-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"من
يهنْ يسهلُ الهوانُ عليه..!!" الدكتور
عبدالقادرحسين ياسين* اعتقلت
الشرطة البريطانية يوم أمس
الأربعاء ثلاثة اشخاص تشتبه
بتمويلهم للارهاب وذلك بعد ايام
على توقفيها وللاسباب
نفسها موظفا
في شركة الخطوط الجوية
البريطانية British Airways. وجرت العملية التي نفذتها شرطة
مكافحة الارهاب فجر الاربعاء في
مدينة بركشاير . واقتيد الرجال
الثلاثة الى لندن للاستجواب.
وقالت متحدثة باسم شرطة لندن ان
"الرجال الثلاثة اعتقلوا
بتهمة التمويل المفترض للارهاب".
وإذا
كانت القذارة الجسدية تشير إلى
إنسان منقطع كلياً عن أسباب
الحضارة، فإن قذارة الروح
المفترضة تستظهر في المكر
والخداع والسرقة وحب الاعتداء
والأذى، إلى أن تنتهي بجبن
طبيعي، ذلك أن العربي- المسلم
يلوذ بالفرار إن التقى بالعيون
الزرقاء وأسلحة الحضارة. وقد
ترجم الإعلام الغربي هذه الصورة
بجملة من الإشارات الجاهزة،
التي تتضمن الخيمة والجمل
والحريم والمئذنة وبعيون سوداء
باركها الشيطان الرجيم. تعود
صورة العربي- المسلم في
ذهن الغربيين
إلى زمن قديم متعدد المراحل. في
البدء كانت الحروب الصليبية
التي أنتجت، لاحقاً، خطاباً عن
"البرابرة" ورذائل "المحمديّين"
وعن الخديعة التي لازمت نشوء
الإسلام ونهوضه. وأتت بعد ذلك
الحروب العثمانية- الأوروبية،
التي أنتجت تلازماً مطلقاً بين
الإسلام والإرهاب، وطدّته
المناهج المدرسية، في عدد من
الدول الأوروبية، وأسهم الأدب
الشعبي في نشره وتوزيعه. ولم
يكن غريباً، في سياق يخترع ما
يريد ويعطيه شكل البداهة، أن
يحذف الفكر التنويري الأوروبي،
في أشكاله الطاغية، الإنسان
العربي- المسلم من "مملكة
الإنسان" الشهيرة التي قال
بها، قاسماً العالم إلى "فضاء
الحضارة" و "فضاء البربرية".
ولهذا كثّف هيجل الحضارة في
المعجزة اليونانية ومشتقاتها،
وأقام ارنست رينان تعارضاً بين
العلم والإسلام، وشدّد
الإنجليزي هيوم على السلام
وشروط السلام، مستثنياً "البرابرة"
الواجب ردعهم ومطاردتهم. ومع
إقامة إسرائيل أنجزت الثقافة
الأمريكية، والسينما الأمريكية
بشكل خاص، "بداهة الهمجية
العربية"، إذ العربي صورة عن
الهندي، وإذ الهندي الأحمر "امتداد
لروح الشيطان". أخذ
المستعمرالصهيوني، في هذه
الثقافة، صورة "الرائد
الأمريكي"، الذي ذهب إلى "الغرب
المتوحش" وأقام "حضارة
جديدة" فوق "أرض موعودة
جديدة" بعد أن اجتّث منها
الأشواك والأوبئة والأرواح
الشريرة. تقاسم الأمريكي الأبيض
والمستعمِرالصهيوني فضيلة "استصلاح
الأراضي العذراء" وهزيمة "الأرواح
الشريرة" المعادية للحضارة.
وهذا
ما دفع الدكتور ثيودورهيرتزل ،
مؤسس الحركة الصهيونية ، إلى
"تصريح حضاري" متسامح ، في
كتابه "دولة اليهود" Der Judenstaat قال فيه: "إننا
بحاجة إلى العرب لتنظيف الأرض
من الأفاعي السامة." [كذا...!!] غير
أن هذه الصورة، التي تساوي بين
العربي- المسلم والشرّ، لم تكن
ساكنة على الرغم من موادها
الأوليّة الثابتة والقديمة. فقد
كان السياق الاستعماري يعيد
صقلها وتنشيطها وتلوينها،
وفقاً للأغراض والمستجدات. فبعد
أن اطمأن ونستون تشيرشل إلى وعد
بلفور عام 1917 وضرورة إنجازه بلا
نقصان قال: "لن تدخل الكهرباء
بيوت العرب إلا بعد ألفي عام".
كان في قوله يشير إلى جلال
الاختراع الأوروبي وإلى جهل
العرب مدافعاً، بداهة، عن "الرائد
اليهودي" الذي يتعامل مع
الكهرباء سريعاً، لأنه جزء من
العالم الأوروبي الذي اخترع
الكهرباء. وحين اشتعلت ثورة 1919
في مصر قال الحاكم البريطاني:
"هذه ثورة تنطفئ إذا بصَقت
عليها" مفترضاً أن المصريين
لا يعرفون الثورة لأنهم أدمنوا
الهوان. وفي عام 1948، وكما يروي
الكاتب الإسباني خوان
غويتيسولو، ابتهج مسؤول صهيوني
كبير وهو يرى إلى الفلسطينيين
الراحلين فقال: "خرجوا، بعد
عشر سنوات لن يسمع بهم أحد...".
في
كل مرحلة استعمارية، يذهب
الغربي الاستعماري إلى ذاكرته
العنصرية والعدوانية ويستولد
العربي الذي يريد: فهو يحسن
"التقاط الأفاعي" لا أكثر،
"عدو للكهرباء" والحضارة،
"معادٍ للعلم" والسلام،
"جبان" لا يحسن التمرد،
مستسلم لقدره مسوّر بالعجز
والمذّلة... تتزايد الصفات أو
تتناقص محتفظة بالسلب والتشويه
وقد تصل حدود الإلغاء، كأن يقول
ديك تشيني بعد حرب الخليج
الثانية وهو يتحدّث عن النفط
والخليج: "ما يهّمنا فقط هو ما
تحت الأرض". أما ما
فوق الأرض ،الإنسان العربي، فلا
يهمّ الأمريكيين في شيء، ذلك أن
على هذا العربي القبول بأحد
أمرين: إما الرضوخ والإذعان أو
التمرد واستقبال قصف الطيران
ونيران الأساطيل وجحيم
الصواريخ.. قبل
25 عاما استعمل عالم اللسانيات
الأمريكي نوآم تشومسكي تعبير Demonisation of the Arabs "أبلسة العرب" مشيراً إلى
صورة العربي في الصحافة
الأمريكية، عشية قصف طرابلس
الغرب في ليبيا في عهد الرئيس
السابق رونالد ريغان.
والتعبير واضح وكثيف ومحدّد
الهدف والغاية وجليّ القصد
والمقصد: على الإعلام الأمريكي،
والغربي بشكل عام، أن يُؤبلس
العربي، أي يجعله شيطاناً، في
كل مرة تقضي ب "تأديب العربي"،
عقاباً له على نزوعه الإرهابي
وقصاصاً له على إساءته إلى "المعايير
الحضارية". وبما أن إعادة خلق
إنسان من جديد تستلزم منحه
اسماً جديداً يوافق الخلق
الجديد، فقد أضيفت الىالاسم
العربي صفة "الإرهابي". وعلى
الرغم من أن الرئيس بيل كلنتون
تخفّف قليلاً من صفات ريغان
العنصرية الفاشية، فإنه لم
يتخفّف قط من ضرورة معاقبة "الإرهاب
العربي"، فقصف الخرطوم في عام
1997، أي بعد اثني عشر عاماً من
قصف طرابلس، وتابع تلك "العادة
الحضارية الثابتة"، التي
ورثها عن سلفه جورج بوش الأب، أي
عادة إنتاج وإعادة إنتاج البؤس
والفقر والهلاك في العراق. ومع
أن السيد كلنتون بدا أكثر
مرونة، في الشأن العربي، ممّن
سبقه وممّن تلاه، فإن العارفين
ببواطن الأمور يقولون أنه سعى
إلى إنجاز "حل يهودي"
للقضية الفلسطينية .. ومثلما
أَبْلَست الصحافة الأمريكية
والأوروبية ليبيا والعراق
والسودان، كي يُنزل بها عقاب
صارم لا يشكك ب "عدالته"
أحد، وصلت الأبلسة الضرورية إلى
الفلسطينيين . فقد تحدّثت صحف
أمريكية وأوروبية كثيرة عن قلوب
الأمهات الفلسطينية الحجرية،
التي "تبعث بالصبي إلى
المظاهرة كي يموت"، وتحدثّت
مادلين أولبرايت، وزيرة
الخارجية الأمريكية السابقة،
عن "الخطر الفلسطيني على
إسرائيل" ، ناهيك عن
الحاخامات المتطرفين في
إسرائيل الذين أغدقوا على
الفلسطينيين صفات الشر المطلقة.
ومع أن "زلة لسان" عربي بحق
اليهود تثير إعصاراً في صحافة
"العالم الحر" فإن صفات
العربي، في التصور العنصري
اليهودي، تبدو عادية تماماً،
حتى لدى ملكة السويد، التي "كَرهت
في الأمهات الفلسطينيات قلوبهن
الحجرية" (يا حرام..!!). تصنع
الكراهية الصورة النمطية Stereotype، وتملي الصورة الكريهة ضرورة الانتقام
العادل. وفي الحالين تكون
البداهة مسيطرة: العربي- المسلم
شرٌ الآن، لأنه كان شرّاً ولم
يزل. وعقاب العربي- المسلم خير،
لأنه كان خيراً ولم يزل. لم يكن
غريباً والحالة هذه أن تتسرّب
بعفوية طليقة كلمة "صليبية"
إلى لسان جورج بوش ، مستعيدا
ناراً قديمة تحصّن الانتقام
الجديد وتعطيه هالة المقدس.
فالحروب الصليبية لم تبدأ اليوم
ولم تنته في الأمس ولن تنتهي إلا
في مستقبل يحكمه "الخير
الغربي" ويرضى عنه "الماضي
الصليبي"، ذلك أن فيما يدور
حرباً بين "حضارتين" أتقنت
إحداهما سبل الدمار والهلاك
وظلت الثانية على السفح تنهض
مرة وتكبو أخرى، بانتظار من
يستأصل أعضاءها إلى الأبد. في
مقال نشره في مجلة "The New Yorker"، إقترح الروائي الهندي الأصل
البريطاني الجنسية فيديادار
سوراجبراساد نيبولVidiadhar Surajprasad Naipaul ، الحائز على جائزة نوبل
للآداب ، أن تتم مصادرة جميع
الأموال الموجودة في البنوك
الغربية، والتي لها مصادر عربية
أو إسلامية، كي تكون تعويضاً عن
كل عمل إرهابي قائم أو قادم.
تضمن اقتراح نيبول أحكاماً
سافرة ومنحطة: 1
: كل عمل إرهابي في هذا العالم
"مصدره عربي أو إسلامي"،2
على العرب والمسلمين أن
يدفعوا تكاليف الأعمال
الإرهابية لأنهم "الوحيدون"
الذين يقومون بها، 3
: ضرورة الاستيلاء على
الأموال العربية ، عامة كانت أو
خاصة، لأنها "لا تستعمل إلا
في سبل الإرهاب" أو ما هو قريب
منها... ويبدو أن "السير"
نيبول، هذا
الهجين العنصري المسكون بمركب
نقص قديم، يطالب ضمناً أو صراحة
بتطبيق قانون خاص على العرب
والمسلمين، لأن في "وحشيتهم"
ما يميزهم عن الشعوب الأخرى... في
كتابه Beyond Belief: Islamic Excursions Among
the Converted Peoples يقول نيبول أن العرب "يريدون أن
يمدّوا صمت الصحراء" إلى كل
مكان، فهم "أمة جاهلة لا تقرأ"
و يقفون "ضد الحضارة"،
مليئين "بالحقد"...
ويعتقدون أنه "لا سبيل إلى
التعايش مع الشعوب الأخرى إلا
بالقوة". ليس من المستغرب أن
يتطاول على العرب والمسلمين
أديب تنكّر لأصوله الممتدة في
أعماق العالم الثالث ، وفقد
ذاكرة شعبه ، وابتهج للقب Sir"سير"، الذي "أنعَمَت"
به عليه صاحية الجلالة ، ملكة
بريطانيا... وبعد
؛ إن
السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
لماذا كل هذا التجرؤ على العرب
والمسلمين؟ وما الذي يدفع كاتب
إلى أن يكيل الشتائم و السباب
للإسلام والمسلمين؟ ومن أين
جاء هذا الهوان ؟ لقد
تطوع أبو الطيب المتنبي ، حادي
المأساة العربية ، قبل أكثر من
ألف عام ، ووفرَ على العرب
والمسلمين مشقة البحث عن
الإجابة عندما قال: "من
يهن يسهل الهوان عليه... ما
لجرح بميت إيلام..!!" ـــــــــــ *كاتب
وأكاديمي فلسطيني مقيم في
السويد. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |