعد
المتفرجين.. أو الصارخين، تجاه
ما يجري من أحداث.. تصنع الحاضر
والمستقبل!.. وسيان
كم نبحث عن مخرج فلن نجده إلا في
الخروج بأنفسنا من انهيار
أنفسنا تشرذما وتمجيدا وتنديدا
واستغراقا في الماضي وصراخا أو
صمتا تجاه ما يجري في الوقت
الحاضر. يقول
المعترضون على مثل هذا الكلام
-وهم كثر- إن الاستفادة من
التجارب التاريخية ضرورة في
مسيرة التوعية وبناء جيل
المستقبل!.. قولهم
صحيح.. وموضع الاستشهاد به خاطئ. إن من
لا يحيى في حاضره لا يستفيد من
تاريخه، ومن لا يعمل لمستقبله
لا يفيده إصلاح نظرة الآخر إلى
تاريخه!.. نحن في
حاجة إلى الحياة من جديد..
الحياة الآن، ثقافيا وفكريا
وفنيا وسياسيا واقتصاديا،
بإحياء أنفسنا في واقعنا
الراهن، لنوظف التجارب
التاريخية والشخوص الذين صنعوا
أحداثا تاريخية، في "جزء"
من أجزاء عملية إحياء أنفسنا،
وليس في صناعة الكلام بلا نهاية
عنها، ليكون بديلا عن العمل -ولو
قليلا- لتحقيق إنجاز ما في
حاضرنا. نحن في
حاجة إلى التحرر الآن.. من
الاستعمار بمختلف أشكاله
الحديثة، ومن الهيمنة
الاستبدادية بمختلف ابتكاراتها
الجديدة، ومن التخلف والفرقة
والنزاعات والصراع على
النظريات والدروس التاريخية..
كي نكوّن أرضية مشتركة تتعدد
فيها الرؤى تعبيرا عن التحرر
الحقيقي، دون أن يصبح همّ صاحب
كل رؤية متركزا على اغتيال صاحب
رؤية أخرى. نحن في
حاجة إلى الوحدة الآن، ولن تكون
الوحدة الآن صورة مشابهة لتجربة
الوحدة بين مصر وسورية، فالوحدة
التي نحتاج إليها الآن هي وحدة
التطلع إلى الأهداف الكبرى
المشتركة وإن تعددت المنطلقات
ووجهات النظر في التفاصيل
والوسائل والأساليب، ووحدة
اليقين بالمصير المشترك، وليس
بوضع قوالب لمصير كل فئة على حدة
والظن أنها في خطر ما لم تهدد
مصير سواها بالفناء أو الاعتقال
أو الإقصاء أو الاستئصال. نحن في
حاجة إلى "زعماء" الآن ولا
يصنع الزعامة الحية الواعدة
القادرة على قيادة الشعوب،
تمجيدُ زعامات أدت دورها، هكذا
أو هكذا، وأصبحت تاريخا مضى
وانقضى، كما لا يصنعها أيضا
التنديد بكل ما صنعت تلك
الزعامات في الماضي القريب أو
البعيد!.. نحن في
حاجة إلى بعضنا بعضا أكثر من
حاجتنا إلى ربط كل اتجاه بمن رحل
عن الحياة الدنيا وكان موضع
اتفاق أو اختلاف عليه وعلى ما
صنع!.. •
• • من أراد
الاستفادة من سير الأقدمين أو
تجارب تاريخية سابقة، فليصنع
أولا الوعاء الذي يستطيع
استيعابها، ولا نجد بين أيدينا
ذلك، بل نجد تمزيق فلسطين عام
2010م.. ونحن نتحدث عن أعوام 1956
و1967م و1978م وسواها.. ونجد تمزيق
العراق عام 2010م.. ونحن نتحدث عن
الروايات التاريخية أيام جمال
عبد الناصر وعبد الكريم قاسم
وعبد السلام عارف ومن سبقهم ومن
لحق بهم في الدنيا ثم رحل عنها..
ونجد بين أيدينا ألف مهمة ومهمة
معاصرة غير مهمة "وحدة مصر
وسورية" وانفصالها قبل نصف
قرن، ونجد بين أيدينا جامعات
عربية فقدت اللغة العربية.. وكتب
تاريخ لا أثر للتاريخ فيها..
ووسائل إعلام ومؤتمرات وزراء
إعلام ووثائق لتقييد من تمرد في
الإعلام.. وسيان بعد ذلك من يقول
شيئا أو لا يقول في "أحمد
سعيد" أيام نكبة 1967م. نحن في
نكبة الآن.. لا ندع تحت وطأتها
مجالا للمؤرخين أن يسجلوا
تسجيلا منهجيا موضوعيا أمينا
بالمقاييس العلمية المنهجية
الحقة، صفحات التاريخ التي كانت
تُكتب أيام عبد الناصر والوحدة
المصرية-السورية، فكيف بنا أن
نستفيد من الخبرات التاريخية
استفادة منهجية حقيقية في
نكبتنا هذه؟.. نحن في
نكبة الآن.. فإما أن نستشعر
حجمها، ونرتفع بأنفسنا إلى
مستوى مواجهتها، أو سيأتي جيل
آخر من بعد جيلنا، فيجد فيما
نصنع النكبة الأخطر مما وقع يوم
الانفصال، أو ما سمي يوم
"النكسة"، أو ما ارتُكب من
إثم يوم كامب ديفيد.. ويجد فينا
جيلا آخر مضى عن الحياة الدنيا..
بعد أن ساهم في الضياع بقسطه،
كما ساهم من قبله في الضياع
بقسطه، ولن يغفر لنا أن يوجد فيه
-لا سمح الله- من يقفو إثرنا،
تمجيدا وتنديدا وقعودا!.. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |