-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الحرب
الحضارية الشاملة بين العرب
وإسرائيل بوفلجة
غيات يعيش
العالم حربا حضارية شاملة بين
العرب وإسرائيل، ولكل من
الطرفين عمق إستراتيجي يستند
إليه. ذلك أن العرب يلتجئون إلى
عمقهم الإسلامي، في حين تعتمد
إسرائيل على عمقها الغربي. فالحرب
قائمة ولم تتوقف أبدا. فقد تندلع
حروبا عسكرية لأيام بين إسرائيل
ودول عربية، كما حدث في حرب 67 أو
حرب 73. كما أشعلت إسرائيل حروبا
مع منظمات وحركات مقاومة مسلحة،
كما حدث مع حزب الله في لبنان،
وفصائل المقاومة في غزة بقيادة
حركة حماس والجهاد الإسلامي. إلا أن
هدوء الساحات العسكرية لا يدل
على توقف الحرب، كما أن الدول
العربية، بل حتى الإسلامية
البعيدة عن إسرائيل، ليست في
مأمن من كيد إسرائيل ومناورتها.
ذلك أن الحرب شاملة فهي بين
حضارة غربية لا تحب العرب
والمسلمين ولا تثق فيهم وهي
تنصب المكائد لهم باستمرار
وتسعى إلى استغلالهم سياسيا
واقتصاديا وثقافيا وحضاريا. نفس
الشيء بالنسبة للعرب والمسلمين
إذ يناصبون الغرب نفس الشعور،
وإن كانت الحكومات الرسمية لا
تعلن عن ذلك لضعفها وتبعيتها
وخوفها، إلا أن هذه المشاعر
مصرّح بها على المستوى الشعبي
من خلال وسائل الإعلام والإتصال
العصرية. إن توقف
الحروب العسكرية، لا بعني
توقفها في المجالات الأخرى،
وإنما تستمر الصراعات وتنتقل
إلى مجالات استخباراتية
وسياسية واقتصادية ومالية
وإعلامية وثقافية وحضارية. لهذا
فإن الهجمات المتكررة على
مستويات الإعلام والثقافة
والسياسة والتجارة والصناعة...،
هي من صميم الصراعات الطاحنة
والخفية. إذ هناك جيوش من
الجواسيس والعملاء من الغربيين
والإسرائيليين يتتبعون مختلف
الأحداث ويمدون الهياكل
العسكرية والأمنية
والإستراتيجية في الولايات
المتحدة وأوروبا وإسرائيل
مختلف المعطيات الأمنية
والإجتماعية والسياسية
والإقتصادية، لاستغلالها ضد
العرب في الوقت المناسب. فالصراع
على أشده في الخفاء، بين أجهزة
أمنية مدربة من كلا الطرفين. مع
ذلك نجد تعاونا بين غالبية
الأجهزة الأمنية العربية مع
الاستخبارات الأمريكية
والأجهزة الأمنية الغربية، بما
في ذلك الأجهزة الإسرائيلية،
لتتبع كثير من العرب والمسلمين
في الوطن العربي، باسم التعاون
الدولي ضد الإرهاب. وبهذا فإن
الأنظمة الرسمية العربية عادة
ما تقوم بعمليات تساهم من
خلالها في خدمة أعدائها،
وبالتالي فهي تنشط ضد مصالحها
الإستراتيجية، ذلك أن أهم شغل
لهذه الأنظمة هو حفاظها على
السلطة والتمسك بها. فالدول
العربية قويّة بعمقها
الإستراتيجي وبسعة أراضيها
وخيراتها المتعددة والمتنوعة
وكثافتها البشرية، فهي تستطيع
المقاومة والمواجهة لسنين
طويلة دون حاجتها إلى أي دعم
أجنبي. في حين أن إسرائيل يستحيل
عليها الصمود طويلا لولا دعم
الغرب لها في كلّ المجالات
السياسية والعسكرية
والإقتصادية والمالية، فهي
كيان مصطنع، وهي صنيعة الغرب.
فإسرائيل دولة ضعيفة، من
الناحية الإستراتيجية، ولا
تستطيع الصمود لسنة واحدة دون
الدعم الكبير والثمين الذي
تتلقاه من الغرب. وهكذا
فإن نجاح أمريكا ونجاح الغرب
عموما هو نجاح لإسرائيل. وأن
حصول الولايات المتحدة أو
بريطانيا أو فرنسا على قواعد
عسكرية على الأرض العربية هو
خدمة لإسرائيل حليفتهم الكبرى.
وقد دخلت إسرائيل أرض العراق
واستباحتها مع دخول قوات
الحلفاء إليها. وليس غريبا أن
نجد جنودا وضباطا
إسرائيليين في كل القواعد
الأمريكية والغربية في الشرق
الأوسط ومنطقة الخليج، وهو سر
فشل العرب في مواجهة إسرائيل. كما أن
منح التسهيلات الإقتصادية
والعلمية والثقافية والسياسية
للولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها الغربيين، هو دعم
لإسرائيل شئنا أم أبينا. إذ وصل
التعاون بين الغرب وإسرائيل
درجة أصبح من الصعب التفريق
بينهما. وهكذا
فإن ساحة المواجهة الحضارية
فسيحة وواسعة. وأن مجال
المواجهة مهيأ لكل فرد ولكل
مواطن عربي أينما كان، ولكل
دولة عربية مهما بعدت عن مواقع
المواجهة المسلحة. فأي بناية
تبنى وأي مدرسة أو جامعة تفتح
وأي مصنع يشيد، وأي طريق تشق،
وأي إنجاز مهما كان نوعه، وفي أي
مجال وأي منطقة من الوطن
العربي، يدخل في إطار المواجهة
الحضارية الشاملة. كما أنه
رغم مشاكل الدول العربية، فليست
كلها في نفس المستوى من الفشل
والتخلف، بل أن هناك دولا عربية
تتقدم بسرعة، في المجالات
الإقتصادية والعمرانية خاصة،
وفي ذلك إضافات معتبرة للأمة
العربية والإسلامية، يتم
حسابها في إطار الصراع ضد
إسرائيل التي تريد أن ترى كل
العرب في نفس المستوى من الجهل
والتخلف والفشل والهزائم، إلا
أن الواقع يثبت عكس ذلك. من هنا
تبرز أهمية جهود المقاطعة،
والحركات المواجهة للتطبيع مع
إسرائيل، مهما كانت نتائجها
حاليا، إلا أن وجودها يثبت أن
هناك مواجهة مستمرة على كل
الأصعدة، وهناك أمل بأن يأتي
أبناء وأحفاد، يكونون أكثر قدرة
واستعدادا وتكون الظروف مهيأة
لهم لمواجهة التحديات.
فالمواجهة الحضارية قديمة،
وليس هناك مظاهر أو عوامل تشير
إلى قرب انتهائها. هناك
غياب لتثمين الإنجازات العربية
الكبيرة التي تحققت في العقود
الأخيرة، وهناك عدم تنسيق
الجهود، بين الحكام والشعوب،
إلا أنه يأتي يوم يغيب فيه
الحكام الحاليون وتظهر طبقات
سياسية جديدة، تكون أكثر وعيا
وديمقراطية وأكثر تحررا من
الهيمنة الأجنبية على أنظمة
الحكم العربية. يموت الأفراد
ويتغير الحكام وتبقى الإنجازات
ويأتي يوم يتم استغلالها في
جهود المواجهة الحضارية لصالح
الأمة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |