-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التعدد
الثقافي، الديمقراطية و دولة
الحق و القانون في أوروبا: تحدي
القرن الواحد و العشرين البروفيسور
هانس كوكلر* ترجمة:
د. حميد لشهب** استقطبت
أوروبا نتيجة سياستها
الإستعمارية و تسببت من بعدها
نتيجة عولمة الإقتصاد في السنين
الأخيرة هجرة ملايين البشر من
دوائر ثقافية مختلفة إليها، و
قد كان ذلك كان في صالحها. و قد
أدى التحول الديمغرافي المرافق
للهجرة إلى اعتبار التعدد
الثقافي أمرا لم تعد فيه رجعة و
إلى أزمة هوية عميقة عند
الأوروبيين. من وجهة نظر قراءة
أوربية و طبقا للوعي الذي أضحى
بديهية للجميع في الغالبية
العظمى للدول الغربية، فإن
العقلية الأوروبية قد قامت في
القرنين الأخيرين بصيرورة
علمانية Säkularisierung ، لكنها صيرورة أُولت بطريقتين
متناقضتين: من جهة يقابل كل ما
هو ديني بنوع من الحذر إلى حدود
الإلتساق العنيف بالعلمانية
كنوع من الدين. و من جهة أخرى
يرجع المرء بنوع من "الإنفصام
الثقافي"، كرد فعل على تنامي
الإسلام في أوروبا، إلى الجذور
المسيحية لأوروبا. و في كلا
الحالتين يرجع المرء إلى إرثه و
دينه الخاص، حتى و إن كان ذلك
لأسباب مختلفة، على الرغم من
أنه يظهر بأن صيرورات الحالتين
تتعاضد فيما بينها. هناك
إشكاليتين مصيريتين نواجهها
نحن الأوروبيون في مطلع هذا
القرن لها علاقة بأزمة هويتنا: سياسيا
ـ ثقافيا: كيف تتصرف أوروبا مع
واقعة التعدد الثقافي، على
اعتبار الواقع التاريخي الحالي
المتمثل في كون الدولة الوطنية
"التقليدية" في وحدتها
الإثنية و الثقافية لم تعد إلا
وهما؟ هل المرء في إطار إعادة
تحديد جديدة لمفهوم الوطن و
التحرر من وهم المجال الأحادي
الثقافة الذي كانت تحدد معالمه
الدولة؟ و قد يساعدنا الفهم
السويسري لذواتهم كـ "دولة
ذات إرادة" إلى إيجاد مخرج
هنا. فبعد الإستفتاء حول
الصومعة أو المأذنة، أصبح هذا
الفهم على محك الإمتحان، شريطة
ألا يُؤول مفهوم دولة ذات إرادة
انتقائيا، بل يجب أن يشمل
مواطني كل الجماعات الدينية
الأخرى. إضافة إلى هذا، فهل
الأوروبيون على استعداد
للإعتراف بأن قارتهم
"المجزأة" قد ابتعدت
هويتها منذ زمن طويل عن
المسيحية؟ هل يمكنهم قبول الفهم
الديني و الثقافي البديهي
لمجموعات تنتمي لتقاليد أخرى
على الأقل بحياد و تسامح على
أساس مبدأ القبول المتبادل
بينهم و بين الآخرين؟ سياسيا
ـ قانونيا: كيف تستطيع أروربا
التوفيق بين الواقع المتعدد
الثقافات، و الذي تسببت فيه هي
بنفسها حتى و لو كان ذلك بمثابة
نتيجة لم تكن متوقعة، و
"القيم الأوروبية" التي
تدافع عنها؟ يتعلق الأمر هنا
بالخصوص مطابقة السياسة و القيم
القانونية مع التشريعات
القانونية المُؤَسسة على حقوق
الإنسان لكل دولة أوروبية على
حدة، و بصفة عامة مع إلتزامات
حقوق الشعوب من طرف كل دولة
أوروبية ( إذا كان المرء يفهم
حقوق الإنسان كحق مفروض(1) jus cogens
لحقوق الشعوب العامة). لقد
أظهر القرار الشعبي السويسري، و
الذي دُونَ عن طريقه في التشريع
السويسري منع بناء الصوامع،
المشاكل المرتبطة بالتعايش
المتعدد الثقافات بطريقة
مثالية، حتى بالنسبة للذين لم
يريدوا عن وعي إلى حد الآن رؤية
المشكل في عمقه. و إذا تركنا
الإشكالية القانونية جانبا، و
التي سنرجع لها فيما بعد، فإن
هذا القرار يُعتبر قبل كل شيء
كعَرضِ لمشكل تعاني منه أوروبا
بكاملها كُبتَ لمدة طويلة. لا يجب
على المرء، فيما يخص البعد
الديمقراطي السياسي، رمي الصبي
مع الماء الذي استحم فيه. فلا
يجب اعتبار نتيجة الإستفتاء
كحجة ضد الديمقراطية المباشرة.
لا يتعلق الأمر هنا بحط الشعب ـ
المواطن ـ محط تساؤل كشعب و
مواطن حر منتج الدستور، لكن
الأمر يتعلق فقط بالظروف التي
تمارس فيها الديمقراطية
المباشرة. فلا يكون للقرارات ـ
بغض النظر عن الجهة المقررة ـ أي
معنى إلا إذا كانت مؤسسة على
معلومات دقيقة و كانت مسبوقة
بنقاش عام واسع يُفسح فيه
المجال لكل وجهات النظر سواء
كانت مع أو ضد القرار. و الظاهر
أن هذا الشرط لم يتحقق فيما
يتعلق بالإستفتاء حول الصومعة. لكن
هناك سؤال مبدئي متعلق بسياسة
الدولة، لا يحق لسويسرا ترحه
دون إجابة: كيف
يمكن النظر لشكل الديمقراطية
السويسرية المباشرة من أجل جعل
قرار ما دستوري و قانوني؟ فحتى و
إن قرر الشعب كسيد على نفسه شيئا
ما، فإن قواعد الصلابة
المعيارية المنطقية ـ إذا
استعرنا استعمال المفهوم من
نظرية القانون لكيلسين Kelsen ـ تكون صالحة. فإذا قدم مقترح ليقرر فيه
الشعب و يكون متناقضا مع
التزامات قانون حق الشعوب
للدولة، فإنه يكون من اللازم
قبل هذا التأكد عن طريق بحث
قانوني مفصل عدم تقديم هذا
المقترح للإستفتاء لتعارضه مع
الإلتزامات الدولية التي اتفقت
عليها دولة الإستفتاء قبل
الإستفتاء نفسه. إذا لم يكن
المرء يريد جعل الديمقراطية
المباشرة غير قانونية، فإنه من
اللازم ألا يناقض قرار الشعب
معاييرا صالحة دستوريا و متفق
عليها في اتفاقات دولية. قد يكون
من الممكن مثلا أن يكلف الشعب
قاضيا „متخصص
في القانون الدستوري مثلا“
ليتكلف بمسؤولية عدم سقوط
الشعب في مثل هذا الوضع السيئ.
في الحالة التي تهمنا، كان
بإمكان الشعب السويسري، لتجنب
التناقض المعياري المنطقي، أن
يقرر قبل الإستفتاء التأكد من
أن ما وقعت عليه سويسرا من قبل
من معاهدات خاصة بحق الشعوب لا
يتعارض مع مقترح الإستفتاء الذي
قدمه المرء. و يتعلق الأمر
بالضبط بالتزامات سويسرا
بتاريخ 18 يونيو 1992 عند دخولها
للمعاهدة الدولية ، و هي
التزامات تخص حقوق المواطنة و
حقوق سياسية كما عبرت عنها في
المعاهدة الأوروبية لحقوق
الإنسان بتاريخ 28 نونبر 1974. و
بعض النظر عن إشكالية ما إذا
اعتبرت حقوق الإنسان بصفة عامة
كحقوق مفروضة jus
cogens أم
لا، فإن الجملة التي أدخلت
دستوريا في القانون و التي تقول:
"إن بناء الصوامع/المأذن
ممنوع" تمثل مسا بأداتين
قانونيتين لحقوق الشعوب، تؤكد
على حرية ممارسة و إشهار
العقيدة كما أنها تمثل مسا بمنع
التمييز العنصري (لأن المنع مس
مجموعة عقائدية خاصة دون غيرها).
المؤمول هو ألا ينتظر المرء
قرار المحكمة الأوروبية لحقوق
الإنسان ليفهم
بأن الإستفتاء يعارض
الإلتزامات الدولية التي اتفقت
عليها سويسرا، لكن أن يظهر
مقترح لإلغاء Art. 72,Paragraph 3
للدستور الوطني السويسري. من
الواضح أن منع بناء الصومعة
دستوريا لم يؤثر سلبا بطريقة
جدية في مصداقية السياسة
الخارجية السويسرية فقط، بل
كذلك في العلاقة بين العالم
الغربي ـ و بالأخص المسيحي ( إذا
كان من الممكن الحديث عن هذا
الأخير كمسيحي) ـ و بين
المسلمين. و بالنظر إلى ما يروجه
الغرب عن حقوق الإنسان كمقياس
كوني بمقارنته مع باقي العالم،
فإن الذين يدافعون عن هذا الأمر
يجدون أنفسهم وجها لوجه أمام
اتهام القياس بمقياسين. فبعد كل
الجدل للعشر سنوات الماضية، و
التي ساهم فيه الكثير من
الشخصيات الغربية ذات سلطة ( من
الميدان السياسي و الديني)، فإن
الإستفتاء حول الصومعة بسويسرا
قد أدى إلى تضخيم عدم الثقة
بالغرب، و هو أمر من الصعب
تجاوزه بسرعة في اللحظة
الراهنة. إن
الحديث عن القضاء على الأحكام
المسبقة المتبادلة سهل، لكن
مباشرته صعب. و مع ذلك، فإنه من
اللازم مسائلة هذه الأحكام. و
يعتبر تحميل المسؤولية
الأخلاقية لكل القبيلة ـ حيث
يدرج المسلمون في غالب الأحيان
في خانة الإرهاب نظرا للعمليات
الإرهابية المنفردة للبعض منهم
أو لمجموعة صغيرة منهم ـ مثال
صارخ لضرورة مراجعة هذه الأحكام
المسبقة. في محيط متعدد
الثقافات لليوم، قد يصبح التشبث
بصورة العدو التي تطورت عبر
التاريخ بمثابة قنبلة للتضامن
المجتمعي و الإستقرار السياسي.
و بالنظر إلى التطور الكوني ـ
بما في ذلك الديمغرافي منه ـ
فإنه لا يوجد هناك أي بديل حقيقي
عن الحوار أو على الأقل التعايش
السلمي على أساس الإحترام
المتبادل. فبالنظر إلى سياسة
المواجهة المتبعة من طرف الكثير
من السياسيين ذوي النفوذ في دول
كثيرة، فإن المرء يعرض مستقبل
أوروبا للخطر. و بالنظر للأحداث
السياسية العالمية بعد 2001، فإنه
لم يعد من الضروري التأكيد على
أن السلم الداخلي و الأمن
العالمي يشترط الواحد الآخر. أنا على
يقين بأن المواطن اليقظ مستعد
لحط وجهات النظر الجاهزة محط
تسائل و يراجع أحكامه المسبقة
الناتجة في الغالب عن ضغط
اندماجه اليومي، إذا كانت له
إمكانية الوصول إلى معلومات
مهمة و وعى النتائج الوخيمة
لرفض التعدد الثقافي. و يعد هذا
من طبيعة الحال أمرا طويلا و
متعبا، يتطلب من بين ما يتطلبه
إصلاح النظام التعليمي كذلك. و
لا يحق ترك تكوين الرأي العام في
الديمقراطية المباشرة للوبيات
و جرائد
الطوار فقط. ---------- (1)
كما هو الحال فيما يتعلق بحقوق
الإنسان و الحق في الحياة، التي
يجب مبدئيا أن تكون صالحة دائما
و ألا تغير. و يعتبر هذا المبدأ
أساس دولة الحق و القانون في
فلسفة كوكلر و أخرين. ـــــــــ *رئيس
قسم الفلسفة بجامعة إنزبروك
النمساوية و أستاذ كرسي بها.
فيلسوف ملتزم بالقضايا العادلة
الشعوب المغلوب على أمرها و على
رأسها القضية الفلسطينية و حق
الشعب العراقي في العيش في سلم. **خبير
سيكولوجي و مفكر مغربي مقيم
بالنمسا، يهتم بقضية الحوار بين
المسلمين و الغرب، و بالأخص
العالم الناطق بالألمانية منه.
ملتزم بقضايا المهاجرين
بأوروبا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |