-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أزمة
الأزمات التعدّدية..
والرؤية الشمولية.. وتكامل
الجهود نبيل
شبيب قضية
فلسطين في أزمة، والقدس في
أزمة، والمسجد الأقصى في أزمة،
والوحدة الوطنية الفلسطينية في
أزمة، والبلدان العربية في
أزمة، ولا يكاد يخلو يوم من
العشرات أو المئات من المقالات
والبحوث ومن التصريحات
والبيانات ومن المواقف
والحوارات، حول هذه الأزمات
وسواها، فمن قائل إن عقدة العقد
وأزمة الأزمات في توحيد
المنظمات الفلسطينية، ومن قائل
إن المدخل إلى حلحلة الأزمات في
تركيز الجهود على القدس، ومن
قائل ما دامت هذه الأنظمة
العاجزة قائمة فلا سبيل إلى
العمل الجاد الهادف، ولو تابعنا
التعداد لوجدنا من الحلول
المطروحة ما يبلغ عشرة أضعاف
الأزمات القائمة أو أكثر، ومن
يقرأ متابعا من عامة العرب
والمسلمين، أي من الشعوب، ولا
يكون له قسط فيما يُكتب ويُنشر
ويُقال، لا يمكن أن يخرج ببصيص
ضوء في نهاية نفق الأزمات ونفق
الحلول المطروحة لها. فمن
ينادون بالتركيز على الوحدة
الوطنية الفلسطينية، ويقصدون
بها وحدة المنظمات، يوجد في
صفوفهم من يستخدمون هذا
العنوان، إنما يفترقون من حيث
الأساس عمّن يريد الوحدة
الوطنية للتحرير، فيمضون على
درب التصفية مع تجميلها بعناوين
مفاوضات وتسوية والتعامل مع
المعطيات الدولية والإقرار
بحقيقة الواقع الفلسطيني
والعربي، أو درب المقاومة، ثم
سرعان ما ينحو هؤلاء باللائمة
تارة على فصائل المقاومة نفسها،
وأخرى على الشعوب التي لا
تساندها بما فيه الكفاية وثالثة
على المتواطئين ضدها.. فيتحوّل
ما يطرحونه من "حلول" إلى
دوّامة تلفت الأبصار عمّن يسير
على طريق التحرير حلا والمقاومة
وسيلة والوحدة الوطنية ضرورة
وواجبا مفروضا. وشبيه
ذلك يسري على التعامل مع أزمات
أخرى، وعناوين أخرى، فلا يوصل
إلى أكثر من إضافة أزمة أكبر إلى
الأزمات المختلفة العويصة
القائمة.. وكأن المقصود الأول هو
أن يطغى الكلام -لا سيما وهو
يطرح وكأنه كلام النخب والقادة
والزعماء والمثقفين وما شابه
ذلك- على المشهد، كي تفتقد
الشعوب ويفتقد المقاومون
ويفتقد العاملون في مختلف
القطاعات القدرة على رؤية
النخبة المخلصة العاملة
القادرة على بيان الطريق
والهداية في الملمّات والأزمات. على أن
هؤلاء العاملين بمنطلقات
مخلصة، وجهود دائبة، وعطاء
متواصل، يركز كل فريق منهم على
رؤيته، وأولوياته، وقد يغفل عن
ضرورة التحرك مع التواصل
والتعاون والتكامل، ليكون بين
الجميع قاسم مشترك، وأرضية
ثابتة، تنبثق عنها الرؤى
البعيدة المدى وإن تعددت
التصوّرات الآنية للوصول إلى
الأهداف الكبرى المشتركة. لن
تنتهي الأزمات وتزول، بل لن
ينخفض عددها، لا من تلقاء نفسها
ولا بالعمل على حلّها، فمن
طبيعة المسارات التاريخية أن
تولد الأزمات وتتكاثر
باستمرار، إنما تستقيم تلك
المسارات عندما يكتسب العاملون
من أجل حلحلتها القدرة على
التلاقي المشترك ما بين الثوابت
الكبرى منطلقا والمصلحة العليا
هدفا مشتركا، ليصب كل جهد مخلص
من أجل مواجهة أزمة بعينها، في
المسار المشترك، ويساهم
باستمرار في دعم من يعمل بجهد
مخلص على جبهة أزمة أخرى. • • • لا يوجد
تناقض حقيقي بين الأزمات
المذكورة كأمثلة، على أصعدة
فلسطين والقدس والمسجد الأقصى
والوحدة الوطنية الفلسطينية
ونهضة البلدان العربية، إنما
الأزمة الأكبر هي أزمة التعامل
معها، وكأن إحداها أجدر من
سواها، أو كأن الوسيلة المتبعة
في هذا الميدان، تلغي الحاجة
إلى وسيلة متبعة أخرى فيه أو في
سواه. المسجد
الأقصى في خطر كبير، إنما لا
يمكن مواجهة هذا الخطر إلا
عندما تتكامل جهود مواجهته مع
جهود مواجهة الأخطار الأخرى،
سواء على صعيد "التطبيع
والتهويد"، أو على صعيد تشرذم
البلدان العربية وفرقتها، أو
على صعيد ترسيخ ثوابت المقاومة
والتحرير. والقدس
في خطر كبير، إنما لا يفيد في
مواجهة هذا الخطر أن يقترن
العمل الجاد من أجل القدس
بالغفلة عما يجري في العراق أو
اليمن أو السودان أو حتى في
إيران وأفغانستان وتركيا. لا يوجد
في عالمنا المعاصر قوة دولية،
صغيرة أو كبيرة، تتحرك على صعيد
قضية واحدة، دون أن تضعها في
الإطار الأشمل لمختلف القضايا،
وتضع في حسبانها التأثير الدائم
المتبادل للتعامل معها فيما
بينها، بما في ذلك السياسات
الداخلية كحقوق الإنسان، فليس
باستطاعة الولايات المتحدة
الأمريكية مثلا أن تتابع ما
تمارس من عدوان في أفغانستان،
دون أن تتحرك في الوقت نفسه على
صعيد التنصل ما استطاعت من لطخة
العار اللاصقة بها في
جوانتانامو، وعلى صعيد تقليص
التمييز العنصري الواقعي على
صعيد "الصحة والمرض" داخل
حدودها.. وليس باستطاعة البلدان
العربية أيضا أن تتحرك على صعيد
قضية فلسطين -إذا ما قررت التحرك
الإيجابي يوما ما- ما لم تتحرك
في الوقت نفسه على صعيد النهوض
داخليا وتحرير حقوق الإنسان من
قيود الاستبداد. كذلك لا
يمكن لصاحب قلم أن يطرح حلا
لقضية بعينها، ولا يمكن لمنظمة
أو حزب أو جماعة العمل على صعيد
مشكلة بعينها، ما لم يوضع في
الحسبان ما يوجد من قضايا أخرى
ومشكلات أخرى وعاملين آخرين
وتصوّرات متعددة للعمل. لا
يتناقض ذلك مع ما يمكن وصفه
بالتخصص في مجال دون آخر، إنما
يتناقض مع اقتصار الرؤية على
المجال الذي يتخصص به مفكر أو
جماعة، فلا يراعي في عمله ما
يمكن أن يؤثر به أو يتأثر من
خلال ما يجري على أصعدة تخصصية
أخرى، ويتناقض تناقضا أكبر
وأخطر عندما يصنع هو ما يُلحق
الضرر بالقضايا والمشكلات
الأخرى، دون أن يدري، أو دون أن
يبالي. إننا في
حاجة إلى الرؤية الشمولية مع
رؤية الجزئيات والعمل من أجلها،
وفي حاجة إلى تكامل الرؤى
والجهود في التخصص فكرا أو
عملا، وفي حاجة فوق هذا وذاك إلى
التواصل والتعاون دون انقطاع،
سيان ما هو موقع الفرد أو
المنظمة، وما الذي يتبناه من
اجتهادات وتوجّهات: • • • ويستحيل
أن تتحقق الرؤية الشمولية مع
التكامل والتعاون، دون رؤية
الثوابت منطلقا، والمصلحة
العليا هدفا مشتركا. إنما
أوصلت كثرة استخدام هذه
التعابير وأمثالها من جانب
المخلصين وسواهم في وقت واحد،
إلى استهلاكها وتضييع
مدلولاتها وتحويلها إلى كلمات
هلامية هيولية، وأدوات لخدمة
أغراض ذاتية جزئية، أو أغراض
متناقضة على الأقل، وإلا فأين
ما بقي من مصطلح الثوابت
الفلسطينية المشتركة، بين
المقاومة والتحرير وبين
التسليم والتواطؤ؟.. وأين ما بقي
من أهداف كبرى، كالوحدة..
والتحرر.. والكرامة.. والنهوض..
وقد باتت توضع في نطاق مصلحة
قطرية أو حزبية أو ما شابه ذلك،
وكل فريق يريد أن أن تكون
المصلحة العليا خاضعة لما يراه
هو من مصلحة قطرية أو حزبية أو
ما شابه ذلك؟.. حتى في
نطاق قضية المسجد الأقصى،
الفرعية عن قضية محورية أكبر هي
قضية فلسطين، لا يمكن الالتقاء
على جهد مشترك، ما دام المسجد
الأقصى في نظر فريق مسجد
للمسلمين، أو جزء من الوطن
للفلسطينيين، أو أنه قضية
مقدسات لا علاقة لها بقضايا
القوت اليومي والكرامة الفردية
والتجزئة القطرية.. فلا غرابة
إذن إذا نودي إلى "جمعة الغضب"،
ألاّ يغضب مع الغاضبين فريقٌ
مشغول بقوت يومه، أو شُغل بقوت
يومه، عن كل قضية مشتركة، وليس
عن المسجد الأقصى فقط!.. إن
الرؤية الشمولية والطرح
الشمولي لقضايانا جميعا، وطرح
كل قضية منها مع مراعاة الرؤية
الشمولية، هو ما يجعل الفرد
قادرا على رؤية الصلة الوثيقة
ما بين تهويد المقدسات وبين سلب
الأرزاق، فلا يجد تناقضا في
الاستجابة لدعوة على هذا الصعيد
أو ذاك، أو بين دعم المقاومة
وبين اعتقال الكلمة الحرة، فلا
يتقاعس على صعيد مناهضة "التطبيع"
كما لا يتقاعس عن دعم حقوق
الإنسان وحرياته، أو بين حل
نزاع محلي كما في اليمن وبين
انتخابات مزيفة في هذا البلد أو
ذاك، فلا يرى تناقضا في العمل
حيثما استطاع لحل نزاعات أو كشف
زيف انتخابات. وإذا
كان للكلمة قيمة، فقيمتها
الأكبر في أن يتجاوز صاحبها
نفسه عندما يكتب أو يتحدث عن
قضية كبرى لا يمكن حصرها في
رؤيته الذاتية وحدها، وهنا تكمن
أزمة الأزمات الراهنة، ولا تقف
بتأثيرها المدمر عند حدود
العلاقات ما بين النخب
والجماعات والأحزاب
والاتجاهات، بل يتجاوزها
بإسهام مباشر منها إلى مستوى
عامة الشعوب، التي تشكو تلك
النخب والجماعات والأحزاب من
ركودها أو مواتها، فتقلب الأمر
رأسا على عقب، وتفقد مسوّغات
وجودها، أن تكون هي الجهات التي
تحمل المشاعل للإرشاد، بدلا من
دفع المسؤولية عن نفسها،
وإلقائها على عاتق الشعوب. لقد آن
الأوان أن يطرح السؤال عن السبب
الحقيقي في عدم الاستجابة أو
ضعفها للنداءات.. والدعوات..
ومختلف الكتابات.. وما لا يحصى
من المؤتمرات، هل يكمن في صمم
الشعوب أم في لغة من يطلقها،
بعيدا عن ثوابت راسخة في
الوجدان الشعبي رسوخ مسار
التاريخ جيلا بعد جيل، وبعيدا
عن المصلحة العليا الجامعة
للشعوب على اختلاف فئاتها
وطوائفها من وراء الحدود
والقيود، والتي لم تجمع حتى
الآن النخب والجماعات والأحزاب
-دون أن تفقد تميزها الذاتي- على
رؤية شمولية مشتركة ومنطلقات
متكاملة مع بعضها بعضا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |