-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
دولة
كوشنير وموراتينوس وساركوزي
الفلسطينية رشيد
شاهين خلال
الأيام القليلة الماضية، خرج
علينا وزير الشؤون الخارجية
الفرنسي السيد برنار كوشنير
بالقول بأنه لا بد من الاعتراف
الأوروبي بالدولة فلسطينية من
اجل أن تصبح عضوا مثلها مثل باقي
الأعضاء في الأمم المتحدة، يعيش
أهلها في امن وسلام جنبا إلى جنب
مع دولة الاحتلال، وقد سارع
وزير الشؤون الخارجية الأسباني
السيد ميغيل أنخيل موراتينوس
بتأييد دعوة كوشنير، هذا
التأييد الذي من الواضح أنه كان
"منسقا" فيما بينهما، وقد
قام الوزيران بكتابة مقال نشر
في صحيفة لوموند الباريسية
بعنوان " متى تقوم الدولة
الفلسطينية؟" قبل
دعوة كوشنير التي دعمها السيد
موراتينوس كانت هناك دعوة
مماثلة تقريبا، وجهها منسق
الشؤون الخارجية بالاتحاد
الأوروبي السيد خافيير سولانا
قبل حوالي ستة أشهر من اجل
الاعتراف بهذه الدولة، إلا انها
ذهبت أدراج الرياح ولم يتم
التقاطها أو ربما أخذها على
محمل الجد من قبل الكثيرين بما
في ذلك القيادات الفلسطينية على
مختلف توجهاتها. وضمن
سياق الدعوات الغربية لقيام
دولة فلسطينية فقد كان الرئيس
الأمريكي جورج بوش – الصغير- قد
تعهد بقيام دولة فلسطينية في
أكثر من مناسبة لا بل ذهب إلى ما
هو ابعد من ذلك حين قام بتحديد
تواريخ بعينها من اجل قيام مثل
هذه الدولة وكان العام – 2009- هو
آخر ما تحدث عنه بوش في حينه،
إلا انه ذهب دون أن يحقق أي من
وعوده، لا بل لقد فشل ووزير
خارجيته في تحريك الموقف
الإسرائيلي قيد أنمله، إلى
الدرجة التي صارت فيها
كونداليزا رايس تتوسل دولة
الاحتلال إزالة حاجز هنا أو
فتح طريق مغلق هناك. وبالعودة
إلى السيد كوشنير الذي ما أن
أعلن عن دعوته تلك حتى سارع
الرئيس الفرنسي أيضا إلى دعوة
شبيهة من اجل قيام هذه الدولة
العتيدة، وهذا ما أثار الكثير
من التساؤلات حول ما إذا كان
هنالك نوع من التضارب في
المواقف بين الخارجية الفرنسية
والرئاسة أو أن تنسيقا سيئا حال
دون "توحيد" نظرة الوزير
ورؤيته للدولة الفلسطينية التي
يرغب بقيامها وبين ما يراه
الرئيس الفرنسي حول ذات الدولة. النغمة
التي كتب فيها السيدين كوشنير
وموراتينوس مقالهما تنم عن شعور
بتفاؤل ربما غير مسبوق، فهما
يتحدثان عن اعتراف أوروبي جماعي
بهذه الدولة وذلك عندما
يقولان" إن أوروبا ستعترف
جماعيا بالدولة الفلسطينية لكي
تصبح فلسطين عضوا في مجمع
الأمم، يعيش سكانه في أمن وسلام
بجانب دولة إسرائيل" ويتحدث
المقال أيضا عن "عودة
للمستثمرين من القطاع الخاص إلى
الأراضي الفلسطينية في ظل
التحسن الأمني الكبير"، هذه
العودة التي يتحدث عنها المقال
ربما هي ليست موجودة بهذا الحجم
إلا في عقول من يروج لها،
وبالتالي في عقلي الوزيرين. كما
أن الحديث عن أن "مؤتمر
المانحين في باريس وضع الركائز
الاقتصادية والمالية والمؤسسات
للدولة المقبلة" ليس سوى رؤية
قاصرة ومحاولة أخرى للترويج
لدور يقوم به العالم في دعم
الاقتصاد الفلسطيني هو في
الحقيقة دور يرسخ التبعية
المالية والاقتصادية للدولة
المقبلة، ويبقي عليها دولة
عاجزة ستبقى معتمدة أبدا على
المساعدات والمنح الخارجية
بحيث يبقى قرارها السياسي
والسيادي "رهينة" لتلك
المساعدات، وفي اللحظة التي
يمكن لمن يقوم على هذه الدولة أن
يفكر مجرد تفكير في التمرد على
ما تم رسمه لهذه الدولة فان
المساعدات والمنح سوف تتوقف
وعند ذاك ستكون النتائج معروفة
للجميع. التفاؤل
الذي جاء في مقال الوزيرين حول
اعتراف أوروبي جماعي بالدولة
الفلسطينية لا يستند إلى أرضية
صلبة، خاصة في ظل المواقف
المتضاربة لدى دول الاتحاد، كما
أن إثارة قضية يهودية الدولة
الإسرائيلية لا تبعث على
التفاؤل ولا تستند إلى حسن
النية خاصة وان مثل هذه الدعوة
تخفي ورائها الكثير من المخاطر
عدا عن انها تتبنى الموقف
الإسرائيلي في هذا الإطار. الاعتراف
بالدولة الفلسطينية شيء بدون شك
جيد ومطلب فلسطيني منذ عشرات
السنين، إلا أن شيئا حول ماهية
الدولة وحدودها وكيف ستكون وعلى
أية حدود لم يتم ذكره أو التطرق
إليه في المقال، وقد دأب الغرب
في السنوات الأخيرة على القول
بأن الدولة الفلسطينية لا بد أن
تكون دولة متصلة وقابلة للحياة،
وحتى في هذا، فانه يمكن قول
الكثير، ويمكن لمثل هذه الأقوال
أن تكون محل كثير من الجدل
والنقاش الذي قد يستمر لعشرات
السنين من حيث ما الذي يعنيه
الاتصال والقابلية للحياة. ومن
هنا فإننا نجد بان عدم الدعوة
صراحة إلى قيام الدولة على حدود
الرابع من حزيران 1967 هي محاولة
للهروب إلى الأمام ومحاولة
للهروب من الالتزامات التي يجب
على دولة الاحتلال القيام بها
والتي تعني فيما تعنيه انسحابا
بدون شروط من جميع الأراضي
المحتلة عام 1967. وهذا ينطبق أيضا
على موضوع تبادل الأراضي وموضوع
اللاجئين. لقد
اغفل الوزيران كل ما تقوم به
إسرائيل في الأراضي الفلسطينية
من استيطان وتهويد للقدس وبناء
للجدر ومصادرة للأرض، علما بان
استمرار هذه السياسات من قبل
دولة الاحتلال سوف تقوض قيام
الدولة الفلسطينية، وهي على أي
حال إذا ما استمرت- وهي بدون شك
مستمرة- سوف تؤدي إلى انتهاء
خيار حل الدولتين، وهي تقود في
المحصلة إلى حل الدولة الواحدة
وهو الحل الذي قد يكون الأفضل في
ظل استمرار إسرائيل قضم المزيد
من الأراضي المحتلة. الدعوة
التي أثارها المقال تقود إلى
التساؤل حول ما هي حقيقة الدور
الأوروبي خاصة وان أوروبا عضو
في اللجنة الرباعية وما الذي
قامت به أوروبا من اجل الضغط على
إسرائيل للقيام بما هو مطلوب
منها، علما بان أوروبا تقوم بكل
ما يلزم من اجل الضغط على الجانب
الفلسطيني عندما يتطلب الأمر
ذلك، هذا عدا عن الدور المعروف
الذي قامت به كل الدول
الأوروبية في قيام دولة
الاحتلال 1948 وهي التي أسهمت
مساهمة فاعلة في إنشاء وتقوية
وتمويل هذا الكيان بكل ما يلزمه
من اجل أن يقوم ويبقى على ارض
فلسطين لا بل ويهدد الدول
العربية المجاورة والبعيدة عدا
عن تهديد امن دول المنطقة
بالمجمل. أما
الحديث عن مبادرة الرئيس
الفرنسي فهي مبادرة لا تقل
ضبابية عن دعوة وزير خارجيته،
كما انها تتضمن بعض القضايا
التي لا شك تثير الريبة، ولا
يمكن النظر إليها إلا على انها
دعوة تحمل في ثناياها الكثير من
خبث اليهود ومكرهم،
حيث ان مجرد دعوته للتعويض
على المستوطنين، فكأنما هو
يشرعن وجود هؤلاء في الأراضي
المحتلة، علما بان القوانين
الدولية التي يدركها ساركوزي
جيدا لا تجيز لهؤلاء القيام بكل
أو بأي مما يقومون به، وبالتالي
فانه لا يجوز بحال من الأحوال ان
يقوم رئيس دولة عظمى كفرنسا
بدعوة كهذه، هذا عدا عن انه يريد
من الدول العربية وخاصة في
الخليج ان تقوم هي بالتعويض على
هؤلاء، ولا ندري هنا عن أي تعويض
يتحدث السيد ساركوزي، هل تعويض
هؤلاء عن قيامهم بسرقة الأراضي
والممتلكات أم عن قيامهم بترويع
وقتل الفلسطينيين أم عن كل ما
تتم ممارسته على رؤوس الأشهاد
ضد أبناء الشعب الفلسطيني. إن
النظر إلى اللاجئين
الفلسطينيين بنفس الطريقة التي
ينظر بها إلى المستوطنين ووضعهم
في ذات المستوى إنما هي دعوة
خبيثة يراد منها الانتقاص من حق
العودة للفلسطيني وشرعنة
للممارسات الشاذة ليس فقط
للمستوطنين وإنما لدولة
الاحتلال، وهي قفزة إلى الإمام
يراد من خلالها خلط الأوراق
بحيث يضيع الحق وتختلط الأمور
فلا يمكن التمييز بين الحق
الأصيل في التعويض والعودة
للفلسطيني وبين "حق مخترع"
يقوم على الخداع والتزوير. ان مثل
هذه الدعوات لن تكون مجدية إذا
ما هي أدارت الظهر إلى الحقوق
الفلسطينية، وهي وان بدت كبوادر
حسن نية إلا انها تحمل بين
طياتها الكثير من النوايا
السيئة والخبيثة، والتي لا يمكن
ان تنطلي على أبناء الشعب
الفلسطيني المغلوب على أمره،
وإذا ما أريد للمبادرات
الأوروبية ان يكتب لها النجاح،
فانه لا بد من ان تكون مبادرات
حقيقية تهدف إلى إعادة الحقوق
إلى أصحابها وعلى أوروبا ان
تدرك ان احد أهم أسباب نكبة
أبناء فلسطين منذ ما يزيد على 60
عاما كانت أوروبا نفسها وان
عليها الآن ان تعالج وان تتعامل
مع الموضوع الفلسطيني بطريقة
أكثر إنصافا، لا ان تحاول فرض
المزيد من الضغط على الشعب
الفلسطيني. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |