-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حتى
الأعداء يتفقون أحيانا, ولكن
إلى متى ؟ أ.
محمد بن سعيد الفطيسي اتفقت
كل من الولايات المتحدة
الاميركية وروسيا الاتحادية
أخيرا , وبعد مفاوضات معقدة
وشاقة دامت أكثر من ثلاثة أشهر
تقريبا , على الموعد النهائي
لتوقيع بنود اتفاقية " ستارت 2
" وذلك يوم الخميس الموافق 8 / 4
/ 2010م بالعاصمة التشيكية براغ ,
وتعد اتفاقية ستارت 2 بمثابة
الصورة المطورة لاتفاقيتين
سابقتين هما : معاهدة " ستارت 1
" التي وقعتها كل من موسكو
وواشنطن بتاريخ 31 / 7 / 1991م , ودخلت
حيز التنفيذ في العام 1994م ,
وانتهت رسميا يوم 5 / 12 / 2009م ,
ومعاهدة موسكو المعروفة
بمعاهدة " سورت " في العام
2002م 0 وبحسب
ما نقله الموقع الإلكتروني
للبيت الأبيض الأميركي فان هذه
الاتفاقية تنص على تقليص الرؤوس
النووية الحربية لكلا الدولتين
النوويتين إلى 1550 رأس نووي فقط ,
ويمثل هذا السقف الجديد حدا يقل
بنسبة 74% عن السقوف التي وردت
باتفاقية ستارت 1 وبنسبة 30% عن
الحدود القصوى لخفض الرؤوس
الحربية الإستراتيجية التي
وردت باتفاقية موسكو 2002م 0 وينظر
البعض الى هذه الاتفاقية على
إنها انجاز كبير يحسب للرئيسين
أوباما وميدفيديف , كون هذه
الاتفاقية ستحد من انتشار
الأسلحة النووية الاستراتيجية
وستقلص الأرقام المتصاعدة بشكل
سنوي لأعداد الرؤوس النووية
التي تنتجها كل من الولايات
المتحدة الاميركية وروسيا
الاتحادية , وستوقف حربا باردة
يؤكد بعض الخبراء بأنها تشتعل
بينهما منذ العام 2001م 0 كما
أنها تعد بمثابة رسالة موجهة من
قبل القوتين النوويتين
العظميين لمختلف دول العالم
الساعية لامتلاك الأسلحة
النووية , وخصوصا الدول التي
تصنفها الولايات المتحدة
الاميركية – من وجهة نظرها -
بالدول الداعمة للإرهاب ككوريا
الشمالية والجمهورية الإيرانية
, ومن سيفكر بذلك لاحقا , لسان
حالها يقول : ها نحن اتفقنا على
تخفيض ترسانتنا النووية , ونحن
اكبر قوتين نوويتين في العالم ,
لذا فإننا لن نقبل مطلقا ان تسعى
أي دولة في العالم من جديد
لامتلاك هذه الأسلحة الفتاكة
والمحظورة دوليا , وسنقف بكل حزم
للحد من انتشار هذه الأسلحة
وامتلاكها في أي مكان في العالم
0 وهو
ما أكده بكل وضوح وصراحة الرئيس
الاميريكي أوباما أمام
الصحافيين في البيت الأبيض
بقوله : أننا بهذا الاتفاق ترسل
الولايات المتحدة وروسيا، اكبر
قوتين نوويتين في العالم، إشارة
واضحة الى إننا نعتزم تولي دور
قيادي في عملية الحد من انتشار
الأسلحة النووية في العالم ,
وأضاف الرئيس الاميركي : إننا
بالتزامنا بتعهداتنا المدرجة
في معاهدة منع الانتشار النووي ,
فإننا نعزز جهودنا العالمية
لوقف انتشار هذه الأسلحة وضمان
اضطلاع الدول الأخرى
بمسؤولياتها 0 وقد
اعتبر الكرملين الروسي ان
المعاهدة الجديدة سترفع مستوى
التعاون والتنسيق وتطوير
العلاقات الاستراتيجية الجديدة
بين القوتين النوويتين ، مشيرا
الى ان معاهدة ستارت 2 ستعكس
توازن المصالح بينهما , بينما
قالت وزيرة الخارجية الاميركية
هيلاري كلينتون معلقة على هذا
الانجاز بان بلادها ليست بحاجة
الى ترسانات ضخمة كهذه لحماية
بلادنا وحلفائنا من اكبر خطرين
وهما انتشار الأسلحة النووية
والإرهاب 0 وهنا
نتساءل , هل حقا بان الاتفاقية
الجديدة بما ودت بها من بنود
تخدم فكرة الحد من انتشار
الأسلحة النووية الاستراتيجية
بين الطرفين كما يؤكد البعض ؟
وهل ستكون الشهور والسنوات التي
ستلي التوقيع عليها بمثابة
النهاية لنزاع جيوسياسي طويل
بين قوة عالمية تحاول المحافظة
على قوتها العالمية وأخرى تسعى
لتأكيد عودتها الى رقعة الشطرنج
الدولية من جديد ؟ وهل هي
النهاية الصريحة لسنوات من
الرفض الروسي الذي شابه عرض
مسرحي للعضلات والتهديد
بالأسلحة النووية بخصوص الدرع
الصاروخي الذي تنوي نصبه
الولايات المتحدة الأمريكية
بريا في شرق أوربا ؟ 0 وما
نراه – من وجهة نظرنا – بخصوص
النقاط سالفة الذكر , وما ورد في
بنود اتفاقية ستارت 2 التالي : (
1 ) ان علاقة العداء الاستراتيجي
والتاريخي بين الولايات
المتحدة الاميركية وروسيا لن
تنتهي أبدا بتوقيع هذه
الاتفاقية او غيرها ,
فسيكولوجية العداء بين القوتين
العظميين تثيرهما عوامل
تاريخية وجيوسياسية كثيرة ,
كتوزيع المصالح وتقاسم الهيمنة
والنفوذ وتوازن القوى وسنوات
طويلة من الاحتقار والنظرة
الدونية الاميركية لروسيا ,
والغضب والاستهجان الروسي
لتصرفات الولايات المتحدة
الاميركية وعنجهيتها , ورغبة
كلا من القوتين العظميين ف
امتلاك زمام القيادة والهيمنة
بالعقد الثاني من القرن 21 0 (
2 ) لا يبدو لي بان هذه الاتفاقية
ستحد مطلقا من تسلح الدولتين
وخصوصا التسلح النوعي منه ,
وخصوصا ان هناك بندا واضحا بهذا
الخصوص في الاتفاقية نفسها , حيث
ورد فيها بالحرف الواحد بأنه (
يحق لكل طرف أن يحدد لنفسه بكامل
الحرية بنية القوات
الإستراتيجية في إطار السقوف
القصوى الواردة في الاتفاقية ) 0 ولو
لاحظنا الفقرة الأولى في بند
السقوف الإجمالية والتي تقول :
بان السقف الأعلى المحدد لكلا
الدولتين من الرؤوس الحربية هو (
1550 رأسا حربيا قيد الخدمة على
الغواصات أو منصات إطلاق
الصواريخ أو القاذفات الثقيلة
المجهزة للتسليح النووي، على
اعتبار أن كل رأس معد للاستخدام
بهذه الوسائل يعتبر رأسا حربيا
واحدا في إطار السقف المحدد )
لتبين لنا بان هذه الاتفاقية قد
أخذت بالاعتبار تقليص الكم الى
1550 رأس نووي , دون مراعاة
النوعية في الاعتبار 0 فما
الفائدة من وجود 1550 رأس نووي
يحمل كل منها قوة وتأثير يتجاوز
10 أضعاف الرقم سالف الذكر ,
وخصوصا ان هاتين الدولتين على
وجه الخصوص , اتجهت في الآونة
الأخيرة الى تقليص الكم على
حساب النوع والتأثير أصلا , وذلك
تجنيا للعديد من المشاكل في
التخزين والتكلفة وفي أنظمة
إطلاق تلك الصواريخ وخلافه ,
وعليه فإنني أتوقع ان يكون
الاتجاه القادم لتركيز القوتين
على النوع والقوة التدميرية في
حدود السقف المعلن سلفا 0 (
3 ) أن هذه الاتفاقية الجديدة لا
تتضمن أي فقرة تشير إلى وضع قيود
على برنامج الدفاع الصاروخي أو
الضربات العسكرية التقليدية أو
على نشر أو اختبار أو تطوير
برامج الدرع الصاروخي الأميركي
الحالية أو المخطط بناؤها لاحقا
، أو القدرات الأميركية
التقليدية بعيدة المدى سواء
الحالية أو المخطط لها مستقبلا ,
وبالطبع الروسية كذلك , وهو ما
يعني ان هذه الاتفاقية لن
تستطيع إيقاف سباق التسلح
الدفاعي لكلا الدولتين , والحرب
الباردة بينهما بمختلف
امتداداتها النفسية والعسكرية
والسياسية0 (
4 ) ان الاتفاقية لم تتطرق لتلك
الأسلحة النووية الاستراتيجية
التي يمكن ان تطلق من الفضاء ,
ولا نقصد هنا من الطائرات
الحربية , وخصوصا بان تقنيات
التسلح الفضائي قد بدأت بالتطور
السريع , وبدأت تلك الدول تستبدل
منظوماتها الدفاعية والهجومية
الأرضية , بتلك التي يمكن ان
تطلق من الأقمار الفضائية , وهو
ما يعطي مساحة كافية لكلا
الدولتين للتهرب من بنود
الاتفاقية وذلك من خلال التوجه
لإنتاج أسلحة إستراتيجية تطلق
من الفضاء 0 المهم
في الأمر بان هذه الاتفاقية لن
تزيد عن كونها انجاز سياسي شكلي
لا أكثر , كانت ستوقع عاجلا أم
آجلا بين الدولتين النوويتين ,
لاعتبارات سياسية وجيوسياسية
كثيرة , ولكننا لا نتصور بأنها –
أي – هذه الاتفاقية ستحقق
الكثير من المتطلبات والأماني
الدولية , وخصوصا في مجال الحد
من سباق التسلح النووي بين
القوتين , وما سيثبت ذلك لاحقا
تصرفات وتوجهات الدولتين حيال
بعضهما , ومن ابرز النقاط التي
تؤيد هذا الاستشراف : (
1 ) عدم التطرق الى حل نهائي
لمنظومة الدفاع الصاروخي
الاميركي الذي تنوي نصبه
الولايات المتحدة الاميركية في
شرق أوربا , وهو ما تعتبره روسيا
تهديدا مباشرا لسيادتها وأمنها
القومي , وتعهدت بمواجهته بنصب
منظومة مضادة من صواريخ اسكندر
الروسية في مقاطعة كالينغراد
الروسية , وهو ما سينعكس سلبا
على تصرفات كلا الدولتين تجاه
الأخرى مستقبلا 0 (
2 ) لن تستطيع هذه الاتفاقية الحد
من سباق التسلح النووي
الاستراتيجي النوعي لكلا
الدولتين , وخصوصا بأننا ندرك
بان التوجه العالمي القادم لتلك
الدول يعتمد على النوع وليس
الكم , وهو ما سيدفعهما لاحقا
لاستبدال الكم من تلك الصواريخ
بأخرى أقوى بكثير مما هو متوفر
الآن , كما ستقوم تلك الدول
لاحقا باستبدال وسائل النقل
التقليدية كالطائرات والسفن
وخلافه بأخرى تطلق من الفضاء ,
ومن يدري ما حمله المستقبل ؟؟؟!!!
(
3 ) استمرار سباق الطموحات
الدولية المختلفة والرغبة في
توسع المصالح الاستراتيجية
لكلا القوتين في العقد القادم ,
وانعدام الثقة واستمرار العداء
ألتقليدي بينهما على مختلف
الأصعدة والجوانب السياسية
والعسكرية والاقتصادية , مما
سيدفع الطرفين لاستخدام وسائل
أكثر تقدما وبراغماتية على هذا
الصعيد تلافيا لنقض بنود تلك
الاتفاقيات المبرمة بينهما ,
وهو ما سيدخلهما لاحقا في
مواجهات قد تدفع احد الأطراف
للانسحاب من الاتفاقية او
التهديد بذلك 0 (
4 ) أن هناك العديد من الخلافات
السياسية والاقتصادية
الاستراتيجية بين الدولتين لم
تحل بعد , وخصوصا تلك التي
تتداخل ومصالح الدولتين في كل
من منطقة القوقاز والقطب
الشمالي وحدود البيت السوفيتي
القديم , وهي على سبيل المثال لا
الحصر , ولا أتصور شخصيا بان هذه
الاتفاقية او غيرها سيشكل فارقا
نوعيا في تهدئة النفوس وزيادة
العداء الاستراتيجي بين
الدولتين , مما يعني بقاء فتائل
الاشتعال الجيوسياسي على ما هي
عليه الى اجل غير مسمى ,
وبالتالي سعي كلا القوتين الى
صناعة الأسلحة الاستراتيجية
بمختلف أنواعها , وخصوصا تلك
التي تصنع الفرق في القوة
التدميرية0 ــــــــ *باحث
في الشؤون السياسية والعلاقات
الدولية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |