-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
أساليب التربية النبوية أسلوب
القص الدكتور
عثمان قدري مكانسي
إن للقصة تأثيراً كبيراً في
نفس متلقيِها لما فيها من تدرج
في سرد الأخبار ، وتشويق في
العرض وطرح للأفكار ، ممزوجة
بعاطفة إنسانية . وهي تعتمد على
الحوار والنقاش الداخلي
أحياناً والخارجي أحايين أخرى ،
وتصدر مقترنة بالزمان والمكان
اللذين يغلفان الأحداث بإطار
يمنع الذهن من التشتت وراء
الأحداث ، وتتدرج من موقف إلى
آخر ، تجذب السامع إلى التفاعل
والمتابعة بأحاسيسه وأفكاره
ومشاعره ، ويندمج فيما يسمع ،
فتصل به إلى نقطة التأزم ، ثم
تنحل شيئاً فشيئاً . وتكون نقطة
التنوير في الأحداث الضوء الذي
ينقذ الموقف القصصي وينقله إلى
حالة الهدوء والانتظام . .
أو اتخاذ الموقف الإنساني . .
نتيجة للتفاعل الفكري
والنفسي مع الأحداث .
والرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ استخدم الأسلوب القصصي
لأنه رآه من أبلغ الطرق المؤدية
إلى توثيق الفكرة وإصابة الهدف .
بعض القصص التي جاءت في
أحاديث رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ كانت تامة العناصر
من مقدمة وشخصيات ، وأحداث
زمانية ومكانية ، وعقدة تصل
بالقارئ والسامع إلى نقطة
التأزم ، ثم حل في آخر المقام .
وسنرى ـ إن شاء الله ـ مما
نستشهد قصصاً محبوكة التركيب ،
متماسكة الأحداث ، تدحض ما
يدعيه أصحاب التغريب من أن
القصة لم تبلغ شأوها إلا في هذا
العصر ، حين اتصل أدباؤنا
القاصون بالغرب فتعلموا منه !!!.
وبعض القصص تتجاوز بعض
عناصر القصة وتركز على بعضها
الآخر ، لأن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ لم يكن يريد من
القصةِ القصة َ نفسها ، إنما
أراد الهدف منها . . فإذا وصل إلى
ما يبتغيه من الهدف التعليمي
اختصر في بعض عناصرها . . . ومن
أوضح الأمثلة على القصص التامة
العناصر : ما رواه صهيب الرومي ـ
رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم
ـ قال : قصة
الغلام والساحر :
(
كان ملكٌ فيمن كان قبلكم ، وكان
له ساحر ، فلما كبر قال للملك :
إني قد كبرت فابعث لي غلاماً
أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً
يعلمه . . وكان في طريقه ـ إذا سلك
ـ راهبٌ ، فقعد إليه وسمع كلامه
، فأعجبه ، وكان إذا أتى الساحر
مر بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى
الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى
الراهب ، فقال ( الراهب ) :
إذا خشيت الساحر فقل حبسني
أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني
الساحر .
فبينما هو على ذلك إذ أتى
على دابة عظيمة قد حبست الناس (
منعتهم من تجاوز الطريق ) فقال :
اليوم أعلم : آلساحرُ أفضل أم
الراهبُ أفضل ؟ فأخذ حجراً فقال
: اللهم إن كان أمر الراهب أحب
إليك من أمر الساحر فاقتل هذه
الدابة حتى يمضي الناس .
فرماها فقتلها ومضى الناس .
وأتى الراهبَ فأخبره ، فقال له
الراهب : أي بني ، أنت اليوم أفضل
مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ،
وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا
تدل علي . وكان الغلام يبرئ
الأكمه (1)
والأبرص – بإذن الله - ويداوي
الناس من سائر الأدواء ، فسمع به
جليسٌ للملك ـ كان قد
عمي ـ فأتاه بهدايا كثيرة ،
فقال ( جليس الملك ) : ما ههنا لك
أجمع إن أنت شفيتني .
فقال ( الغلام ) : إني لا
أشفي أحداً ، إنما يشفي الله
تعالى ، فإن آمنت بالله تعالى
دعوت الله فشفاك . فآمن بالله
تعالى(2)
، فأتى الملكَ فجلس إليه كما كان
يجلس .
فقال له الملك : من رد عليك
بصرك ؟؟!! .
قال : ربي .
قال : ولك رب غيري ؟!! .
قال : ربي وربك الله .
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل
على الغلام ، فجيء بالغلام فقال
له الملك : أي بني : قد بلغ من
سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ،
وتفعل وتفعل ؟
فقال : إني لا أشفي أحداً ،
إنما يشفي الله تعالى ، فأخذه
فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب
. فجيء بالراهب فقيل له : ارجع عن
دينك ، فأبى ، فدعا بالمنشار ،
فوضع المنشار في مفرق رأسه ،
فشقه حتى وقع شقاه .
ثم جيء بجليس الملك فقيل له :
ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع
المنشار في مفرق رأسه فشقه به
حتى وقع شقاه .
ثم جيء بالغلام فقيل له :
ارجع عن دينك فأبى ، فدفعه إلى
نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به
إلى جبل كذا وكذا ، فاصعدوا به
الجبل فإذا بلغتم ذروته (
فراودوه عن دينه ) فإن رجع عن
دينه ( فعودوا به ) وإلا فاطرحوه .
فذهبوا به فصعدوا به الجبل .
فقال : (( اللهم اكفنيهم بما شئت ))
، فرجف بهم الجبل
فسقطوا ، وجاء يمشي إلى
الملك ( متحدياً ) ، فقال له
الملك : ما فُعِل بأصحابك ؟ فقال
: كفانيهم الله تعالى .
فدفعه إلى نفر من أصحابه
فقال : اذهبوا به فاحملوه في
قرقور(3)
وتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن
دينه ( فعودوا به ) وإلا فاقذفوه .
فذهبوا به ، فقال (( اللهم
اكفنيهم بما شئت )) ، فانكفأت بهم
السفينة فغرقوا ، وجاء يمشي إلى
الملك ( متحدياً ) ، فقال له
الملك : ما فُعِل بأصحابك ؟ فقال
: كفانيهم الله تعالى .
فقال ( الغلام ) للملك : إنك
لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به (
أطلبه منك ) ،
قال
( الملك ) : ما هو ؟ قال : تجمع
الناس في صعيد واحد(4)
، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً
من كنانتي(5)
، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم
قل : باسم الله رب الغلام ، ثم
ارمني ، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني
.
فجمع الملك الناس في صعيد
واحدٍ ، وصلبه على جذع ، ثم أخذ
سهماً من كنانته ، ثم وضع السهم
في كبد القوس ، ثم قال : باسم
الله رب الغلام ، ثم رماه فوقع
السهم في صدغه
(6)
، فوضع ( الغلام ) يده في صدغه
فمات . فقال الناس : آمنا برب
الغلام .
فأتي الملك ، فقيل له : أرأيت
ما كنت تحذر ؟ قد والله نزل بك
حذرك ، قد آمن الناس . فأمر
بالأخدود(7)
بأفواه السكك فخٌدّت(8)
وأضرم فيها النيران .
وقال من لم يرجع عن دينه
فأقحموه(9)
فيها . أو قيل له : اقتحم (10)
، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها
صبي لها ( رضيعٌ لا يتكلم ) ،
فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها
الغلام ( أنطقه الله
تعالى ) (11)
: يا أماه اصبري ، فإنك على الحق(12)
.
وهكذا فالقصة إن حبكت
بأسلوب سهل مسلسل الأفكار ـ
وهذا أسلوب الرسول صلى
الله عليه وسلم ـ
أسرت القلوب وحبست الأنفاس
وفتحت العقول ، وامتزجت بأرواح
القارئين والمدعوين ، فوجدت
فيها مكاناً تربعت عليه وآتت
أكلها .
فالقصة الهادفة تفتح آذاناً
صمّاً ، وقلوباً ران عليها
الجهل ، وعقولاً تلبدت ، إن كان
صاحبها صادقاً في دعوته ،
قادراً على التعبير عنها ، وكان
المدعوُّ فيمن رحمه الله تعالى . ومن
القصة الهادفة المكتملة
العناصر : قصة
جريج :
روى هذه القصة أبو هريرة ـ
رضي الله عنه ـ إذ سمعها من
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
حين قال : (( ما تكلم مولود من
الناس في مهدٍ إلا عيسى بن مريم
ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحب
جريج )) فلما أنصت المسلمون إلى
مقالة النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ وأرهفوا السمع ، وحبسوا
الأنفاس ينتظرون رسول الله أن
يبدأ قصته هذه ، قال : فإن جريجاً
كان رجلاً راهباً في صومعة له
يعبد الله ، ويتبتل إليه ، انقطع
عن الدنيا وأخلص وقته ونفسه لله
تعالى ، وكانت صومعته على صخرةٍ
عاليةٍ في الجبل ، وتحتها كهفٌ
يأوي إليه أحد رعاة البقر فيقيل
أو يمسي .
ولم يكن الراعي تقياً إنما
كان يزني بمومس تأتيه في هذا
الكهف ، ولم يكن جريج الراهب
يدري بما يفعل أسفل صومعته ،
فقليلاً ما كان يخرج منها .
جاءت أم جريج مرةً وهو يصلي
فدعته ، وكان عليه أن يجيب
دعاءها ، قال في نفسه : أيهما
أفضل يا ترى ؟ الاستمرار في
الصلاة والوقوف بين يدي الله
تعالى ، أم قطع الصلاة وإجابة
دعاء الأم ؟!!.
لم يكن يدري ما يفعل ، إلا
أنه آثر الصلاة رغبة في إتمام
الثواب ، وسوف يفرغ لأمه
ويبرها . . نعم لن يضيع
الصلاة ، وإرضاء الوالدة بعد
ذلك أمر يسير وهو بذلك ينال
أجرين . . هكذا فكَّرَ جريج .
وعادت الأم تنادي : يا جريج
رد علي يا بني . . أنا أمك أناديك
فهلم إلي . . إجابتي خير لك في
الدنيا والآخرة .
لم يكن جريج يعلم أن ترك
صلاة السنة والمبادرة إلى إجابة
الوالدة من أفضل القربات عند
الله ، فعزم أن يستمر في
الصلاة . . ولا شك أن الله تعالى
يعرف أنه يحب والدته ويود برها
لكنه في الصلاة ، والصلاة وقوف
بين يدي الله تعالى ، وهل هناك
أفضل من هذه العبادة ؟! .
إنه ليس عاقاً وسيجيب
والدته حين يفرغ من صلاته . .
هكذا اجتهد للمرة الثانية ،
وحين نادته للمرة الثالثة وآثر
الاستمرار في الصلاة وأبطأ
عليها فلم يجبها ، قالت حزينة
دامعة العينين متأثرة بصده ـ
المؤقت لها ـ وفي سورة غضبها : لا
أماتك الله يا جريج حتى تنظر في
وجه المومسات .
وجه المومس ليس فيه طهر ولا
نقاء ! ، دنس الزنا يذهب رواءه
ويطفئ نوره ويترك عليه مسحة من
سواد تنفر منه النفوس الصافية
والقلوب المؤمنة ، وتستعيذ منه
الأرواح الشفافة والأفئدة
الطاهرة !! . وأين يرى المومسات
وهو لا يدري بما يجري حوله ؟ إنه
لا يخرج من صومعته إلا لماماً ،
ولا يزوره إلا أشراف الناس ممن
يلتمسون بركته ويسألونه الدعاء
لهم .
لم تكن الأم ترغب أن يصيب
ولدَها مكروهٌ ، ولكن سبق السيف
العذل ، وسبق لسانُها إلى
الدعاء ، وكأن دعاءها قد وجد
أذناً من الله سميعة . انصرفت
الأم بعد أن دعت . . ونسيت ، ولكن
الله لا ينسى ، ولم يكن لينسى ،
فلا بد أن يعاقب العاق جزاءً
وفاقاً ولكن كيف ؟! .
إن المومس حين زنا بها
الراعي ولدت صبياً أبوه مجهول ،
فمن هو يا ترى ؟. لم تذكر المرأة
اسم الراعي لأنها تحبه ولا ترضى
له العقاب ، إنها تريد إبعاد
التهمة عنه ، فمن البديلُ يا
ترى ؟ فكرت في الأمر ، وأمام ضغط
الملك والتلويح بالعقوبة رمت
جريجاً قائلة إنه الزاني . .
وأبلس القوم . . جريج يفعل
هذا ؟ أمن المعقول أن يكون ظاهره
غير باطنه ؟! وهل يمكن لهذا
الرجل الصالح أن يقع في الزنا ؟.
وتهامس القوم غير مصدقين , وقال
الملك مستغرباً أصاحبُ الصومعة
؟ قالت : نعم ، ألم يرني أحدكم
تلك الأيام أختلف إلى الصومعة ؟
. لا شك أن أحدهم رآها تقصد
الصومعة في أوقات مختلفة . . لا
بل تقصد تحت الصومعة .
وثار الناس وتصايحوا . . وغضب
الملك وازداد غضبه ، لماذا ؟
لأنه فوجئ بمن يزني وهو متزي بزي
أعلام الصالحين . فأمر أتباعه
بهدم الصومعة وجر جريج مهيناً
إلى مجلس الملك ، ففعلوا ، ربطوا
يديه بحبل إلى عنقه كما يفعل
بالمجرمين . ومر في طريقه على
المومسات فرآهن يبتسمن وهن
ينظرن إليه في الناس . . وصدقت
دعوة أمه فيه . . فقد رأى
المومسات يشمتن به ويهزأن منه
وكأنهن يقلن في أنفسهن : تدّعي
الصلاح وترتكب الموبقات ! فنحن
إذن أكثر طهراً منك سرُّنا
كعلانيتنا . قال في نفسه : حسبي
الله ونعم الوكيل ، اللهم
أنقذني مما أنا فيه يا الله ،
وأعِنّي على بر أمي .
قال الملك : أعرفت ما تزعم
هذه المرأة ؟
قال : وماذا تزعم ؟
قال الملك : تزعم أن ولدها
منك .
قال جريج : أنت تزعمين ذلك ؟
قالت : نعم . يا ويلها إنها
تصر على الكذب ، وتود في سبيل
إنقاذ الراعي أن ترمي به في
المهالك .
قال جريج : أين هذا الصغير ؟
قالوا : هو ذا في حجرها .
لكن الله تعالى بعد أن أخذ
بحق أمه لم ينس له عبادته إياه ،
والله يعلم حب جريج أمه .. وأنه
اجتهد فأخطأ ، ولعل في هذا درساً
له وعبرة أيما عبرة ، فأراد
إنقاذه ورفع منزلته ، فليس
الظلم من صفاته ـ جلّ وعلا ـ .
أقبل جريج حتى وقف على الطفل
وسأله على مسمع من الملك وأركان
ملكه واثقاً من نصر الله له
ورحمته به : من أبوك ؟
وهنا كانت المفاجأة التي
وجفت لها القلوب وتسمّرت لها
الأقدام ، لقد أنطق الله تعالى
الطفل ابن الأيام فقال :
إنه الراعي . . . راعي البقر . .
الذي استغل ذلك المكان الطاهر
في آثامه ونزواته وخلا
بأمه ، فكان هذا الطفل ثمرة
الزنا .
وانقلب الأسير حراً . .
والمهين عزيزاً .
أسف الملك لسوء ظنه بالراهب
الطاهر ، وندم على إهانته إياه
ورغب ـ معبراً عن ندمه هذا ـ أن
يعيد بناء الصومعة من ذهب !! . . .
إن بريق الذهب يذهب بريق القلوب
. .
قال : لا ، لا أريدها من ذهب .
قال الملك : من فضة إذن . .
قال : لا ، إن لمعان الفضة
يحجب لمعان الحقيقة عن القلوب .
قال الملك : مم نجعلها إذن ؟.
قال جريج : ردوها كما كانت ،
فهذا أدعى إلى السكينة والصفاء .
إن بهرجة الدنيا تشغل
القلوب وتثقل الأرواح وتقيد
النفوس . ثم تبسم جريج . . وعجب
الحاضرون إذ تبسم ، لا بد أن
هناك أمراً يستدعي الابتسام . .
نعم لقد أدرك الراهب جريج أن
الذي أدى إلى هذا الموقف العصيب
الذي كاد يعصف به لولا أن
تداركته رحمة الله ، إنما هو
دعوة الأم أن يرى وجوه المومسات
، ولم يكن له بد من أن يراها ،
فدعوة الأم أحق أن تجاب(13). قصة
الأبرص والأقرع والأعمى :
ومن
القصص النبوية التي ركزت على
الحوار أكثر من بقية العناصر
الأخرى للقصة ، ما رواه البخاري
ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله
عنه ـ أنه سمع النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول : (( إن ثلاثة من
بني إسرائيل ( أبرص وأقرع وأعمى )
أراد الله أن يبتليهم ( يختبرهم )
فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص :
الملك : أي شيء أحب إليك ؟
الأبرص : لون حسن ، وجلد حسن
، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس
( عليه ) .
فمسحه ، فذهب عنه قذره ،
وأعطي لوناً حسناً .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟
الأبرص : الإبل ، فأعطي ناقة
عُشراء ( حاملاً ) .
الملك : بارك الله لك فيها .
ثم أتى الأقرع وقال له :
الملك : اي شيء أحب إليك ؟
الأقرع : شعر حسن ، ويذهب عني
الذي قذرني الناس ، فمسحه فذهب
عنه ، وأعطي شعراً حسناً .
الملك فأي المال أحب إليك ؟
الأقرع : البقر ،
فأعطي بقرةً حاملاً .
الملك : بارك الله لك فيها .
ثم أتى الأعمى وقال له :
الملك : أي شيء أحب إليك ؟
الأعمى : أن يرد الله بصري
فأبصر الناسَ . فرد إليه بصره .
الملك : فأي المال أحب إليك ؟
الأعمى : الغنم ،
فأعطي شاةً والداً ( حاملاً )
فأنتج هذان ، وولد هذا . فكان
لهذا وادٍ من الإبل ، ولهذا وادٍ
من البقر ، ولهذا وادٍ من الغنم .
ثم إن الملك أتى الأبرص في
صورته وهيئته ( الأولى ) :
الملك : رجلٌ مسكينٌ قد
انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا
بلاغ لي اليوم ( أي لا معونة من
مال ) إلا بالله ثم بك ، أسألك
بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد
الحسن والمال ، بعيراً أتبلغ به
في سفري .
الأبرص : الحقوق كثيرة !! ( أي
ما عندي ما أعطيكه ) .
الملك : كأني أعرفك !! ألم تكن
أبرص يقذرك الناس ، فقيراً
فأعطاك الله ؟
الأبرص : إنما ورثت هذا
المال كابراً عن كابر ( أباً عن
جد ) ( فهو ينكر ما كان عليه ) .
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك
الله إلى ماكنت . . وهكذا عاد
الأبرص أبرص يقذره الناس ،
فقيراً .
وأتى الأقرع في صورته
وهيئته ( الأولى ) :
الملك : رجل مسكين قد انقطعت
بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي
اليوم إلا بالله ثم بك . أسألك
بالذي أعطاك الشعر الحسن ،
والمنظر الحسن والمال ، بقرة
أتبلغ فيها في سفري .
الأقرع : الحقوق كثيرة !! (
قالها يصرفه دون أن يعطيه )
الملك : كأني أعرفك . . ألم
تكن أقرع يقذرك الناس ، فقيراً
فأعطاك الله ؟
الأقرع : إنما ورثت هذا
المال كابراً عن كابر !!.
الملك : إن كنت كاذباً فصيرك
الله إلى ما كنت . .
وهكذا عاد الأقرع أقرع
يقذره الناس ، فقيراً .
وأتى الأعمى في صورته
وهيئته ( الأولى ) :
الملك : رجل مسكين انقطعت بي
الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي
اليوم إلى بالله ثم بك . أسألك
بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ
بها في سفري .
الأعمى : قد كنت أعمى ، فرد
الله لي بصري ، فخذ ما شئت ، ودع
ما شئت ، فوالله لا أجهدك ( لا
أعارضك ) بشيءٍ أخذته لله عز وجل
.
الملك : أمسك مالك ( لا أريده
) ، فإنما ابتليتم ( اختبرتم ) ،
فقد رضي الله عنك وسخط على
صاحبيك . (14)
ولقد كانت القصة
في أحاديث رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ وفيرة لأنها من أقرب
الطرق السهلة القريبة إلى
الإنسان وإلى قلبه وإلى فكره .
ولقد يسّر الله تعالى لي من
الوقت ما أجمعت فيه الكثير من
قصص النبي صلى الله عليه وسلم في
كتاب سمّيته 0 قصص رواها النبي
صلى الله عليه وسلم فالقصص نبعٌ
ثر لقصص هادفة أسطرها لإخواننا
وأبنائنا تنير لنا الطريق
وتدلنا على الخير .
والله الموفق والهادي . . (1)
الأكمه
: الذي ولد أعمى . (2)
هنا
لب القصيد ، فالإيمان بالله
تعالى يصنع المعجزات والتوكل
عليه يوصل إلى بر الأمان . (3)
القرقور
: نوع من السفن . (4)
الصعيد : الأرض البارزة . (5)
الكنانة
: بيت السهم . (6)
الصدغ
: ما بين العين والأذن . (7)
الأخدود : الشقوق في الأرض كالنهر الصغير . (8)
خدت : شقت . (9)
فأقحموه فيها : ألقوه فيها .
(10)
قيل له اقتحم :
أمروه أن يلقي بنفسه فيها ،
فهم لا يستطيعون الدنو من
النار خوف الحرق . (11)
كل ما بين قوسين
في الحديث إضافة من المؤلف . (12)
رواه مسلم ، من
رياض الصالحين . (13)
رواه البخاري
ومسلم . الأدب المفرد للبخاري
ـ رحمه الله تعالى ـ ص20 الحديث
33 مع بعض التصرف والتعليق
والتوضيح . (14)
من كتاب (( تربية
الأولاد في الإسلام )) للدكتور
عبد الله علوان ـ رحمه الله
تعالى ـ ج/2 ص269 ط/8/1985 . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |