-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إشكاليات
الحركات القومية .. القيادة
والأحادية ـ حرق المراحل جلال
/ عقاب يحيى
تناولنا في مقال سابق واقع
النخب، على العموم، وتعرّفنا
على مجمل الظروف الموضوعية
والذاتية التي
حكمت بروزها وطبيعة دورها،
ومسببات عجزها، ورخاوتها،
وتهشّمها، وخيانتها للأهداف
والمبادئ التي حملتها ونادت
بها، وقبولها القيام بدور
المروّج والتابع والموظف لدى
نظم الاستبداد، وتسويق بضاعتها
بطرق كثيرة الالتواء
والانتهازية والتغرير .
بشكل عام، فتلك العوامل هي
ذاتها المحدد الأكبر لطبيعة
القيادات التي قادت المرحلة، مع
بعض الاستثناءات والإضافات
التي اقتضتها المهمة التي أنيطت
بها، ودورها الخاص في التعامل
مع التحديات والواقع . إذ يفترض
بالقيادات، باعتبارها المؤسس
للأفكار(أو الناقل الرئيس لها)،
والمسؤول المباشر عن صياغتها
ونشرها وترجمتها أن تكون سابقة،
وبمسافات واضحة لعموم السائد في
النخب، وأن تكون متجاوزة : وعياً
ومسلكاً القائم من بنى وعلاقات
وثقافة معيقة، ومضادة لما تحمل
..ولكن .. لكن
واقعياً يصعب، ما لم يكن يستحيل
وجود قيادات متجاوزة فعلاً
لعوائق التقدّم وتطبيق
الشعارات المطروحة،(مستوردة ـ
أو هابطة من سماء أخرى، أو
متخلّصة تماماً من إرثها) طالما
أن تلك القيادات ابنة الحالة
الشعبية التي انحدرت منها،
وطالما أنها مُشبعة بثقافة
البيئة التي نشأت فيها، والتي
تترّك آثارها، إلى هذا الحدّ أو
ذاك، فإنها تحمل في صلبها،
وقاعها ذلك الموروث المتصارع مع
الجديد، والطموح، والنوايا
الصادقة(على الأغلب) في مراحل
النشأة والتأسيس، وما قبل
الحكم، ولدى بعض الفئات التي
تبقى ماسكة جمر الإيمان، وصدق
المسلك، وجوهر المبادئ (غالباً
ما تُحاصر وتضعف أمام فيض
التحولات البنيوية المتواصلة،
وامتحانات الواقع القاسية)، وهي
هنا مختلفة عن تلك النخب
والقيادات المتأوربة،
المنخلعة، والمبهورة، كما كان
حال بعض النخب والمثقفين، وبعض
الاتجاهات الليبرالية
والوجودية التي ظلت ظاهرات
محدودة الانتشار والتأثير،
المنسحقين أمام حضارة الغرب
وعطاءاته الفكرية والسياسية،
أو المنخلعين عن جذورهم، أو
القافزين فوق الواقع والوقائع . لقد
حكمت، مجمل القيادات، إلى جانب
هذه النشأة، محددات أخرى مهمة
ترتبط بمسألة الوعي من جهة،
وفلسفة، وانتشار الأحادية(وحدة
الأداة والقيادة) التي فرّخت
الشمولية والاستبداد من جهة
أخرى . ـ مسألة
الوعي : عند قيادات الحركات
القومية كانت واحدة من
الإشكاليات البارزة في مسارها،
ومناقلاتها، وممارساتها،
ومآلها . وإذا كنا لن ندخل في
مناقشات جدلية حول أسبقية الوعي
أم المادة، وموقع وعلاقات البنى
الفوقية بالتحتية ومسطرة
قياسهما، وتأثير كلّ منهما
بالآخر، فإن الوعي : واقعياً في
بلدان متخلفة، أو سائرة في طريق
النمو(على وجه التركيز) غالباً
ما يكون سابقاً بمراحل ومسافات
طويلة لبنى
وأنماط وعلاقات الإنتاج، والذي
لا يكون، على الأغلب، إفرازها
الطبيعي ونتاجها التطوري، مما
يؤدي إلى حدوث فجوة كبيرة مرشحة
لعمليات التجاذب المختلفة،
ولقابليات الاندماج مع السائد
من جهة، أو الافتراق عنها من جهة
أخرى.. حينما يصبح، ومعه حملته،
في واد والواقع في واد آخر . لذلك
يلعب دوراً حيوياً، وساحقاً،
وقسرياً ـ إرغامياً ـ أيضاً
طالما أنه يدخل في جوهر النظرة
لموقع الذاتي من الموضوعي من
جهة، ومقولة، وما يشبه الدخول
الإجباري في إنضاج الموضوعي
وإلزامه على التكيّف مع محددات
مسبقة، والانصياع لها من جهة
أخرى .
هنا علينا أن نفتح قوساً
كبيراً للتعرّف على النظرة
اللينينية في موضوعة الوعي،
وتأثيرها الكبير على عموم
الأحزاب والقيادات الاشتراكية
والتحررية في العالم .
نعرف، في هذا المجال، أن
جوهر الثورة الاشتراكية، وفق
النظرية الماركسية ـ وأنكلز
معه، وعموم الحركات الاشتراكية
التي نهضت وفقاً لتلك الرؤى(قبل
انتصار وهيمنة الثورة البلشفية
ومنطقها، والستالينية على وجه
الخصوص)، استندت إلى مقولة
التطور الحلزوني الذي يحركه
الصراع الطبقي (محرّك التاريخ)،
وفقاً لثورات متعاقبة تقوم بها
الطبقات المضطهّدة ضد
المضطهِدة، وصولاً إلى (آخر
ثورة) ستقوم بها الطبقة
العاملة، ومنها إلى الشيوعية،
وفقاً لنمطية المراحل الخمس(من
البدائية المشاعية إلى العودة
الراقية إليها : الشيوعية)، وأن
تلك الثورات حتمية لأنها تعبير،
وإفراز نضج الظروف الموضوعية
التي تؤهل الطبقة الأساس
والمهيمنة على الإنتاج من إنجاز
ثورتها (التفصيلات والتنظيرات
كثيرة ومتشابكة بهذا الخصوص) . أي : أن
الظرف الموضوعي هو المولّد،
والمنتج، والمحرّض والدافع،
والمُفرز للثورة الاشتراكية،
والذي يأتي فيه الوعي الثوري
نتاجاً لتطور البنى الفوقية
المُستمدة من مستوى البنى
التحتية وجهوزيتها له
وللثورة(تحصيل حاصل نضال الطبقة
العاملة في تشكيلاتها الجمعوية
النتقابية ـ النضالية، وحراكها
متعدد الأشكال) . وبالتالي :
فالوعي، ورغم دوره وتأثيره، إلا
أنه ليس ريادياً، ولا قسرياً،
ولا حاملاً، وإنما عاملاَ
مُضافاً، تكميلياً ، وهو جوّاني
وليس برّانياً منقولاً إلى
البروليتاريا من خارجها . ـ لينين
في مواجهة الواقع الروسي الذي
لم تكن ظروف قوى وعلاقات
الإنتاج قد وصلت إلى النضج
المؤَهِل للثورة الاشتراكية(أي
وجود إنتاج صناعي متقدم ـ
مهيمن، وطبقة عاملة كبيرة،
متطورة) حيث وصف الحالة الروسية
بأنها : نصف رأسمالية ـ نصف
إقطاعية.. اضطرّ إلى إدخال
تعديلات جوهرية على أسّ
الماركسية، مدخلها، وأساسها :
إمكانية إنهاض العامل الذاتي
بدور الحامل للموضوعي لتحضيره،
وإنضاجه كي يكون مرغماً
(متلائماً) على القبول بالثورة
الاشتراكية، ولو عبر حلقات
وسيطة بين الثورة البرجوازية
والثورة الاشتراكية (أطلقت
تسميات كثيرة على هذه المرحلة
الوسيطة، الوسطية : الثورة
الوطنية الديمقراطية ـ
التحولات الديمقراطية
"برنامج النيب" ـ تراكب
الثورتين ـ الثورة الاشتراكية
التي تحمل داخلها، وتحقق الثورة
البرجوازية التي قبلها..) . الحامل
الذاتي هذا تمّ تعريفه، وتحديده
بأنه الحزب الثوري ـ
الطليعي(طليعة البروليتاريا)
الذي يحمل على عاتقه تثوير
الواقع، والتعبير عن برنامج
البروليتاريا، وعلى تثويرها
عبر دوره الهام في نقل الوعي
الثوري، وتنظيمها، وقيادتها
للقيام بالثورة الاشتراكية
(نيابة عنها ـ باعتباره تعبيرها
وتجسيدها، أو بتمثيلها كونه
حاملاً لنظريتها ومصالحها،
وطموحاتها بالثورة) . وقد استتبع
هذا التغيير(الذي اعتبُر لزمن
طويل اكتشاف اللينينية،
وإضافاتها الخلاقة على
الماركسية ـ ضمن إضافات أخرى في
اكتشاف الإمبريالية وعالمها
ومفرزاتها)، مجموعة كبيرة من
التعديلات والتطبيقات التي
شملت مناح نظرية وتطبيقية
عديدة، يهمنا منها، هنا، ما
يتعلق ب: الوعي، والعامل الذاتي
الخاص بالقيادات الحزبية، وحرق
المراحل التي تشكل الحاضنة
الواقعية لذلك التطاول اللاحق
في دور الحزب وقياداته، وفي
الاستفراد والانفراد،
والبيرقراطية، والأحادية
والشمولية.. وغيرها من العوامل
التي أناخت بالثورة
الاشتراكية، وأبعدت عنها قواها
الرئيس : الطبقة العاملة
والفلاحين الفقراء .
لقد بدت" نظرية" حرق
المراحل وجوبية تفرض نفسها لردم
فجوات التخلف، وإنجاز عدد من
الثورات المتداخلة ـ المتراكبة
التي تؤهل أصحابها للحاق بالغرب
الرأسمالي المتقدّم وتجاوزه،
وتحقيق السبق عليه بولوج
المرحلة الاشتراكية وما بعدها .
كما أن فكرة العامل الذاتي
القاحم والمقحم . القاسر
والمنْضِج ظهرت ضرورية للتسريع
بقيام الثورة الاشتراكية ، ومن
ثم إنجاز المهام الثقيلة
المناطة في برنامج التحولات
الكبرى نحو الاشتراكية،
فالشيوعية .
في جميع تلك الحالات فإن هذه
العملية القسرية الخطيرة هي
مراهنة من النوع الثقيل، التي
كان يحتاج النجاح فيها إلى
توفّر عوامل كثيرة(مجتمعة ـ
متضافرة) تحقق التوازن بين
أطراف معادلة شديدة الدقّة،
وبما يمنع ذلك الجنوح الخارق
نحو التفرد، والاستبداد،
وإعدام الديمقراطية، وصولاً
إلى استبدال الطبقة بالحزب،
والحزب بلجنته المركزية ومكتبه
السياسي، فالأمين العام
القدسي، المقدّس، الأبدي
المؤبّد(إفراز الستالينية بدا
وكأنه منطقي)، والبعد عن الطبقة
العاملة رغم الشعارات وحكايا
التمثيل والإنابة(فعل الوصاية
والأبوية).. فالنخر والتآكل،
والترهل، وقتل روح المبادرة..
فذلك السقوط المدوّي الذي
تضافرت له مجموعة هذه العوامل
وحصائلها، متناغمة مع ثقل
التدخل الخارجي : الإمبريالي ـ
الصهيوني ..
**** وطالما
أننا في حقل الوعي، فإن (أبناء)
النظرية الثورية التي طرحت رؤى
كلية لمجموع المسائل التي
تناولتها، جنحوا إلى تلك
الفجوات التي أغرقتهم، وأغرقت
معهم التجربة، والدولة
الاشتراكية، فكيف هو حال الوعي
في الحركات القومية المفتقدة
إلى الرؤى الشمولية، والنظرية
المتكاملة، والبنية الطبقية
المتجانسة ؟؟ ، والإعداد المكين
؟؟ .. خارج
تلك المفاعلات البنيوية التي
أشرنا إليها، وخارج الجهد
الذاتي المتفاوت بين القيادات،
وبعض الإطارات المتقدّمة، في
القراءة والدرس المعمّق
والتأمل، وتحليل الأفكار
وهضمها، وصولاُ إلى تمثلها،
وإلى مرحلة القدرة على تركيب
الأفكار الصحية، واشتقاق
المهام والبرامج المناسبة(بما
فيها المؤهلات القيادية
البارزة"الكاريزما").. فإن
الفكر القومي، بعمومه، كان
تجريبياً، التقاطياً،
تجميعياً، عامّاً لا حدود واضحة
له، يعاني الافتقار إلى النظرة
والنظرية الشمولية، والمنهج
العلمي في التحليل والتركيب،
وإلى افتقار المصادر المرجعية،
والموحّدَة في الإعداد
والتثقيف وتكوين الإطارات،
وغلبة السياسي على المعرفي،
والخطاب الجيّاش بالعواطف
والنوايا على العقلانية
والتبصّر بالمضامين والوقائع،
كما افتقر إلى الاتساق والتوحّد
داخل التركيبة الواحدة، ناهيك
عن العموم .. الأمر الذي ترك أثره
الواضح في سويات الوعي : عمقاً،
وقدرة وتمثلاً، وحتى وعي
الانتماء ومقتضياته، وتبايناً
كبيراً على القيادة، والتحوّل
من الشعارات والمقولات العامة
إلى التخصيص .. كان
واضحاً، على سبيل المثال، أن
هناك إشكاليات مشربكة في النظرة
إلى الأمة وعوامل وجودها
ومكوناتها، وتكوينها التاريخي،
وبلوراتها، وموقع الأصول
العرقية، والدين، وتعريف الشعب
والشعوب (تطرقنّا إلى موجز ذلك
سابقاً)، بل إن الوحدة التي شكلت
حجر الرحى ومنطلق معظم تلك
الحركات عانت، بدورها
العمومية، والخلط في المفاهيم،
والمراحل، والأوضاع المتفاوتة،
وفي أشكال التحقق، ومضمونها،
والنظام الأفضل الذي يقوم .
ويمكن قياس ذلك على بقية
الأهداف المركزية : الحرية
المغتالة بفلسفة الأحادية
والشمولية وحرق المراحل ووحدة
الأداة والقيادة والمنظمات
الشعبية الدائرة في فلك الحزب
والنظام، والاشتراكية التائهة
بين الإصلاح الزراعي،
والتأميم(وما لحقه من فوضى
اعتباطية وردود فعل تفتقر إلى
الدراسة والفهم)، ونوع من
رأسمالية الدولة، والمقولات
المختلفة عن" الاشتراكية
العربية"، أو" الطريق
العربي إلى الاشتراكية"، وخط
مسار تطور بعض القوى القومية
اليساري باتجاه الالتزام ببعض
أفكار وصيغ النظرية
الثورية(اختيار ما ينسب)، كنوع
من الانتقائية والتجريبية،
والمراوحة المبلبلة في النظرة
إلى البعد الأممي، والمآل،
وموقع التناقضات الرئيسة
والثانوية في الصراع الأساسي
الذي يشمل العالم ويرغم الجميع
على التعاطي معه بغض النظر عن
الإقرار، أو الإيمان به.. وغيره
من القضايا التأسيسية النظرية
والفلسفية، والفكرية، وحتى
السياسية، وركوب الحالة
الدينية عندما يقتضي الحال في
محاولة لتشكيل توليفة مُشبعة
بالتناقض والاهتزاز والإرغام
والترقيع .. قصور
الوعي لا يقتصر على الجانب
النظري الخاص بالأهداف
والمبادئ الكبرى المرفوعة
وحسب، بل يطال مفاهيم واقعية ـ
عملية، مثل : الدولة ومكانها
ومصالحها العليا، وحدود
تقاطعها وانفصالها(استقلالها)
عن النظام الحاكم ـ شكل ومحتوى
الحكم ـ موقع ودور الدستور
والقوانين الناظمة ـ السلطات
وحدودها فيما بينها(بما في ذلك
موقع الحزب الحاكم ودوره
المباشر، وحدوده مع السلطة
والوزارات والمؤسسات) ـ أهمية
البرنامج ومَرْحَلة المهام
وتحديدها وفقاً لأفق رؤيوي يشير
إلى موقع التحولات في مسار
الصيرورات المنشودة ـ التكتيك
وموقعه من الاستراتيجية
وأشكاله وتبايناته وحدوده
وسقوفه ..إلخ ـ الحزب والجماهير،
والجماهير وما يحكى عن
الديمقراطية الشعبية،
والديمقراطية الثورية، وموقع
الحراك الطبيعي من الموضّب،
والمقسور والمفروض، والحزب
والمرحلة، والحزب والقوى
الأخرى التي يفرزها الواقع
الموضوعي رغماً عن كل قرارات
المنع والشطب وعدم الاعتراف ـ
مفهوم الحرية الاجتماعية
ودلالاتها وعلاقاتها بالحرية
الاقتصادية، وبحراك الشعب
ورغباته، والبنى
الفوقية(السلطة هنا وما يخضع
لها) وعلاقتها بالبنى التحتية :
القاعدة المادية وأنماط
الإنتاج، والجماهير وتنظيماتها
الفوقية المقرّة والمقررة من
السلطات الحاكمة ـ الدين
والمذاهب وموقعهما من الدولة
والسلطة والمجتمع، وعمليات
التغيير، والتثويرـ الأقليات
القومية وحقوقها .. إلخ .. إلخ .. ولئن
كانت أمهات القضايا العقائدية،
والفكرية والسياسية تعاني
الغموض والبلبلة والعمومية،
والتجريبية، فمن الطبيعي أن
ينعكس ذلك مباشرة على نوعية
الوعي ومستواه ومقدراته
وتفاوتاته داخل الحزب الواحد،
والقيادة الواحدة، والشخص
الواحد الخاضع لسيرورة من
التطورات المختلفة(تقدّماً
يتجاوز جذرياً المألوف، أم
مراوحة وتمسّكاً بالقديم الذي
تتجاوزه التطورات والأحداث
والضرورات، وبما يعكسآلية
التفكير، وحجم المصالح الخاصة
الواعية أو المتداخلة، ويقوّي
المعني في دوائر نفوذه، أم
تراجعاً إلى ما قبل ماضوية)، وأن
يكون هذا الحزب
عاجزاً(موضوعياً) عن إعداد
أعضائه الإعداد المطلوب الذي
يليق بمستوى المكانة والمهام،
والتحدّيات المطروحة والمفروضة
: القائمة منها والطارئة
والمتراكبة، ناهيك عن
التفاوتات فيه، والاختلاف،
وحتى التناقض الذي لا يسمح
بوحدة فكرية (وحتى سياسية)، كما
تنصّ عليه(المركزية
الديمقراطية)، وتفرضه نمطية
النظام الداخلي التي تمنع
التعددية في القضايا الرئيسة،
وتعرّض أصحابها للحَجر والفصل،
أو النزوح.. والتي كانت واحدة من
عوامل ذلك النزيف المريع الذي
شهدته الأحزاب القومية من خروج
وهجرة وتطفيش، أو فصل عديد
قيادييها وإطاراتها المتقدمة
لهذا السبب الهام .(هناك أسباب
عديدة أخرى) . ـ هذا
على الصعيد العام، وفي الدخول
إلى الخاص المتعلق بطبيعة
القيادات وموقعها من الوعي(ونحن
نتناول الأمور بعمويتها،
وبظواهرها الرائجة التي تتجاوز
الاستثناءات)، فكما ذكرنا في
الحديث عن النخب وولادتها، فإن
جلّ قيادات الحركات القومية هي
من منشأ برجوازي متوسط وصغير(مع
بعض المتمردين على طبقتهم
البرجوازية والإقطاعية)، ومن
أبناء وجهاء وشبه ميسورين
ومتنفذين : عشائرياً ومذهبياً
واجتماعياً(ناهيك عن موقع
العسكريين وأحوالهم)، ومعظمهم
كان في سنّ الشباب المتقّد
حماساً واندفاعاً، والذي يفتقر
إلى الخبرة والحكمة والتأمل
والوعي الناضج، وفهم الواقع
جيداً، والممكن والمتدرّج،
والممكن الراهن، والممكن
الصيرورة.. بما وسم تلك القيادات
بالاندفاع على العموم، وبالخلط
بين الأهداف والإمكانات . بين
المهام والممكن . بين الشعارات
المرفوعة وأدوات وإمكانات
التحقيق . بين الكل والجزء .
الدولة والسلطة . الأماني
والحقائق، ناهيك عن القابلية
للمغامرة، وعدم الحساب
والتحسّب لموازين القوى،
والموانع الفعلية المانعة من
تحقيق التحولات الكبرى، أو
عوامل النصر والهزيمة في مواجهة
الخصوم والأعداء، خاصة العدو
الصهيوني والإمبريالية ومظاهر
وجودها، وتآمرها، واعتداءاتها،
وأمور أخرى ظهرت فجواتها
الكبيرة في الممارسة، ومحاولات
التجريب والتطوير، وعبر
مستويات متعددة من الصراعات
والانشقاقات .. ـ ناهيك
عن أن تلك الطبيعة الانفعالية،
الرجراجة، المليئة بالطموح
العام والذاتي.. مرشحة لآلية
معقّدة من المناقلات والتحولات
فيها، تتخذ منحنيات متعرّجة، أي
عدم الاستقرار والثبات، فتلجأ
إلى سواتر لتغطية مسارها، أو
مواقعها الجديدة التي غالباً ما
تتمثل بتشديد الخطاب اللفظي
الناري، والإكثار من الشعارات
المغشوشة المجوّفة ، بينما يكون
عديدها قد انتقل إلى مواقع
طبقية أخرى لا علاقة لها بما
كان، وبما يدّعي، وتكون السلطة
الميدان الرحب لهذا الفرز
الصاعد، خصوصاً في ظل غياب
المحاسبة والشفافية،
والديمقراطية، والمشاركة
الشعبية، والتي تبحث عن مجالات
للتعبير.. حتى إذا ما أتيحت
الظروف المناسبة قامت
بانقلابها المكشوف (يطلق تعبير
ردّة، وهو تعبير غير دقيق)، على
جوهر عقائدها السابقة، لإقامة
شكل جديد من أنماط الحكم
البرجوازي ـ البيرقراطي
المسيطر على جميع القرارات
والميادين، والمسلح بالقمع
المنهجي المركّز، وبالأجهزة
الفوقية الآمرة، وبشبكة من
العلاقات والارتباطات المتخلفة
من الأقارب والمقربين،
والعشيرة والمنطقة والطائفة
وغيرها، ومصادرة الحريات
العامة، والمتاجرة بالشعارات
والأحلام وقضايا الأمة كلها . ـ إن
السمة العامة لتلك التحولات هي
نوع من رأسمالية الدولة، وطالما
أن الممسكين بالقرار،
والمشرفين على التطبيق هم(الحزب
الحاكم، ولو شكلاً وستاراً)
وحواشيه نيابة عن الطبقات
المعنية.. فإن الطبيعي حدوث
تحولات كبرى في تلك الطواقم
المشرفة والمسؤولة على عملية
التحوّل لمصلحتها الخاصة
بالأساس، وبما يوفّر الأرضية
المناسبة لنمو جديد يبحث عن فرص
الانخلاع والتخلص من أسار
الماضي وحدوده..عبر سلسلة من
الانشقاقات والصراعات الداخلية
التي يُزجّ فيها كل ما هو ممكن
للتغطية، والمَسْرَحة،
والإخراج ، والانتصار . ـ الوعي
الانتقائي يملك قابليات أكبر
على الذبذبة والتغيير، وطالما
أن ميادين التجريب مفتوحة،
ومدعّمة بإغراءات السلطة
ومنافعها، فإن آلاف المبررات
تطرح ثقلها في سيرورة التشكلات
الداخلية التي هي حمل مشروع
لتلك البنى . حَمْل جديد لأنوية
برجوازية استبدادية من طراز
خاص، خالية من البعد
الديمقراطي، ومن الملكية
الخاصة لوسائل الإنتاج،
والتنافس الإنتاجي ووما يحمله
من أخطار، ويستلزمه من جهد،
ودوره التقدمي في البنيان
الاقتصادي والاجتماعي، وحاجته
الماسّة إلى مساحة من الحرية..
وأخرى تحاول الإخلاص لأفكارها
والعمل على تجذيرها، والالتحاق
بمواقع الفقراء من العمال
والفلاحين وغيرهم ..أي أن ذلك
الوعي وهو يعيش مخاضاته يتفسّخ
ولا يقدر على الصمود، وعليه إما
القيام بعمليات إصلاحية ـ
ترقيعية تسوّقها السلطة
الحاكمة بما لديها من قوة الفرض
والتعمية والغشّ، والتحكم
بمصائر البشر ولقمة عيشهم، وإما
التحول الجذري باتجاه
آخر يستلزم جملة شروط
ومناخات ..
**** ـ حرق
المراحل ـ الأحادية ـ الاستبداد
المكين .... ولئن
حتّمت ظروف روسيا على لينين تلك
التعديلات الخطيرة التي فلتت من
بين المقاصد المرسومة لها بعد
وفاته المبكرة وصعود، وسيطرة
الستالينية.. فإن الوضعية في
بلدان(العالم الثالث)، والحركات
القومية كانت أكثر بؤساً،
وقسوة، وكارثية، أيضاً، على
مختلف الصُعد، حيث تضافرت عوامل
إضافية لإنتاج وضعية غريبة،
مدججة بالقهر، والنهب،
والإفساد، والهزائم الوطنية
والقومية، وبالفوات الشامل،
وتقويض البنيان الوطني،
والوحدة الوطنية، وفرض أنماط
إنتاجية استهلاكية، ويناء
معرفي قائم على تقديس وتأبيد
الفرد، وإلغاء الآخر، والشعب،
وإحلال الأجهزة القمعية مكان
المؤسسات الصورية ـ التصفيقية،
البصمية، بما أعاد تلك البلدان
إلى مراحل موغلة في التخلف
والماضوية المنهوشة بالتناحرات
الدينية والمذهبية والقومية،
والنهبية المافيوزية، المختبئة
في سراديب الخوف، والعلاقات
المستورة في قاع المجتمع . وكما
قلنا بقدر ما كانت فكرة وفلسفة
حرق المراحل شائعة عالمياً،
وتبدو ضرورية، وشبه إجبارية من
خلال الخيار الوحيد لاستكمال
مرحلة التحرر الوطني والقومي،
وبناء اقتصاد متطور يحقق
الاستقلال الفعلي.. بقدر ما حملت
معها منتوجها، ومقتضياتها،
وإفرازاتها الخطيرة الشمولية .
لقد سيطر النظام الرأسمالي على
العالم، وارتبط وجوده بحركة
الاستعمار المتطورة إلى
إمبريالية نهبية، احتلالية،
ولهذا لم يكن منطقياً، ولا
مقبولاً ، أو ممكناً أن تنحو
حركات التحرر الوطني والقومي
منحاه، أو أن تلتحق به لتبقى في
ذيله، وفي إطار(المتروبول)، ولم
يكن أمامها سوى انتهاج الطريق
الآخر الذي كانت تقوده المنظومة
الاشتراكية، وتقدّم فيه الكثير
من المساعدات النظرية
والاقتصادية والسياسية
والعسكرية وغيرها .
ونعرف أنه بعد الثورة
البلشفية، وانتصار الاشتراكية
وانتشارها في عدد هام من
البلدان، انقسم العالم إلى
محورين رئيسيين يمثل كل قطب
فيهما نظاماً مختلفاً عن الآخر
يدعو، ويفرض على جميع الشعوب
والقوى الالتحاق به حتى وإن
كانت مستويات تطورها دون ذلك
بمراحل، وإن كانت تشكيلاتها ما
قبل رأسمالية وقومية وغيرها .
ناهيك عن الخصوصية العربية فيما
يتعلق بكثافة الهيمنة
الإمبريالية في الوطن العربي،
ووجود استراتيجيات واضحة
لاستمرار السيطرة ونهب ثرواته،
وتفتيت قواه، وضرب توجهاته
الوحدوية والتحررية، والتي
يمثل فيها كيان الاغتصاب
الاستيطاني الخلاصة، والتجسيد
العياني، والتعبير الصارخ عن
التواطؤ الغربي وتآمره، وحرصه
على تحويل ذلك الكيان إلى قاعدة
متقدّمة ـ استنزافية بكل ما
تعنيه الكلمة من مفردات، وما
تحمله من خصوصية المشروع
الصهيوني في إطار وحدة المشروع
الإمبريالي .
ورغم محاولات بعض الزعامات
والقوى انتهاج طريق ثالث فيما
عُرف بحركة الحياد، فالحياد
الإيجابي، فعدم الانحياز
بمساهمة ريادية من الزعيم عبد
الناصر ونهرو وتيتو(ودعم صيني
له أسبابه الخاصة)، إلا أنه كان
يستحيل على تلك البلدان وغيرها
أن تخرج في أنماط إنتاجها عن
النظامين المسيطرين على العالم
: الرأسمالي أم الاشتراكي (رغم
بعض الاجتهادات ومحاولات
التمايز في التطبيق، وبعض
الاختلاطات والتجارب، والإشهار
الإعلامي، والنوايا الذاتية)،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن
قوى عدم الانحياز كانت منحازة
فعلاً لأحد المعسكرين : محتوى
اقتصادياً، أم في الموقف
السياسي، لذلك غلبت عليها
الواجهية، وعجزت، بالتالي، عن
تشكيل نظام بديل .. لهذه
الأسباب مجتمعة لم يكن أمام
حركات التحرر القومي من طريق
سوى اتبّاع الخيار المعمم في
المنظومة الاشتراكية . خيار
التحولات (الاشتراكية)، وفلسفة
" حرق المراحل" لتهيّئة
الظروف للانتقال
إلى(الاشتراكية)، وعبر وحدة
الأداة والقيادة، والشمولية في
التخطيط والتنفيذ، والمركزة في
المؤسسات والقرارات، والأحادية
التي لا تقبل شريكاً، أو
تعددية، أو تبايناً في المواقف
والرأي (وحتى بالاجتهاد المختلف
أحياناً)، وفقاً لتلك الفلسفة
التي أرست أسسها ثورة أكتوبر
الروسية، ونخصّ منها هنا : موقع
العامل الذاتي، وحرق المراحل
ومقتضياتها، وأدواتها،
ونتائجها، وفرض الحزب الواحد
قائداً، ومصدراً للسلطات
.
جوهر تلك الفلسفة يقوم على
مرتكز : وحدة القيادة والأداة،
والقرارات الفوقية الصارمة حتى
لو دخلت عباءة الشعارات
الشعبوية، وفكرة الخطط الخمسية
وغيرها . وحدة الأداة حتى لو
كانت القيادة فيها
جماعية(نادرة، وشكلية، ومرحلية)
تعني الفرض بالقوة للحزب الحاكم
بأن يكون الحاكم بأمره، صاحب
الحق والامتياز في التحكّم
بمصائر البلد والشعب دونما عودة
إليه، أو مشاركته فعلياً، سوى
عبر تلك الآلية المقننة من
"التنظيمات الشعبية" التي
يتحكّم فيها وفي تنصيب قيادتها
وإخضاعها حرفياً، وإتباعها
مباشرة له، وبروز الفردية
المتضخمة التي انتفخت إلى درجة
تهميش الآخرين، بما في ذلك
مؤسسات الحزب وأنظمته
الداخلية، وصولاً إلى الدولة
وموقعها.. فما الذي حدث ؟؟.. ـ أولاً
: إن طريقة الوصول إلى الحكم لم
تكن عبر تطور طبيعي، أو من خلال
هيمنة اقتصادية، أو سياسية، أو
بانتخابات مباشرة لقوى
اجتماعية تمثّل أكثرية في
المجتمع، ولا بثورات شعبية،
وإنما عبر انقلابات عسكرية
مباشرة يقوم بها نفرٌ من الضباط
لصالحهم(الحالات السورية
السابقة على 1963 ـ الحالة
المصرية، وعراق ال1958 ـ الحالة
الليبية منذ عام 1969 )، أو لصالح
جهة حزبية ينتمون إليها أو
يتعاطفون معها، وقد يشاركهم
الحزب المدني ببعض الجهد أثناء
الانقضاض(سورية والعراق) .
الحالة
العسكرية تفرض منطقها، وشروطها
حتى لو سلّمت القياد للمدنيين .
ففي الحالة المصرية بدأت عسكرية
بحتة، وبوعود إعادة العمل
بالدستور، والأحزاب، لكنها
سرعان ما تمسّكت بالحكم وحلّت
الأحزاب، ووزعت "مجلس قيادة
الثورة" على الوزارات
الرئيسة والمفاصل الهامة، ثم
اكتشفت حاجتها لإطار سياسي،
فأنشأت حزبها، ومن ثم انتقلت من
حالة عسكرية إلى ما يمكن
اعتباره ثورة(بالنظر إلى أنها
أنهت الملكية وشرّعنت
الجمهورية، وإلى ما أنجزته، وما
عرفته من تطورات وتحولات، وإلى
مجابهاتها المفتوحة مع
الاستعمار وأحلافه ومشاريعه،
ثم السير في تأميم قناة السويس،
ومنها إلى جملة التحولات الكبرى
في الزراعة والصناعة والتعليم،
وعموم الميادين) . بينما تمثّل
الحالة الليبية محاولة للتقليد
في غير المكان والأوان والشروط،
والزعامة، والمرحلة، والحالة
السودانية"النميرية" عرفت
شقلبات أعادتها إلى مواقع أخرى
مغايرة تماماً، ثم إلى حالة
دينية ملتبسة مع الخلفية
العسكرية، بينما مثّلت الحالة
الصومالية إحدى الفواجع بما آلت
إليه . ـ في
سورية، و(العراق، إلى حدّ كبير)،
كانت الحالة واضحة : انقلاب
عسكري(سورية) ينهض من خلال تحالف
هشّ بين ضباط بعثيين وناصريين
ومستقلين بهدف إنهاء الانفصال،
ثم يبدأ الخلاف حول المرحلة
اللاحقة ما بين دعاة إعادة
الوحدة الفورية مع مصر(كما كان
الوضع قبل الانفصال)، وما بين
دعاة دراسة تلك التجربة والوقوف
عند أخطائها وعوامل إجهاضها،
والاستعاضة عن الوحدة الفورية
بوحدة تدرّجية، أو اتحادية،
خصوصاً وأن حركة(14 رمضان ـ 8 شباط
1963) التي أوصلت البعث إلى الحكم
في العراق كانت طرفاً ثالثاً
يرجّح الكفّة البعثية فيما
تطرح، وترجماتها في (ميثاق 17
نيسان 1963 المُجهض) .
التحالف المؤقت لا يعمّر
طويلاً(بضعة أشهر)، والبعث
ينفرد بالحكم، أو يتصدّر
الواجهة قابلاً بمنح العسكر
التغطية، وإصباغ مشروعيته
عليها، بينما يسقط في العراق
بعد أشهر، ويعاود الرجوع، بظروف
انقسامية مع بعث دمشق عام 1968،
وعبر تحالفات فجّة مع أطراف في
الحكم يتمّ تصفيتها خلال أيام(18
ـ 30 تموز) . في
الحالة المصرية كانت شخصية عبد
الناصر الطاغية، وشعبويته
الكاسحة التي ندر أن التفّت حول
زعيم مثله، وتطوره الفكري
والسياسي، وموقع وثقل مصر،
وطبيعة مرحلة النهوض التي
انتعشت فيها حركات التحرر
الوطني والقومي(الجزائر ـ
المغرب وتونس ـ اليمن الجنوبي ـ
اليمن الشمالي ـ الأردن وفلسطين
ـ مناطق الخليج العربي وذاك
الحراك المتصاعد للتغيير
ومواجهة الوجود الاستعماري
وحلفائه في عموم الوطن العربي،
فالثورة الفلسطينية الحديثة..)
عوامل تساعد على بلورة شخصية
عبد الناصر كرمز من رموز
التحرر، وقائد(بشخصه)لا ينافسه
أحد على زعامة الحركة العربية،
كما ساعدت تحوّل ذلك الانقلاب
العسكري إلى ما يمكن اعتباره
ثورة اجتماعية أنجزت الكثير،
وفقاً لتلك الرؤى المتعرّجة،
المتطورة، وإن اعتمدت الشائع في
التأميم ومصادرة الأرض
وتوزيعها على الفلاحين،
ورأسمالية الدولة المتبخترة
بإدارييها ومسؤوليها من القوى
الحاكمة والقوى الطبقية
الجديدة الصاعدة، والتي زاوجت
تلك الإنجازات بالمواجهات
العسكرية، أو ميادين التصدي
للنفوذ الاستعماري ومشاريعه
الجديدة.. وبما رفع هذه الحالة
كواجهة للتغطية،
وامتحان مباشر.. وسط زخم جماهيري
لم تعرفه المنطقة لا من قبل ولا
من بعد .
ورغم كمّ الإنجازات الكبرى
التي أحدثتها الحالة المصرية في
المجتمع المصري، وتأثيراتها
الكبيرة في عموم الساحة
العربية، ووصول صداها إلى
المجال العالمي، وطغيان شخصية
عبد الناصر القيادية ـ
المحبوبة، المتطورة ، والمرشحة
لابتلاع الأخطاء، ومكامن
الضعف، والقصور.. فقد أظهرت
الامتحانات العسيرة(خاصة
الحروب التي خاضتها : عدوان ال1956
ـ التجربة المصرية السورية ـ
حرب اليمن 1961 ـ وقوفاً عند
حزيران 1967 وهزيمته المدوّية)
تناقض القوى الحاكمة وصراع
مراكز القوى فيها بما يصل حدود
الشلل، وحدود شكلانية تلك
الزعامة على الجيش والقرارات
المصيرية . كما أظهرت الوفاة
المفاجئة للزعيم عبد الناصر
طبيعة القوى النافذة التي تعكس
بجلاء بنية برجوازية صغيرة
ووسطى صاعدة لديها قابليات
كبيرة على الانخلاع، وخيانة كل
ما أنجز، وما يُرفع من شعارات،
وهي قوى نشأت وترعرعت واغتنت
داخل النظام(القطط السمان التي
تلتهم القطاع العام، وتنهب
المال العام) والتي كان السادات
(نائب الرئيس المرسّم) تعبيرها
الحاد والفظ، والصريح، بينما لم
تستطع القوى الأخرى الصمود،
وكبح جماح (الردّة الشاملة) .
الحالة المصرية، في هذه
العُجالة، لا تخرج عن غيرها من
التجارب المشابهة. على العكس،
فهنا نلاحظ أن الافتقار إلى
حزب(تاريخي) له قواعده
المتجذرة، وإيديولوجيته، وخطه
وبرنامجه السياسي، وليس من
تصنيع السلطة الحاكمة، ناهيك عن
الاعتماد الكلي على شخصية
الزعيم ـ الفرد ـ القائد،
والأحادية المنهوشة
بالانتهازية، وثقل الأجهزة
الأمنية ودورها، وبالبيرقراطية
التراتبية.. جعلت كل ذلك البناء
، والإنجازات فوق رمال متحركة
مرشّحة للاندثار والطمي، حيث
أنها بغياب القائد ـ المحرّك،
والضمانة تهاوت بسرعة، وسلّمت
قيادها، ومصير البلد(وحتى مصير
الوضع العربي) إلى مجموعة
السادات وما يمثل من قوى ولدت في
رحم النظام.. والذي نجح في تقويض
أركان تلك التجربة في عموم
الميادين دون أن تقدر الجماهير،
صاحبة المصلحة فيها، كفّ يده،
أو الدفاع عن حقوقها، لأنها
بالأصل تمّت في غيابها،
وبالنيابة عنها، وباسمها، وليس
من خلال مشاركتها . ـ
الحالة السورية والعراقية(خاصة
السورية) أكثر فصاحة في التعبير
عن تلك الإشكاليات، وما ولّدته .
فالانقلاب العسكري يستدعي
حزباً لُمْلم على جناح
السرعة(بعد حله مهراً للوحدة،
وبعد ما حدث فيه من خلخلات
وانقسامات وفوضى) ويقبل الحزب
أن يكون الغطاء في حين لم يكن
قادراً : لا من حيث العدد
والقيادات والأطر، ولا في
البرنامج، والنظرة، على تولي
مسؤولية حكم في بلد كسورية التي
تضطرم فيها شتى المشاريع
والتفاعلات، فبدأت صراعات
المراكز والاتجاهات تأخذ
مدياتها الصاخبة، العنيفة،
وصولاً إلى الانقسام الكبير
الذي حدث في الثالث والعشرين من
شباط 1966 بانتصار الخط اليساري،
الداعي إلى التجذير، ومعالجة
الفجوات بالمزيد من الشعارات
الثورية، ومحاولات الاقتراب من
النظرية العلمية، وطرح كمّ كبير
من المهام والأفكار النارية،
بما فيها: وضع تحرير فلسطين على
جدول التنفيذ، والذي أناخته
الهزيمة الحزيرانية، وفكفكت
توجهاته، ومحاولاته .. حين ولّدت
الهزيمة، وطرق معالجتها،
ونتائجها..تكتلاً عسكرياً من
رحم تلك القيادة.. تمكّن، خلال
سنوات، من الإطاحة بكل محاولات
وضع حدّ له، ثم الانقضاض السهل
بانقلاب عسكري أبيض يتمرّد فيه
علانية على أعلى مؤسسة حزبية لم
يكن حبر انعقادها وقراراتها قد
جفّ بعد ..(وهذا موضوع آخر) . ـ في
اليمن الجنوبي كانت الحالة
مختلفة، حيث أن الجبهة
القومية(سليلة القوميين العرب)
خاضت كفاحاً مسلحاً ضد الاحتلال
البريطاني.. بدعم عربي مؤثر من
الأنظمة والقوى التقدمية..
وأنجزت استقلال الجنوب .. لكن تلك
التجربة الخاصة.. اصطدمت
بمعيقاتها أولاً : ذلك البنيان
الداخلي الهشّ المنتقل
باندفاعة قوية إلى مواقع
الالتزام بالنظرية الثورية دون
أخذ بالاعتبار لوضعية الحزب
وقدراته، والمجتمع اليمني
وقابلياته وقواه الطبقية،
وخلوّه من طبقة عاملة متعضدّية،
وفهم الواقع جيداً، فكان
انتحارها المؤسف على يد أبنائها
القياديين.. عبر تلك الحروب
التصفوية الدامية التي
استُخدمت فيها كل أسلحة المجتمع
المتخلف.. والتي أنتجت نزيفاً
وخسائر لا تعوّض في إطاراتها
القيادية المؤسسة.. مما اضطر
بقاياها إلى الانضمام مع الشمال
في خطوة وحدوية ظاهرها إنجاز
تاريخي بوحدة الشطرين، وباطنها
يحمل مفاعلات تلك الأزمة . ـ لم
نركّز كثيراً على التجربة
الجزائرية لأن جبهة التحرير
الوطني التي قادت مرحلة الكفاح
لانتزاع استقلال الجزائر لم تكن
قومية الأديولوجيا والتنظيم
والأفق، وهي وإن اعتبرت الجزائر
جزءاً من وطن عربي وإسلامي، وإن
شاركت، بعد الاستقلال، بجميع
المعارك التي خيضت ضد الكيان
الصهيوني، وفي دعم الثورة
الفلسطينية وقضايا التحرر
العربي، إلا أن السمة الجزائرية
هي المنطلق والإطار(رغم تشابه
بناها وسيروراتها ومآلها مع
بقية التجارب المماثلة، بما في
ذلك الا نقلاب العسكري الذي
قاده وزير الدفاع أبو مدين على
الرئيس بن بلّة، وتركيز القرار
بيد مجلس قيادة الثورة المستند
إلى الجيش) .. ـ وبشكل
ما فمعظم الأحزاب العربية،
خصوصاً في بلدان المغرب العربي،
كانت قطرية المنشأ
والبرنامج(عدا امتدادات البعث)،
وإن حمل عديدها تطلعات عربية
وحدوية، في حين لم نتوقف عند
بقية الأحزاب العربية المنتشرة
في عموم الساحات : كامتداد لتلك
الرئيسة، أو كأحزاب قطرية بآفاق
متعددة . ـ
ثانياً : نلاحظ أن تلك القوى
جميعها لا تمثل أكثرية طبقية أو
اجتماعية، بل ولا طبقة مستقرة ـ
متجانسة لها موقعها الواضح في
العملية الإنتاجية، فهي
شرائحية، تغلب عليها الفئات
النخبوية المدنية بامتدادات
شعبية، وسيطرة عسكرية مندمجة،
أو راكبة عليها . ورغم الحالة
الشعبية التي انتزعها عبد
الناصر(وهي ظاهرة).. إلا أن القوى
الفعلية الحاكمة أقلية، مثلما
هي مرتكزاتها الأساس في جميع
المقاييس . ولأنها كذلك، ولأنها
ترفض انتخابات ديمقراطية
مباشرة يحدد الشعب فيها من
يختاره ممثلاً له، ولأن قاعدتها
الاجتماعية متغيّرة، متحركة..
انتهجت الفرض والأحادية خياراً
قسرياً أدخلها لجاجه فأوغلت
فيه، و(تفننت) في سراديبه
ووسائله .
الأقلوية تبحث عن مبررات
مشروعة لتفرّدها،
فكانت(الشرعية الثورية)، وأكوام
الشعارات المتلاحقة :
الديمقراطية الثورية ـ الحزب
القائد ـ الشعب المنظّم ـ حرق
المراحل ـ وحدة الأداة ـ
الطليعة والنخبة..إلخ.. ترسانة
من الحجج للتغطية على تلك
العملية القسرية التي فرضتها
تلك الحالة الموصوفة . وبالوقت
نفسه فإن اللجوء إلى التفسير
البوليسي للوقائع والأحداث
والتاريخ، وتنصيب المؤامرة
الخارجية دريئة لتصويب
الاتهامات ضد الناقدين
والخصوم، أو تبرير الهزائم
والإخفاقات والسلبيات بحجم
الذهن السائد المحقون بذلك
التصوّر الذي يصل إلى حد الهوس،
وإلى صناعة
مشجب عملاق يتسع لتعليق كل شيء
عليه .
الأحادية تستمدّ نسغاً
بنكهة خاصة من الاستبداد الشرقي
المكين المهيمن على الثقافة
الشعبية الرائجة، ومكوّنات
الفرد، الذي يمنح الحاكمية
نوعاً من الشرعية،
والقدسية(يختلط التاريخي
بالديني)، ويغضّ العين عن
صلاحيات مطلقة طالما كانت
مألوفة وشائعة في طيّات
التاريخ، وحاضرة في الثقافة
والمخيال، والتبرير . لذلك فإن
الأحادية هنا تفرز التغوّل
الذاتي(أفراداً وحكاماً وأعضاء
حزب منتقين لمهام عليا، وملحقات
واجبة في الأجهزة الحامية ـ
السند)، حين يصبح الحزب مجرد
واجهة ومركوب، والجماهير غطاءً
فضفاضاً، فتتهاوى
المؤسسات،(وأولها الدولة) على
حساب الضرورات المخترعة، ويكبر
الفرد ثم يُكبّر إلى مستوى
القدسي المقدّس، المحرّم،
المبجّل وكثيراً
ما يصبح الدولة والنظام
والبلد، ويتحوّل القطاع العام
إلى سند لدعم الفئة الحاكمة،
ومزرعة للنهب والاستثمار
وتكوين الأثرياء الجدد .
الأقلوية الخائفة من
الأكثرية، العاجزة عن التحول
لأكثرية، رغماً عن كل الأقاويل
والشعارات المرفوعة، وعن
ادعاءات الالتفاف الشعبي
حولها(مظاهر ذلك الالتفاف
مألوفة من خلال قدرة الأجهزة
على الحشد، وطبيعة البنى
الشعبية المدمنة على هذا النوع
من النفاق) تستعيض عن ذلك بوسائل
القوة والرهاب، وأفضلها،
وأكثرها نجاعة : أجهزة الأمن
والجيش، وما يتبع لها من أجهزة
بيرقراطية وجيوش من المثقفين
المرتزقين . وطالما
أن الأجهزة الأمنية الضامن
الموثوق لاستمرار الحكم
والقضاء على الخصوم، والأعداء
الحقيقيين والمفترضين
والموهومين.. تتغوّل تلك
الأجهزة وتتسع عدداً وصلاحيات
وتدخلاً في الحياة اليومية .
زادها وخبزها اليومي بثّ الذعر
والخوف حيثما ذكر اسمها، وحيثما
تحرّكت واغتالت حقوق البشر،
وداست على كراماتهم، واعتقلت
على الشبهة والمزاج، وألقت في
سجونها المتسعة ذلك المواطن
المسحوق دون تهمة أو محاكمة،
وعبر تعرّضه لوسائل تشتلع
الآدمية وتحوّله إلى بقايا،
وإلى دجاج المزارع المقصوصة
المنقار، التي تنتظر الذبح
بالجملة.. في حين يبقى الصخب
قوياً عن حريّات الإنسان
وحقوقه، وعن التقدّم، وخيرات
النظام وحرصه على تحقيق مصالح
الشعب، وحماية قضاياه ... إلخ . وبالوقت
نفسه، وطالما أن الجيش هو
المؤسسة الأكثر قوة وفعالية،
وتنظيماً، وقدرة على الضبط
والربط وتنفيذ الأوامر.. يزجّ به
ليكون حامي حمى النظام، ورأس
حربته الموجّهة ضد المعارضين
والمخالفين و(مصدر الخطر عليه)..
ليتحوّل بذلك دوره الطبيعي
الذي وُجد من أجله كمسؤول عن
حماية التراب الوطني وتحرير
الأرض المحتلة.. إلى قاعدة
ارتكاز النظام الحاكم، بما يزيد
شهيته المفتوحة للتدخل في
الحياة السياسية واليومية،
وإهمال واجبه الأساس.. الأمر
الذي يظهر في المواجهات مع
العدو الخارجي عبر تلك الهزائم
البائسة .
الأقلوية
ذاتها بحاجة إلى ظرف استثنائي
تستبيح فيه حتى القوانين
والتشريعات التي
تضعها(للاستهلاك والامتصاص،
وشرعنة وجودها) كالدستور
المفصّل على قدّها، وعموم
التشريعات التي تفرضها بقوانين
أو عبر مجالس صورية مصنّعة
بانتخابات مقررة النتائج
سلفاً، لذلك تلجأ إلى الأحكام
العرفية وقوانين الطوارئ
لمنحها المزيد من البحبوحة في
إحكام قبضتها على الوضع من جميع
الجوانب، وممارسة تجاوزاتها
تحت تلك الظلال والحراب، وتحويل
المعارضين إلى محاكم ميدانية
وعسكرية تفتقر إلى الحدّ الأدنى
من شروط المحاكمات،
وحقوق(المتهم)، وإصدار أقصى
الأحكام التي غالباً ما تنفّذ
في الوقت والمكان الذي تعقد
فيها تلك المحاكمات . الأقلوية
ـ الأحادية ترفض التعددية
المجتمعية(مهما كانت)، ناهيك عن
السياسية، وتملي رغباتها على
الواقع فتشطب، وتتجاوز طبيعة
مرحلة التحرر الوطني والقومي
التي تفرز، رغماً عن كل
القرارات، قوى طبقية وسياسية
تعبّر عن قوى طبقية وغيرها،
وحين تجهز على الآخرين :
اجتثاثاً وتصفيات واعتقالات(لا
مانع من اغتيال الرموز
وملاحقتها داخل وخارج الوطن)،
وتكون قد أحكمت قبضتها على
الشارع وقتلت فيه أبسط مظاهر
التعبير والنقد، أو الاحتجاج..
تلتفت إلى حلفائها من القوى
الطبقية التي أنشأتها، أو التي
تعمّشقت على القطاع العام
وامتصّت دماءه، لتوضيبها
وإخضاعها لصالح قواها بالذات
التي تنتقل من موقع المروّج
والمسهّل والممرر، إلى الشريك
المحاصص(رأس المال هو رصيد
الشخص في موقع المسؤولية)،
فالمحتكر، حين تنتصب ما يشبه
المافيا الأخطبوطية التي لا أبّ
ولا أم ولا قضية ولا محرمات لها
.
إنها عملية إخصاء منهّجة،
شاملة تفرّغ المجتمع من أنويته
الحيّة لتحويله إلى ما يشبه
القطيع المتأرْنب، خصوصاً وأن
انقضاضها على بعض التحولات التي
قامت في مراحل النهوض تحت غطاء
الانفتاح، والخسارة، والعولمة،
والمتغيّرات الدولية ..يُغرق
المجتمع في مستنقع الاستهلاك
النهم، المفتوح، الاستنزافي
بكل علاقاته المادية، وذاتياته
الباحثة عن تأمين مستلزمات وضع
جديد لا يعرف القناعة، كما لا
يعرف تلك الحميمية التي اشتهرت
بها المجتمعات الشرقية،
والعربية بوجه التخصيص . ـ
وثالثاً : فإن مبررات حرق
المراحل تسقط بالضربات القاضية
المتتالية حين تفشل تلك القوى
في إنجاز أيّ من الثورات التي
نادت بها : لا الثورة
الديمقراطية، ولا الوطنية ـ
القومية، ولا الاشتراكية، ولا
ما تدّعيه عن التراكب،
والاشتراكية التي هي شكل من
رأسمالية الدولة المفرّغ من
الحريات الاقتصادية
والاجتماعية، والذي يقوّي
مؤسسة الدولة(الحكم) بالدرجة
الرئيس، مثلما تفشل في تحرير
الأرض والاقتصاد والقرار
السياسي.. فترتكس، وتكوّع،
ويكون ارتكاسها وتكويعها عبر
أطوار مختلفة قد تأخذ مديات
طويلة، تدرّجية، أو على
شكل(ثورات تصحيح)، وحركات
انقضاض، وتوبة.. أو برفع غطاءات
أخرى مثل الخوصصة والشراكة
وغيرها، وتصعد أقليات طبقية إلى
مواقع طفيلية مثقلة بالثروات
المنهوبة، بينما تُسحق الطبقة
الوسطى وتتدحّرج إلى مستويات
دنيا مُحدثة بذلك فراغاً لا
يعوّض(هي التي كانت خزّان
ومنطلق العمل السياسي) . إن جميع
الإنجازات، بما فيها من تضحيات
وكلفة مالية ضخمة.. تبقى معرّضة
للردّة، والنخر، والتقويض ما لم
تكن محمية من الجماهير صاحبة
المصلحة المباشرة فيها، وعبر
مشاركتها الفعلية، وليس من خلال
تلك التنظيمات المركّبة التي
تسيطر عليها أجهزة الأمن وتفرض
فيها القيادات بقوة التخويف
والتزوير والبلطجة . وطالما
أن تلك التجارب متشابهة في
الظروف، والأسلوب، وقواعد
الارتكاز، وأكثر تماثلاً في
الأحادية ورفض التعددية، وفي
مشاركة أصحاب الشأن بالقرار..
فإنها أصبحت مرتعاً للمافيا
الجديدة التي نجحت في تحويلها
إلى أطلال متهدّمة، وقاعاً
صفصفاً تنعق فيه أذرع تلك
المافيا، أو منطلقاً لتكديس
الثروات، والمزيد من تشديد
القبضة على الشعب، وتمريغه في
الحاجة والخوف والتصفيق
والتلفيق . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |