-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
واقع
الأحزاب السياسية بالوطن
العربي بوفلجة
غيات تعتبر
تجربة الأحزاب السياسية حديثة
نسبيا في الوطن العربي. فهي
وليدة الصراع بين القوى الوطنية
وحركات المقاومة من جهة
والإحتلال والهيمنة الأجنبية
من جهة أخرى. وقد اضطرت حركات
المقاومة إلى إنشاء هياكل
سياسية تقوم بالمواجهة على
الصعيد السياسي والدبلوماسي
لكسب تأييد الدول الشقيقة
والصديقة، وهي أجنحة تطوّرت
لتصبح أحزابا سياسية مستقلة،
تعمل على ضبط العمليات العسكرية
للمقاومة وتسخيرها لأهداف
سياسية بالدرجة الأولى. وهكذا
ظهرت الأحزاب في دول المشرق
والمغرب العربيين. أما في الدول
العربية الخليجية، فهناك غياب
للأحزاب السياسية. حيث يرى
الملوك والأمراء أن الأحزاب
السياسية تتعارض مع الشريعة
الإسلامية، وأن الديمقراطية
الغربية عملية دخيلة لا تتماشى
مع قيم الإسلام. ظهور
وتطور الأحزاب السياسية: ظهرت
الأحزاب السياسية مع ظهور
الحركة الوطنية التي أعقبت
الحملات الإستعمارية الأوروبية
للوطن العربي مع مطلع القرن
التاسع عشر للميلاد. ولم يأت
منتصف القرن العشرين حتى تعدّدت
وانتشرت الأحزاب، وكادت أن تشمل
كلّ الوطن العربي. وقد قامت
بأدوار مهمة وساهمت في تحرير
غالبية الدّول العربية من
الإحتلال، كما ساهمت بعد
استقلالها في التخلص من مخلفاته
والمساهمة في التنمية
الإقتصادية والإجتماعية بالدول
العربية. رغم
أهمية الأحزاب الأولى التي ظهرت
في الوطن العربي، إلا أنه تم
اختفاء غالبيتها، مع اختفاء
مؤسسيها. ذلك أن الأحزاب
العربية مبنية على فلسفة القائد
لتجسيد طموحاته، أكثر ما تمثل
هياكل ومنظمات اجتماعية، تسعى
لتجسيد أهداف وطموحات شريحة
واسعة من المجتمع، تستعملها
كآلية للوصول إلى السلطة في
إطار التداول الديمقراطي عليها.
وقد
مرّت عمليات تنظيم الأحزاب
السياسية في الوطن العربي بعدّة
مراحل، من الحركة الوطنية
العفوية، إلى الحزب السياسي
الواحد إلى التعددية الحزبية
الشكلية، ولم تصل بعد إلى
التعددية الحزبية الحقيقية. ذلك أن
الدول العربية انفتحت على
الأحزاب السياسية مع ظهور
العولمة واقتصاد السوق وسقوط
جدار برلين، حتى أصبحت
بالعشرات، إلا أن غالبية
الأحزاب حديثة النشأة،
لم تتمكن من إثبات نفسها،
فغابت كالفقاعات كما ظهرت. وهنا
أعادت الدول العربية هيكلة
الواقع السياسي، محافظة بذلك
على الحزب الحاكم وحصّنته، ببعض
الأحزاب الصغيرة غير المؤثرة،
مشكلة بذلك تحالفات شكلية. كما
أنشأت الدول العربية لجانا
وهياكل، تابعة للدولة التي
يتحكم فيها حزب السلطة، لدراسة
ملفات إنشاء أحزاب سياسية
جديدة، إلا أن حقيقة مهمتها هي
منع منح الشرعية للأحزاب، حتى
يبقى حزب السلطة هو المهيمن على
الساحة السياسية. خصائص
الأحزاب السياسية: تتميز
غالبية الأحزاب العربية
بالجمود، فهي ثابته في أهدافها
وأفكارها ومناهجها، لذلك فهي
تجد صعوبة في التكيف مع الأحداث
والتغيرات المحلية والعالمية،
إذ يسهل عليها الإختفاء عوض
التكيف. وهكذا
اختفى الحزب الإشتراكي في مصر
مع رحيل القائد جمال عبد
الناصر، واختفى الحزب الدستوري
التونسي مع رحيل الرئيس الحبيب
بورقيبة، وقليلة هي الأحزاب
التي استمرّت في الحكم أو تحولت
إلى المعارضة. هناك
ارتباط بين الأحزاب والأفراد
على هرم السلطة، فكل رئيس جديد،
لا يرضى بالحفاظ على حزب مرتبط
بشخص آخر، أو بإديولوجية حاكم
سابق، لذلك نجد أن كلّ حاكم جديد
ينشئ حزبا جديدا يأتمر بأوامره.
كما أن الأعضاء والمناضلين،
وخاصة من قادة الأحزاب القديمة،
يتحولون برمتهم إلى الأحزاب
الجديدة، وتفرغ الأحزاب
القديمة من محتواها البشري
تمهيدا لضربها، كما يحارب كلّ
رئيس جديد سياسة وممارسات
الرئيس الذي سبقه. هناك
ارتباط وتلاحم بين الحاكم
والحزب السياسي والدولة.
فالرئيس يتحكم في الحزب، والحزب
يتحكم في الدولة، وأن المجال
السياسي مغلق، إذ أنه لا يسمح
لأي فرد باقتحامه، بل أن قبول أي
مناضل للإرتقاء في سلم المناصب
الحزبية والسياسية ليست في
متناول أي عضو. ذلك أن مهمة
المنخرطين العاديين في الحزب هي
التصويت عند الإنتخابات
والتصفيق على المسؤولين، وأن
الكفاءة والنزاهة والإخلاص
ليست ضرورية ولا مطلوبة للترقية
في الهياكل الحزبية. وما
يميز غالبية الإحزاب في عهد "التفتح
السياسي" الشكلي بالوطن
العربي، ارتباطها بمؤسسيها،
الذين يريدون البقاء على رأسها
ويقاومون كلّ محاولة استبدالهم.
فهم يرونها مثل "السجل
التجاري" الذي يستمرّ مع
صاحبه حتى الموت، ويرثه أبناؤه
من بعده. ربما يكون ذلك مرتبطا
بثقافة المجتمعات العربية
وقيمها، حيث يميل الأفراد إلى
الهيمنة وحب السلطة والجاه،
كقادة لقبائلهم وعشائرهم،
وأرباب لأسرهم. كما أن
الأحزاب العربية ليست مرتبطة في
مجملها بإديولوجيات وأفكار
سياسية وفلسفية محدّدة، بحيث
تختلف الأفكار وتدافع الأحزاب
عن برامجها في المناسبات
الإنتخابية. ذلك أن الأحزاب في
الدول العربية، وخاصة بعد أفول
الإشتراكية وغياب الأحزاب
الشيوعية، أصبحت متشابهة
ومتقاربة في برامجها وأهدافها
– إن كانت لها أي برامج أو أهداف
-. لذلك يبقى الصراع بين الأشخاص
والقوميات والقبائل واستعمال
المال السياسي، والتسابق
لتقديم التنازلات ونوايا
الطاعة للجهات الأجنبية، أكثر
من الدفاع عن المصالح الوطنية
والبرامج السياسية التي تخدم
المواطن والأمة. ففي
العراق مثلا، ورغم عراقة تجربته
الحزبية، إلا أن انتخاباته بعد
دخول الإحتلال الأمريكي، أظهرت
تدني مستوى الوعي السياسي في
العراق، فكانت الحملات
الإنتخابية مبنية على المذاهب
والقبائل والأعراق والمناطق،
وليست على أساس المواطنة
والأفكار والإديولوجيات
السياسية. بل أن الأحزاب التي
ركزت على الوطن والمواطنة،
وابتعدت عن الخطابات المذهبية
والقبلية، فشلت في كسب ثقة
الناخبين. وأصبح السيد آية الله
السيستاني هو المتحكم في
العملية السياسية في العراق،
وأن الساسة يتزاحمون على بابه
لنيل رضاه وتأييده
وبركاته، للحصول على أصوات
الناخبين. وهكذا
فإن الأحزاب العربية الحاكمة في
مجملها، عبارة عن هياكل شكلية
لتمرير الأوامر والتوجيهات من
الأعلى إلى الأسفل، أو من جهات
أجنبية ذات نفوذ. وليست هياكل
للتشاور والحوار واستقطاب
الكفاءات المخلصة والمسيّرة
والأفكار البناءة لخدمة
المصالح العليا للدولة، وتدريب
الشباب على حبّ الوطن وقيم
المواطنة، كما يجب أن تكون. وما
يميز غالبية الأحزاب السياسية
العربية أيضا، وجود قادة
عسكريين متقاعدين على رؤوسها،
وهم الذين يصبحون عادة رؤساء
لدولهم. لذلك يبقون متأثرين
بسماتهم العسكرية التي تعتمد
التسلّط وإعطاء الأوامر
والمطالبة بتنفيذها دون مناقشة.
لهذا نجد عددا منهم يعاملون
شعوبهم وحتى وزراءهم ومساعديهم
بطرق فيها كثير من الغلظة
والتجبّر، بعيدا عن اللياقة
الدبلوماسية والحوار. كما قد
نجد على رأس الأحزاب أفرادا ذوي
مستويات علمية وثقافية متدنية،
بل أن بعضهم أشباه أميين. لهذا
فهم يخشون الإستحقاقات
الإنتخابية، وفي حالة اضطرارهم
لخوضها، فهم يلتجئون إلى طرق
ملتوية ومناورات وكواليس، وإلى
عمليات التزوير الممنهج. وعند
وصولهم إلى سدّة الحكم يكونون
ضعفاء تتحكم فيهم شللهم، وهم
يستسلمون بسهولة للضغوط
الأجنبية، وهو ما نشاهده في
عالمنا العربي. واقع
الأحزاب وتداعياتها السياسة: انعكس
التخلف العام للمجتمعات
العربية على أحزابها وأساليب
إدارتها، بحيث بقيت متميّزة
بالجهوية والقبلية والعلاقات
الشخصية، وعلاقة الأصدقاء
والأحباء والمصاهرة والمصالح
المادية والولاء، وهي عوامل
أضحت أساسية في إدارة وهيكلة
الأحزاب السياسية في الوطن
العربي. كما أن
انغلاق الساحة السياسية في وجه
المواطنين وخاصة الشباب
والمثقفين منهم، وتهميشهم في
الأحزاب القديمة المهيكلة،
ونفور المواطنين النزهاء منها
بسبب ارتباطها بالفساد
والمافيا المالية والسياسية،
ومنع إنشاء أحزاب جديدة، عوامل
ساهمت في تعفن الجوّ السياسي في
الوطن العربي عموما. وهو ما أدى
بالشباب إلى التذمّر وعدم الرضا
عن واقعهم، وانسداد الآفاق
أمامهم، وهو ما يؤدي عادة إلى
تطرّف الشباب والتجائهم
إلى العنف أو الهجرة. إن
المشهد السياسي في الوطن العربي
يبقى قاتما بسبب الركود
السياسي، وغياب الحيوية
والشفافية، وانعدام الثقة بين
الأحزاب السياسية والمواطنين،
مما يسبب تحطيم طموحات الشباب
والمثقفين. وحتى في ظل وجود
تعددية حزبية، فهي شكلية، وأن
الأمور مهيأة بصورة دقيقة
ومدروسة، بحيث تبقى السلطة
والحكم بيد حزب السلطة، أما
الحزيبات الأخرى فيبقى دورها
ثانويا في إطار الديكور الحزبي
التعدّدي. أما في
الدول العربية التي لا توجد بها
أحزاب سياسية، فهناك جيش من
الأمراء الذين يتحملون
مسؤوليات الدولة، بحيث يتوفر
فيهم معيار الولاء، بغض النظر
عن مستوى الكفاءة. إلا أن غياب
المنافسة والشفافية ومعايير
الكفاءة، عوامل تساعد على
الركود السياسي وتدعيم الرداءة
في المجتمعات العربية. وهكذا
فإن الأحزاب السياسية العربية
المتميزة بالتخلف والفساد، لا
تفرز إلا رداءة وتخلفا متعدّد
الأوجه، وهو ما يؤدي عادة إلى
عرقلة الكفاءات، وتسهيل بروز
عناصر من الفاشلين دراسيا
واجتماعيا، بحيث يلتجئون إلى
مسارات سياسية ملتوية للوصول في
مراكز السلطة. وقد أصبحت
الأحزاب السياسية في الوطن
العربي عبارة عن ديكور في إطار
ديمقراطية الواجهة. وهو ما يزيد
في تعفن الجوّ السياسي
والإجتماعي، ويؤدي حتما إلى
الفشل الإقتصادي. وكلها عوامل
تساهم في إعادة إنتاج التخلف
والفشل وتجديدهما بالوطن
العربي. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |