-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نواقص
المشاركة السياسية للحركات
الإسلامية العربية عمرو
حمزاوي * منذ
أيام قليلة أنهينا، زميلي ناثان
براون أستاذ الشرق الأوسط
بجامعة جورج واشنطن الأميركية
وأنا، مخطوطة كتاب سيصدر قريباً
عن مؤسسة كارنيغي ومعهد
الولايات المتحدة للسلام،
يتناول حدود وتداعيات مشاركة
الأحزاب والحركات الإسلامية في
السياسة العربية. وتأسيساً على
دراسات ميدانية لمشاركة
الإسلاميين في المغرب ومصر
والأردن وفلسطين واليمن
والكويت، مع التركيز بوجه خاص
على نشاطهم الانتخابي وفعلهم
البرلماني، توصلنا إلى
الخلاصات التالية: 1- ما
عدا حركة «حماس»، لم يسع أي من
الأحزاب والحركات الإسلامية
إلى الحصول على غالبية
برلمانية. لا بل حتى «حماس»
نفسها أظهرت بعد انتخابات 2006
التشريعية دلائل على أنها لم
تُمعن التفكير كثيراً بإمكانية
فوزها بالانتخابات وتداعياته
الممكنة. ومن ثم، يمكن القول إن
الإسلاميين ومع أنهم سعوا إلى
خوض غمار الانتخابات بانتظام،
إلا أنهم جهدوا عمداً لتجنّب
الوصول إلى الحكم أو أنهم
توقعوا في أحسن الأحوال
المشاركة في ائتلاف ما. إن تواضع
أهداف الإسلاميين من المشاركة
انبثق لا من تواضع رؤاهم
وبرامجهم، بل من قراءة مُعمّقة
لحقيقتين أساسيتين في البيئة
السياسية السائدة في معظم
البلدان العربية: الحقيقة
الأولى هي أن البرلمانات
العربية تظل في الجوهر
والممارسة غير ديموقراطية
ومحدودة الفاعلية. فمعظم
البرلمانات خاضع لسيطرة حزب
الحكومة أو هو مكون من مجموعة من
الأحزاب المبعثرة والشخصيات
المستقلة، العديد منها يعد
مُستلحقاً من قِبَل الدولة. هذا
علاوة على أن هذه البرلمانات
نادراً ما تمارس صلاحياتها
الاسمية في مجال التشريع
والرقابة على الحكومة وهيئاتها
التنفيذية. أما الحقيقة الثانية
فمفادها أن أنظمة الحكم القائمة
وإن كانت تفضل مناورة خصومها
الإسلاميين سياسياً على قمعهم
كلياً، إلا أنها ترى فيهم
المعارضات الأكثر خطراً
والأقدر على تهديد استقرار
الانظمة وبالتالي تعمد، من خلال
أجهزتها الأمنية، إلى إظهار وجه
أقل رقة وأكثر وحشية إذا ذهبت
الأحزاب والحركات الإسلامية
بعيداً في عرض قوتها التنظيمية
والقبول الشعبي بها. 2- بيد
أن واقعية قراءة الإسلاميين
للبيئة السياسية وتواضع
أهدافهم لم يرتبا بأي حال من
الأحوال تقدماً مطرداً
لأحزابهم وحركاتهم. فالمشاركة
في الانتخابات وكذلك العمل
البرلماني أفرزا أقل بكثير مما
كان يأمل القادة والأنصار. على
سبيل المثال، شكّلت جماعة «الإخوان
المسلمين» المصرية بعد
انتخابات 2005 التشريعية أفضل كتل
المعارضة مهنية وتماسكاً
وانتظاماً في التاريخ
البرلماني لمصر، لكنها لم تحقق
سوى حفنة ضئيلة للغاية من
المنجزات البرلمانية طوال
الأعوام الخمس الماضية. كذلك،
أُبقي حزب «العدالة والتنمية»
المغربي خارج جنّة الحكومة،
ووجد حزب جبهة «العمل الإسلامي»
الأردني قوته التمثيلية في
البرلمان تنكمش تدريجياً
ووحدته الداخلية تتعرّض لخطر
التفكك. أما «حماس» فظلت غير
قادرة على استخدام غالبيتها
البرلمانية لأكثر من إدارة
حكومة السلطة الفلسطينية لمدة
عام واحد. وبينما غابت الفاعلية
عن أداء الحركة الدستورية
الإسلامية الكويتية في
البرلمان وتعرضت لخسائر
انتخابية متتالية، اكتشف «التجمع
اليمني للإصلاح» أن المعارضة في
نظام سلطوي لا توفّر سوى ظلال من
السلطة إذا قورنت بالاصطفاف مع
الحكومة ودعمها. 3- هل
يعني ذلك أن المشاركة في
البرلمانات العربية لا تعدو أن
تكون سوى جهد وممارسة عقيمين لا
قيمة لهما؟ وكيف تُقيّم الأحزاب
والحركات الإسلامية تجاربها؟
ولماذا تستمر في الانخراط
الانتخابي والعمل البرلماني؟
الحقيقة أن إسلاميي العالم
العربي يقدمون في معرض شرح
وتبرير دوافع ومحفزات المشاركة
على معضلاتها مقولات جديرة
بالرصد والأخذ في الاعتبار. فهم
يذهبون، أولاً، إلى أن الحملات
الانتخابية تُوفّر لهم الفرصة
للتواصل مع جمهور أوسع واطلاعه
على رسالتهم الدينية
والإصلاحية المجتمعية
والسياسية، وهي بذلك تمكنهم من
توسيع رقعة ناخبيهم المحتملين.
وحين يتمكن الإسلاميون من
انتزاع بعض المقاعد البرلمانية
أو من التواجد على مستوى
المحليات والبلديات، يحتمون
بحصانة هذه المواقع القانونية
لإدارة نشاط جماهيري مكثف في
الداخل والتواصل مع مؤسسات
حكومية وغير حكومية في الخارج
(برع هنا على وجه الخصوص نواب
حزب «العدالة والتنمية»
المغربي وجماعة «الإخوان»
المصرية خلال الأعوام الماضية).
فالمقاعد البرلمانية، وبدرجة
أقل مقاعد المحليات والبلديات،
ترتب تغطية إعلامية أكبر وحرية
سفر أوسع وضمانات رسمية وقدرة
على اقتراح مشاريع القوانين
ومساءلة الحكومة على نحو يتسق
مع برامج الإسلاميين المجتمعية
والسياسية. يشدد
الإسلاميون، ثانياً، على أن
المشاركة في الانتخابات
والبرلمانات تسمح لهم بتقديم
أحزابهم وحركاتهم الى الرأي
العام في الداخل والخارج على
أنها تمتلك جماهيرية حقيقية
وقواعد انتخابية ثابتة. صحيح أن
المعارضات غير الدينية للأنظمة
القائمة، أحزاباً وحركات
وشبكات نشطاء، تستطيع إصدار
بيانات التنديد القوية بسياسات
الحكام وممارسات الحكومات، إلا
أن قلة منها، عدا الإسلاميين،
قادرة على إثبات أن بياناتها
هذه لها قوة إقناعية مجتمعية
وسياسية خارج إطار الندوات
المغلقة والصالونات الثقافية.
وبصفة عامة وإذا ما نحينا
جانباً الإستراتيجيات والأدوات
التي توظفها الأحزاب الحاكمة
لضمان الفوز بالانتخابات، فان
الانتخابات تكافئ دوماً تلك
القوى القادرة على الفعل
الجماهيري والتنظيمي المستقر،
وهذا ما جعلها، أي الانتخابات،
حلبة مفضّلة لفعل وتعبئة
الإسلاميين. ثالثاً،
كثيراً ما يتحدث الإسلاميون عن
المشاركة في الانتخابات
والبرلمانات بوصفها واجباً،
شرعياً ومجتمعياً، أكثر منها
فرصة. فالمقاربة الإسلامية
الكلاسيكية تستند إلى فرضية
بسيطة مؤداها أن أنظمة الحكم
القائمة غير قادرة أو غير راغبة
في السعي إلى تحقيق الصالح
العام والتغلب على الأزمات
الاقتصادية والاجتماعية
المزمنة، ولذا تتحوّل
المجتمعات إلى «البديل
الإسلامي» مُتوقعة أن تقودها
أحزاب وحركات «نقية» إلى حلول
أفضل. ثم يتأسس على الفرضية هذه
قناعة وتشديد، قناعة بأن
الإسلاميين يشاركون سياسياً
كتعبير عن الإرادة الشعبية وليس
بدافع من طموحاتهم الذاتية،
وتشديد على أن تخليهم عن العمل
السياسي والعمل العام قد يبث
روح اليأس الهدامة في المجتمع
ويشجع على الاستسلام للأنظمة
السلطوية القائمة. رابعاً،
تركز الأحزاب والحركات
الإسلامية في دفاعها عن
المشاركة الانتخابية
والبرلمانية على كونها تقدم
فرصاً لتطوير نوع جديد من
المهارات السياسية وصقلها. فمنذ
القرن الماضي، تعلّم
الإسلاميون كيفية تنظيم
أعضائهم وتثقيف أنصارهم ودعم
الفقراء وتوفير العناية الصحية
وغيرها من الخدمات الاجتماعية
ودعم القضايا الإسلامية
العالمية. بيد أن الانتخابات
تتطلب مهارات مغايرة: تنظيم
الحملات الانتخابية وإطلاق
الشعارات، صياغة البرامج
الانتخابية والدعاية لها،
التعبئة الشعبية، مراقبة
العملية الانتخابية والتدقيق
في آليات فرز الأصوات. كما أن
العمل البرلماني يقتضي امتلاك
القدرة على التعمق باحترافية في
قضايا السياسات العامة وصياغة
مشاريع القوانين وتوظيف
الأدوات الرقابية المتاحة
لمساءلة الحكومة وغيرها. إضافة
إلى ذلك، فإن كلاً من
الانتخابات والبرلمانات تحفز
الإسلاميين على النظر في
إمكانات العمل والتنسيق مع
القوى السياسية الأخرى وتشكيل
التحالفات وتطوير البرامج
السياسية التوافقية. والحال أن
الأحزاب والحركات الإسلامية
التي تشارك بانتظام وكثافة
تُغني خبرتها وتُطوّر
إستراتيجيات وأدوات جديدة
للسعي إلى تحقيق أجندتها
الدينية والإصلاحية للمجتمع
والسياسة. 4- إن
كان هذا هو ما يسعى الإسلاميون
إلى تحقيقه من خلال المشاركة
الانتخابية والبرلمانية:
التخاطب مع جماهير وناخبين
محتملين جدد وإظهار قوّتهم
المجتمعية والاستجابة لواجب
الإصلاح واكتساب مهارات سياسية
جديدة، فما الذي أنتجه فعلهم في
العقود القليلة الماضية؟ لقد
تم، ومن دون أدنى شكّ، تحقيق هدف
توسيع رقعة الجمهور المخاطب،
واليوم يجد الإسلاميون أنفسهم
أكثر قدرة وبراعة في التواصل لا
مع أنصارهم وحسب، بل أيضاً مع
علمانيين مشككين ومواطنين
عازفين عن السياسة إلا فيما ندر
وديبلوماسيين وباحثين أجانب.
كذلك أظهرت الأحزاب والحركات
الإسلامية قوتها المجتمعية،
وإن بثمن باهظ للغاية. ففي مصر،
أعقبت انتخابات 2005 موجة من
القمع ضد جماعة «الإخوان»
مستمرة إلى اليوم، بينما يظلّ
حزب «العدالة والتنمية»
المغربي منبوذاً في ما يتعلّق
بإمكانات المشاركة في الائتلاف
الحاكم، وتعاني «جبهة العمل
الإسلامي» في الأردن من شيوع
نظرة حكومية تختزلها في خطر
أمني يستدعي المواجهة. أما «حماس»
فتتعالى في داخلها أصداء أصوات
ترى أن الحركة دفعت ثمناً
باهظاً جداً لفوزها في انتخابات
2006 التشريعية. نجح الإسلاميون
أيضاً في اكتساب مهارات سياسية
وتحسين أدائهم الانتخابي
والبرلماني باطراد، إلا أنهم لم
يجنوا ثمار هذا النجاح إلا
نادراً نظراً الى تلاعب الأنظمة
القائمة بنتائج الانتخابات
وتهافت حصاد فعل الإسلاميين
البرلماني قياساً بتأثيرهم على
القوانين المجازة والسياسات
العامة المعتمدة. أخيراً، أخفق
الإسلاميون بوضوح لجهة
الاستجابة للإرادة الشعبية،
كما يفسرونها هم، بدفع الإصلاح
المجتمعي والسياسي قدماً، بل
تراجعت الفرص الفعلية للإصلاح
على وقع مشاركتهم في الانتخابات
والبرلمانات في بعض الدول
العربية وما صاحبها من تصاعد في
حدة الصراعات بينهم وبين
الأنظمة. ــــــــ *
أكاديمي مصري. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |