-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الكونغرس
و"التصويت على التاريخ" انتصار
للأرمن أم ثأر لإسرائيل ؟! عريب
الرنتاوي طريف ما
حصل بالأمس في لجنة الشؤون
الخارجية في مجلس النواب
الأمريكي، برغم خطورته
الشديدة، فالنواب الأمريكيون،
تقمصوا ثياب المؤرخين، وكرَسوا
جزءا من وقتهم "الثمين"
لإعادة قراءة تاريخ العلاقات
التركية – الأمريكية، وأمكن
لهم بعد أن أدلوا بمداخلات لا
تتعدى مدة الواحدة منها الخمس
لدقائق، أن يخضعوا هذا التاريخ
"للتصويت" في اللجنة،
وبالنتيجة فاز التيار المؤيد
لنظرية "الإبادة"
العثمانية للأرمن على
التيار المناهض لهذه النظرية،
وبفارق صوت واحد فقط، 23 نائبا
أيدوا النظرية و22 نائبا
عارضوها، ولكم أن تتخيلوا لو أن
"أزمة المرور" في واشنطن
أخرت نائبا أو اثنين من الوصول
للجلسة في الوقت المناسب، وكيف
كان يتعين على "التاريخ" أن
يسلك مسارا آخر، لو تعادلت
الأصوات أو انقلبت المعادلة. من الآن
فصاعدا، سيكون الرئيس الأمريكي
بعد اليوم، مطالبا (وليس ملزما
على ما أظن) باستخدام تعبير "الإبادة"
في خطاباته الرسمية في كل يأتي
فيها على ذكر "قضية الأرمن"،
ولا أدري في الحقيقة كم مرة يجد
الرئيس الأمريكي نفسه مضطرا
للانتقال من موقع السياسي ورجل
الدولة، إلى موقع "المؤرخ"،
وما القيمة السياسية التي ينطوي
عليها قرار اللجنة، غير تخريب
العلاقات الحساسة بين تركيا
وأرمينيا. واللافت
للانتباه أن اللجنة المذكورة ما
كانت لتلتئم على هيئة "مجموعة
بحث تاريخية" هكذا صدفة ومن
دون مقدمات أو بلا دلالات
سياسية، فثمة قوى ضغط وجماعات
مصالح تقف خلف هؤلاء النواب
الذين رفعوا رايات "العدل
والإنصاف" للأرمن ضحايا
العسف التركي المزعوم، ولعل أهم
هذه القوى والجماعات "اللوبي
اليهودي" الذي يسعى في معاقبة
أنقرة وأردوغان والعدالة
والتنمية، انتقاما لمواقف
تركيا من غطرسة إسرائيل
وعدوانيتها، وانتقادات أنقرة
المتكررة لسياسات واشنطن في
العراق وإيران وغيرهما، على أمل
أن تعود تركيا "لأطلسيتها"،
وتصطف من جديد في خنادق "التحالف
الاستراتيجي" مع إسرائيل. لقد كشف
مناهضوا القرار من بين أعضاء
اللجنة ذاتها، عن "ازدواجية
معايير" المشرّع الأمريكي،
الذي لم يكلف نفسه يوما عناء
البحث عن العدالة والإنصاف في
مذابح السود والهنود الحمر،
والجرائم ضد الانسانية التي
ارتكبت بحقهم، بينما يهب هؤلاء
المشروعون هبة رجل واحد،
انتصارا للأرمن من الأتراك،
وعلى مبعدة ألوف الأميال بعيد
عن حدودهم. لقد
تنقلتُ أمس الأول بين المحطات
التلفزيونية، تارة لتعقّب
التقارير عن مداولات اللجنة
وقرارها، وأخرى
لمتابعة التقرير الذي بثته في
الوقت ذاته، محطة البي بي سي، عن
"جرائم حرب محتملة وجرائم
مرجحة ضد الانسانية" التي
اقترفت ضد مدينة الفلّوجة،
والتي تشهد سنويا، ومن العام 2005
ولادة أكثر من ألف طفل مشوه: هذا
برأسين وذاك بعين واحدة في أعلى
جبينه، وتلك بأربعة وعشرين
أصبعا، وآخر بقلب ينزف دما، إلى
غير ما هناك من صور تقشعرّ لها
الأبدان. وإذا ما
أضفنا لكل هذا وذاك، مسلسل
التحقيق الذي يجريه مجلس العموم
البريطاني في "الحرب على
العراق"، والذي يبث مباشرة
على الهواء، وقد بلغ ذروته
بالأمس أيضا، بالاستماع إلى
شهادة رئيس الوزراء البريطاني
جوردن براون، وما تكشفت عنه كل
وقائع التحقيق من كذب وتزوير
وتلفيق، لتبرير حرب لا مبرر
لها، فإن الخلاصة التي ننتهي
إليها هي أن فاقد الشيء لا
يعطيه، وأن من تنقصه الأهلية
الأخلاقية والقيمية، لا يمكن أن
ناصحا وواعظا وأنموذجا، وأن على
الولايات المتحدة أن تنظف "اسطبلات
اليانكي" قبل أن تنصح الآخرين
بتنظيف بيوتهم وتعقيمها. لجنة
الشؤون الخارجية ليس الجهة
صاحبة الولاية والاختصاص
لقراءة التاريخ وإصدار الأحكام
على وقائعه، وقرارها الأخير
يأتي في توقيت غير مناسب على
الإطلاق، ويلحق ضررا بالغا
بالتطور الملموس الذي طرأ على
العلاقات التركية الأرمنية،
وهو من قبل ومن بعد، قرار سياسي
– ثأري بامتياز، لا يشبه سوى
قانون "محاسبة سوريا وتحرير
لبنان"، وهو مجرد من أية قيمة
قانونية أو أخلاقية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |