-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ما
الذي تعرفه تركيا ولا نعرفه نحن
؟ -
رؤية الى تاريخ الصراع والتغيير
في السياسة الخارجية التركية – أ.
محمد سعيد الفطيسي
قد يكون مستغربا بعض الشيء
ذلك الموقف الاستثنائي الذي طرأ
على العلاقات التركية -
الإسرائيلية الحديثة خلال
الفترة الأخيرة , وتحديدا بعد
قيام المستعمرة الصهيونية
بالاعتداء على الأبرياء في قطاع
غزة الفلسطينية مع نهاية شهر
ديسمبر من العام 2008م , وبداية
شهر يناير من العام 2009م , وما
يحفز ذلك الاستغراب هو طبيعة
العلاقات التاريخية
الاستراتيجية القوية المعروفة
لدى الكثيرين بين الطرفين منذ
اعتراف تركيا العثمانية "
الرجل المريض في وقتها "
بإسرائيل كدولة " مفروضة بحكم
القوة والواقع " في عام 1949م
وبضغوطات من القوى العالمية ,
كالولايات المتحدة الاميركية
مثلا0
إنما ذلك الاستغراب
يتلاشى تدريجيا لدى المحللين
والمراقبين المتخصصين في الشأن
التركي الحديث , وخصوصا
المتتبعين لطبيعة العلاقة بين
الدولة التركية والمستعمرة
الصهيونية منذ العام 1949م وحتى
منتصف العام 2009م , فالأمر الغالب
على تلك " العلاقة
الاستراتيجية " كما يطلق
عليها البعض هو كثرة حالات المد
والجزر , والشد والجذب , وبمعنى
آخر " عدم الاستقرار ", وهو
أمر طبيعي في السياسة الدولية
بشكل عام 0
حيث تتحكم اختلافات المصالح
والسياسات الخارجية التي
تسيرها التحولات والتغيرات
الجيوسياسية والجيواستراتيجية
العالمية في كثير من الأوقات
على طبيعة العلاقات والتحالفات
بين الدول والشعوب , هذا إذا ما
أضفنا الى ذلك الطبيعة الخاصة
للبناء الأيديولوجي للشعب
التركي المسلم وصراعه مع
العلمانية كنهج سياسي للدولة ,
كذلك العلاقات التاريخية
العميقة بين الشعب التركي
والشعب العربي بسبب العاملين
التاريخي والجغرافي
الاستراتيجي0
الى إننا لا " نؤيد " –
من وجهة نظرنا الشخصية – من جهة
إطلاق تسمية التحالف
الاستراتيجي لوصف طبيعة
العلاقة بين تركيا وإسرائيل
بالرغم من تقاربها في بعض
الأوقات , ووجود العديد من
الاتفاقيات السياسية
والاقتصادية والتجارية
والأمنية والعسكرية بينهما ,
فمصطلح التحالف الاستراتيجي
يطلق على العلاقة الحيوية
المستمرة , أو العلاقة " طويلة
المدى " في جانب ما بين طرفين ,
كما هي العلاقة الاستراتيجية
التاريخية بين الولايات
المتحدة الاميركية على سبيل
المثال لا الحصر ومستعمرة الخوف
والإجرام الصهيواميركية
إسرائيل 0
كما أننا ومن جهة أخرى نرفض
المزايدة على المواقف التركية
المشرفة , أو تحويرها وتزييفها ,
وتحديدا تلك التي برزت بشكل ملف
للنظر بعد تولى حزب التنمية
بزعامة اردوغان لشؤون السياسة
الداخلية والخارجية لتركيا ,
وهي مواقف نابعة من أصالة الشعب
التركي المسلم وعظمة تاريخه
وقيمه الإنسانية الفاضلة ,
والتي لا يمكن مطلقا وضعها تحت
خانة المصالح والدوافع
السياسات المادية فقط , دون
النظر الى الضمير والمبادئ
والقيم الأخلاقية , وان فرضنا
جدلا أن ذلك صحيح , فهو لا يغير
الكثير من الحقائق السامية
النبيلة , وهو ما دفعها للتخلي
عن الكثير من المصالح , و إغضاب
العديد من الحلفاء التاريخيين
كإسرائيل على سبيل المثال , في
وقت تدرك فيه بأنها لن تنال سوى
الضغوطات الدولية وغضب البعض
عليها من الكبار بسبب تلك
التصرفات التي يعتبرها البعض
عاطفية وغير مسؤولة 0
فإذا ما اعتبرنا أن فترة
الربيع " الخصب " التي تلت
الاعتراف التركي بمستعمرة
الكيان الصهيوني الإجرامي
المحتل لأرض الطهر والرسالات
فلسطين في عام 1949م , وحتى نهاية
العام 1959م نتيجة للتطورات
الإقليمية الدولية المتسارعة
خلال فترة الخمسينيات من القرن
العشرين , كالأزمة السورية في
عام 1957م , وسقوط النظام الموالي
للغرب في العراق عام 1958م , والذي
تبعه انهيار حلف بغداد , وتدعيم
النفوذ الأمريكي في المنطقة
العربية خلال نفس الفترة , والتي
أدت الى تعزيز وتقوية العلاقات
التركية – الإسرائيلية 0
فقد
شهدت الفترة من 1960م- 1975م سنوات
الشتاء البارد بين الطرفين , حيث
كان لحصار تركيا خلال الفترة من
عام 1963م
– 1964م , بسبب الحرب التركية –
القبرصية وقيام بعض الحكومات
العربية كليبيا على سبيل المثال
بإمدادها بالأسلحة , مما جعلها
ترد الجميل برفضها المطلق تمكين
إسرائيل من استخدام القواعد
الأمريكية على أراضيها خلال
الحرب العربية الإسرائيلية عام
1973 م , دور كبير في توتير
العلاقات بين الطرفين 0
عادت بعدها السياسة التركية
في فترة الثمانينيات لتلتزم
الوسط الحيادي في علاقاتها بين
شركاءها في المنطقة – أي –
العرب وإسرائيل , مؤكدين على ان
عامل المصالح الاقتصادية
الاستراتيجية التركية هو ما كان
في ذلك الوقت وراء ذلك التحول,
مع الإشارة الى ميلان الميزان
كان اقرب الى الجانب العربي منه
الى الجانب الإسرائيلي في تلك
الفترة الزمنية , ويمكن القول
بان العلاقات التركية –
العربية في هذه المرحلة تحديدا
كانت مرهونة بتقلص مستوى
علاقاتها بالمستعمرة
الإسرائيلية الكبرى 0
فسياسيا وبالرغم من رفع
مستوى العلاقات الدبلوماسية
بين تركيا وإسرائيل الى مستوى
سفارة بعد ان كانت مفوضية بسبب
الاحتجاج التركي على الإعلان
الإسرائيلي للقدس الشرقية
كعاصمة أبدية لها , إلا أنها ظلت
ملتزمة للحياد الحقيقي في فترة
الحرب الإيرانية – العراقية
حفاظا على مصالحها وعلاقاتها
الطيبة مع الدول العربية
وتحديدا دول الجوار كالعراق ,
أما اقتصاديا وبسبب أزمة
العمالة الأوربية – التركية
التي أدت الى ترحيل الآلاف من
الأتراك من أوربا وإعادتهم الى
وطنهم , واستقبال الدول العربية
والخليجية لهم دور هام في توطيد
عامل التقارب الاقتصادي
والسياسي بين الجانبين التركي
والعربي 0
( وإذا كانت بعض الدوائر
العلمانية التركية – اليوم -
تنظر إلى إسرائيل على أنها تشبه
تركيا من حيث كونهما النظامان
الديمقراطيان الوحيدان في
المنطقة 0000 فإن قادة انقلاب عام
1980 م اتجهوا نحو الدول العربية
أكثر , خصوصا بعد انضمام تركيا
إلى منظمة المؤتمر الإسلامي , ثم
ازدادت هذه العلاقات قوة بعد
نجاح حزب الوطن الأم بقيادة
تورغوت أوزال في انتخابات عام
1983 م حيث تميزت فترة حكمه
بالانفتاح على الطرفين – العرب
وإسرائيل – معا .. لكن العلاقات
التركية الإسرائيلية وإن شهدت
تقدما ملحوظا بعد طلب تركيا
الانضمام إلى المجموعة
الأوربية إلا أنها كانت أسرع
تقدما على صعيد العلاقات
العربية التركية , وقد لعبت
الانتفاضة الأولى , دورا عاطفيا
مؤثرا على الرأي العام التركي ! )
0
سرعان ما عادت تلك العلاقة
التي التطور والدفع نحو الجانب
الإسرائيلي خلال فترة
التسعينيات من القرن العشرين ,
وذلك بسبب عوامل عديدة , كان
أخطرها على الإطلاق أزمة مياه
نهري دجلة والفرات التي اشتعلت
في 13يناير من العام 1990م , وذلك
بإعلان تركيا في ذلك التاريخ
تحديدا قطع مياه نهر الفرات عن
كل من سوريا والعراق لمدة شهر
كامل ، ريثما يمتلئ خزان سد
أتاتورك ، نتج عن ذلك أدانت
جامعة الدول العربية ، في بيان
رسمي لها بتاريخ 14 يناير 1990إقدام
السلطات التركية على قطع مياه
الفرات ، مما دفع تركيا بشكل غير
رسمي الى الإعلان عن تزويد
إسرائيل بالمياه , وعَدّت ذلك
سابقة خطيرة في العلاقات
التركية ـ العربية0
كذلك كان لضعف المساندة
العربية للأقلية التركية في
قبرص وبلغاريا ، ومساندة بعض
الدول العربية للحركة
الانفصالية الكردية في تركيا ,
دور في توتر العلاقات السياسية
والدبلوماسية تحديدا بين العرب
وتركيا خلال تلك الفترة ,
استغلتها إسرائيل انسب استغلال
, لترفع مستوى التقارب بينهما
الى درجة التحالف
العسكري والأمني , والذي بلغ
أشده خلال الفترة من
1996م – 1998م , حيث وقعت تركيا
وإسرائيل على عدد من الاتفاقيات
العسكرية والأمنية المشتركة ,
وبالطبع نصت الاتفاقيات
الجديدة على تبادل الخبرات
العسكرية بين الجانبين , بما
يتضمنه ذلك من إجراء مناورات
عسكرية ومناورات جوية ،
واستخدام موانئ الطرفين ,
وبالفعل بدأ الجانبان في المضي
قدمًا لتنفيذ بنود الاتفاقية
العسكرية الأمر الذي قوبل
بالسخط والاستياء من قبل دول
المنطقة ، لما يشكله هذا
التقارب من تأثير مخل بتوازن
القوى في منطقة الشرق الأوسط 0
لم يشمل التحالف التركي -
الإسرائيلي التعاون المشترك في
المجالات العسكرية والأمنية
فحسب خلال تلك الفترة المزدهرة
، وإنما تجاوز ذلك إلى المجالات
الاقتصادية والتجارية وغيرها
كذلك , ( ففي الفترة الممتدة بين
عامي 1992- 1996م , بلغت قيمة التبادل
التجاري في المجالات غير
العسكرية بين تركيا وإسرائيل 450
مليون دولار، هذا بالإضافة إلى
اتفاقيات التعاون المشترك في
مجال السياحة ، والتجارة الحرة
وحماية الاستثمارات بين
الجانبين ، تلك الاتفاقيات التي
جاءت إثر العديد من الزيارات
المتبادلة بين المسئولين
الأتراك والإسرائيليين ، ففي
هذه المرحلة كان الطرف التركي
يلوح بإمكانية فتح الطريق أمام
إسرائيل للنفاذ إلى منطقة آسيا
الوسطى والقوقاز، وفي المقابل
كان الطرف الآخر يلوح بإمكانية
الوساطة بين تركيا والولايات
المتحدة ) 0
ولكن وما أن دخل العالم بشكل
عام , وتركيا على وجه الخصوص
الألفية الجديدة
– القرن الحادي والعشرين –
حتى حدث التحول الجذري في تاريخ
الدولة التركية الحديثة ,
وتحديدا على مستوى سياستها
الخارجية , ففي العام 2001م ,
وتحديدا بتاريخ 14 / 8 / 2001م , تم
تشكيل حزب العدالة والتنمية من
قبل النواب المنشقين من حزب
الفضيلة الإسلامي الذي تم حله
بقرار صدر من محكمة الدستور
التركية في 22 / 6 / 2001 م , وكانوا
يمثلون جناح المجددين في
حزب الفضيلة , وكان رجب طيب
اردوغان عمدة إسطنبول السابق
وأحد البارزين في الحركة
السياسية الإسلامية في تركيا
أول زعيم لذلك الحزب , " حزب
العدالة والتنمية " وهو
الثالث والتسعون بعد المائة ضمن
الأحزاب السياسية التي دخلت
الحياة السياسية التركية , كان
بعدها وتركيا على موعد استثنائي
مع التاريخ 0
ففي يوم الأحد الموافق 3 / 11 /
2002 م حقق حزب العدالة والتنمية
فوزا ساحقا في الانتخابات
العامة التركية منهيا بذلك خمسة
عشر عاما من الحكم الائتلافي في
البلاد , فقد
فاز الحزب الذي لم يمض على
تشكيله زمن طويل أغلبية في
البرلمان وذلك بحصوله على 34,2 %
من الأصوات حسب ما أعلنته وكالة
الأناضول الرسمية للإنباء ,
ورغم تعهد اردوغان بالالتزام
بالمبادئ العلمانية التي ينص
عليها الدستور التركي , إلا ان
الطابع الإسلامي كان دائم
الحضور على منهجية تعامل الحزب
في سياسة الدولة الداخلية
والخارجية 0
نجاح الحزب خلال الفترة
الرئاسية الأولى وما حققه على
الصعيدين السياسي والاقتصادي
تحديدا كان دافعا للأمة التركية
لاختيار وانتخاب حزب التنمية من
جديد في انتخابات العام 2007م ,
حيث حقق ما نسبته 47.8% من أصوات
الشعب التركي , ولأول مرة منذ 50
عاما في الحياة السياسية
التركية يتمكن حزب سياسي واحد
من تشكيل حكومة منفردا مرتين ,
ويعود ذلك كما أكد العديد من
المراقبين والمتابعين للشأن
التركي الى عدد من العوامل
أهمها – كما يقول الباحث التركي
بمركز الشرق العربي للدراسات
محمود عثمان - الشخصية
الكاريزمية لرئيس الحزب رجب طيب
أردوغان , وتعرض الحزب إلى الغبن
وازدواجية المعايير , ومذكرة
الجيش ضد الحزب , وتدخله بشكل
مباشر في السياسة التركية , و
نجاح الحملة الانتخابية ,
والاتصال المباشر مع الشعب
والاهتمام بقضايا المواطنين 0
وقد حققت تركيا في عهد
اردوغان الذي يستحق بكل جدارة
جائزة نوبل للسلام للعام 2009م ,
الكثير من الانجازات السياسية
والاقتصادية الداخلية منها
والخارجية , فعلى صعيد السياسة
الداخلية , نجحت تركيا اردوغان
في ( بناء أرضية اقتصادية صلبة
من خلال خطط تنمية طموحة ،
وإصلاحات متميزة ، جعلت تركيا
تحتل الترتيب السابع عشر على
قائمة تكتل دول العشرين التي
تمثل اكبر اقتصاديات العالم ) ,
كما أننا لا يمكن ان ننسى
الانفتاح الحكومي التركي على
أكراد تركيا , وإقرار قانون
محاكمة العسكر أمام المحاكم
المدنية , ومنع محاكمة المدنيين
أمام محاكم العسكرية وغيرها
الكثير بالطبع 0
أما
على صعيد السياسة الخارجية
التركية , وعلى
سبيل المثال لا الحصر قد كانت
المصالحة التاريخية مع أرمينيا
والتي طوت صفحات من العداء
الدموي من اكبر الانجازات
التركية ، كذلك التوجه نحو
العراق لبناء جسور من التواصل
مع الجار الجنوبي المضطرب ,
وغيره من الدول العربية
لتوسيع آفاق التعاون
الاقتصادي جنباً الى جنب مع
التعاون السياسي والأمني , ولا
يمكن ان ننسى كذلك احتفالات حلب
بفتح الحدود التركية السورية
أمام مواطني البلدين دون إي
عوائق خلال شهر اكتوبر من العام
2009م ، وإقامة منطقة حرة مشتركة
بينهما ، وإلغاء التنقل بجوازات
السفر والاكتفاء بالبطاقة
الشخصية 0
المهم في الأمر بان السياسة
التركية في عهد حزب التنمية "
2002- 2009م ", وبالرغم من
البراغماتية المعهودة عنها ,
وقدرتها على محاكاة الواقع
الداخلي والخارجي بقدر كبير من
المسؤولية القومية والوطنية ,
والتزامها بالدستور العلماني ,
الى أن العاطفة الدينية "
الإسلامية " وأخلاقية
الإنسان الحقيقي تجاه البشرية
وقضاياها , قد كانت دائمة الحضور
علي طبيعتها وعلاقاتها
الخارجية مع دول الجوار
الإسلامي والعربي , وخصوصا تجاه
عدد من القضايا الدولية , كمسالة
الرسوم التي أساءت الى الرسول
محمد صلى الله عليه وسلم , وموقف
اردوغان من الحفريات تحت المسجد
الأقصى , وردة فعله تجاه معاناة
الشعب الفلسطيني من الاعتداءات
الصهيونية المتواصلة وخصوصا في
قطاع غزة , مع توتر واضح في كثير
من الأحيان مع الطرف الأخر في
المعادلة السياسية في المنطقة
– أي - إسرائيل , وخصوصا بعد
استضافة رئيس المكتب السياسي
لحماس خالد مشعل في أنقرة
بتاريخ 16 فبراير/ 2006 م0
وما نود الإشارة إليه هنا من
خلال سياق الحديث السابق هو
أمرين , أولهما ذلك التقارب
القوي الذي حدث على صعيد
العلاقة بين الدول العربية
وتركيا خلال العقد الأول من
القرن الحادي والعشرين من جهة ,
وتحديدا خلال الفترة الثانية
لحكم حزب التنمية , الأمر الذي
انعكس إيجابا على علاقة الدولة
التركية الحديثة بالدول
الإسلامية والعربية 0
أما الأمر الآخر فهو توتر
علاقتها مع إسرائيل والتي كانت
حتى وقت قريب ورقة رابحة بيد
الأتراك لدعمهم سياسيا من خلال
الضغط على الولايات المتحدة
الاميركية وغيرها من الدول
الحليفة لإسرائيل كالدول
الأوربية لتمرير سياسات تركيا
وتوجهاتها الخارجية في منطقة
الشرق الأوسط وغيرها في بعض
الأحيان ,
مما انعكس سلبا على علاقة تركيا
بكثير من الدول الكبرى كدول
الاتحاد الأوربي , والتي تسعى
تركيا للتقارب معها منذ فترة
طويلة بهدف دعمها للانضمام الى
الاتحاد الأوربي 0
وقد تزايد القلق الإسرائيلي
من الخطوات السياسية التركية
الاستثنائية التي حدثت خلال
العام 2009 م تجاهها , فهي تدرك
أنها الخاسر الأكبر من تلك
الالتفاتة التركية الى منطقة
الشرق الأوسط
" العربية تحديدا "
وقضاياها المصيرية , والتي
تعتبرها – أي – إسرائيل نقيض
لمصالحها الاستراتيجية ,
ومن ابرز ما يمكن الإشارة
إليه في هذا الجانب – أي – جانب
توتر العلاقة بين إسرائيل
وتركيا خلال هذا العام الأمثلة
التالية , وهي نفسها ما يثبت
التقارب التركي من العرب
وقضاياهم :
* المجاهرة التركية
المباشرة والرافضة للتصرفات
والسياسات الإسرائيلية تجاه
القضية الفلسطينية بشكل عام ,
والاعتداءات المتواصلة على
الأبرياء في قطاع غزة , وهو ما
شاهدناه من خلال الخطوة الجريئة
والغير مسبوقة التي قام بها
اردوغان في مؤتمر دافوس خلال
هذا العام , والتي لاقت قبول
وترحيب من قبل الشعب التركي ,
وقال أردوغان للآلاف الذين
خرجوا لاستقباله في المطار : "
إن لغة بيريز لم تكن مقبولة ،
وكان على أن أتصرف دفاعا عن
كرامة تركيا، كل ما أعرفه أنه
يتعين علي الذود عن كرامة تركيا
والشعب التركي ، لست زعيم قبيلة
بل أنا رئيس وزراء تركيا ويتعين
على أن أتصرف على هذا النحو "0
* التقارب التركي – السوري ,
والذي تعتبره إسرائيل خطوة
خطيرة نحو تشكيل تحالف خطير قد
يضر بسياساتها المستقبلية تجاه
سوريا , وتحديدا الخطوة الأخيرة
التي فتحت الحدود بين الدولتين
على مصراعيها 0
* قضية الرفض التركي القاطع
لاستخدام أراضيها لضرب إيران
وقد تطور الموقف لاحقا لتعلن
أنها ستتصدى عسكريا لأي طائرة
قد تخترق أجوائها لضرب إيران 0
* رفض اردوغان بشدة أثناء
مأدبة إفطار رمضانية – رمضان 2009
- شارك فيها الأمين العام للحلف
الأطلسي الدنمركي أندرس فوغ
راسموسن استخدام عبارة الإرهاب
الإسلامي لوصف عنف المسلحين
وقال اردوغان :" ان استخدام
حوادث معزولة لنعت دين بأكمله
وأتباعه بأنهم إرهابيين
محتملين والسعي الى نشر هذه
المفاهيم والتسامح مع مثل هذه
السلوكيات ، هو في الحد الأدنى
جريمة ضد الإنسانية "
* طلب تركيا من إسرائيل عدم
المشاركة في المناورات التي
تجري بين دول حلف شمال الأطلسي
بمشاركة جيوش "صديقة" , ما
أدى إلى إلغائها لاحقاً بسبب
امتناع الولايات المتحدة
وإيطاليا عن المشاركة , وكان
رئيس الوزراء التركي رجب طيب
اردوغان قد صرح في تعليقه على
مسألة إلغاء المناورات التركية
المشتركة مع إسرائيل، بأنه أخذ
بعين الاعتبار ضمير الشعب
التركي , وقال: " كان علي أن
أكون صوتا ناطقا بوجدان شعبي ,
لأن شعبي يرفض مشاركة إسرائيل
جرائمها , ولذلك تشاورنا مع
الجهات المسؤولة وقلنا نعم..
المناورات سوف تجري.. ولكن
إسرائيل لن تشارك فيها.. وعرض
المقترح وقبل.. وستكون مناورات
هذه السنة من دون إسرائيل" 0
وبالرغم من كل ذلك الجفاء مع
إسرائيل , والغضب الدولي الغربي
الذي لم يجاهر به البعض , إلا ان
تركيا قد حققت جملة نتائج
داخلية وإقليمية ودولية ، (
فهناك ارتياح تركي داخلي من
المواقف التركية بعودة تركيا
إلى جذورها ودورها كوريث
للخلافة الإسلامية في منطقة
الشرق الأوسط ، وإقليميا مرحب
بتركيا إيرانيا وسوريا
وفلسطينيا - في غزة على الأقل- ،
وقد بدأت تركيا أكثر عروبة
وإسلاما من بعض دول المنطقة
العربية والإسلامية خاصة إبان
احتلال العراق ثم الحرب على غزة
، ولا يمكن إنكار أن هذه المواقف
قد أحرجت دول المنطقة ، وأن ما
حدث في مؤتمر دافوس قد أحرج أمين
عام جامعة الدول العربية ،
ودوليا استطاعت تركيا إيصال عدد
كبير من الرسائل لكلا من
الأمريكيين والأوروبيين مفادها
أن هناك جبهة أخرى بديلة ستلتفت
إليها تركيا عوضا عن الجبهة
الأمريكية الأوروبية وهذه
الجبهة وهذا التحالف سيكون
موجها ومركزا مع كلا من سوريا
وإيران وغزة ) 0
إذا فما هو المطلوب عربيا
تجاه تركيا خلال المرحلة
القادمة ؟ وهو الأمر الذي يجب
التنبه إليه واستغلاله سياسيا ,
وخصوصا من قبل بعض الدول
العربية الكبرى المؤثرة سياسيا
كمصر والأردن وسوريا والمملكة
العربية السعودية تحديدا ,
كونها الدول الكبرى التي تقوم
على سياساتها خارطة الشرق
الأوسط الجيوسياسية
والجيواستراتيجية , وخصوصا ان
إسرائيل قد تتطلع لمزيد من
التعاون مع تركيا بالرغم من هذه
الفترة المضطربة , لذلك فإنها لن
تتقبل بسهولة انجراف تركيا
بعيدا عن شواطئها الدافئة ,
وستحاول قدر استطاعتها وبكل
الطرق الممكنة وغير الممكنة
إعادة التقارب والصداقة معها ,
فهي تدرك ماذا تعني تركيا في
خارطة الشرق الأوسط الجديد ؟
ومن - وجهة نظرنا الشخصية -
ان أفضل وسيلة نحو تعزيز
التقارب العربي – التركي خلال
المرحلة المقبلة هي استغلال
الظروف الراهنة بشكل اكبر , وذلك
من خلال تشكيل وعقد الصفقات
الاقتصادية وتحفيز التبادل
التجاري , وإقامة التكتلات
السياسية والاقتصادية
والعسكرية , وتعويض تركيا في تلك
الجوانب من خلال دعم النفوذ
التركي الاقتصادي والتجاري
والسياحي في المنطقة , وخصوصا
منطقة الخليج كبديل لتراجع
التقارب مع إسرائيل , وهي خطوات
لها ما بعدها من الفوائد
والثمار الاستراتيجية 0
وفي هذا السياق يؤكد
الأستاذ عبدا لله الشمري , وهو
خبير في الشؤون التركية ومستشار
وكيل وزارة الثقافة والإعلام
السعودية , على ضرورة ( تكثيف
قنوات الاتصال الثقافي
والإعلامي على أوسع نطاق لمنع
سوء الفهم أو الجفاء ، حيث إن
الحلقة المفقودة في العلاقات
الثقافية العربية التركية كانت
محدودية التواصل ما بين النخب
الثقافية والاجتماعية وقادة
الرأي العام ، وتجسد ذلك في قلة
عدد الزيارات المتبادلة على
المستوى النخبوي ، وبالتالي فإن
تحقيق زيادة التقارب العربي
التركي يتم ببدء تعاون بناء وذي
أبعاد إستراتيجية بين قطاعات
المثقفين ورجال الإعلام
والأكاديميين العرب والأتراك
على وجه الخصوص ) 0
وهكذا فان العلاقات العربية
ألتركية اليوم تعايش أجمل سنوات
التقارب والتجانس السياسي
اللوجيستي , لذا فانه يجب ان يتم
استغلالها بالشكل الصحيح ,
وتحديدا من قبل العرب , فتركيا
دولة قوية في المنطقة , ولها
مستقبل واضح على خارطة السياسة
الدولية خلال العقد الثاني من
القرن الحادي والعشرين ,
وصداقتها والتحالف معها يعد
جائزة كبرى للدول العربية ,
والتقارب منها سيكون الفرصة
التي لا أتصور ان تتكرر "
تاريخيا " بين الطرفين العربي
والتركي , كما أن ذلك التقارب
سيكون نقلة نوعية لتعزيز
القضايا العربية وتقويتها في
المحافل الدولية , وخصوصا قضية
الصراع العربي مع إسرائيل 0 ـــــــــــــ * باحث
في الشؤون السياسية والعلاقات
الدولية رئيس
تحرير صحيفة السياسي التابعة
للمعهد العربي للبحوث
والدراسات الاستراتيجية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |