-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هدأة
الضفة...أعمق مما قد يظن عريب
الرنتاوي لم
تستجب الضفة الغربية والقدس
لنداءات فصائل المقاومة و"المعارضة"
بزعامة حماس، الداعية لإشعال
فتيل "انتفاضة ثالثة"، مع
أن الاستفزاز الإسرائيلي بلغ
حدا عظيما لجهة التوسع في
الاستيطان وتدنيس المقدسات
وتغيير المعالم وتهويد العاصمة
الفلسطينية المحتلة، وثمة في
اوساط السلطة، والأمن
الإسرائيلي من يرقص اليوم طربا
لعدم بلوغ رسائل حماس مقصدها،
وضياع صرخات قادتها في واد سحيق. حماس
بدورها، تعترف تصريحا وتلميحا
بإخفاقها في تحريك "غضب الضفة"
واستثماره، بل أنها ومنذ أن
أدركت مرامي "المخطط"
الرامي لعزلها وخنقها في قطاع
غزة الضيق والمحاصر والمجوّع،
أخذت تبحث بقوة عن أنجع السبل
لاستعادة حضورها في الضفة
الغربية والقدس ومن دون جدوى،
إلى أن جاءت فرصة "معبد
الخراب" لتبادر الحركة إلى
"التقاط اللحظة" والدعوة
لانتفاضة ثالثة، علّها تكون في
حالة الاستجابة الشعبية
لنداءاتها، البوابة الأوسع
لاستعادة زمام المبادرة. لكن
الفرصة أفلتت من يد حماس هذه
المرة، ولا ندري كيف سيكون
الحال في مرات قادمة، ونقول
مرات قادمة، لأن الجولة الأخيرة
من المواجهة في القدس وحولها،
لم تكن الأولى ولن تكون
الأخيرة، وطالما ظلت هناك
عدوانات وانتهاكات إسرائيلية
للأرض والحقوق والمقدسات،
فستكون هناك مواجهات ومقاومات
وانتفاضات و"فرص" باشكال
ومستويات ودرجات مختلفة. حماس
تستسهل إدانة السلطة و"أجهزة
دايتون"، وتسارع إلى تحميلها
المسؤولية عن تدجين الضفة
وتبديد غضبها واحتوائه، وبعض
السياسيين القريبين منها
يدللون على ذلك بالقول: بأن
المواجهات الشعبية في المناطق
التي لا سلطة فلسطينية فيها،
كانت أقوى وأشد وأبعد مدى، من
تلك المواجهات التي شهدتها
مناطق الانتشار الأمني
الفلسطيني، وفي ظني أن كلا
الافتراضين/الاتهامين صحيح
مائة بالمائة، مع أن أي منهما
وحده، بل وكليهما معا، لا
يكفيان لتفسير "هدأة الضفة"
وجنوحها للسكينة والاستقرار. ثمة
تحولات سياسية واقتصادية
واجتماعية (وربما ثقافية) تجري
في الضفة الغربية، وتحفر عميقا
في بنية أهلها ومواطنيها
الأصليين (ربما الأمر مختلف بعض
الشيء في أوساط لاجئيها)، وهي
تحولات تجري على قدم وساق منذ أن
أعادت إسرائيل احتلال الضفة في
عملية السور الواقعي، وتكرست
وتسارعت بعد الانقسام
الفلسطيني وتشكيل حكومة تصريف
الأعمال برئاسة سلام فياض،
ورفعها شعار: "دولة تحت
الاحتلال لإنهاء الاحتلال"،
وهو الشعار الذي لقي دعما
وتشجيعا دوليين، وأدت ترجماته
الأولى إلى تحريك عجلة الاقتصاد
وتحفيز النمو، ما أثار وولد
حالة من الاسترخاء يعيشها سكان
الضفة بعد سنوات من الضنك
والممارسات الاحتلالية المشددة. وجنبا
إلى جنب مع هذه التطوات
والتحولات التي تستحق الدراسة
بعمق، كان الخطاب (شبه الرسمي)
الذي يجري بثه وبوسائل غير
رسمية كذلك، يروّج لـ"أطروحة
التخلي المتدرج": أولا عن
اللاجئين والشتات، من خلال
القبول بعودة رمزية لهم إلى
ديارهم الأصلية في سياقات
التفاوض السابقة مع
الإسرائيليين...وثانيا: بالتخلي
عن غزة وأهلها، إلى الحد الذي
دفع البعض إلى التفكير باستكمال
بناء النظام السياسي الفلسطيني
في الضفة بمعزل عن غزة ومن
دونها، بدءا بالانتخابات
البلدية وانتهاء بالانتخابات
التشريعية وربما الرئاسية
كذلك، وطي صفحة المصالحة
الوطنية، والتعامل مع هذه
المسألة بروحية تكتيكية ومن
موقع تسجيل النقاط وكسب معركة
العلاقات العامة وتحسين الصورة
في الإعلام وأمام الرأي العام،
لا أكثر ولا أقل. قد يبدو
الحديث عن "الخصوصية
الضفّاوية" الناشئة، أمرا
مزعجا لكثيرين منا، وهو كذلك
بالفعل، ولكاتب هذه السطور
شخصيا كذلك، لكن عقود من الشتات
والانفصال الجغرافي، فضلا عن
حالة الانقسام الفلسطينية،
وانكماش "المشروع الوطني
الفلسطيني" وإعادة تكييفه
على مقاس "دولة تحت الاحتلال
ولإنهاء الاحتلال"، يدفع في
الحقيقة إلى اختلاف وتباين
أولويات كل قطاع من قطاعات
الشعب الفلسطيني، ولقد شهدنا
كيف أن الضفة ظلت هادئة فيما
كانت غزة تحترق بالرصاص المصبوب
على رؤوس شيوخها ونسائها
وأطفالها، وشهدنا على "هدأتها"
فيما الأقصى والقدس يئنان تحت
نير جرافات الاستيطان وأنيابه
الحديدية، إلى غير ما هنالك من
أحداث ووقائع. ليست
القبضة الأمنية وحدها هي
المسؤولة عن حالة "الانضباط"
التي تعيشها الضفة، بل هو
السياق الاقتصادي والاجتماعي
والأمني، الذي أفضى إلى تبديد
الدعوات لإطلاق انتفاضة ثالثة
وجعلها سرابا، ولقد آن الأوان
في ظني للتوقف مليا قبل
الاستمرار في إطلاق مثل هذه
الدعوات التي لا يجوز استسهالها
والتعامل معها كما لو كانت "دعوة
للعشاء". ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |