-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 24/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مخالفة الأقوال الأفعال: "الفصام النكد".

أ.د. ناصر احمد سنه*

المتأمل للواقع وأحواله، وأحداثه، وملابساته، وصوره، وعافيته، وشخوصه يجد حالة تبدو سمة غالبة بادية، تبعث علي الأسى والحزن، والدهشة في آن معاً. يجد "فصاما نكداً" بين ما لدي الأمة العربية ألإسلامية من إمكانات كبيرة، معنوية وثقافية وحضارية ومادية.. عقائد وشرائع وشعائر وثقافة وثروة الخ، وبين ما يُمارس ويُنتج علي أرض الواقع خلافا لذلك.

يجد أمة كانت قوية الأركان، راسخة البينان، مهيبة رائدة، لكن باتت: "يوشك أن تداعي الأمم عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها..قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال:" لا، بل أنتم كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن". قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت" (رواه أبو داوود، وفي صحيح أبي داوود للألباني).

يجد "أزمة هوية/ وتوجه/ وإفقار/ وتخلف" بسبب طول احتلال، واستخراب واستغلال واستنزاف واستبداد وإفساد.. معنوي ومادي. يجد عللاً متفشية، وأمراضاً اجتماعية مستعصية، وحقوقاً ضائعة، وظلماً شائعاً، ومشكلات اقتصادية، ومحناً سياسية، ومعضلات إنسانية لا يمكن السكوت علي  تناميها دون حلول شافية ناجعة.

غاض الوفاء وفاض الغدر، واتسعت = مسافة الخُلف بين القول والعمل.

 

   وعلي صعد أخري من العلاقات الثنائية والجماعية.. فكلما قامت بين أثنين ـ رئيس ومرؤوس، مالك ومستأجر، دائن ومدين، عامل وصاحب مصلحة، وإعلامي وجمهور، كاتب وقارئ الخ ـ تغلب مظاهر ومشاهد من مراوغة، وخديعة وغش، وزيف وتزييف، وإيقاع بالأبرياء، الخ مظاهر يقف ورائها فصام نكد بين القول الصائب والعمل الموافق له.

 

أسباب "الفصام النكد"

منذ ظهور الإنسانية ، وقانونها الطبيعي الفطري مفاده أن الإنسان:" مخلوق عاقل، مفكر ناطق بلغة تعبر عما يجول بعقله وفكره ومشاعره، فاعل بجوارحه وأركانه ما عبر عنه لسانه.

ولعل أسباب هذا "الفصام النكد" تعود لشق طبيعي له جذور تكوينية في أصل الإنسان غير المتسامي بتدين صحيح، وخلق وازع،  وإيمان رادع. وشق آخر دخيل علينا وعلي ثقافتنا وحضارتنا بهذا الشكل وبتلكم الصور والأساليب. ولعل في عقودنا الأخيرة نري هذين الجانبين وقد اجتمعا في سفور، فأفسدا وسمما جوانب عدة من حياتنا الاجتماعية والثقافية والسياسية. ولقد تسربا تسرب الأفعى من حجرها لتقتنص فريستها، لكنها لم تعد إليه ثانية، بل عاثت في الأرض فسادا، دونما إحساس بشبع أو خوف من مطاردة عدو أقوي وأشد.

يقول "أحمد أمين": "ومن عجيب المر أن كل شيء في الوجود يعمل وفق طبيعته، ويوافق بين ظاهره وباطنه، وتصدر أعماله منسجمة مع خٍلقته، ويعبر دوما عن جٍبلته، سواء في ذلك الجماد والنبات والحيوان. إلا الإنسان فإنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يخدع، وأن يظهر علي غير طبيعته، وأن يقول غير ما يعتقد وأن يفعل غير ما يقول"(أنظر: ركائز الإيمان بين العقل والقلب، لمحمد الغزالي، 2001، ص 104).

 

من مظاهر هذا الفصام:

لقد خلق الله الإنسان وميزه بنعمة العقل ولكنه ينسى بل ـ أحياناـ يتناسى، وتغلبه دوافع طينته علي سمو روحه . نجده ينسى عيوبه ويتناسى نواقصه، من صفات الكريمة ، بل ويطلب من غيره ما تعجز إرادته عن تحقيقه فى كثير من الجوانب .

لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عـــظيم.

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها =  فـــــإذا انتهت فأنت حــكيم.

                                فهناك يُسمع ما تقول ويُشتفي = بالقول منك وينفع التعليم.

 

والإنسان عامة لا يعبر عن حقيقته دائما، فكما أن شجرة التفاح تعطي تفاحا لا حنظلاً، وكما أن الحديد والنحاس لهما خصائصهما المميزة عن بعضهما البعض، وكما أن البقر والخيل إذا ما جاعوا طعموا ، وإذا ما ظمئوا شربوا، وإذا ما تلاقحوا أمسكوا ـ دون خيانةـ حتى يلدن وليدهن.

أما ألإنسان فهو الوحيد الذي لديه القدرة علي أن يعبر عن جوعه وهو متخم، وعن حبه وهو كاره، وعن فقره وهو غني، عن وفائه وهو خائن، وعن إخلاصه وهو مُبغض، وعن حبه للاشتراكية وهو رأسمالي جشع مستغل، وعن نهوضه بتبعات المسئوليات العامة، سياسية واجتماعية وثقافية وتعليمية وإعلامية، وهو غاش، كاذب، ظالم، عميل، مستبد، متربح، فاسد، خائن، مُزور، مُزيف الخ", وتري سياسيين، وما أكثرهم، يكذبون الناس ويخدعونهم، وتخالف أقوالهم أفعالهم، حتى كأن السياسة قد ارتبطت بهذه السلوكيات، فبات علماً لها. ذلك المر الذي دعا الأمام "محمد عبده" لأن يعلن لفظ: "ساس، يسوس، سياسة". يقول الله تعالي: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، َإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد") البقرة:204-   205).

مع أنه علي المستوي البسيط فضلا عن الكبير المعقد، تجد الفكر واليدين تتعاونان تعاونا عجيبا ويستجيب كل منهما للآخر عند إصلاح عطب في جهاز ما، أو عند تنسيق حديقة، أو عند صنع لوحة، أو نظم قصيدة أو أنشاء خطاب عائلي الخ. ومع كل هذا فثمة من يتدخل تدخلا "إراديا" سافرا في هذا التعاون والتناسق الطبيعي العجيب بين ملكات الإنسان، لتجد ما تجد، وليسفر عما يسفر من "فصام نكد" بين الأقوال والأفعال في كثير من المواقف التي يقف خلفها "دوافع/ أهواء/ أغراض/ التواءات" شتي غير تلك التي تقف خلف إصلاح جهاز، أو تنسيق حديقة، أو صنع لوحة، أو نظم قصيدة أو أنشاء خطاب عائلي الخ.

 

شق آخر دخيل:

لقد كان الأقدمون من اليونان والرومان، يُفرقون بين المفكرين/ المنظرين/ الفلاسفة الذين يستخدمون (يقولون) بألسنتهم تعبيرا عما يجول بعقولهم ورؤوسهم، بين هؤلاء العاملين الذين (يفعلون) بأيديهم (كأنما لا يستخدمون عقولهم) من عمال وحرفيين وصناع وزراع الخ. حتى باتت تلكم الفئة الأخيرةـ أشخاص وأعمال وحرف وصناعات ـ دون الأولي ..مرتبة وحظوة، ومكانة ومكاناً.

فوفق هذا التقسيم، وعلي سبيل التمثيل..لم تنل "حرفة ومهارة وفن الجراحة" مكانها ومكانتها إلا في عقود متأخرة، وتركت ـ كونها عمل يدوي ـ للسُوقة (الحلاقين)، مقارنة بـ (الأطباء) الذين ينظرون ويتأملون ويفكرون في أساب المرض وفلسفته، نظرة هنا وأخري هناك إلي الضوء والحرارة والفلك وحركة الكواكب والأفلاك (لعل من هنا تم اشتقاق لفظة: طبيب/ Physician ، والتي تعود إلي الفيزياء/ physics).

هذا التصنيف والتمايز بين أصحاب (الأقوال) وبين أرباب (الأفعال) تجده واضحاً باديا جلياً في "جمهورية أفلاطون"، وغيرها من مصنفاتهم التي..انفتحت وتعرفت وتعارفت وامتزجت بها ثقافتنا العربية ألإسلامية مع باقي الثقافات الأخرى أيام التوسع وانتشار أشعة الحضارة العربية الإسلامية. فنشأ علم بعينه وغاية في ذاته، هو"علم الكلام". فالفكر بلا عمل مناقشات عقيمة، وشقشقة فارغة، وثنائية عقيم بين "النظرية والتطبيق/ المنهاج والممارسة"، وألعاب بهلوانية لا تسمن ولا تغني من جوع. فقوة الفكرة وصدقها وأيمان بها، تكمن في تحويلها إلي عمل مثمر، وواقع ملموس، وأثر باق.

المتأمل في حضاراتنا العربية الإسلامية، وفي ديوان أدبها.. شعراً، ونثراً، وتواصلها.. شفاهة وكتابة، لا يجد عن ـ فيما قبل الإسلام وبعده بعقودـ هذا ملامح هذا "الفصام النكد" سافراً بادياً. لقد كان غالب أحوالهم هو الإدراك الكبير لما للكلمة من أثر وتبعات إذا ما قيلت أو أُعلنت.. وعدا أو حباً، حربا أو سلما، وفاء أو عداء، إيماناً أو كفراً.

ولعل أبلغ مثال علي ذلك ـ وهو مثال يبعث الدهشة والعجب إذا ما قورن بأحوالنا اليوم، وشقشقة كثيرين بكلمات دون تحمل تبعاتها، والنهوض بمسئولياتهاـ هو إحجام كثير من رجالات قريش عن قول كلمة التوحيد " لا إله إلا الله" حتى مع ضمان الرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم لهم إذا قالوها بالفلاح. بل لقد شنوا حروبا وأسالوا دماء، في سبيل التمسك بـ"أقوالهم ومعتقداتهم" والتي عرف كثير منهم فيما بعد أنه كانت باطلة، وثابوا إلي رشدهم فكان "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام" عندما فقهوا الأمر.

لكن علي جانب آخر.. لقد بدا "نفاق" نفر من أهل المدينة، وعلي رأسهم "عبد الله بن أبي بن سلول" واضحاًً جلياً لما أدركوا أن "مكانتهم/ وتاجهم/ وزعامتهم الدنيوية"، و"سلطتهم/ ونفوذهم/ وسلطانهم المادي" قد أضمحل بجوار "هذا الدين الجديد/ الإسلام " وما أحدثه من تغيير شامل علي كافة الصعد العقدية والإيمانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فكان من هؤلاء النفر ما كان، وقد فضح القرآن شأنهم من إظهارهم خلاف ما يبطنون، وحقدهم واستعلائهم، وبثهم الدسائس، وتحالفاتهم المشبوهة، وخذلانهم وتخذيليهم، ونخرهم كالسوس في بنيان المجتمع المسلم.

 

ما المطلوب من الإنسان؟

لقد كرمّ الخالق عز وجل، الإنسان وأمره بالصدق والأمانة والعدل، والوفاء، والبيان والتبيان، وعدم الكتمان، ونهاه عن الكذب والغش والغدر والخيانة والنفاق. يقول تعالي:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون" (الصف:2- 3).

للكلمة جمال، وللفكرة جلال، وهما ليسا مدادا يُنثر علي ورق، وزفرات من هواء تنطلق.

بل إن لهما لمسئولية وتبعات، وتطبيق وتوجيهات ومواجهات، وصدق وإخلاص وتضحيات.

قد يقول قائل : نظن أحيانا أننا نكتب لغير ما قارئ، فهل نترك القول/ الكتابة؟ ؟ لكن تفاجأ ـ أن أقوالك وكلماتك المخلصة المتوافقة، قد نبتت وأينعت وأثمرت من حيث لم تحتسب مكانا وزمانا، وأثرا وتأثيرا.

"إن الرائد لا يكذب أهله"، فكم من رواد يكذبون ويخدعون ويغشون ويزورون ويرتكبون "جرائم/ ذنوبا / معاصي حضارية" ولا يطرف لهم جفن.

لمَ قول الخير والحث عليه، مع عدم فعله؟، ونه عن الشر، مع الاتصاف به‏.‏ إن الأقوال.. موعظة وتذكيراً لن تبلغ أثرها المنشود دون اقترانها بالعمل من لدن قائليها، وضربهم المثل العملي .. ك قدوة بارزة مبادرة فيما يقولون ويعظون. إنه لوعيد شديد لمن يأمر بمعروف، ولا يأتيه، وينه عن منكر ويأتيه، قال تعالى‏:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}‏، ‏فهل هذه حالة تليق بمؤمنين‏؟‏. لقد كبر مقتاً عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل‏؟ يقول شعيب عليه السلام لقومه:  "و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".‏  قال احد الحكماء :أفسد الناس جاهل ناسك، وعالم فاجر، هذا يدعو الناس إلى جهله بنسكه وهذا ينفر الناس عن علمه بفسقه.

كما أن العالـم الذي لا يعـمل بعـلمه مثـله كمثـل المـصـبـاح، يضيء للناس بينما هو يحـرق نـفـسه. وهو إذا حث على التحلي بفضيلة وهو عاطل منها، أو أمر بالتخلي عن نقيصة وهو ملوث بها لا يقابل قوله إلا بالرد، و لا يعامل إلا بالإعراض و الإهمال بل وسيكون موضع حيره للبسطاء، ومحل سخرية للعقلاء، فسيُسخر منه، ويُستهزئ به، ويتهم فى دينه وعلمه وورعه.

يروي عن "أسامة بن زيد" رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".( رواه مسلم..تندلق أقتابه: تخرج أمعاؤه).

فالحذر الحذر..من مخالفة الأقوال الأعمال. وحذار أن يكون النصح باللسان والقول دون الجنان والعمل .فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: إن أوَّل من تُسعر بهم النار يوم القيامة: "... ورجلٌ تعلّم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها ، قال: فما عملت فيها ؟ قال : تعلَّمتُ العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ولكنك تعلّمت العلم ليقال : إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النَّار" (رواه مسلم، والترمذى والنسائي).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم :( رأيت ليلة أسري بي رجالاً تُقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون" (أخرجه أحمد 3/120 ، وصححه الألباني). وعند البيهقي : (أتيت ليلة أُسري بي على قوم تُقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلما قرضت وفت ، فقلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به )رواه البيهقي في "شعب الإيمان"وحسنه الألباني في صحيح الجام). وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه)"رواه الطبرانى بإسناد حسن). وعن عمران بن حصين رضى الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام: "أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان"(رواه الطبراني في الكبير والبزار). فيجب على كل من يعظ الغير أن يتعظ هو أولاً ثم يعظ ، ويُبصر ثم يُبصّر، ويهتدى ثم يهدى غيره ولا يكون دفتراً يفيد ولا يستفيد ، وأن يكون كالمسك يطيب غيره وهو طيب فى نفسه، وأن لا يناقض مقاله بفعله، ولا يكذّب لسانه بحاله.

 

في الختام:

كل شيء هو نفسه إلا الإنسان كثيرا ما يكون غير نفسه، حتى بات الظن أن اللغة لم تخترع للتعبير الصادق عن النفس بل لإخفاء ما فيها والتمويه علي الناس حتى لا يدركوا حقيقة ما فيها. إن دنيا الأقوال المخالفة للأعمال هي سبب قُرح المعدات، وانتشار الحوادث المشاجرات،  وشيوع الانهيارات العصبية والعائلية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ويبقي أن الإنسان/ المجتمعات / الأمم بما أودعت من "هداية النجدين"، و"حرية الاختيار" هي محل "المسئولية/ والمسائلة" والحساب الدنيوي والاجتماعي والسياسي، وكذلك الأخروي. إن هؤلاء النفر من الرسل والأنبياء ومن نهج نهجهم من الشهداء والصديقين والصالحين والمًصلحين  والمؤمنين المخلصين، والمجتمعات والأمم الصالحة المُصلحة هم الذين ضربوا المثل والأنموذج الحيّ الأقتدائي التنفيذي العملي لمطابقة الأقوال للأفعال. 

 

صفوة القول: إن دنيا الأقوال المخالفة للأفعال، هي داء وديدن حياة الأمم المترنحة/ الهزيلة/ المتخلفة التي ليس لها في ميزان الأمم ثقل. إننا لن تقوم لنا قائمة طالما تم شيوع انتهاج سبيل هذين الأمرين، الأقوال والأفعال/ النظرية والتطبيق/ السياسات والتنفيذ/ الظاهر والباطن/ حركات اللسان وأفعال الأبدان، علي أنهما ضدين/ مرنين، متوازيان/ لا يجتمعان. إن إلغاء ذلكم الفصام النكد وتلكم الثنائية لمطلب ملح كي تخرج الأمة/ الشخصية العربية المسلمة من تمزقاتها وتشطيرها ومعاناتها من اجل نهوض حقيقي، وصحوة راشدة فاعلة، ومسئولية أخلاقية وإنسانية وحضارية، وريادة رسالية مؤثرة. أن رفعة ومكان ومكانة هذه الأمة وشخوصها، فرادي وجماعات، مرهون بتوجهها.. قلبا وقالبا، جوهرا ومظهراً، لله تعالي.. نية وإخلاصاً وتوافقا من شرعه تعالي ..قرآناً وسنة، عاملة بالخير داعية إليه، مجانبة للشر، ناهية عنه. وإذا فعلت ذلك فقد نأت بنفسها عن ذلكم الفصام النكد، وتوحدت شخصيتها، وسكنت نفسها، وتجاوزت أزماتها ومشكلاتها، وحازت مكانها اللائق، مكانتها الرفيعة، وريادتها المُستحقة.

ـــــــــــــ

بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه .. كاتب وأكاديمي من مصر

nasenna62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ