-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 18/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


جُنونُ دَولة

بقلم:فراس ياغي

Firas94@yahoo.com

ليس جنونا مرحليا ولا تنافس بين زعماء يهود "سفارديم" كما يعتقد البعض من أصدقاء الدولة العبرية، ولم تكن الإهانة التي تم توجيها لِ "جوزيف بايدن" نائب الرئيس الأمريكي إلا تعبير واضح عن جنون حقيقي لدولة ترى نفسها بأنها محصنة وفوق كل القانون، وهي ترتكز إلى لوبي يهودي متنفذ...دولة فُرضت على المنطقة وتشكلت بقرار دولي ودعم لا محدود من العالم الغربي، لا يمكن أن ترى نفسها بعيدا عن ذلك، هي تعتبر نفسها امتداد هذا العالم الغربي في الشرق الأوسط وضمانته وركيزته في الحفاظ على مصالحه... إسرائيل لم تُعر انتباه لكل قرارات الأمم المتحدة ولم تنفذ الاتفاقات التي عقدتها مع الجانب الفلسطيني، بل وضعت وفي كل مرحلة شروط جديدة وذلك للتملص من تبادلية التنفيذ، ويكفي الاستدلال على ما عرف باسم "خارطة الطريق" ورفضها تطبيق البند الأول منه بعد أن قام الجانب الفلسطيني بتطبيقه، رفضها لوقف الاستيطان في كافة المناطق المحتلة والتي هي محل تفاوض، ومع ذلك يتنازل الراعي الأمريكي ويوافق على تجميد مؤقت للاستيطان وفي الضفة فقط، بحجة عدم قدرة رئيس وزراء إسرائيل على الحفاظ على ائتلافه إذا أوقف الاستيطان، مراعاة ودلال واضح يُفسد الحليف ويجعله أكثر شراهة، بل يجعله لا يُعير انتباه ولا يرى بالمطلق مصالح ضامِنه الاستراتيجي، فإسرائيل ليس لها سياسة خارجية بما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، إسرائيل تتعامل مع الواقع الفلسطيني كسياسة داخلية وأمنية، إنها تربط كل شيء بطبيعة الصراع القائم بين أحزابها المختلفة من جهة، ومن الجانب الآخر مدى تأثير هذه السياسة على النظرة الآنية للأمن (أمن المستوطنين) والنظرة الاستراتيجية لأمن الدولة ككل.

الأزمة الأشد بين الحليفين منذ 35 سنة كما قال السفير الإسرائيلي "أورون"، لم تنبع من إعلان طائش صدر عن موظف بيروقراطي في وزارة الداخلية الإسرائيلية وبدون علم "نتنياهو" كما يزعم، المشكلة تكمن في تعقد الأمور في الإقليم ككل، ففي اللحظة التي يعمل بها حليف "إسرائيل" الأكبر والأقوى في العالم على الملف النووي الإيراني، ومحاولة منعها من اخذ دور مُقَرّر في الإقليم، وتواجه حربا شرسة في أفغانستان وباكستان، وتعمل بكل جهودها للحفاظ على الوضع الهش في العراق، يقوم الحليف الأصغر، الذي يشكل العبء الأكبر على الغرب ومصالحه في المنطقة ككل، بخطوات على الأرض لا تزعج الحليف الاستراتيجي فحسب، بل تؤدي لتفجير الإقليم وفتح ثغرات أكبر لقوى التطرف لمهاجمته، فالولايات المتحدة خسرت مصداقيتها، وعندما حاولت استعادة جزء منها من خلال رئيس أمريكي جديد وواعد، ضَربت هذه الدولة المجنونة بعرض الحائط كل ذلك وقررت المضي قُدما بتنفيذ مخططاتها ووفقا لمفاهيم أيديولوجية بعيدة كل البعد عن المفاهيم السياسة، حتى عن مصالح "إسرائيل" الاستراتيجية المفترضة كدولة بسكانٍ عَرب أقل، قبل مصالح حليفتها الوحيدة، وداعمها الأساسي، وحاميها الاستراتيجي.

قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، والجنرال "بترايوس"، يَعوّنَ جيداً مقدار تأثير السياسات الإسرائيلية على مصالح الولايات المتحدة، فهم في الميدان المواجه لقوى التطرف، يَروّنَ مدى تعزز جماهيرية هذه القوى كنتيجة لدعم بدون تحفظ لعدوان مستمر منذ أكثر من أربعين عاما، هُم يعلمون أن استمرار حالة الجمود السياسي، وتفاقم العداونية على الشعب الفلسطيني مرتبط بالقدرة على استتباب الوضع إقليميا، ومُغذي أساسي له، فلا قدرة على السيطرة بدون حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل خاص والإسرائيلي – العربي بشكل عام، الاستيطان والممارسات الإسرائيلية في ثالث الأماكن المقدسة للمسلمين، في القدس، بالقرب من المسجد الأقصى والبلدة القديمة ككل، يستفز مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم، هذا كله سيؤدي لصَب الغضب على الراعي والحليف وفي أكثر المناطق حساسية في العالم، وما أدل على ذلك قول المعترف بصهيونيته "بايدن"، نائب الرئيس الأمريكي لبعض محاوريه الإسرائيليين " ما تقومون به هنا يسيء إلى أمن قواتنا التي تحارب في العراق وأفغانستان وباكستان، ويعرضنا ويعرض السلام الإقليمي للمخاطر"، هذا الوعي المعبر عنه بكلمات واضحة، لا يأخذ شكل رفع الكرت الأحمر للحليف، وستبقى مجرد معاتبات لا تجدي نفعا في منطقة ملتهبة وبحاجة لمواقف جدية وفعلية قادرة على إقناع الشارع العربي والإسلامي بتغيير حقيقي في السياسة الأمريكية، مصداقية وفعالية هذه التصريحات إذا لم يسندها إجراءات، كعقوبات أو التهديد بالتخلي عن الدعم في المحافل الدولية ودعم العرب المعتدلين بالذهاب لمجلس الأمن لاتخاذ قرارات ملزمة بتطبيق الشرعية الدولية وقراراتها المتعاقبة، خاصة فيما يتعلق ليس بوقف الاستيطان فحسب، بل بفرض الانسحاب على المُحتَل من الأراضي التي احتلها عام 1967، بدون ذلك سينظر لها على أنها مجرد نوع من حَرد ألام من ابنتها التي سرعان ما يتبدد، فالعواطف الجياشه بينهما أكبر بكثير من تأجيل زيارة "ميتشل" أو مكالمة "كلينتون" أو حتى تصريحات "بايدن"، فمعالجة الجنون يكون وفقا لطبيعته، ومع إئتلاف حكومي يمثل اليمين المتطرف واليمين الرباني فانه بالتأكيد لا يأتي بالحنية ولا بمخاطبة العقل ولا بحديث الأصدقاء المقربين...الجنون واضح لأنه هنا يعبر عمن يعيش في عالمه الخاص، لا يعنيه أحد بالمنطقة ولا بمصالح حلفاءه، هو جنون مرضي، ويبدو أن هذا الجنون ينتشر في الدولة ككل وليس في حكومتها، ويبدو أنهم شربوا من البئر الذي يؤدي للجنون، فيحكى أن "ساحراً في قديم الزمان هدد بتحويل سكان بلد بكاملها إلى مجانين، فدس جرعة سحرية في بئر مائها، الجميع شرب فجن، إلا الملك وعائلته اللذين لديهم بئرهم الخاص، الملك حاول معالجة شعبه، ولكن ردة الفعل كانت بمحاولة شعبه تنحيته عن العرش، فما كان من الملك إلا أن شرب من بئر العامة"... في إسرائيل العكس هو الذي حدث، الحكومات والحاخامات والمنظرين بنظرياتهم عبئوا شعبهم بأفكار إقصائية، ووصلوا لدرجة بأنهم لا يريدون أحداً بجانبهم، ولا يستطيعون العيش بوجود جار يتمتعون معه بعلاقات طبيعية، فهم منسجمون بجنونهم، وبقاء هذا الجار يعكر عليهم هذا الانسجام، الدولة بكل سياساتها الأمنية والاقتصادية والتنموية والاجتماعية ترسم وتخطط بطريقة لا وجود للآخر الفلسطيني صاحب الأرض وسكانه الأصليين، جنون يصل لحد جر المنطقة لصراعات دينية لا يمكن وقفها، وكنيس "خراب الهيكل" مقدمة لما وصلت له درجة الجنون.

إن دولة تعتبر نفسها فوق كل القوانين، يجب إعادتها إلى جادة الصواب، والصدمة وحدها الكفيلة بذلك وليس بنداءات عاطفية لا تجدي نفعا مع المريض بالأمن والايدولوجيا، وهذه العلاج لا يكون إلا بمواقف أمريكية ودولية واضحة لا لبس فيها، فالحفاظ على أمن هذه الدولة لا يكون بضمان تفوقها الاستراتيجي، ولا بالموافقة على ما تطلب، ولا بالدعم اللا محدود الذي تتلقاه، الحفاظ عليها يكون بفرض الحلول عليها، بمعاقبتها، بالتعامل معها كإبن ضال يجب إصلاحه، بقسوة ألام وليس بحنانها الزائد، أما التعامل بطريقة الحلول الوسط، كما حدث في موضوع الاستيطان، فلن يجرَّ علينا سوى نوبات جنونية جديدة ستؤدي بالجميع للتهلكة وعلى رأسها المصالح الغربية، ومن شاهد "هَبة فتيان" القدس وأحيائها يعلم أن المستقبل سيكون أكثر تطرفا وأكثر عنفا، فالاعتدال هنا لا يصلح مع الجنون، وكما يقولون "إذا جن صاحبك جن معاه"، فالعاقل السوي لا يستطيع التعامل مع جنون العظمة والقوة... دولة الراب واليمين، ستجرف المنطقة كلها نحو هاوية ووبال سيعم على الجميع، ما يجري هنا هو، جنون أمني...جنون ديمغرافي......جنون ديني...جنون سياسي...جنون استيطاني...جنون عنصري...جنون إقصائي، إنه "السوبر" جنون الذي وصلت له نتيجة للدلال والدعم غير المحدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية وصانعيها الأوروبيين، وأصدقائهم من العرب الرسميين اللذين يتعاطون مع تحويل وجهة الصراع للشرق، بدلا من حل لب الصراع في المنطقة.

في ظلِّ هذا الجنون، فلا فلسطيني رسمي أو شعبي، مُعتدل أو يدعي أنه يُنفذ اتفاقا موقع ووهمي، عربي غنيٌّ في الحكم أو عربي في الأحياء الفقيرة، مسلم يدعم أمريكيا أو مسلم يحاربها، يقبل أو حتى يكون مستعد للتعاطي مع عملية سلمية أو تفاوضية، وعلى أبواب القمة العربية، في بلد الخالد الشهيد "عمر المختار"، فان الحل لا يكون بالتمسك بالسلام، ولا بدعم مفاوضات غير مباشرة، بل بقرارات لكسر حصار غزة أولا، ولفرض الوحدة على الجانب الفلسطيني ثانيا، ولرفض التعاطي مع المصالح الغربية في المنطقة دون مراعاة فعلية وحقيقية لمصالح دولها، وبدون هكذا قرارات، فجنون هذه الدويلة، سيعم على دول المنطقة ككل، حينها سيكون للتطرف الكلمة العليا، وسيختفي كل الداعين للسلام والعيش المشترك، وأخيرا ليعلم مجانين العصر الحديث، بان الشعب الفلسطيني لن يسلم أو يستكين، فهو كما قال الشاعر "خالد نصرة"، أرضٌ مُزجت صفاتها بصفاتي...وتَركتُ فوق أديمها بصماتي...لا تَطلبوا مني الرّحيلَ فنشأتي...كانت هنا وهنا يكون مماتي.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ